بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تجسيد الهوية العربية والعدوان الامريكي

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

على مرّ التاريخ تمتحن حيوية الأمم والشعوب وفق مبدأ البقاء للأصلح فقد اندثرت حضارات وانبعثت حضارات , والأمة العربية من بين الأمم الحية التي تتجدد حيويتها من قدرتها على الانبعاث , وآخر تلك الهجمات ما تعرضت له امتنا على يد هولاكو سنة 1258 حيث اسقط ذلك الهمجي دولة العرب , ونامت الأمة في سبات عميق لم تستطع النهوض منه لعدم توفر القيادة القادرة على استنهاضها وبعثها , فكانت البداية الجديدة عند قيام الثورة العربية الكبرى عام 1916 حيث تعتبر بداية النهوض العربي القومي الحديث , ولسذاجة قياداتها استطاعت قوى الاحتلال احتوائها وتمرير مخططاتها غيلة وغدرا , فكانت معاهدة سايكس – بيكو خنجرا في ظهر الأمة العربية , فإذا كان العرب متوحدون في ظل الاحتلال العثماني , فان الاحتلال الغربي مزق أوصال الوحدة , وأمعن في ذلك من خلال زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي , وللتزاوج غير الشرعي بين اليهودية والمسيحية تم رعاية الكيان المسخ على حساب الأمة العربية , ومنذ أن استمد ذلك الكيان وجوده استناد غير شرعي من المنظمة الدولية , أصبح هدف قوى الاحتلال رعايته ليحقق أهدافه التي رسمت له ووجد أصلا من اجلها .

لقد أصبحت النكسات تتولى على الأمة العربية , ذلك لان قوى الاحتلال نجحت في رعاية زعامات متسلطة على رقاب الشعب العربي ونجحت في إحداث هوة عميقة بين الشعب وقياداته وفق مبدئها الرامي الى تفتيت وبعثرة الأمة لأهميتها الستراتيجية , خصوصا بعد اكتشاف الثروات الهائلة التي يتمتع بها الوطن العربي والتي يأتي النفط في المقدمة منها .

وبما إن الأمة العربية من الأمم الحية , كان لابد لها أن تنجب قيادة فذة تنحو بها باتجاه الخلاص من هذا الواقع المرير , وإذ تمركزت تلك القيادة لشدة الصراع في العراق كان لا بد لقوى الاحتلال الامبريالية أن تتوجه مستخدمة كل الوسائل لإجهاض تلك القيادة التي تمكنت من احتواء الجماهير العربية وتوظيف طاقاتها من اجل النهوض بأمة العرب والوصول بها الى مصاف الدول المتقدمة , فما هي طبيعة المواجهة بين العرب والغرب الذي أصبحت تقوده امريكا بعد تفردها كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية .

لقد اعتبر العرب هذا الصراع من اجل الوجود كحضارة لها تاريخها العميق الفاعل في الإنسانية , في الوقت الذي جند المسكر المقابل كل إمكانياته من اجل الانتصار في هذا الصراع , وبتوظيف الطاقات العربية لتهيئة مستلزمات ذلك الانتصار , فإذا كان قد اوجد أنظمة حكم ظاهرها عربي يديرها ويحركها وفق مشيئته , استطاع أن يخلق منها أدوات غير قادرة إلا على الدوران في فلكه , فبعد أن سيطرت تلك الأنظمة على ثروات الأمة العربية والتي يعتبر النفط في المقدمة منها كما أسلفنا , فانه استطاع أن يربط الاقتصاد النفطي الضخم هذا بالتبعية للاقتصاد الغربي , وبدلا من أن يوظفه في خدمة الثورة العربية ومشروعها النهضوي , أصبح عاجزا عن الالتزام بواجباته الوطنية , واستنزفته القوى المعادية وتم تجنيده لصالح الصف المعادي , ورغم كل الممارسات التي قام بها لمحاولة الحفاظ على ذلك فقد فشل لان الإرادة العربية صاحبة الحق المشروع في ثرواتها الطبيعية قد أدركت ذلك المخطط وأوجدت السبل الكفيلة بإجهاضه .

لقد اصطدمت الإرادة الأمريكية بالسيطرة على مقدرات العالم العربي وإنهاء الدور الريادي العربي بالصخرة العراقية الجبارة التي أصبحت مركز استقطاب لكل القوى الوطنية , فأصبح لابد من الفعل العسكري ولابد من اجتياح العراق , ولكن بدلا من أن تحقق الولايات المتحدة الأمريكية أهدافها وخلافا لكل توقعاتها جاءت النتائج عكسية بالنسبة لها من خلال :

• ارتفاع العجز في الميزانية الأمريكية على الرغم من مما تمارسه الإدارة الأمريكية من ضغوط على ما يسمى " الدول المانحة " للمشاركة في تغطية نفقات الحرب , ومحاولة زج الأمم المتحدة وإعطائها دور اكبر .

