بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

بداية رياح اللعنة في شمال العراق

 

 

شبكة المنصور

المقاتل الدكتور محمود عزام

 

 مرة اخرى تنبعث نار شديدة من تحت رماد العراق ..العراق الذي لازال يرزح تحت ناري الاحتلال والسلطة التي تدعي انها تمثل ( كل الشعب ) ..وهذه المرة النار ليست نار نوروز في جبال شمال العراق..انها نار يتطاير لهيبها بكل الاتجاهات ..وثمة اطراف عديدة تتقاسم مسؤولية مايجري من تصعيد هناك ..وهذه الاطراف هي :

1.    حزب العمال الكردستاني ..الذي يرى طموحاته لازالت ترزح تحت ثقل (الامة التركية ) في وقت اصبحت ( الدولة الكردية في العراق ) على مرمى البصر..وفي وقت تمر كافة الاستثمارات التركية الى شمال العراق من خلال الارض الكردية في تركيا..وتتكاثر هذه الاستثمارات وتنمو مع ( الاخوة في القومية ..قيادات الاكراد هناك! ).انه يحتاج لاثبات وجوده في ظل ظروف دولية واقليمية ( تبدو) مواتية اكثر من اي وقت مضى.

2.     قوة المؤسسة العسكرية التركية التي بدأت تلوح في الافق بوادر فقدانها لسيطرتها الدائمة على الحياة السياسية والمدنية في تركيا وتعاظم دور معارضيها في الداخل وخاصة حزب العدالة والتنمية التركي ورغبته بتعديل الدستور الذي فرضه الجيش عام 1982. انها تحتاج الى صراع جديد يفرض وجودها .

3.     امريكا وسياسة اللعب على الحبال فهي الدولة المحتلة للعراق وتتنصل من مسؤوليتها في  تعاظم دور حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ..وفي الوقت الذي تندد فيه بما يقوم به هذا الحزب من جهة  ..فهي من جهة اخرى تمنع تركيا من حماية امنها ومصالحها من خلال شن عملية عسكرية واسعة ضد هذا الحزب.

4.     التلويح بمشكلة التصفية العثمانية للارمن عام 1915م كورقة ضغط  على الجانب التركي كجزء من سياسة اللعبة الامريكية ومسك العصا من عدة مكانات.لقد قادت هذه الهجمة  مجموعة الضغط اليهودية الأميركية "إيباك"، حيث اكدت ان المذابح الأرمينية كانت "حرب إبادة" بالفعل. هذه كانت المرة الأولى التي يدير فيها يهود أميركا ظهورهم لتركيا، التي يعتبرونها أهم حليف إستراتيجي لإسرائيل في الشرق الأوسط، وأول دولة إسلامية تعترف بهذه الأخيرة بعد نشوئها.وهنا يدخل عامل آخر..

5.     وهو الدور الاسرائيلي ..والسؤال هل ان هنالك علاقة  بين  مايجري التخطيط اليه في آسيا الوسطى- القوقاز والمناطق الأكثر قرباً من روسيا وجمهورية أرمينيا وجورجيا وإيران في صراعها مع تركيا وأذربيجان حول إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه ..ام ان هنالك عوامل اخرى مؤثرة على سفينة العلاقات الامريكية التركية التي تسير في بحر تتلاطمه الامواج من كل جانب وفي وقت تدنت فيه شعبية بوش والسياسة الامريكية  في تركيا الى نسبة كبيرة لا تقل عنها سوى دولة فلسطين!  

6.     الدور الايراني المريب والذي يكاد يظهر دائما اينما ظهر (المارد الامريكي )..وماتلعبه ايران في دعم الاكراد في شمال العراق من جهة وبين معارضتها لاقامة الدولة الكردية من جهة اخرى وفي نفس الوقت الذي تفتح كل عينيها على العراق وتشجيعها لفيدرالية الوسط والجنوب.

7.     سلطة مايسمى (باقليم كردستان) التي لا تعرف ماذا تفعل في وقت تريد فيه ( الكثير) ..فالبرزاني يطرح نفسه بطلا قوميا للاكراد ..وفي الوقت الذي حمل السلاح ضد السلطة العراقية قرون من الزمن  فهو في نفس الوقت مطلوب منه ان يندد بالحركة المسلحة لحزب العمال الكردستاني ويدعوها لالقاء السلاح..وعليه ان يغازل الامريكان ..ويتعامل مع الحكومة العراقية في بغداد بوجهين ..وجه المستقل الذي لايتلقى الاوامر منها ..ووجه آخر يطلب مساعدتها لحمايتهم من اجتياح تركي وشيك.

8.     الحكومة  العراقية داخل المنطقة الخضراء والتي لا تعي أوتفهم ما توعد  وما تتكلم به ..

