بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ضيف ثقيل الظل جدا
زيارة الرئيس نجادي للعراق

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

أثارت زيارة الرئيس الإيراني مؤخرا للعراق الكثير من ردود الفعل المتباينة بين مؤيد ومعارض وكانت معظمها حادة وهي نتيجة حتمية للمواقف المتعارضة ما بين مؤيد أو معارض للعملية السياسية في ظل الاحتلال, فالذين أيدوا أو عارضوا الزيارة لم يخرجوا عن هذا الإطار, ففي الوقت الذي عارضتها القوى الوطنية التي تحمل الجارة المسلمة المسئولية الثانية بعد قوات الاحتلال عن الدمار والخراب الذي لحق بالعراق, فأن القوى الحكومية والمنطوية تحت جناح الاحتلال والأحزاب العراقية اليتيمة الني تبنتها إيران في المنفى كانوا من ابرز مؤيدي الزيارة وانطوى آخرين لمعارضتها أو تأييدها لأسباب طائفية وعنصرية نحن في غنى عنها في الوقت الحاضر فالذي فينا يكفينا ,وكان الموقف الشعبي بدوره متباين بنفس الحدة, ففي الوقت الذي رفعت لافتات وشعارات معارضة للزيارة في مسيرات شعبية في الانبار وديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل فأن صور الخمينيي رفعت في مسيرات أخرى داخل كربلاء والنجف معلنا الولاء والوفاء لمن تجرع السم لحقن دماء المسلمين, وكي نحاول الابتعاد قليلا عن التسميات التي ما فتأت تطلق عل كل من يحاول أن يحلل الأمور بشكل عقلاني وعلمي فأننا سنحاول أن نبحث نواة الزيارة ونبتعد عن قشورها قدر الإمكان.

توقيت الزيارة ومراسيمها لم تكن مختلفة عن بقية الزيارات التي يقوم بها الرؤساء عادة بالرغم من الإجراءات البروتوكولية الضعيفة التي رافقتها وكأنك لا تشعر بأن هناك استقبال رسمي على مستوى الرؤساء, مع الأخذ بنظر الاعتبار اختفاء الاحتفال الرسمي وهو أمر معقول في ظل الظروف الأمنية المضطربة التي تقتضي اتخاذ تدابير الحيطة والحذر لثاني رئيس بعد الرئيس بوش له حظوة ومكانة ودور فاعل على المشهد العراقي, وبالرغم من أن البعض اعتبرها زيارة تاريخية وهي كذلك بحد ذاتها فأن هناك من اعترض عنها ولكن لا بد من تفسير معنى تاريخية كي نقرب وجهات النظر, فمنذ سقوط نظام الشاه وتسلم الخميني دفة الحكم في إيران لم يقم أي رئيس إيراني بزيارة رسمية للعراق وهو أمر له مبرراته, فدماء الشهداء لم تنشف بعد من تربة العراق كما أن أسرى الحرب العراقية الإيرانية لم ينسوا بعد التعذيب على أيدي النظام الإيراني مازالت آثاره شاخصة على أجسادهم, كما أن معوقي الحرب مابرحوا كراسيهم أو امتطاء أطرافهم الاصطناعية, والأمهات والأرامل والأيتام ما برحوا ثكلى يفتقدون محبيهم, وآثار الخراب الناجمة عن الحرب مازالت هياكلها تحكي قصصها في بلاط الشهداء وغيرها, كما إن الحرب انتهت حيث ابتدأت ورجعت اتفاقية عام 1975 إلى مكانها بالرغم من أن الطرفين ألغياها ويفترض حسب القانون الدولي أن يوقع الطرفان اتفاقا جديدا على أحيائها والالتزام بها, ولم تلتزم إيران بإعادة الأراضي العراقية في سيف سعد وزين القوس ومناطق أخرى إلى الوطن الأم العراق حسب الاتفاقية ومازال شط العرب يكرم إيران بالمزيد من الأراضي بفعل التجريف وتآكل جوانبه على حساب العراق, ومازالت أمانة العراق في ذمة إيران من طائرات (137) طائرة مدنية وعسكرية, مع علمنا أن الطائرات ليست أمانة في الوقت الحاضر فقد أدخلت في نطاق الخدمة المدنية والعسكرية في إيران, ما تزال إيران وأبواقها يطبلون بتعويضها عن الحرب وبطريقة بعيدة عن المواطنة الحقيقية, يفترون على النظام العراقي السابق ويحملونه مسئولية إعلان الحرب متناسين أهم أمر وهو انه لم يثبت وفق قرارات الأمم المتحدة بأن العراق بدأ الحرب, وما عدا إيران وبعض الاحزاب العراقية التي فقست فيها وتحكم العراق حاليا هي التي تشيع هذه الأفكار الخاطئة وتحمل الوطن وليس النظام السابق هذه المسئولية, متجاهلين انه حتى على سبيل الافتراض لو أن العراق فعلا بدأ الحرب فأنه يتحمل مسئوليتها لمدة أسبوع واحد فقط لأنه أعلن بعدها استعداده لوقف الحرب, ولكن حكام إيران رفضوا ذلك كما رفضوا كل الوساطات الحميدة لوقفها بمعنى إنهم يتحملون إطالتها لثمان سنوات وهم يفترض أن يعوضوا العراق عن إطالة الحرب, وباعتبار أن الرئيس نجادي كان من قادة الحرس الثوري أبان الحرب العراقية الإيرانية فهذه يستدعي بالضرورة وجود كراهية من الرأي العام العراقي له. وقد عبرت وكالة الاسوشييتد بريس بقولها إنها مسألة دراماتيكية بالنسبة للرئيس نجادي الذي قاتل العراقيين ضمن قوات الحرس الثوري أن يزور العراق ويتحدث عن أهمية" إزالة نظام الدكتاتور" كما سماه وأن يجد الأبواب مفتوحة ليوقع المزيد من الاتفاقيات على هامش النفوذ الإيراني التوسعي في العراق

