بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

المهمة الوطنية العراقية ومثلث المهام التدميرية

 

 

شبكة المنصور

الدكتور محمود عزام

 

بعد مسرحية او احداث 11 سبتمبر ظهرت ملامح جديدة في سياسة الولايات المتحدة باستهداف الارهاب في كل مكان في العالم ..وهكذا ظهرت بوادر مهمة جديدة للامريكان ..مهمة أقل مايوصف عنها انها ( ديناميكية ) قابلة للتغيير والتعديل والاضافة والتطوير في الاتجاه والزخم والاسلوب ..انها (المهمة المظلة) التي تحمي كل الافعال المشروعة وغير المشروعة..الهجومية منها والدفاعية ..مهمة لا يوجد اعتبار فيها للاخلاق..ولا للزمن ..ولا للمكان وانطلاقا من مبدأ ( أمن الولايات المتحدة قبل كل شيء).. وحيث ان الاسلوب الامريكي في معالجة اي حالة يتميز أيضا بالديناميكية..لذلك هم مولعون ليس فقط في الافلام السينمائية  باختلاق الحالة ..أي حالة ..ثم صياغة اسباب لها.. والدوران حولها ..ايجاد مبررات لنشوءها ..تبني ستراتيجية ديناميكية متغيرة للحل ..تهيأة الرأي العام للمرحلة الاولى ..اجبارهم على تفهم وتقبل ثم الدفاع عن وجهة النظر هذه ..السعي لتحقيق الهدف ضمن هذا السيناريو ..زرع العديد من الخيارات المحتملة ليتم تعديل الهدف والاسلوب والخطة بموجبها ..

 وقد انطبق هذا الاسلوب في الكثير من معارك الولايات المتحدة السياسية والعسكرية وعندما وضعوا العراق في ساحة الاهتمام بعد خروجه من القادسية قويا ومعدا ومدربا ومنتصرا بصده الموجة الصفراء وتحجيمها ودفاعه عن كل المنطقة ..تسارعت الاحداث لتنتهي بدخول الجيش العراقي الى الكويت والدعوة المباشرة للقوات الامريكية بالقدوم للمنطقة وبداية ام المعارك وبداية الحصار الاقتصادي والعلمي والنفطي والانساني على العراق بغية انهاكه وصياغة جانب متجدد من المهمة الامريكية في المنطقة وبالاخص العراق الذي ضرب اسرائيل بالصواريخ.

وانتقلت ثعابين الشر من الجواسيس والخونة والمتآمرين ومن تلك التي كانت تقاتل مع الايرانيين في القادسية والمسؤولة عن قتل وتعذيب آلاف الاسرى العراقيين أو اولائك الذين يتسكعون في أزقة لندن والسويد ودمشق ..للتنسيق مع المخابرات الامريكية والبريطانية من أجل ( تحرير العراق ! ).

وقبل هذا وذاك كانت  الولايات المتحدة التي انفردت بزعامة العالم قد أوجدت ملامح مهمة جديدة لها.. حيث طرحت الطريقة الامريكية نظريات المعالجة ( للحالة العراقية ) وفق ستراتيجية متغيرة تبنت اهداف متسلسلة ابتداءا من:

-      ( ان العراق بات يهدد جيرانه بعد خروجه منتصرا وقويا من حرب الخليج عام 1988).

-      ( ثم ان العراق اصبح يشكل خطرا متناميا بتصاعد قدرته على الابداع والتطوير).حيث بدت أول علامات الحصار الصناعي والعلمي والاقتصادي على العراق بعد شهور من نهاية القادسية.

-      وبعد أحداث الكويت في آب 1990 أصبح ( العراق بلدا معتديا وتحكمه قيادة غير مأمونة العواقب والافعال ) وماتبع ذلك من قرارات دولية جائرة .

-      وأصبح ( لزاما على العالم المتحرر ان يحرر الكويت) فشنوا عاصفة الصحراء على بنى العراق التحتية ومنشآته واقتصاده.

-      ورد العراق بدك اسرائيل بالصواريخ التي دقت اعلى نواقيس الخطر ..وتطورت شعارات المهمة .

