بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 رسائل الى الرفاق البعثيين
(1)
الى الكادر المدني المتقدم

ان الخطأ ظاهرة طبيعية لكن تكراره هو الشذوذ

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

أيها الرفاق

هذه الرسالة تتضمن ملاحظات سجلها رفيق قديم لكم ، بناء على تجربة طويلة في العمل الحزبي داخل صفوف البعث العظيم عمرها نصف قرن ، اقترنت بمعايشة مباشرة لكل الاحداث الرئيسية في العراق والوطن العربي والعالم ، منذ عام 1958 ومشاكله ، واسهام مباشر وغير مباشر في التطورات الكبرى التي شهدها القطر العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي . لذلك فهي ملاحظات مجرّب . اما الاهم فهو انني لا اكتب في موضوع عام وعارض وانما اكتب والوطن يتعرض لمحاولات التقسيم المبرمج من قبل الاستعمارين والاحتلالين الامريكي والايراني ، اللذان يلجأن لاساليب ذكية وخطيرة لتفتيت العراق كمنطلق لتفتيت بقية اقطار الامة العربية ، خصوصا محاولات القضاء على الامل الوحيد في انقاذ العراق من محنته والامة العربية من مصير مخيف ، وهو المقاومة الوطنية العراقية المسلحة ، بالعمل على شقها او تحويلها الى مقاومة طائفية الهوية تخدم الاحتلال الامريكي في تنافسه مع شريكة الاستعمار الاقليمي الذي تمثله ايران . وفي هذا الصدد فان قرار الكونغرس بتقسيم العراق ليس سوى الجزء الطائفي من جبل الجليد الضخم الذي يزحف نحونا بسرعة وثبات .

من هنا فان هذه الرسالة فيها أضاءات مهمة قد تفيدكم وانتم تخوضون صراع الوجود نيابة عن الامة العربية كلها . واهم اضاءة جوهرية هي تأكيد ان هناك صلة عضوية لا تنفصم بين تقسيم العراق وشق البعث ، ومقابل ذلك وعلى النقيض منه ، هناك صلة مباشرة بين تحرير العراق والمحافظة على وحدة البعث ، وهذه قضية لا تخص البعث والبعثيين فقط بل انها قضية كل عراقي . لذلك اسمحوا لي بتوضيح هذه القضية الجوهرية .

لماذا ترتبط وحدة البعث بوحدة العراق ؟

هناك تكتيك استعماري معروف اتبع للتغلب على الوطنيين المناهضين للاستعمار وهو تكتيك ( فرق تسد ) . ولكن لكثرة ما رددناه فقد ضعفت قدرتنا على الاهتمام به ، واتخاذ الحيطة تجاه من يستخدمه ضدنا . اذا نظرنا الى الحملة على البعث ، والتي اشتدت على نحو خاص في عام 1988 بعد الانتصار على ايران ، لوجدنا انها ترتكز على تفتيت البعث والقضاء عليه ليس ماديا فقط بل ايضا وقبل كل شيء معنويا ، عن طريق ما يسمى ( خطة الشيطنة ) . ما معنى ذلك ؟

منذ عام 1958 بدات لعبة فرق تسد تتخذ مجرى خطيرا ، وهو تفتيت الحركة الوطنية العراقية بعد ثورة 14 تموز عام 1958 للانتقال منها لتفتيت الحركة الوطنية في الوطن العربي كله . وكان التفتيت يقوم على أسس الشرذمة السياسية والايديولوجية للجميع . وهذا ماحصل حينما تقاتلت كافة القوى وانشقت كافة القوى وانحرفت الكثير من القوى عن جادة الوحدة الوطنية . وبذلك زرعت عوامل الثأر بين الجميع واصبح اللقاء الوطني عبارة هدنة تسبق التأمر على الاخر للاطاحة به ! وتلك كانت من اهم مكاسب الاستعمار الغربي والصهيونية وايران .