وإذا انتقلنا إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة أثارت الكثير من اللغط, وذات تسمية مزدوجة عند العراقيين طرفا يدعوها بالانتفاضة الشعبانية وطرف آخر يسميها صفحة الغدر والخيانة والتي أدت إلى تخريب ونهب مؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى في معظم محافظات العراق فقد أثبتت الوقائع حينها بأن إيران كانت المحرك الرئيسي لها وألقي القبض حينذاك على أكثر من (100) عنصر مخابراتي إيراني خلالها تمت مبادلتهم ببقية أسرى الحرب من العراقيين وكان أسم نجادي لامعا من بين المخططين لهذه الفوضى.

وفي الغزو الأخير اعترف المسئولون الإيرانيون صراحة بأنه لولا إيران لما تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من غزو العراق, وهي عبارة أكدها أكثر من مسئول ابتدءا من رفسنجاني نزولا إلى ابطحي, وهذا يعني أن إيران تتحمل مسئولية النتائج المأساوية التي حصلت في العراق من قتل مليون عراقي وتشريد أربعة ملايين داخل وخارج العراق والدمار والتخريب الذي عصف بكل مؤسسات الدولة العراقية.

ولننتقل إلى مرحلة الزيارة وقبلها بأيام وخلالها ونستشف شيئا من مكنوناتها الغريبة, فقد جاءت الزيارة في أوضاع غير طبيعية لا تشجع مطلقا على تحقيقها, فالوضع في شمال العراق مضطرب بسبب الاجتياح التركي لملاحقة عناصر حزب العمل الإرهابي, كما أن الجنوب غير مستقر بسبب المعارك المعلنة والمتسترة بين عناصر بدر والتيار الصدري, كما أن محافظ البصرة سبق أن اتهم القنصلية الإيرانية بالتدبير لاغتياله مطالبا بغلقها لأن خرجت عن نطاق عملها بما يتنافى واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية ولكنه مع الزيارة نفى تصريحاته السابقة, كما أن محافظة ميسان شهدت مهاترات بين المسئولين العراقيين حول الاستيلاء على آبار نفط في منطقة الطيب من قبل الإيرانيين وطرد المهندسين العراقيين منها وفي الوقت الذي أنكر وزير النفط حسين الشهرستاني هذه السرقات ما لبث أن رجع إلى وعيه واعترف بها بعد أن أوقع وفد خارجية المفاوض في مطبات هو في غنى عنها. كما أن هناك صراع معلن بين البدريين والصدريين حول انتخابات مجالس المحافظات والتي من المتوقع أن تشعل فتيل التيار الصدري لقلب الموازين بعد أن أجهض نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي التصويت على مشروع القرار في البرلمان بتأثير اللوبي الإيراني, كما اتهم رئيس المخابرات العراقية الشهواني إيران بتدبير مخطط لإفشال مجالس الصحوة. يضاف إلى ذلك أخيرا الهفوة التي نطق بها الرئيس الطلباني حول إلغاء اتفاقية شط العرب عام 1975 من ثم اعتذاره بأنها كانت زلة لسان, وقبلت منه على مضض لأن لسانه غير عربي.