-      انهم يتطلعون الى ( عالم خالي من اسلحة الدمار الشامل ) بدلا من ( نظام ديكتاتوري وعدواني يمتلك اسلحة تدمير شامل)..وكان هذا الفصل من المؤامرة هو المدخل لتدمير العراق ..والجميع يذكر كيف كانت الضغوط الشعبية والحزبية تزداد وتعرض امام القيادة لافساح المجال لفرق التفتيش بدخول المواقع العراقية لقطع الطريق عليها ولاثبات عدم امتلاك العراق لهذه الاسلحة وان ليس لدينا شيء نخفيه..وكان كل امتناع عراقي شفوي في حينها يجابه باجتماع عاجل لمجلس الامن وخلال أقل من ساعة لتوجيه انذار للعراق بضربة عسكرية شاملة معدة ومهيئة اهدافها بدقة..مرة ضربة استباقية واخرى اجهاضية .

-      وبدأت الاحداث تتراكم وتسير وفق تخطيط الافاعي الى ان وصلنا الى اجتياح العراق في آذار 2003 في واحدة من اكبر جرائم التاريخ القديم والحديث بحجة تخليص العالم من اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها (صدام) والمحتمل ان تقع بأيدي القاعدة ( لوجود تنسيق بين نظام صدام والقاعدة).

-      وبدأ العدوان بقصف جوي وصاروخي لتدمير كل شيء على الارض..وتم احتلال العراق ..وتبين بعد حين  زيف هذا الشعار فانتقلوا الى ( المنطقة الآمنة بدون صدام حسين ) ثم الى شعار ( القضاء على اصدقاء وحلفاء القاعدة في العراق وخلق نظام متعاون ومتحضر) بدل ( النظام الطائش المتعاون مع القاعدة).

-      وعندما تبين عدم صحة الادعاء تلو الادعاء بدأ العزف على اغنية ( العالم أكثر أمنا بعد صدام حسين)..والغريب ان كل هذه الشعارات كانت تلقى اذنا صاغية من قادة العالم ..او على الارجح لنقل مجبرين على التصديق لكل حكاية امريكية!

-     وانتقلوا الى اغنية ( محاربة القاعدة خارج الارض الامريكية )..منطلقين من مبدأ ( جمع الدبابير حول آنية العسل )..وعندما شعر المفكرون الستراتيجيون ان هذه النظرية اوجدت لهم حواضن تفقيس جديدة وخرجت أجيال متعددة المفاهيم في معاداة الامريكان وان الخسائر التي يتكبدونها فاقت التوقعات بعد ظهور المقاومة العراقية السريع والمؤثر وقيادتها للحركة الشعبية المسلحة بوجه الاحتلال واذنابه..انتقلوا الى مجال آخر.

-      بدأ العزف على وتر (تحرير الشعب العراقي من الديكتاتورية التي قادها البعث ) لاحلال ( الديمقراطية والتعددية والفيدرالية والانتخابات النزيهة) ..و(تحرير العراق من مرتكبي المجازر والمقابر الجماعية) و( انصاف المظلومين )..

-      وآخر الاهداف التي تبنتها الادارة الامريكية سياسيا وميدانيا في العراق كان تحت تسمية ( المهمة الامريكية ) ..وهو الهدف ذو الالوان المتعددة والمتغيرة والاكثر غموضا وديناميكية ..انها العودة الى الخلية الام..

-      الرئيس بوش يقول ان قواتنا لن تخرج من العراق قبل تحقيق ( المهمة)..أما عن اي مهمة يتحدث.. فلا أحد يعرف بما في ذلك الكونغرس ..والديمقراطيون يصفون هذه المهمة بالمغامرة الفاشلة الخاصة بالرئيس بوش!

-     نائب الرئيس الامريكي ومحرك آلة العدوان على العراق ومهندس آليات سرقة ثرواته تشيني ووزيرة الخارجية التي يصفها العامة من الشعب الامريكي بالكاذبة رايس والتي خلفت اكبر مزيف وكاذب ( يشعر بالذنب ) باول ووزير الدفاع المستقيل رامسفيلد المزور ومخفي الحقائق حتى على الرئيس ومن بعده المتوسل بالمنصب غيتس..ورئيس الاركان السابق والحالي وقادة المنطقة الامريكية الوسطى  يرون ان أي انسحاب امريكي ولو جزئي من العراق سيلحق الضرر (بالمهمة الامريكية) ويشجع (الارهابيين وايران على احتواء العراق ).