بعد تفتيت القوى الوطنية جاء دور التفيت الطائفي ، فبوصول خميني للسلطة دشن الغرب الاستعماري والصهيونية عملية تمزيق الامة العربية على اسس طائفية باستخدام خميني ونظامه العنصري المعادي للامة العربية . وكذلك دخلنا مرحلة أبراز احزاب طائفية صفوية رسميا كحزب الدعوة في العراق وحركة امل اللبنانية وحزب الله اللبناني ، ومقابل ذلك راينا الطرف المكمل للطائفية الصفوية وهو الطائفية السنية ، التي تقوّت احزابها عقب حرب افغانستان وبروز ماسمي ب ( الافغان العرب ) ، في مسعى استعماري صهيوني ايراني واضح لتغليب الصراعات المذهبية العرقية على الصراع التحرري العربي ضد الاستعمار والصهيونية . وبالطبع فان التحريض الطائفي اقترن بتنشيط النزعات الانفصالية الاثنية او العرقية في العراق ، على يد أخطر واهم ادوات الصهيونية في الوطن العربي ومنطقة الشرق الاوسط وهو التمرد الكردي المسلح في شمال العراق ، وفي المغرب العربي على يد من استغلوا قضية الامازيغ لتفتيت المغرب العربي ونزع هويته العربية الاسلامية .

اذا تابعنا هذه العملية المنظمة لتفتيت الامة العربية وجدنا انها نجحت الى حد كبير لكنها توقفت عند حدود العراق ، رغم انه حسب ، في المخططين الامريكي الصهيوني والايراني المكمل لهما ، كلغم حاسم في تفجير الامة العربية كلها . لقد صمد العراق وحده امام الموجة التقسيمية العاتية ، وحافظ على وحدته الوطنية ومنع التشرذم ، رغم كل الجهود الاستثنائنية التي بذلتها امريكا وايران واسرائيل لتمزيقه من الداخل . لقد ساد الوطن العربي نمط من التنظيمات الطائفية وبرزت تنظيمات ودعوات عرقية علنا ، وصار التيار العام هو التشتت والانقسام في ظل دعوة ضالة ومضللة ، دعمتها وشجعتها ومولتها ونظرّت لها امريكا واوربا والصهيونية والشوفينية الفارسية ، المتمركزة في حوزة قم في ايران ، باسم ( اسلامين ) : اسلام صفوي واسلام طائفي سني غريبين عن الاسلام الحقيقي ، وكان عدوهما الرئيس في الواقع هو القومية العربية ، رغم ان الشعارات التي حملاها كانت تشتم امريكا واسرائيل ! وذلك كان التكتيك الانجح لجر فئات عديدة من العرب وتوريطها في موقف معاد للقومية العربية ، من خلال افتعال تناقض وهمي بين القومية العربية والاسلام .

وهنا وجد الاستعمار ( امريكا والغرب واسرائيل وايران ) انه امام مشكلة صمود العراق ، وان اساس صمود العراق وجود عامل توحيد وجذب قوي وفعال ، وهو البعث ، وان السبب في قدرة البعث على المحافظة على وحدة الشعب العراقي يكمن في هويته وتركيبته التنظيمية . وتلك مسألة مهمة جدا يجب توضح .