الأوضاع في المنطقة الجنوبية والوسطى كانت متوترة بفعل مراسيم عاشوراء والمسيرة المليونية الراجلة وانشغال القوات المسلحة وغير المسلحة بتأمينها, وديالى تشهد مشاكل عديدة بعد تمرد رجال الصحوة بسبب قائد الشرطة القريشي المفروض عليهم وهو ايرانى الهوى وينفذ أجندتها, وقوات الاحتلال ترفع عقيرتها متهمة إيران بأنها ما تزال تصدر الإرهابيين والأسلحة للعراق, وقد عبر الأدميرال غريغوري سميث الناطق باسم الجيش الأمريكي عن أمله عن تحقيق نتائج ملموسة للاجتماعات بين الطرفين العراقي ونظيره الإيراني بتخفيض العنف فيما إذا تخلت إيران عن دعم الميليشيات الشيعية وتزويدها بالأسلحة وتمويلها.

الأوضاع الدولية لم تكن تساعد على الزيارة فقد تزامنت مع إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا جديدا برقم(1803) بموافقة أربعة عشر عضوا من ضمنهم فيتنام وليبيا لتشديد العقوبات الاقتصادية والتجارية بعد فشل الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إقناع إيران بإبداء المزيد من التعاون بشأن برنامجها النووي, وقد اتهم ممثل إيران الدائم في الأمم المتحدة محمد خزائي مجلس الأمن بأنه انحدر ليصبح مجرد أداة لتنفيذ السياسة الخارجية لبعض أعضائه, والمقصود بهم الولايات المتحدة وبريطانيا. كما أن هناك مغالطات حول عقد مؤتمر القمة العربية القادم في سوريا وسط إشاعات بقلة أو انخفاض مستوى المشاركة فيه, سيما أن موضوع لبنان لم يحسم بعد, يضاف إلى ذلك تطور الخلافات بين حزب الله الذي تدعمه إيران والكيان الصهيوني والتهديد بشن حرب مفتوحة بين الطرفين, يضاف إلى ذلك الهجمات الإسرائيلية على غزة والتي أسفرت عن عديد كبير من القتلى.

نستنتج من هذا كله إن توقيت الزيارة لم يكن موفقا من ناحية ظروف العراق الداخلية والوضع الإيراني المتأزم بعد صدور قرار مجلس الأمن, ناهيك عن مسألة اشد أهمية من هذا كله وهو أن العراق كواقع حال بلدا محتلاً وهذا ما أكده الإيرانيون قبل غيرهم بمعنى أن العراق ناقص السيادة ومن الغريب أن يتحدث نجادي عن موضوع السيادة بطريقة الطلاسم ينكرها ويناصرها في الوقت ذاته, ففي مؤتمره الذي عقد في المنطقة الخضراء أشار بأن عراقا موحدا وذي سيادة ومتقدما سيكون مفيدا لدول المنطقة كلها ولشعب إيران بالذات, وهذا أمر يتنافى مع كل الوقائع فسيادة العراق ذهبت إدراج الرياح بفعل التسهيلات التي قدمتها إيران للشيطان الأكبر لغزوه , كما أن العراق الموحد يتنافى مع مفهوم الفدرالية الذي يرعاه عبد العزيز الحكيم وهو أداة إيران التنفيذية في العراق, علاوة على أن تقدم العراق من شأنه أن يهدد مكانة إيران كدولة تطمح بأن تكون لها السيادة المطلقة ليست على منطقة الخليج فحسب وإنما على منطقة الشرق الأوسط, ولولا تدمير العراق لما تمكنت من إيران من تبوأ مركز الصدارة.

