بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

في الذكرى الاولى لإستشهاد القائد

المقاومة العراقية.. بين نظريات "الامن المتحسن" والعراق "المستقل"

صفقات الاحتلال وتحالفاته الجديدة توطئة للفرار.. من يدفع الثمن؟

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي "الجبريني"

 

(الوضع الامني في العراق يتحسن بإطراد)، هي النتيجة اليومية التي يتوصل اليها الرئيس بوش منذ اليوم التاسع من نيسان 2003. صحيح أنه كانت هناك مناسبات تحدث فيها الرئيس عن وضع متفاقم او خطر، الا أنه عموما لم يكن يجد بدا من الحديث عن انجازات كاذبة يومية ترسخ الفكرة على المدى الطويل، ضمن متوالية (الكذب المستمر حتى يتم تصديقه) وفق الحكمة اليهودية المعروفة. 

جاء الذئب وهرب!

سلسلة الادعاءات تلك كانت الوسيلة الاخيرة لخلق الصورة الاجدى للبلد "المستقل" التي يراد بروزتها للعراق والتي كانت بدايتها العملية اللقاء المتلفز بين بوش والمالكي عشية محادثات انابوليس الشبكية، التي غطت -على خلاف ماهو مروج له- الخطوات المقبلة والمحتملة للمرحلة القادمة من "الشرق الاوسط" التي بدات عمليا اولى خطواتها، رغم ما يشوبها من تعتيم وتعمد واضح لإثارة التساؤلات والريبة قبل نضوج الفكرة، او بمعنى ادق إنتهاء الاجراءات العملية المبدئية للتسوية في العراق قبل التقسيم والالتفات الى الملفات الاخرى ضمن مشروع "الشرق اوسطية". 

هذه الاشاعة لا تختلف كثيرا عما اعتادت ترويجه وسائل الدعاية السياسية الامريكية لتحقيق اهدافها والوصول الى المنطق الذي يفرض على العالم فرضا تصديقه والتسليم به، على اعتبار ان الحضور الامريكي يبرر تصديق اي معلومة تنتج عن لسان المتحدثين به، خاصة وأنها تأتي في ظل موعد الذكرى الاولى لإغتيال الرمز القومي العربي صدام حسين بحركة يائسة تحاول طمئنة الاغرار بأن القادم سيكون أفضل، في ظل اعتراف معظمهم في ساعات نزق أن ما مضى من أشد ايام حكم الرئيس شؤما، هي في الحقيقة جنة ونعيم مقارنة بأفضل ما وصل اليه العراق بعد الاحتلال. وفي سياق الادعاءات التي اثبت مرارا كذبها على شاكلة صلة النظام العراقي بالقاعدة، اسلحة الدمار الشمال، وتهديده للأمن على الاراض الامريكية. الى ما هنالك من أكاذيب جاء اليوم موعد اشاعة وتاكيد فكرة استتباب الامن في العراق، واسباغ صفة البلد (الحر المستقل) عليه، الذي يتجه لإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول، التي ابتدأت بعقد الشراكة مع امريكيا تم الاتفاق عليها في لقاء المالكي بوش، جاءت كخلاصة لاكثر من مليوني قتيل عراقي وحوالي عشرة ملايين مشرد ولاجئ داخل العراق وخارجه. 

صناعة الاعداء

ولكن ما المعني بمقولة ان الوضع الامني قد تحسن، وان البؤر الساخنة تشهد "استقرارا" في اشارة الى اضمحلال عمليات المقاومة ضد الاحتلال والمتعاونين؟

كما ورد اعلاه فهذا أمر منوط فقط بفكرة الهدف، فمثلما كان نظام الشهيد صدام حسين خطرا، ثم القاعدة، قبل ان ينتهي المطاف بإيران، حان الان وقت تقديم ورقة انجازات للشعب الامريكي بالقضاء على الخطر القادم من هذا الثالوث الذي كان اخر ابداعاته، ما ورد مؤخرا في تقرير وكالة الاستخبارات الامريكية بأن ايران لا تشكل خطرا نوويا، والذي حاولت ادارة بوش بطريقة مسرحية الادعاء بأنها غير راضية عن هذه النتيجة، في محاولة للتغطية على الحلف القائم بينها وبين ايران في المنطقة والعراق خصوصا. 