في اجواء التناثر الطائفي ، الذي خلقته الاحزاب الاسلاموية ( شيعية وسنية ) ، واقترانه بالتحريض على انفصال الاقليات غير العربية في الوطن العربي ، الذي شجعت عليه اسرائيل والغرب ولعبت ايران ورقته ضد العراق بدعم التمرد الكردي ، بقي البعث محافظا على هويته القومية العربية ، من خلال مفهومه لخصوصية القومية العربية . لقد عرّف البعث القومية العربية بصفتها انتماء طوعي ثقافي روحي نفسي مادي ، يتكون عبر معايشة واندماج حرين ، وليس انتماء عرقيا كالقوميات الاوربية العنصرية . وجسد الحزب ذلك المفهوم البعثي للقومية العربية في شروط العضوية الحزبية وفي اهدافه الكبرى . فالبعث حزب قومي لا يشترط فيمن ينضم اليه سوى ان يكون عربيا ومخلصا للعراق بالانتماء الجاد والمخلص للامة العربية وقضاياها المصيرية ، سواء كان من اصل عربي عريق ، او انه كان من اصل غير عربي لكنه انتمى للامة العربية باختياره . وتبنى الحزب موقفا ثابتا ومبدئيا تجاه الاقليات غير العربية يقوم على الاعتراف بها وبحقها في الحكم الذاتي والمحافظة على خصوصيتها ، ورفض وضع خطط تذويب لها على اساس ان حرية اختيار المرء هي القوة المحركة وليس الالحاق او الفرض او تذويب الهوية ، لذلك وفر البعث الفرصة لما يلي :

1 – الشعور العميق والراسخ لدى كل مواطن عربي وعراقي بان فكر وممارسة البعث لا يقومان على التمييز الديني والطائفي والعرقي ، باي شكل من الاشكال ، لانه يضم في صفوفه كل مكونات العراق والاقطار العربية الاخرى ، وعلى قاعدة التساوي الكامل في المواطنة ، والاختيار الحر والتلقائي لهوية المواطن ، دون الحاق او فرض او اجبار . ان مفهوم البعث للقومية والهوية الوطنية اساسة ثقافي تاريخي وليس عرقي او عنصري ، كما وضحنا ، لذلك حل البعث مشكلة الاختيار لدى المواطنين من اصول غير عربية وساواهم بذوي الاصول العربية اصلا ، وبحرية تامة ودون ارهاب .

2 – ان تطبيق هذه المفاهيم الانسانية المتحررة من العنصرية والطائفية والقسر قد اتاح للمناضلين البعثيين الفرص لاثبات ان الامة لن تتحرر الا بالفكر البعثي التحرري والانساني والمتسامح ، وهو ما جعلهم طليعة الامة المحترمة التي نجحت في دحر المد الخميني ، الذي استغل التحريض الطائفي في محاولته اختراق العراق ، لكن شيعة العراق ، بصفتهم عربا اولا ، وقفوا ضد محاولات خميني غزو واستعمار العراق ، كما ان اكراد العراق ، بغالبيتهم وقفوا ضد النزعة الانفصالية للزعامات الكردية ، لانهم عرفوا بالتجربة بان البعث في العراق هو الوحيد في الشرق الاوسط الذي اعترف بهم كقومية مستقلة عن القومية العربية ، مع ان ايران وتركيا ترفضان حتى السماح لاكرادهما بالنطق باللغة الكردية ! وترك البعث للمواطنين الاكراد حق الاختيار القومي من منطلق التساوي الانساني بين الجميع ورفض فكرة وجود قومية افضل من غيرها عرقيا .

3 – وعلى مستوى اجتماعي اقتصادي نجح البعث في تسخير الثروة الوطنية لتحقيق العدالة الاجتماعية بالتساوي بين كل مكونات العراق ، بغض النظر عن الخلفيات الاثنية والدينية والطائفية ، وبذلك عمق الوحدة الوطنية وفوّلذها باساس مادي اكد صدق النظرية البعثية .

4 – اما على المستوى السياسي فقد تميز نظام البعث بانه نظام ضم في صفوفه القيادية والقاعدية كل العراقيين ، فالمسيحي موجود الى جانب العربي الشيعي ، والعربي السني والكردي والصابئي والتركماني في مكتب الرئيس الشهيد صدام حسين ، وهو المكتب الاكثر حساسية امنيا وسياسيا ، وفي قيادة الحزب وكافة تسلسلاته ، وفي القوات المسلحة من أعلاها الى ادناها ، لقد تناسجت كافة مكونات العراق في قطعة صلبة من حرير عراقي خاص ومتماسك جدا ولم يكن بامكاننا ان نميز المسيحي عن المسلم والكردي عن العربي والشيعي عن السني خصوصا وان العلاقات الاجتماعية متداخلة كالزواج وغيره .