بالرغم من التصريحات الإيرانية التي سبقت الزيارة التي ادعت بأن الرئيس الإيراني سوف لا يزور المنطقة الخضراء ولا يلتقي بأي مسئول أمريكي, فأن هذه التصريحات ليست أكثر من زوبعة في فنجان, فالكل يعلم بأن الولايات المتحدة هي الحاكم الفعلي للعراق وان مسئولي الحكومة العراقية ليسوا سوى ألاعيب تحرك بواسطة الريموت كونترول الأحتلالي, ولا يمكن أن تتحقق مثل هذه الزيارة بدون الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي, وقد ذكر المحلل السياسي دارفيوس بأن الولايات المتحدة بغزوها العراق قد حققت الحلم الإيراني الموروث بالتغلغل السري والعلني في هذا البلد, وهذا يؤكد وجود تنسيق بين الأطراف الثلاثة بشأن الزيارة. وكان الدليل أوضح من أشعة الشمس فقد عقدت المؤتمرات في المنطقة الخضراء وكانت حماية الرئيس الإيراني من قبل القوات الأمريكية بالإضافة إلى البيشمركة والقوات الإيرانية المتجحفلة معها, ولا شك أن وصول الادميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى العراق مع وجود نجادي يميط اللثام عن وجود اجتماعات سرية مشتركة لم يحضرها أي مسئول عراقي, أما الاتهامات التي تبادلها الطرفان فلم تتجاوز عملية ذر الرماد في العيون, ففي الوقت الذي صرح فيه نجادي خلال لقائه بالحكيم بأن " منطقة الشرق الأوسط لم تعرف فيما سبق مثل هذا الوجود الإرهابي قبل قدوم الأمريكان لها" وتحذير الرئيس بوش لنجادي من تصدير إرهابيين والعنف إلى العراق, كما أن رد اللفتانت جنرال راي اوديرنو بأن إيران تشكل أكبر تهديد في الأجل الطويل لاستقرار العراق في اليوم التالي لزيارة نجادي تأتي جميعا وفق هذا المنظور.

سنحاول هنا إثارة بعض النقاط المهمة الأخرى للزيارة عسى أن تساهم في كشف الجانب المظلم من الزيارة ومنها.

أشارت المصادر العراقية والإيرانية بأن الهدف منها هو تعزيز أواصر الصداقة بين البلدين ودعم انسجام واستقلال واقتدار العراق إضافة إلى التعاون بين الشعبين والتنسيق في القضايا الإقليمية وكذلك التوقيع على اتفاقيات سياسية واقتصادية بين الجانبين ومن الغريب أن هذه الاتفاقيات كما هي العادة في العلاقات الدولية وما يتمخض عنها يعلن على الملا ولا يستر بحجاب, وهذا أمر محير وشاذ يصعب هضمه.

من جهة ثانية يعتبر الوضع الأمني مشكلة العراق الرئيسية وأن لإيران الدور المهم في نشر الفوضى كما أعلن اوديرنو موضحا أن الولايات المتحدة لديها أدلة واضحة عن استمرار إيران بتدريب مجموعات خاصة شيعية, وما زلنا نعثر على كثير من الأسلحة والذخيرة القادمة من إيران, وهو نفس ما ردده فالون أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي بقوله نعمل جادين لوقف النفوذ الإيراني في العراق, كما أن دور الميليشيات التابعة لايران لا يحتاج إلى مجهر لمعرفة خواصه ونشاطاته وتحركاته, ويحير المرء متسائلا: لماذا لم يناقش الموضوع الأمني بين الجانبين رغم ثقله و توقيع اتفاقيات أمنية بينهما؟

بلا شك أن أعمال العنف جارية على قدم وساق في العراق وحصيلة الموتى مستمرة بفعل التفجيرات والاغتيالات وأعمال العنف اليومي, ولكن من الغريب أن تتوقف جميع الأعمال الإرهابية مع زيارة نجادي للعراق ويستتب الأمن فجأة رغم انشغال القوات العراقية بمراسيم عاشوراء وإرهاقهم بالواجبات ويبدو إن القيادة الأمريكية حلت اللغز بسهولة عندما ذكر اوديرنو بأن الرئيس نجادي تحرك بسهولة دون مشكلات أمنية خلال الزيارة لأن المجموعات التي تستهدف الزوار مدعومة من إيران, ويعلل الأمر بأنه عند قدوم أي زائر أمريكي للعراق على مدى ألاثني عشر شهرا الماضية نقوم بإحباط هجوما صاروخيا أو يقع الهجوم لأنه ينفذ بمعرفة وكلاء إيران في العراق" وهذا ما لم يحدث في زيارة نجادي؟ فكيف نفسر هذه المسالة؟

من الأمور المثيرة للدهشة أن الوفد المرافق لنجادي كان معظمهم من قادة الحرس الثوري الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية ومنهم على سبيل الذكر وليس الحصر العميد مهدي اختياري والعميد علي رضا عظيمي والسادة مجتبى ثمرة هاشمي وحسين مهدي موسوي ومحمد جعفر بهداد,مما يعطي الانطباع بان الزيارة كان فيها طابع استفزازي للعراقيين, وهذا مما أثار حفيظة الكثير من العراقيين الذين رفضوا الزيارة.