صناعة "الاحرار"!

 مع الهبوط المخيف في سعر صرف الدولار وتفاقم المعارضة الشعبية للوجود في العراق، أصبح لزاما على الرئيس بوش ايجاد حل مرضي يساعده على الخروج من العراق دون تضييع للمكاسب التي سعت اليها ادارته، من عقود نفطية وسيطرة سياسية وإرتباط اقتصادي عضوي يضمن تبعية مطلقة من قبل الدولة العراقية المفترضة للولايات المتحدة. وهو ما يبرر ما ذهب اليه بوش في اتفاقه مع المالكي الذي جاء فيه انه إعلان مبادئ لعلاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية)، ويتكرر ذلك مع بداية النص (ملتزمتان بتطوير علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد بين بلدين كاملي السيادة والاستقلال ولهما مصالح مشتركة)، والأصل في الاتفاقات أن لها أجلاً ينتهي، فإما يجري التمديد أو لا يجري، لو أن الأمر يدور فعلاً بين (بلدين كاملي السيادة والاستقلال) أما ترك ذلك دون تحديد، فيعني أن ما يوقعه رئيس حرب الاحتلال الأمريكي، ورئيس حكومة الاحتلال العراقية، يراد أن يكون ملزمًا دونما تحديد، لكل من يأتي بعدهما؛ ليتحول (التعاون) إلى تعاون بالإكراه، وتتحول (الصداقة) إلى صداقة أبدية، وتتحول (المصالح المشتركة) إلى مصالح لا فكاك منها وفق ما فسره المحلل نبيل شبيب. 

الطيب، الشرير والقبيح

هذا الاتفاق ماكان ليتم دون اتفاق مسبق يضمن تنفيذ هذه الخطة مع ايران، التي تحكمت طوال فترة الاحتلال بقدرة المليِشيات الشيعية في مناكفة جيش الاحتلال احيانا، وأحيانا اخرى التماهي مع مشاريعه لتقديم دلاءل ميدانية على ان المصلحة الامريكية في العراق تبدأ بالتوازي مع نظيرتها الايرانية. فأحيانا تزيد من العنف الطائفي، مقابل تراجع في المقاومة، وبذلك تتناغم مع المشهد الاعلامي المرغوب وهو اختلاق الاعداء ثم القضاء عليهم،للظهور بمظهر بطل الكاوبوي الذي ينجح في نهاية كل فيلم في القضاء على اعداء الحرية

 هو ما يريده بوش لتقديمه لجمهوره، فيما تنجح ايران اخيرا في اقناع بوش (الطيب) بانه لا يمكنه محاربة القبيح (ايران) والشرير (المقاومة) في ذات الوقت، فتم الاتفاق على ابقاء الوجه القبيح حاضرا -ريثما يحين دوره ربما في نسخه اخرا، والقضاء على الشرير في هذه اللحظة لينجح في استقطاب تصفيقات الجمهور له.

لا شك ان هذا ما يتمناه المخرج الامريكي ولكن هل هذا ما سيحصل فعلا؟ 

قبل الاندحار

ربما هذا ما تقترحه النظريات التي يروج لها عبر بناء قوات بوليس واستخبارات عراقية حسنة التدريب، استقطاب كمي ونوعي من وجهاء العشائر السنية والشيعية، تثبيت القوة الكردية في الشمال، ثم ضمان تحالف اقليمي أمني على هذا المشروع يشمل الى جانب الدول العربية ايران التي نجحت في اختراق الحلف الذي كان مفترضا انه موجه ضدها. 