وفي نظام البعث لم تكن هناك أي قيمة لنسب السكان في احتلال المواقع وتسلم المسئولية ، لان المواطنة المتساوية هي القاعدة الاساسية ، وفي ظل نظام المواطنة المتساوية لا مجال لتخصيص حصص لمكونات السكان . بهذا التركيب الشامل اكد البعث انه حزب معيار التمييز الوحيد فيه هو المواطنة المتساوية ، بغض النظر عن الجنس او الانتماء الديني والاثني والعرقي والايديولوجي .

بفضل ما تقدم اصبح العراق قلعة وطنية صامدة ومتماسكة وشديدة التوحد ، وسط محيط يغلي بالتحريض الطائفي والعنصري ، وهذا هو السر في دحره للخمينية ولكل مؤامرات امريكا واسرائيل واطراف اخرى كثيرة . ونتيجة لذلك برز وضع معقد ففي حين ان امريكا واسرائيل وايران تريد مواصلة عملية شرذمة الاقطار العربية فان وجود العراق القوي المتماسك والمنسجم داخليا وتحت قيادة تحظى بشعبية كبيرة جدا يمنع ذلك ، لهذا كان الحل الوحيد لتمهيد الطريق لتقسيم العراق هو القضاء على البعث كحزب عقائدي ، او ، اذا فشلت خطة القضاء عليه ، فيجب استنزافه وتغيير هويته الحقيقية بمحاولة ادخال النزعات الطائفية او العرقية او الامراض الاجتماعية الاخرى اليه لتسهيل القضاء على رابطته الاساسية وهي رابطة المبادئ القومية والوطنية .

ومرة اخرى ، وبعد سلسلة محاولات استنساخ البعث وتزوير هويته مع ابقاء اسمه ، يفشل تحالف الشر الثلاثي في تغيير هوية البعث عبر وضعه في زاوية حادة ومؤلمة ويخرج البعث قويا محافظا على مبادئه . وهنا اصبح محتما القضاء على البعث كحزب وليس شقه او تفتيته ، فكان الغزو هو الترجمة العملية لذلك القرار وكان قانون اجتثاث البعث ، جسديا وماديا وتنظيميا وفكريا ، هو الحل للقضاء على عنصر الربط والتوحيد بين العراقيين على مستوى التنظيم السياسي والفكر الوطني التوحيدي .

ولكن البعث المتجذر في نفوس العراقيين ينجح مرة اخرى في دحر قانون الاجتثاث بعد الاحتلال ، ويظهر بصفته الحزب الوحيد الذي يملك تنظيما وطنيا يغطي كل العراق ويمثل كل مكوناته الاساسية ، بعد مرور اكثر من اربعة اعوام على الغزو وبعد ان اغتيل واستشهد عشرات الالاف من البعثيين على يد الاحتلال وعلى راسهم سيد شهداء العصر صدام حسين الامين العام للحزب ورفاقه الابرار .

أيها الرفاق :

هذه الحقيقة ليست دعاية ، بل انكم تعرفونها جيدا ، فنظرة واحدة لواقع العراق في السنة الخامسة في ظل الاحتلال ، تظهر للجميع بانه لا يوجد تنظيم سياسي جماهيري ، سواء كان وطنيا او عميلا للاحتلال يمثل كل مكونات العراق سوى البعث ، ففي شمال العراق يوجد حزبان عميلان لامريكا واسرائيل دون ادنى شك ، هما الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ، وهما يمثلان شريحة محدودة من اكراد العراق كما اثبتت الوقائع الميدانية . وفي الجنوب توجد تنظيمات طائفية المبني والمعنى ، أنشأتها ايران كحصان طروادة لها ، لا تمثل الا شريحة محدودة جدا من اهل الجنوب ، وفي الوسط هناك احزاب سنية طائفية لا تمثل الا شرائح محدودة من اهل السنة ، اضافة لتجمعات دينية لا تعد نفسها احزابا سياسية بل مراجع دينية ، ولكنها ايضا تمثل طائفة معينة فقط .