• ارتفاع نسبة البطالة الى أعلى نسبة لم تشهد لها مثيل خلال النصف قرن الماضي .

• تحت ضغط زيادة مصاريف العدوان الامريكي لتعاظم ضربات المقومة العراقية البطلة وللسقف الزمن الذي أصبح أطول من كل التوقعات والتقديرات , انخفض الإنفاق في المجالات الاجتماعية مثل التعليم والصحة رافق ذلك الكوارث الطبيعية التي حلت بأمريكا .

• تحت ضغوط تزايد الحاجة الى تغطية نفقات الحرب , اتجهت الإدارة الأمريكية الى زيادة فرض الضرائب على الشركات بصورة ملحوظة .

• المعاناة الكبيرة التي تواجهها وزارة الدفاع الأمريكية خلال عملية تجنيد المتطوعين لمعرفتهم المسبقة بعنف ضربات المقاومة العراقية الباسلة , وارتفاع عدد القتلى والجرحى بين صفوف الجنود الأمريكان .

• انكشاف زيف ادعاءات الإدارة الأمريكية حول أسباب الحرب أدى الى فقدان مصداقيتها أمام المواطن الامريكي .

هذه المؤشرات بمجموعها قد أدت الى خلق معارضة واسعة ومتعاظمة في أوساط الشعب الامريكي ضد الحرب العدوانية وإدارة بوش إدراكا من المواطن الامريكي لتأثيرها على مستوياتهم المعيشية .

إذا كانت المواجهة قد اتسعت فاستعملت الإدارة الأمريكية شتى وسئل الترغيب والترهيب للضغط على المجتمع الدولي , فلابد أن تنبثق عنها إفرازات واسعة ذات جوانب متعددة يمكن أن نستنتج منها بعض الحقائق التي من بينها :


• إذا كانت الحملة العدوانية على شراستها قد أدت الى تمزيق وحدة الصف العربي , فقد أدت بالمقابل الى انطلاق قوة جديدة منبعثة من الشارع العربي , حيث أدى زيف العلاقات الرسمية العربية وانقشاع برقعها الى فرض فرز إجباري على الأنظمة العربية التي لم تعد بمقدورها التخفي وراء حجة الحياد , مما أدى بالتالي الى أن تندفع الجماهير بصدق وعفوية وصدق إحساسها نحو موقف التأييد الحاسم والتام للمقومة العراقية كتحديا صارخا للعدوان

• أما بالنسبة لأمركا فقد بدا واضحا للعالم اجمع توجهاتها الاستعمارية حيث وبعد أن رحلت صفحة الاستعمار الاستيطاني القدم الى فرض الهيمنة الاقتصادية المباشرة عادت الإدارة الأمريكية الى دورة الاستعمار القديم المباشر عن طريق الغزو والهيمنة العسكرية , ولكن هذه المرة بأكثر شراسة ووحشية .

• بالتأكيد فان الاحتلال العسكري الامريكي المباشر للمنطقة العربية وبالشكل الحالي قد قدم دعما وقوة إضافية الى الكيان الصهيوني ومصالحه العدوانية التوسعية , فإذ عملت إدارة بوش الى إبعاد ذلك الكيان في الظاهر , إلا إنها وفرت له الغطاء الكامل لتمرير مخططاته وفرض إراداته على الشعب العربي بصورة عامة والفلسطيني بصورة خاصة , فإذا جاءت امريكا بخارطة شرق أوسط جديد فان الكيان الصهيوني استنفذ القدرات العربية الى ابعد مدى , ليس اقلها العدوان الصهيوني على لبنان وتدميره الى تمزيق وحدة الصف الفلسطيني المقاوم , ذلك لأنهم اطمأنوا الى زوال تأثير العراق كأكبر القوى العربية المتحدية لوجود إسرائيل غير المشروع في الوطن العربي , ويأتي مؤتمر أنا بولس ليعلن كما يريدون واهمين موت ودفن الحق العربي ونهاية المسألة الفلسطينية .

• إذا كانت فلسطين قضية العرب المركزية , فان امريكا عملت من خلال غزو العراق الى استثمار حالة الضعف العربي المتولدة عن ذلك لفرض مخططاتها ذات المردودات الثابتة , فالعبث بالإرادة أللبناية الى هذا الحد والتدخل في الشأن السوداني تمهيدا لتمزيقه هو الآخر , واحتلال الصومال وما رافقه من تدمير قاسي للشعب العربي هناك , كلها تأتي كنتائج حتمية لغياب الدور العراقي الريادي في حسم هكذا مواقف .