الا أن العودة قليلا الى الوراء وتحديدا المثل الفيتنامي ربما تعطينا إحتمالات مغايرة لفكرة تراجع مستوى المقاومة العراقية، ففي ذلك الوقت روج الرئيس نيكسون الى فيتنام الجنوبية القوية التي يحميها من هجمات الفيتكونغ وفيتنام الشمالية جيش قوامه مليون فرد كان قادرا وفق الحسابات الورقية على الصمود ثلاث سنوات على اقل تقدير، وهو ما سيعفي الاحتلال الامريكي من تحمل تبعات اي انهيار لاحق، اضافة الى وجود تحالف وقوات دعم رديفة متمركزة في كل من كامبوديا ولاوس، ومع ذلك فقد سقطت كل النظريات وفر الجيش الامريكي وعملائه في مشاهد ادهشت العالم، رسختها في الاذهان الصورة التي التقطت لمروحية السفير الامريكي الفارة وقد تعلق بحبالها وجنباتها العشرات من الفيتناميين العملاء فرارا من زحف الثورا المنتصرين في سايجون التي كان يحتلها أكثر من نصف مليون جندي امريكي مدججين بأحدث ما توصلت اليه تكنلوجيا القتل الحربية. 

كيف ستنتصر المقاومة

صحيح أن البعض سوف يجتزء من التاريخ فكرة أن فيتنام كانت تتمتع بعمق استراتيجي مهم في الغابات الاستوائية ودرب (هوشي منه) في كمبوديا، عداك عن الدعم الضخم الذي توفر لها من العملاقيين السوفياتي والصيني، لكن ما لا يمكن اغفاله ان ذلك النصر تحقق بالسواعد الفيتنامية الشعبية التي قدمت ما يزيد عن العشرين مليون ضحية، وأن تلك المقاومة واجهت دولة كاملة من العملاء من ابناء جلدتهم، وان تلك المقاومة ما كانت لتنتصر لو اقترنت حقا بالفعل النخبوي الذي قاده الحزب الشيوعي، فنصرها جاء نتيجة التحالف بين كل الاحزاب الوطنية، وتحول المقاومة الى فعل شعبي يومي شاركت فيه كل فئات الشعب الفيتنامي سواء في الشمال الخاضع لسيطرة الجيش الشعبي، او الجنوب الذي حول ثوار الفيتكونج ارضه الى جحيم للقوات الامريكية والمتعاونيين معها، وبإسقاط على المقاومة العراقية فقد فاقت نسبة العمليات المسلحة العراقية نظيرتها الفيتنامية بثلاثة اضعاف وفق اخر احصائيات المحللين الامريكيين، عداك عن الحديث عن الزمن القياسي لأنطلاقها، والاستعداد النوعي المعنوي والعملي في تلك الفترة، مقارنة مع الفيتناميين الذين كانوا لا يزالون محتفظين بتجاربهم من الاحتلال الفرنسي. 

إن فكرة تراجع المقاومة في سبيل الترويج الى اضمحلالها هو قول ساذج، فكل مقاومة في التاريخ كانت تمر بحالات مد وجزر، وفق المعطيات الدولية والاقليمية، تتأثر بها كما تؤثر، واذا سلمنا بوجود تراجع حاليا في الفعل المقاوم من ناحية الكم- وهو مستند لوسائل الاعلام التي المتحكم بها-، فإن ذلك هو السياق الطبيعي الذي تحتاج فيه اي حركة مقاومة الى ترتيب الصفوف وتجهيز الادوات وفق مقتضيات المرحلة المقبلة، وهو الامر الذي يعيه جيش الاحتلال فعلا ويحاول استباقه عبر ذلك التحالف وتسليم مسؤلية الامر للحكومة الحالية، دون ان يجازف بالمكتسبات المادية التي يحققها عبر التجزئة والتقسيم، وهو مما لا شك فيه ستتمكن المقاومة من تقويضه، ليس بالتمني ولكن لأن هذه هي طبيعة الاشياء التي لا يمكن ان تتطبع بأي حالة مفروضة طارئة، وسيكون بانتظار ان يدفع الثمن ؤلائك الذين رضوا القيام بدور الوكيل خاصة انها تسند الى عمق شعبي يتم اغفاله دائما والترويج الى سقوطه وهي الجماهير العربية وعمقها الذي لم يتوفر لأي مقاومة في التاريخ.

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 06  ذو الحجة 1428 هـ  الموافق  15 / كانون الأول / 2007 م