-     وآخر المتحذلقين الفير كروكر الذي يقول ان كل المؤشرات تبين (اننا ماضون في الاتجاه الصحيح لتحقيق المهمة) ويردد خلفه الجنرال بيتريوس مكررا ( ان زيادة عدد القوات الامريكية اعطى فائدة ملموسة في انجاح مسيرتنا لتحقيق المهمة).

 اذا هنالك مهمة امريكية في العراق والظاهر انها (مهمة مقدسة) وواسعة ومنتشرة من أقصى الشمال الى اقصى الجنوب من المغرب الى المشرق ..انهم باقون وماضون ..محررون ومحتلون ..ليست المشكلة في نظرهم انهم يهدفون او لايهدفون..

 بضوء ما ورد آنفا وبفعل التخبط الامريكي وترك مقدرات السلطة الوهمية بيد الجهلة من القتلة والمنتقمين وحاملي العقد الشخصية ضد كل عراقي شريف ..مزوري الشهادات والتاريخ وسارقي قوت الشعب وثرواته..من الجواسيس والخونة ..ظهرت على الطريقة الامريكية مهمة علاوية ومهمة جعفرية واخرى مالكية ناهيك عن المهمة الجلبية والالوسية والبرزانية والطلبانية..وغيرها..

 لقد ظهرت آفاق هذه المهمات قبل تشكيل مجلس الحكم عندما التقى ( المحررون ) في خيمة الناصرية ! وحاول كل من أدلى بدلوه في مؤتمر لندن او بيروت او صلاح الدين ان ينشأ له (مهمة) ..وطفت على السطح بقوة مهمة الجعفري لتتطور بعد ذلك من خلال المهمة المالكية .

 لقد تميزت مهمة المالكي بمايلي:

 -         سياسته في ادارة الدولة تعتمد بشكل واضح على مبدأ ومنهج الانتقام من كل شيء له علاقة (بالنظام السابق       والبعث ) و( جيش القادسية العظيم ) والتهميش والاقصاء للحلفاء واعتماد مجموعة من الدجالين والمفسدين        كمستشارين له في كل المجالات .

-         السرقة العبثية لثروة العراق .

-         تحالف مصلحي مع الانفصاليين البرزاني والطالباني واستعداده للتنازل عن اي شيء مقابل البقاء في السلطة.

-         اتباع منهج واجندة ايرانية واضحة .

-         دعمه ورعايته للمليشيات وعصابات القتل والاجرام .

-         التوجه الطائفي المقيت ملازم لكل توجه وتصريح.

-        المخادعة في ايهام الشعب بالمنهجية الوطنية في وقت يعرف الجميع منهجية حكومته المستندة على الايغال          بأذية الناس واستلاب ثرواتهم وسرقة مقدرات العراق وتزوير تأريخه واعدام وملاحقة خيرة ابناءه .

-         انها مهمة مدعومة من قبل ايران.

-         وانها مدعومة وباصرار من قبل امريكا وبالاخص بوش الذي لايزال يراهن عليها بالرغم من معارضة الكم الهائل من الوطنيين الذين يقارعون هذه السلطة المتعاونة مع الاحتلال والتي تأتمر بتوجيهاته ..ومن يقاتل على الارض العراقية ويقبع في سجون الاحتلال والسلطة ومن غادر العراق مرغما وخروج التوافق والقائمة العراقية والفضيلة والتيار الصدري والحوار الوطني وعدد من المستقلين ..وآخرها تصريح بيتريوس عندما قال عن سبب هذا الدعم الكبير للمالكي بقوله ( نحن ندعم المالكي كونه منتخب من الشعب وهذا شان عراقي.. اضافة الى ثقتنا به وبقدراته حيث مررنا معا بظروف صعبة وكانت قراراته جريئة وصحيحة) ..

اذا ..المالكي يعمل ضمن سياق تحقيق المهمة الامريكية وبذلك فمن الطبيعي ان يحضى الحلفاء بالدعم والتأييد. 