• إذا كانت الإدارة الأمريكية قد حشدت اكبر قدر استطاعت الوصول إليه لتنفيذ هجومها العدواني على العراق , شكل حينها تصور عن انفرادها في قيادتها وتزعمها للعالم , فان انفراط عقد ذلك التحالف يشكل تراجعا واضحا عن تأيدها , يقابله ارتفاع وتيرة التأييد العربي والإسلامي والعالمي للمقاومة العراقية الباسلة , وهكذا فان ما حشدته امريكا من جيوش ضخمة وما وفرته لذلك العدوان من أموال طائلة , فان ميزان المواجهة بعد التخبط الواضح في السياسة الأمريكية أمام شراسة الضربات التي تنفذها المقاومة العراقية لباسلة, يشير وبشكل جلي الى ترجيح النصر العراقي الحاسم على قوى العدوان , خصوصا إن إطالة المدة قد أدت الى تفكيك أواصر التحالف الغربي وانتشار التذمر والملل بين قواته , وتعاظم تكاليف عدوانه وبالتالي تعاظم المعارضة في داخل الولايات المتحدة وحلفائها وهذا ما يبرر فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة , وما تحمله الدعايات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأمريكية المقبلة من دلالات تؤكد التذمر لدى الشارع الامريكي من سياسات الإدارة الحالية .

• يحاول عملاء الإدارة الأمريكية من أركان الحكومات الكارتونية في المنطقة الخضراء إظهار نجاح الغزو وتحقيقه لأهدافه , من خلال إعلام وهمي عن تحسن الوضع الأمني في العراق وأضعاف المقاومة العراقية وزيادة الإعلان عن تحالفات لا تقل عن التحالفات القائمة عمالة وخسة , ذلك للانتفاع المادي الذي تحقق لهم بفعل لغزو , يعزز ذلك ارتمائهم بأحضان الفرس لتوفير غطاء من الحماية لهم لمليء الفراغ الذي سيتحقق بالنسبة لهم عند الانسحاب الامريكي المفاجئ الذي سيولد حالة من الإرباك لعجزهم عن قيادة القطر بمعزل عن التواجد الأجنبي الذي يوفر لهم مظلة من الحماية , وهذا ما يبرر دعواتهم الى إطالة عمر التواجد الامريكي ومحاولات إعطائه صفة الشرعية الدولية .

ورغم إن المواجهة الحالية مع العدوان الامريكي قومية يجب أن يشارك فيها العرب جميعا , فان عبأها الاول قطريا يتحمله العراق دون أن يشكي او يلين والتاريخ العربي المشرف يؤكد إن كل مواجهة انتصر فيها العرب إن اجتمعوا , وانهزموا إن انحسرت إرادتهم وتفرقوا او أحجموا , والمطلوب أن تكون المشاركة العربية فاعلة في مستوى المواجهة الراهنة , لتعزيز عمق العراق العربي ليرتقي الردع الى درجة لن تجرؤ بعدها حملة ظالمة على تهديد الوجود العربي في معتقداته ومبادئه وثرواته, فان أعظم القوى هي تلك التي لا تستخدم بل أن يدرك الخصم وجودها وتوفر الإرادة القادرة على استخدامها .

لقد تعاظمت الأصوات والتيارات المعادية للقومية العربية والتي تراهن على فشل المشروع القومي العربي والانحراف نحو القطرية او الإقليمية غير العربية , وهذا ما عمل العدوان على ترسيخه بشتى الوسائل بل ذهب الى الأبعد من ذلك الى تقسيم العراق , بل أصبح يعمل على تفتيت اكبر قدر من الدول العربية وإذا استمر الحال على ما هو عليه فانه لن يستثني قطرا من تلك التجزئة وفق مبدأ حكماء صهيون .

وانطلاقا من هذا كله وتجاوزا له , يقف العرب اليوم في منعطف حاسم في تاريخهم المعاصر يؤذن بفتح آفاق جديدة رحبة لكي يعيدوا كتابته بأيديهم بشكل مشرف , وإنها اليوم فرصتنا الذهبية كعرب لتجسيد وحدة النضال العربي وتحويلها الى نضال من اجل الوحدة , ففيها فقط يكمن امن الأمة العربية في حاضر وجودها وصيرورة مستقبلها .


Iraq_almutery@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد /  15  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق  25 / تشــريــن الثاني / 2007 م