بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

كنت رئيسا للجمهورية!

 

 

شبكة المنصور

سعد الاوسي / رئيس تحرير جريدة الشاهد المستقل

 

كل شيء ممكن في العراق لا سيما بعد ان اختلت الموازين وتغيرت المعايير والقوانين فمن كان يحلم ان يكون عريفا في الجيش وضع (كومة)! من النجوم على كتفه ولم يتردد بتطريز ذلك الكتف بالشارة الحمراء ليصبح ضابط ركن، ومن كان يمني نفسه برئاسة القسم في دائرته فقد استجاب الله لدعائه وجعله مستشارا لمسؤول كبير او وكيل وزير او مسؤول ما..

اما انا وبقية عباد الله فليس لي سوى الاحلام من الليالي التي فاتني ان احتاط فيها من البرد فقد حلمت كما يحلم الاخرون لكنني بالغت في ذلك الحلم شديد المبالغة، واذا كان غيري يتمنون (المستشارية) والوزارة والمسؤولية هنا وهناك فانا حلمت وكأني رئيسا للجمهورية، ورأيت بعيني كيف يناديني الجميع بعبارات التبجيل والتقدير على شاكلة فخامة الرئيس وسيادة الرئيس الى آخر الالقاب والاسماء التي امرت بان لا تذيل بعبارات حفظه الله او رعاه الله او ادامه الله لكي لا اتشبه باحد غيري.. وفي الحلم تذكرت عبارات اصدقائي احمد السامرائي ومنعم الساعدي عندما كانا يقولان لي تصلح بأن تكون رئيسا للجمهورية!

ثم قررت ان اكون رئيسا عادلا بمعنى الكلمة وانزل القصاص بكل من اعتقد انه كان على علاقة بالنظام السابق فأحضرت اولا جميع رجال الجيش العراقي السابق وقررت اعدامهم جميعا بعد ان تسلمت التقارير التي تدينهم كونهم دخلوا الحرب ضد ايران ثم الكويت وما تخللها من معارك وحملات عسكرية داخلية ومع ان عدد هؤلاء العسكريين كان يتجاوز الخمسة ملايين بمن فيهم المتقاعدين والمعاقين والاسرى العائدين ومن جميع الصنوف الا اني لم اندم على فعلي لان الملفات التي قدمت لي تجيز لي اعدامهم!

بعدها تفرغت لتصفية ملف رجال الاجهزة الامنية بجميع تشكيلاتها المخابراتية والاستخبارية والامنية وكانوا اقل عددا من سابقيهم حيث قاربوا المليون شخص ونفذت الحكم ضدهم بدم بارد فهؤلاء اعتقلوا وسجنوا وراقبوا واعدموا مئات الآلاف من العراقيين طيلة فترة عملهم في تلك الاجهزة والحكم ذاته اتخذته بحق جميع البعثيين سواء كانوا بدرجة مؤيد او بدرجة عضو قيادة قطرية او قومية وكانت هذه الفئة الاكثر عددا حيث وصلوا الى مايقارب من ستة ملايين مدان رغم الطلبات التي قدمت لي لاستثناء الدرجات الحزبية الصغرى لكن اصراري على اعدامهم جميعا حال دون استثناء اي احد لاننا عندما نقول بعثيين فان هذه الصفة تعني كل من انتمى الى ذلك الحزب مهما كانت المبررات، وفي خطوة اكثر جرأة ارسلت على شيوخ العشائر والافخاذ من الذين كانوا يتسلمون مبالغ المكافآت والمناسبات طيلة فترة حكم صدام حسين وقطعت رؤوسهم جميعا ثم اتخذت القرار ذاته بحق من كان يطلق عليهم اصدقاء السيد الرئيس لكن ضميري لم يكن مرتاحا رغم كل الاجراءات بعد ان شعرت ان مهمة اخرى كانت تنتظرني ولابد من تنفيذها وهكذا ارسلت بطلب المستشارين والخبراء المرتبطين بي وكلهم شجعوني على مهمتي تلك وبالفعل ارسلت على كل عراقي كتب كلمة نعم اثناء الاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية في فترة حكم صدام ورغم المبررات التي سمعتها الا اني اعدمتهم على الفور وكان العدد كبيرا جدا ومع ذلك بقيت خطوة اخرى تنتظرني طالما ناقشتها مع المحيطين بي واشاروا بأني على حق في نظري لها اذ رايت ان هناك رجال دين واعمدة قوم ومواطنين (مواطني الداخل)!

لم ينتفضوا ضد صدام وسكتوا لما قام به من اعمال قتل للشعب وهدر للمال العام وانتهاك للحريات وفسرت سكوتهم عن كل ذلك على انه من علامات الرضا عنه وعاقبتهم كما عاقبت سابقيهم واعدمتهم بدم بارد ايضا وفي خطوة اخيرة رأيت ان هنالك العديد من كوادر الاحزاب الحاكمة حاليا عملوا كمخبرين (جواسيس ومصادر)!

مع صدام واجهزته وتعاونوا معهم لتصفية المعارضة العراقية وقررت اتخاذ قرار العدل ضدهم تحت مبدأ الخيانة العظمى لأريح ضميري وضمير العدالة والانصاف وكنت في كل وجبة اعدام اصدر مرسوما بعدم دفن المعدومين بل تعليقهم على اعمدة الكهرباء ليكونوا عبرة للاخرين الا اني في آخر حملة للاعدام لم اجد رجالات الاعدام الذين كانوا ينفذون قرارات القضاء مثلما لم اجد الجماهير التي تصفق لي في اعقاب كل مرحلة من مراحل قرارات الاعدام حيث اصبح الجميع معلقين على الاعمدة اذ كان المدانون اربعة ارباع العراقيين حيث لم ينجو احد من التهمة وقبل ان استيقظ وجدت ان الجماجم والجثث تحيط بي من كل جانب وصوب والشوارع خاوية من الناس اذ ثبت لي بالدليل مثلما اشار قبل ايام احد المسؤولين في الدولة الجديدة ان الجميع ملطخة ايديهم بدماء العراقيين سواء بشكل مباشر او غير مباشر وان الخطيئة لازمتنا جميعا من حيث نعلم او من حيث لا نعلم.. وايقنت كذلك ان علينا ان نتسامح ونصفح عن كل ما مضى.. فالغالبية تلطخت اياديها بدماء الابرياء ولكن الى متى تبقى هذه الدماء الزكية تسفك؟! كفانا دماء وكفانا عقاب وكفانا التنابز بالالقاب حتى ننعم بالسلام والامان.. وعندها نقول سلاما يا عراق.. فالمصالحة والتسامح يسمو على الخطايا والجرائم والذنوب لو بدأنا بتلك المصالحة والتسامح بالفعل وليس بالقول.. اللهم احفظ العراق واهله وابناءه الطيبين.


saadalawsi@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت /21  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق 1 / كانون الأول / 2007 م