-         الحكومة تقول انها المسؤولة عن امن العراق وحمايته..وهي لاتستطيع حماية نفسها داخل المنطقة الخضراء فكيف تستطيع حماية نفسها خارجها لكي تتمكن من حماية بغداد او المحافظات ومنها كردستان ؟

-         في الوقت الذي يصرح فيه مستشار رئيس الوزراء بان القيادة الكردية تتذكر بالحكومة المركزية عندما تحتاجها فقط..ويقابله المتحدث باسم (حكومة الاقليم ) بان هذا الكلام مرفوض ويحتاج الى توضيح من رئيس الوزراء ..يبقى زعماء السلطة في الشمال وفي بغداد بعيدين عن هذه المهاترات ..لانهم يعرفون ان الحل ليس بيدهم! وعليهم استشارة الاب الكبير في كل خطوة صغيرة كانت ام كبيرة!

-         وعندما يتجشم وفد ( عالي المستوى ) من الحكومة العراقية السفر الى انقرة لطرح مبادرة الحل ..ترفض القيادة التركية استقبال الاكراد في الوفد وتفشل المباحثات ..يصرح البرزاني ان الحل يكمن في المحادثات المباشرة بين تركيا و (سلطة الاقليم )!

-         وترفض تركيا اجراء هذه المباحثات المباشرة ..وينعقد مؤتمر اسطانبول ليقر تأكيد  كافة الدول المشاركة على (عدم جواز جعل العراق منطلقا لتصدير الارهاب لدول الجوار) ..وهكذا انقلب المؤتمر من غاية نصرة العراق الى التفويض المبطن لاجتياح الشمال العراقي بمباركة رئيس الوزراء المالكي الذي لايهتم من فشل مبعوثيه وتصريحات الجانب التركي من انهم ( لايحملون شيئا جديا) ..فماهي الجدية التي ذهب بها المالكي ..وهل حان الآن فصل تصفية الحسابات مع آخر الحلفاء!!وهل ان الضربة التركية ستقتص فقط من وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني ام من ( الانجازات الديمقراطية للأقليم !!) كما صرح بذلك البرزاني ..

 

انها واحدة من نتاجات نضال المقاومة العراقية البطلة ومكوناتها الاساسية الخبيرة في المواجهة والتصدي وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي ..مرة اخرى يهتم المطبخ الامريكي بفعالية جديدة  تعزز وجوده وتخفي عيوبه وتلفت الانظار عن اخفاقاته وهزيمته في الميدان العراقي الزاخر بجثث جنوده وأشلاء آلياته ودباباته المهانة .. انه الان يبحث عن قوة اقليمية جديدة ومؤثرة في الواقع العراقي  وهي الوجود التركي على الرغم من ايمان الشعب التركي الكامل ببطلان غزوه لافغانستان وللعراق ورفضه السماح للقوات الغازية بالدخول من الاراضي التركية ..هذا الموقف الذي يريد المزورون والسراق والخونة والجواسيس حكام العراق اليوم ان لايعيدون التذكير به حنقا وغيضا ..

امريكا اليوم تريد من تركيا ان تلعب دورا اساسيا في الموقف العراقي..

-         تريدها  ان تردع ايران وان لاتسمح لها بمليء الفراغ بعد خروج القوات الامريكية..

-         وعلى تركيا ان تتذكر ان هنالك (تيارات  هواء مزعجة ) دائمة  من جهة العراق..

-         وان على تركيا ان تتذكر انها جزء من اي خارطة جديدة في المنطقة ..

-         وانها يجب ان تكون مستعدة لأن تلعب هذا الدور عندما يحين الوقت..

-         وان الدور الجديد التركي يقابله ثمن باهض ..في الداخل التركي ..وفي العراق ..في كركوك!!..

اذا ..يبقى هاجس مغادرة العراق هو العامل المحرك للسيناريوهات الامريكية ..وفي ظروف صعبة في العراق ..من تزايد دور المقاومة والتحول النوعي في ضرباتها ..وتوحدها ..وتدهور معنويات القادة العسكريين الامريكان قبل جنودهم ..وتنامي الشعور الوطني المعارض للمحتل وأذنابه ..كل هذا سيجعل ثمن هذا الانسحاب غاليا ..وفي فاتورة واجبة التسديد..

ويبقى العراق حاضرا في كل نزاع ..لأنه شاغل الدنيا ..ورجاله هم الذين صنعوا التأريخ ..فكيف لا يعيدون صياغته اليوم..

والله اكبر ..

mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاثنين /  25 شــــوال 1428 هـ  الموافق  05 / تشــريــن الثاني / 2007 م