 الغريب ..هو هذا الترابط الشديد بين:

-  (المهمة الامريكية) متعددة الاوجه والوسائل ومتغيرة الاتجاهات والتوجهات  و

-  (مهمة  المالكي في القتل والملاحقة والتهميش والاقصاء والانتقام والتقسيم والنهب والسلب ) و

- ( الخط العام للائتلاف العراقي الموحد في الاستئثار بالسلطة وعدم وجود ايمان حقيقي بالمصالحة الوطنية التي انتقلت من ضرورة مصالحة الاعداء الى مصالحة الاصدقاء الذين ابعدوا قسرا رغم انسحاباتهم ) و

- ( خط الدولة العام بالابتعاد عن حاجات المواطن العامة وتردي مستوى الخدمات الى مادون الصفر..والتستر على حالات الفساد وسرقة موارد الدولة ) و

- (دعم الدولة للمليشيات وفرق الموت والاستمرار (بتطهير) اجهزة الدولة الامنية من كل العناصر الجيدة والوطنية ) و

- ( ملاحقة الدولة لكل الشرفاء والاحرار داخل وخارج العراق والاتكاء على الدعم الامريكي اللامحدود لها وتوظيفه في اسكات كل صوت معارض وتصفية كل رموز العراق الوطنية وقادة وضباط الجيش والخبرات والكفاءات العلمية والادارية  ) و

- ( دعم المشاريع الطائفية وتغذية النعرات التي فرقت وحدة الشعب العراقي ) و

- ( رعاية الدولة والمتحكمين فيها لمشاريع تقسيم العراق وتفتيت نسيجه الاجتماعي )و

-  ( اتجاهات الحزبين الكرديين في النزعة الانفصالية والتلويح بورقة عدد ممثليهم في مجلس النواب والعمل الجاد على ترسيخ التكريد كرد فعل على التعريب بدل اللجوء الى الخيار الوطني في تأمين حق المواطن العراقي بالسكن اينما يرغب على ارض العراق) ..هذه السياسة المبنية على لوي ذراع السلطة الهزيلة وتهديدها بالانسحاب من التحالف معها وارغامها على القبول بقرارات ( الاقليم ) المستقا بكل شيء عدا ( قدرته على الدفاع عن نفسه !) كما حدث في رد الفعل الناجم من التهديد التركي باجتياح شمال العراق.. و

-  ( البرنامج التفصيلي لحركة الدولة الذي يهدف لوصاية ايران على القرار العراقي سياسيا وعسكريا وامنيا واجتماعيا ودينيا ) وأخيرا وليس آخرا!!

- ( المهمة الايرانية!)

المهمة الايرانية الواضحة بتدمير العراق ومعاقبة كل من حمل البندقية والقلم بوجه ( تصدير الثورة الايرانية ) أو اعطى رأيا مناقضا لها والوصاية على العراق أمنا وسياسة ومعتقد وتأريخ وحضارة ..المهمة الايرانية وراء اجتثاث البعث وحل الجيش العراقي وحل مؤسسات الاعلام والاجهزة الامنية وملاحقة منتسبيها في عيشهم وامن عوائلهم ومستقبل اطفالهم عدا عن حملة تشويه تاريخهم النضالي والوطني.

وعلى مايبدو لحد الآن ان هنالك تطابق وتناغم وتداخل بين ..المهمة الامريكية..والمهمة الايرانية ..ومهمة المالكي ! ..مثلث قلبه تحركه بواعث التاريخ الموغل في القدم بمعاقبة العراق منذ السبي البابلي الى ام المعارك ..

والظاهر ان هذا المثلث فيه تداخل متجانس للمهام يستهدف الحس الوطني العراقي وحاجة ومصلحة العراق..وقلبه النابض المقاومة الوطنية العراقية البطلة والصامدة والمضحية ..انه المثلث التدميري للمباديء والقيم ..وهنا يتعاظم حجم مسؤولية المقاومة والمعارضة الوطنية العراقية وقائدها الشرعي حزب البعث العربي الاشتراكي  والذي يقود نضالا متجددا بعيد عن العنصرية  والتحزب للفكر والقومية والدين والمذهب  ..يتضامن مع المناضلين الآخرين في منهج لايتبنى الاضطهاد في الرأي والعقيدة .. يهتم بكل العراق والذي يؤمن بان العراق للعراقيين الوطنيين الشرفاء بغض النظر عن انتماءاتهم ودياناتهم ومذاهبهم ومناطقهم ..هذه هي المهمة العراقية .. انها المعركة الحاسمة القادمة ..

معركة (المهمة الوطنية العراقية ) ..معركة الشرعية التاريخية  في مواجهة (مثلث المهام الخارجية) ..المثلث التدميري ذو المهام الدخيلة والمعتدية .

 Mail: mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاثنين /  18 شــــوال 1428 هـ  الموافق  29 / تشــريــن الاول / 2007 م