في ظل هذا الوضع فان مشكلة العراق تبدو مركبة وصعبة ، فلكي يكون هناك اتحاد وطني عام حقيقي ومتين يجب ان تكون هناك تنظيمات سياسية تمثل كل العراقيين وليس جزء منهم ، لان اتحاد تنظيمات يمثل كل منها جزء من طائفة لا يؤدي الى اتحاد وطني متين بل يخلق اتفاق مصلحي نفعي يعمل كل طرف فيه للحصول على مكاسب له ولجماعته وليس للعراق ، وهو ما يحصل الان في ظل الاحتلال ، لذلك فان مستقبل العراق في ظل هذا الوضع مظلم ما لم يتصدى تنظيم وطني يمثل كل العراق لمهمة التوحيد .

لقد عرف الاحتلال بحكم تجربة اكثر من اربعة اعوام من الاحتلال بان نجاح البعث في تخطي الكوارث ( خصوصا كارثة اغتيال عشرات الالاف من مناضليه او استشهادهم اثناء الجهاد ضد الاحتلال ) التي حلت به بعد الغزو واحتفاظه بطابعه الوطني مبدئيا وتنظيميا ، اصبح العقبة الاساسية امام تقسيم العراق واستعماره ، لذلك ادخل الاحتلال تعديلا على قانون اجتثاث البعث يقوم على تخفيف الحملة الفاشية عليه واتباع اسلوب اغراء ضعفاء قد يكونون موجودين داخله لجرهم الى اللعبة السياسية ، وبذلك يمهد الطريق لتحقيق هدفين لصالح الاحتلال : شق الحزب واضعافه ، وكسب جماعة من داخلة وتحويلها الى كلب حراسة للاحتلال ، وبذلك يمكن تحويل البعث ( حاشا الله ) ليصبح مثل أي حزب اخر موجود في العراق وهو انه محدود الانتشار ومن تسهل السيطرة عليه .

متطلبات تحرير العراق

في ضوء ماتقدم فان تحرير العراق يحتاج لاشتراطات محددة ودقيقة اهمها :

1 – وجود تنظيم وطني يمثل كل مكونات شعب العراق بلا استثناء لضمان المحافظة على الوحدة الوطنية .

2 – ان يغطي التنظيم كل القطر العراقي من شماله الى حنوبه ومن شرقة الى غربه لتأكيد قدرته على الامساك بالقطر بصورة ممتازة في مرحلة طرد الاحتلال وعملاء الاحتلال .

3 – ان يملك خبرة عميقة وغنية في تأسيس الدولة وبناء الحكومات وادارتها باقتدار لان الشعب العراقي الذي عانى من اقسى اشكال التعذيب الاقتصادي والاجتماعي والامني نتيجة الحصار والغزو ، لذلك فان تعويضه بتوفير الخدمات كافة وباسرع وقت يعد من المهام الوطنية الاولى والاساسية ، وهي مهمة لا يمكن تحقيقها الا بالاعتماد على خبرة الدولة الوطنية التي دمرها الاحتلال لكون اغلب كوادرها وخبراءها موجودون وتحت الطلب الوطني العام .

4 – ان يملك تنظيم عسكري كبير ومتماسك يضمن حماية الوطن باسرع وقت بعد التحرير وعدم الاضطرار للانتظار عقودا من الزمن لبناء قوات مسلحة جديدة .

