بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

طليعة لبنان الواحد عدد منتصف تشرين الأول 2007
الافتتاحية
في معركة البدائل بين المقاومة والاحتلال
توحيد فصائل الجهاد والتحرير قوة حاسمة في الرد على قرار تقسيم الكونغرس الأميركي للعراق

 

 

شبكة المنصور

طليعة لبنان الواحد

 

اعترف أكثر من مسؤول أميركي، عسكري وسياسي من مؤيدي إدارة جورج بوش، ومن خارج تلك الإدارة، أن المقاومة الوطنية العراقية تتميز بحيوية فائقة في تغيير وسائلها التكتيكية والتجديد فيها بما يتناسب مع متغيرات تكتيكات الاحتلال الأميركي.

كما اعترف هؤلاء أن المقاومة، كما هي قادرة على الرد على كل ما هو عسكري جديد، فهي قادرة أيضاً على الرد سياسياً على كل ما هو جديد من متغيرات سياسة الإدارة.

وبالإجمال فإنه بعد تقريريْ كروكر باتريوس، فقد تولَّدت عند الإدارة قناعة غير معلنة بأن مشروع الاحتلال سائر باتجاه الهزيمة إذا لم يكن يتخبط في وحولها. ففتحت ملفاً من ملفاتها النائمة في الأدراج، وهو الملف الذي أعدت له الإدارة مستلزمات تطبيقه في شمال العراق منذ بداية الاحتلال. ومن أهم دعاماته: هدف انفصالي كردي، ومساعدات صهيونية كبيرة متعددة الجوانب، وحماية عسكرية وسياسية أميركية. ودفعت أحد أركانها من الجمهوريين الصهاينة لتقديمه للكونغرس الأميركي الذي واقف عليه بأكثرية ساحقة، كشف فيها عن الوجه القبيح للحزب الديموقراطي المؤيد بحماس لكل طلب صهيوني.

إن من أهم دلائل الهزيمة الأميركية، التي كشف عنها إعلان تقسيم العراق، هو أن إدارة بوش لم تكن لترضى بشمال العراق وحده لو أنها استطاعت ابتلاع العراق كله. ولذا فقد رمت بهذا المشروع، كاختبار لردود الفعل، ومن أهم تلك الردود هو تحفيز جديد لعملائها ببذل الجهد من أجل إجراء وهم مصالحة وطنية من جانب، وتوفير قوى عميلة تتولى أمن قوات الاحتلال وتخفيض خسائرها بالأرواح من جانب آخر.

كما كانت كل حسابات الإدارة، منذ احتلال العراق حتى الآن، خاطئة. وهي قد بلغت الآلاف كما اعترفت كوندوليزا رايس بذلك، وهي الآن أيضاً قد أخطأت الحسابات في الكشف عن نواياها الحقيقية في إعلان تقسيم العراق، ظناً منها أنها ستنجح في مشروعها الجديد.

لم تحسب الإدارة يوماً أن قرار احتلال أرض له جناحان: جناح الاحتلال وجناح المقاومة، فهي قد طارت على جناح واحد: النصر الحتمي للاحتلال، وتجاهلت الجناح الآخر. وهي وإن كانت قد حسبت للمقاومة حساباً فإنما اعتبرت أنها قد تنطلق من قبل فلول متضررة بموقعها السياسي، أو الوظيفي، أو المعيشي، ولهذا حسبت أنها ستشتري هؤلاء بما يسد حاجاتهم المادية. ولهذا فقد دخلت اللعبة في العراق المحتل من بوابة حساباتها، وتناست أن للمقاومة أهدافاً أخرى لا علاقة لها بالجوانب المادية، وإنما يأتي الشعور بالسيادة الوطنية الذي لا يسبقه شعور آخر، في أساسيات الدفاع عن الأرض، أو تحريرها إذا وقعت تحت الاحتلال.

أما وقد أعلنت الإدارة قرار تقسيم العراق، فإنها قد وقعت في حسابات خاطئة أخرى، لأنها ليست هي صاحبة الحق بذلك، ولا هي أيضاً من يستطيع تنفيذه. فلتقسيم العراق شروط لا يمكن تمريره إلاَّ عبرها، ويأتي الإجماع الشعبي العراقي في المقدمة منها.

لقد حاولت إدارة الاحتلال منذ وطأت أقدامها أرض العراق أن توحي بأنها قامت بما قامت به مساعدة للعراقيين في التخلص من الحكم الوطني لحزب البعث العربي الاشتراكي. بينما لم يكن هؤلاء الذين ساعدتهم إلاَّ حفنة من العملاء والخونة، وهم لا يمثلون شعبهم العراقي على الإطلاق لأن من يتآمر على بلده، ويخونه، فإن صفة المواطنة تسقط عنه لأسباب أولها أخلاقي وثانيها قانوني وشرعي. لكنها حاولت تزييف وجوههم بشتى المساحيق الدولية والأممية، ومسرحيات تلوينهم بشرعية شعبية ودستورية من أجل الحصول منهم على تواقيع تقسيم العراق تحت صيغة دستور مزيَّف. وعلى الرغم من كل ذلك، فقد سقط مشروع الاحتلال وهو يقف على أبواب الهزيمة النهائية، التي لن تجملها مزاعم جورج بوش بالنصر.

