بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

صَمْتُ العرب

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 د. عبدالله عمران

 

مع قرب مرور خمس سنوات على غزو العراق واحتلاله، وتواصل شلال الدم في هذا البلد العربي الكبير والأصيل، يبدو التجاهل العربي الرسمي، والشعبي في آن، لما جرى ويجري في العراق مثيراً للاستغراب والاستهجان، وكذلك الغضب والاستنكار.

خمس سنوات مرت والعرب يحصون أيام العراق بأعداد القتلى، كأن ما يجري مسلسل تلفزيوني، مع أن النار فيه تأكل الناس وحاضر العراق ومستقبله، ووحدته الوطنية وعمرانه وعلماءه وثرواته.

ما جرى للعراق بتحوله من جمهورية للرعب إلى امبراطورية للرعب والاقتتال، هو من نتائج هذا الاحتلال في الأساس، مهما حاولت الإدارة الأمريكية المتطرفة الدفاع عن أخطائها، ولا نبرئ ساسة عهد الاحتلال، وزعماء الميليشيات الطوائفية، من صناعة هذا الجحيم، الذي صار حاضنة لأنواع مختلفة من العنف والإرهاب والمقاومة في آن، وساحة مفتوحة لتدخلات قوى غير عربية في الشأن العراقي، وتقرير مصيره.
إن مديونية العرب السياسية، وحتى الأخلاقية، تجاه العراق، تتفاقم يوماً بعد يوم، مع استفحال ودوام أزمنة الصمت والخذلان، وإغماض العيون، حينما يصل الرئيس الإيراني إلى بغداد، في ظل احتلال فصيح، ومناخ عربي من الفرار، يوجع العقل والوجدان، ونخشى أن يوصلنا إلى آفاق بعيدة من التقزيم والتفريط لقضايا عربية مفصلية، قديمة وجديدة، وأخرى لم تولد بعد.

في العراق، طُردنا كعرب من التاريخ، لتجيء أمريكا وبريطانيا وإيران وتركيا، وقوى ما هبّ ودبّ. وفي فلسطين طُردنا كعرب من الجغرافيا، حتى المبادرة “السلامية” العربية طردت من المداولة في لحظة الولادة، ولا يجرؤ أحد على التطوع لنعيها، حيث الكل في قارب مثقوب تحت كل المقاعد.

ما الذي يحرف أبصارنا كعرب عن قضايانا الحيوية والمصيرية، في فلسطين والعراق، من خلال استبدال قضايا هامشية بها، فلا نفرِّق فيها بين الماء والسراب، حتى وصلنا إلى حال من العراك والاشتباك، مثير للاشمئزاز والإشفاق معاً.

العراق ينهي عامه الخامس من الغزو والاحتلال والتذرر، بعد أقل من أسبوعين، والعرب تحولوا إلى متفرجين على مصيره وعروبته وترابه الجامع التاريخي، ولا يملكون حتى التفكير في محاولات للاستدراك، فأي منطق وأية مصلحة قومية ووطنية وأي تفسير هذا الذي يجيز الصمت على هذا المشهد الدرامي، الذي تختلط فيه “الأجندات” الخارجية بالعمى السياسي، بالديناميات المدمرة التي يفرزها الاحتلال.

إن صمت العرب في مسألة العراق يسهل ترجمته لو قرأناه من سطحه وظواهره، لكن ترجمة الجزء الغاطس من جبل الصمت - الجليد، تحتاج إلى ضليع في علم البكم، وفقه الخروج من التاريخ.

 

http://www.alkhaleej.co.ae/articles/show_article.cfm?val=489403

 

 

 

شبكة المنصور

                                            الاثنين /  03  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  10 / أذار / 2008 م