5 – ان يملك قوى امن داخلية مجربة وتتقن امكانية ضبط امن المواطنين وامن الدولة ، لان المطلوب اثناء وبعد التحرير مباشرة ان يجد المواطن ان هناك من يحميه ويقدم له الامن الفوري لا ان ينتظر سنوات لبناء قوى امن داخلي مع انها موجودة وجاهزة للعمل الفوري وخلال ساعات .

ان هذه المتطلبات الاساسية لانقاذ العراق من محنته لم تغب عن بال الاحتلال ، وهو يعرف على وجه اليقين بان البعث يملكها كلها وانها تحت يده ، لذلك فان خطته قامت على تدمير هذه المتطلبات وعدم السماح بتوفرها من خلال التركيز على ما سمي ب ( اجتثاث البعث ) ، وهي سياسة تقوم بالاساس على فكرة حرمان الشعب العراقي من واحد من اهم شروط تحريره من الاحتلال ومآسيه وهو شرط وجود اداة وطنية متماسكة تستطيع حماية وحدة العراق ، من جهة ، وتأمين فوري لاعادة تشغيل الدولة العراقية واجهزتها التي دمرت باسرع وقت من جهة ثانية . ان قانون اجتثاث البعث هو في المقام الاول سياسة هدفها حرمان الشعب العراقي من القوة المركزية التي تضمن وحدته وفاعليته الحاسمة عند التحرير واعادة بناء الدولة العراقية . ونحن البعثيون نعرف هذه الحقيقة لذلك تحملنا الثمن الاغلى من التضحيات منذ الغزو على مستوى التنظيمات ، من اجل ان لا نسمح للاحتلال بافقاد الشعب الامل الاساس في التحرير القائم على شرط وجود تنظيم وطني يغطي القطر العراقي ويكون بنفس الوقت ملتزما باقامة حكم وطني ائتلافي ديمقراطي لا يقصي احد ممن ناضلوا ضد الاحتلال ، وهذا هو البديل الوطني الوحيد في العراق المحتل .

ان الارتباط الشرطي بين تحرير العراق ووجود البعث كعنصر استقطاب وطني عام ، وبصفته الحزب الوطني الام ، الذي يغطي القطر كله بتنظيماته ويمثل كافة مكونات الشعب العراقي ، يفرض واجبا وطنيا مقدسا ليس على البعثيين فقط بل على كل عراقي يريد تحرير العراق وهو حماية البعث والدفاع عنه ضد كل محاولات الاجتثاث ، وزيادة الدعم الجماهيري له ، وبالاخص التخلي عن نزعة المشاكسة الحزبية الناجمة عن صراعات الماضي السلبي . اما واجب كل بعثي فهو الدفاع عن وحدة الحزب ليس بصفتها ضرورة حزبية فقط بل لانها ضرورة وطنية عراقية عامة ، وضرورة قومية عربية كما وضحنا .

ان البعث هو الطليعة التي تصدت وتتصدى للحملات الاستعمارية الغربية والصهيونية والايرانية ، قبل الغزو وبعده ، والاستعمار الامريكي والايراني والصهيوني هو الذي حدد هذه الحقيقة وهي ان البعث هو العدو الاول له ، بدليل شن حرب الابادة الجسدية والفكرية والتنظيمية المستمرة على البعثيين بلا هوادة او رحمة . كما ان انفراد هذه القوى الاستعمارية ، المتعاونة ضد البعث والامة العربية ، بتبني سياسة اجتثاث لم يسبق تبني مثلها ، في الشمول والقسوة والاصرار ، حتى ضد النازية والفاشية والشيوعية ، نقول ان ذلك ينطوي على دلالات عميقة يجب ان لا نتجاوزها او نهملها ، ومنها دلالة ان العداء المتجذر للبعث من قبل الاعداء المشتركين يقدم لنا الصورة الحقيقية للبعث ودوره واهميته في انقاذ الامة ، واذا اردنا ان نعرف خارطة طريق الانقاذ والتحرر لا يجوز تناسي هذه الحقيقة .