أما اليوم، وقد اختار الكونغرس الأميركي، قرار تقسيم العراق، لكي يحصل منه على حظ بالبقاء في شماله، فإنه هذه المرة كان قراراً غير محمي دولياً وعراقياً، بخاصة وقد انفضَّ عن حماية الاحتلال أكثر الدول التي ساندته بداية وما فتئت أن انفضت عنه، ولعلَّ الحليف البريطاني هو المثل الصارخ على ذلك. كما أن هذا القرار لم يلق، ولن يلقى، تأييداً من عدد من عملاء الاحتلال الذين انخرطوا معه وقاوموا بحمايته سياسياً وشعبياً، ومن أهمهم أولئك الذين زعموا أنهم يمثلون وسط العراق وغربه. ولعلَّ الحزب الإسلامي العراقي، وبعض رؤوساء العشائر في الأنبار هو المثل العراقي الواضح.

على الرغم من اتساع مساحة المؤيدين الدوليين في بداية الاحتلال، التي ضاقت بعد مرور أربع سنوات إلى درجة طوقت إدارة بوش بخناق قاتل. وعلى الرغم من اتساع مساحة المؤيدين العراقيين قبل الاحتلال أيضاً، التي ضاقت في هذه المرحلة، وتضيِّق الخناق على تلك الإدارة.

وعلى الرغم من مساعدة الأنظمة العربية الرسمية للاحتلال، فإن رقعتها تضيق الآن، ويشتم المراقب لحركتها روائح التململ، ويسمع دقات قلوب رؤسائها من الخوف، بعد أن تهاوت أحلام الاحتلال، وبعد أن انتشرت روائح تقسيم العراق، وعبأت أجواء تلك الأنظمة التي راحت تعمل لإبعاد حبل مشنقة التقسيم عن رقابها.

وعلى الرغم من أن بعض دول الجوار غطست في مؤامرة الاحتلال الأميركي، وفي مؤامرة تقسيمه أخذت تحس بلدغات جمر تقسيم المنطقة، ومنها تكريس الانفصالية الكردية.

على الرغم من كل ذلك، أي على الرغم من أن تلك الأطراف قد وقفت عاجزة عن توفير النصر للاحتلال الأميركي، أو توفير عوامل إنقاذه، فهل يستطيع بمساعدة الصهيونية وحدها، ومساعدة الأكراد وحدهم، أن يضمن النجاح لمشروع تقسيم هزيل بالكاد يستطيع المتفقون عليه أن يحموا أنفسهم في العراق؟

لقد أثبتت المقاومة العراقية، منذ بداية الاحتلال، وفي ذروة قوته الذاتية، وذروة التأييد الدولي والعربي، كما في ذروة التأييد العراقي، أنها قادرة على إفشاله، وقد أفشلته بالفعل. فهل تعجز المقاومة عن إفشال ذلك المشروع، خاصة وقد تكاثر رافضوه، وبهذا الرفض قلَّ نصير الاحتلال، وتكاثر نصير المقاومة؟

لم يبتهج جورج بوش طويلاً في انتصار مشروعه في الكونغرس، ولم يهنأ بتغيير تكتيكه السياسي الجديد، لأن جواب المقاومة جاء سريعاً في إعلان توحيد الفصائل المقاتلة تحت صيغة جبهوية (القيادة العليا للجهاد والتغيير)، التي ضمت عشرات الفصائل الوطنية والقومية والإسلامية، بثقلها الشعبي الذي يتوزع من جنوب العراق إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، متجاوزاً الفرقة الطائفية والعرقية، مؤكداً ثوابته في تحرير العراق تحريراً كاملاً وناجزاً، من الاحتلال الأميركي وغيره ممن أعلن استعداده لأن يملأ الفراغ الأمني والعسكري والسياسي الذي سيتركه الاحتلال الأميركي قريباً.

إن وضع مستقبل العراق، هو أمانة بيد المقاومة الوطنية العراقية، كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي، وعلى كل من لديهم حسابات أخرى، فستكون حسابات خاطئة، وعليهم أن يصححوها قبل فوات الأوان.
وإن مقاومة تتميز بالوضوح الاستراتيجي، والثبات الثوري، والحيوية في ممارسة مهماتها، ستكون جديرة بإعادة الوجه الوطني للعراق، موحداً سيداً عربياً.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  06 شــــوال 1428 هـ  الموافق  17 / تشــريــن الاول / 2007 م