بالرغم من الادعاءات التي ساقتها الواشنطن بوست بأن الزيارة منحت حكومي المالكي شرعية دبلوماسية, فأن هذه الأطروحات ليس أكثر من هراء صحفي لا يقدم ولا يؤخر, فالشرعية الدبلوماسية لا يمكن أن تتحق في ظل دولة محتلة أو ناقصة السيادة, وان هذه الزيارة لا يمكن أن تشجع بقية الزعماء العرب والأجانب على زيارة العراق كما أدعت الصحيفة, في الوقت الذي عزفوا فيه عن إرسال سفراء للعراق, بل يمكن أن يكون لها انعكاس آخر, فهي رسالة واضحة للزعماء بان بوش ونجادي هما أصحاب القرار النهائي في العراق, وان العراق سلخ من محيطه العربي والدليل إن من زار العراق لحد الآن لا يعدون عن كونهم رؤساء دول الاحتلال ويدخل ضمن هذا النطاق الرئيس نجادي الذي احكم سيطرته على جنوب ووسط العراق بفعل الأحزاب والميليشيات الخاضعة لأرادته.

لقد وضعت الزيارة النقاط على الحروف فهي اعتراف أمريكي بتنامي النفوذ الإيراني في العراق وتحوله من مساعد إلى شريك حقيقي, وهذا يعني انه لا بد من البحث على صيغ توافقية بين القوتين لضمان عدم تضارب المصالح بينهما, وقد اعترف الكاتب المعروف روبرت داريفوس بهذه الإشكالية واعتبر بأنها ستنتهي لصالح الهيمنة الإيرانية المطلقة في العراق إذا لم تنجح الرموز الوطنية باجتثاث جذور الفتنة الإيرانية. وهذا يفسر سكوت الأمريكان عن سرقات النفط العراقي في حقول مجنون وانتشار المخدرات في العراق وتنامي قوتي بدر والقدس وفسح المجال لهما في جنوب ووسط العراق على حساب التيار الصدري الذي تم استهدافه من قبل قوات الاحتلالين الأمريكي والإيراني. وبالرغم من تجميد نشاطات جيش المهدي لكن استهداف كوادره ورموزه وانشقاق تيارات عنه تعني أن البركان الصدري على وشك أن ينفجر وينفث حممه على رموز الاحتلالين الأمريكي والإيراني.

من المؤكد بأن الكثير من المواضيع التي تمت مناقشتها خلال الزيارة بين إيران والعراق من جهة وإيران والولايات المتحدة من جهة أخرى, وهي تتعلق بعدة جوانب منها ما هو جوهري كالعلاقات السياسية والاقتصادية وهي الواجهة الأمامية للزيارة إضافة إلى أمور أخرى لم يفصح عنها بعد كموضوع منظمة مجاهدي خلق في العراق وسرقة نفط مجنون تحت يافطة الآبار المشتركة واتفاقية ترسيم الحدود البرية ومستقبل الميليشيات التابعة لإيران ومسألة الفدرالية وانتخابات مجالس المحافظات ومخاطر مجالس الصحوة بعد تنامي دورها, وخطة المواجهة مع التيار الصدري والتي يمكن أن تتطور على ضوء ما يستجد من قانون تنظيم مجالس المحافظات وموضوع إعدام علي حسن المجيد ووزير الدفاع وبقية المتهمين لإسقاط آخر دليل حول حقيقة استخدام إيران للمواد الكيماوية في مدينة حلبجة, ودعم حكومة المالكي تجاه مسعى الأكراد الإطاحة به بالاتفاق مع بعض الأحزاب الاخرى ومسائل حالكة ستشرق عليها الشمس قريبا.
سواء كان الغرض من الزيارة تحقيق توازن في القوى بين الاحتلالين الأمريكي والإيراني في العراق أو لغرض تقاسم المصالح وتنظيمها, أو اعتراف أمريكي بقوة النفوذ الإيراني في العراق أو ابتزاز الدول العربية الخليجية من خلال تعظيم الدور الإيراني والتحذير بان إيران أمست على مقربة منهم أو لغرض استفزاز مشاعر الشعب العراقي وتذكيره بأن حرب الثمانيات قد انتهت الآن وليس عام 1988 وان الحرب بالنتيجة النهائية وليس المرحلية, أو أن كان الغرض منها سياسي واقتصادي كما أعلن, فأن الشعب العراقي يبقى الخاسر الوحيد سواء تمت الزيارة أم لم تتم طالما أن نزيف الدم والثروة مستمرين.


alialkash@hotmail.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                           السبت  /  01  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  08 / أذار / 2008 م