البعثي اول من يضحي واخر من يتمتع

نحن البعثيون ، الذين كرمنا الله بان اختارنا لنخوض اشرف معارك الوطن والامة والمبادئ ، مطالبون اليوم بان نكون اكثر انضباطا حزبيا واعمق ايمانا باننا جنود وخدم للشعب ولسنا طلاب سلطة او جاه او ومنافع شخصية ، واشد تواضعا ونكرانا للذات ونحن نواجه تحدي ابادة الالاف من ابناء شعبنا العظيم . وقبل هذا وذاك فان المعيار الاول لبعثية كل مناضل هو تمسكه التام بالأطر الحزبية الشرعية وتجنب الوقوع في فخ التعب وخيارات المتعبين الانتهازية ، لان الانتهازية في ظل الاحتلال هي قرين الخيانة الوطنية العظمى لانها تختلف عن الانتهازية في ظل وطن متحرر ، والتي تعد عملا لا اخلاقيا ومدانا .

ان إحدى اهم ميزات الحركات التاريخية هي انها تبدأ من الاستفادة من دروس اخطاء غيرها والتعلم منها وتجنب الوقوع فيها . ان الخطأ ظاهرة بشرية طبيعية لكن تكرار الاخطاء هو غير الطبيعي . لذلك فان اهم ميزات الحركات التاريخية هي انها تختار قادتها من بين الاكثر حكمة وتجربة ووعيا وشجاعة ، وعلى اسس مبدئية صارمة ، لانها تحمل رسالة تاريخية تغير الواقع جذريا ، وتحتاج الى نظرة ثاقبة وقدرة على التغيير باقل الخسائر ، وهذه الشروط مستحيلة التوفر في اشخاص الا اذا كانوا قادرين على التعلم من تجارب الماضي .

وهنا علينا ان لا ننسى بانه لا يمكن لسياسة الاجتثاث ان تطبق وتنجح مالم يشيطن البعث ، أي ان تشوه صورته امام الناس ، واول واخطر مظاهر الشيطنة هي التقليل من شأن كوادره وقياداته عن طريق دفع بعضهم للتصرف بطريقة صبيانية لا تحسب النتائج والاثار بدقة ووعي وشعور عال بالمسئولية . ولعل من اهم الاساليب الصبيانية التي تشيطن الحزب هي استسهال التجاوز على الحزب وقياداته ونظامه وانضباطه الحزبي ، والدليل على صحة ذلك هو ان حدوث محاولة التأمر على الحزب ، من قبل عصابة تقيم في سوريا ، قد اعطى لاعداء الحزب الفرصة للتشكيك بسلامة نهج الحزب وقدرة مناضليه على تحمل المسئولية الوطنية والقومية . من هنا فان التصرفات الصبيانية التي تصدر عن بعض الحزبيين لا تبقى مجرد عمل صبياني بل تصبح عملا تخريبيا وتآمريا خطيرا ، مهما كانت نوايا الصبيان .

ما معنى هذا ؟ المعنى الابرز هو ان العدو المشترك يلجأ الى ممارسة تكتيك سرطاني رهيب هو محاولة زرع الانشقاقات داخل المغناطيس التوحيدي الرئيس للشعب العراقي وهو البعث ، لذا فان انقاذ العراق والامة العربية يبدأ بالمحافظة على البعث تنظيما وفكرا ونهجا سياسيا ، والوطني الحقيقي ، سواء كان بعثيا او غير ذلك ، هو الذي يدافع عن البعث ويتحالف معه بصفته القوة الاساسية التي يعتمد تحرير العراق وأعادة بناءه عليها ، أما أولئك الذين يتصرفون بطريقة تشجع على شق الصفوف فهم دون ادنى شك يخدمون الاحتلال .

ان الشعار الاول والمركزي للبعث الان هو : انا ملتزم اذن انا بعثي .

Salah_almukhtar@gawab.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس /  29 رمضان 1428 هـ  الموافق  11 / تشــريــن الاول / 2007 م