بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

رحلة الفتى القروي ..

 

 

شبكة المنصور

الدكتور عبد الستار الراوي

 

العوجة : (1937-1946 )
           
- 1-
بين الماء والخيلّ والبيدّاء
وُلدّ فتانا في بيت الطين ( الحُريّ ) , يتيما ووحيدا ..
وأفاق على صوت الريح والمطروأهازيج الفلاحين ,
وإقتحم تجربة العمل الشاق صبّيا , زرعا وحصادا ,
والقريةُ في وجدان الطفل تحيا بين حنايا الروح وشغاف القلب ,
يتلمس في أزمنة الإملاق أوجاع الفقراء ,
ثمة يرنو أفق النهر , برقب أن تأتي بين يديه نجمات الحب السبع ,
وإذا جُنْ الليلُ يوقد بيت الطين لللآتين نارا ,
علّ غريبا يفدّ أوإبنُ سبيل يأتي الدار ,

                  - 2-
العوجة كانت في ذاكرة الطفل رغم الجدب :
مائدة عامرة بالخيرات
في إكرام الضيّفْ ,
ورفع الحيّفْ ,
و( النحنُ ) في لغة الفقراء : بادئة الإيثار الأسمى

                   -3-

وتعلمّ في ( الديوان) عبرمسامرة الليل وحديث الأجدادْ ,
الشعر البدويّ , والحكم والأمثال , وتوقير الرأيّ الآخر,
وأحبّ سجايّا الفرسان ,
وعشا ق الأوطان ,
وشهامة عنترة العبسيّ
وأمدته تجربةُ الماء وورد الصحراء :
بالطهرّالوجدانيّ ,

في الثامنة ألفّ القرويُّ الصيّد وحبّ النهر وركوب الخيلْ

                 - 4 -

تحت سماء القرية
أدرك معرفة الذات
وتجربة الأرزاء
وأحزان الموت

وتعلم في أيام الشدة قانون الصبر

وقهر الخوْف
ومقارعة الأخطار
وعبور الليل العالي
مدينة تكريت : مدرسة صلاح الدين الإبتدائية 1946 -1955

******************************************************************
نزلّ القرويُّ تكريت في آخرة الحرب الأولى ,
كان الدرس الاول :
صلاح الدين الأيوبي
علم في هذا الدرس :
بأن البطل خرج يوما من تكريت صوب القدس وبيت المقددس
ظل يقاتل الأعداء حتى إنتزع الوطن المسلوب من فكي ّالوحش ( الإفرنجيّ ) ,
فولّى الغازيُّ المحتلُّ الادبار ,
ويوم حلّتْ بالعرب النكبه
ملكت الحيّرة عقل التلميذ , وأرّقّه الفكر حيال الاضداد :
بين زمن النصر العربيّ في الماضي وفاجعة الأمة في الحاضر .؟!!
كيف ولماذا يندحر الحقُ ويفوز بالنصر شذاذ الآفاقْ ؟!!
ألّئنّ العربُ أقطار متفرقة والجيش جيوشا شتى ؟!!
إكتشف في العاشرة قانون الأضداد العربي : التجزئة والوحده
بدأ القرويُ يبحث : عن سرّ النصر ,وعن البطل العربي الغائب في التاريخ ,
وإنشغلّ ُ منذ صباه في بحث العللّ وتقصيّ الأسباب
بغداد - الكرخ : (1955 - 1959)

******************************************************************
حلّ بعاصمة المنصور العباسيّ
وأقام في بغداد عند ضفة الماء و(خضر إ لياس )
تحت ظلال قمر الكرخ , وذكرى جسر الدمّ , وأضرحة الشهداءْ
الجدلُ الدائرُفي عقل وأفئدة الفتية :
يحتدمّ بين الزمن الكائن وأيام الغد ,
في (المدرسة الكرخية ) والمقهى وعلى الارصفة وناصية الطرقات .
قرأ القرويّ أد بيات (البعث) فرأى في فكر الحزب عصر الابطال ونداء الوطن المغلوب .
وتأمل ماتعنيه عبارة : ( كان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمدا ) (العدوان الثلاثي على مصر العروبة 1956 )


لنقاتل ..لنقاتل : فاتحة النصر
عاصفة الازهر :
تجتاح الوجدان العربي في كل بقاع العالم
إرتفعت في بغداد وأرض النهرين أعلام النصر
الشعب يردد : نحن فداك ياجمال
وفتانا يقف فوق سورمدرسة الكرخ العالي يهتف : التأميم معركة العرب الأولى عاش الناصر عبد الناصر
البطل العائد بالحلم الغائب ,
والآتي بالنهضة والوحده
فارس هذا العصر
الرحلة الطويلة (1959-1963 )

******************************************************************
( أصددرت الدولة حكم الإعدام على الفتى العربيّ ,)
فانسلّ من بغداد على أطراف أصابعه في آخرة الليل
يتلّمس الدرب الموحش , الموبوء بعيون الأوغاد , وكلاب الصيد المسعوره
ركب الفرس الصهباء ومضى ..
الرأس المطلوب تحت مطرّ الليل..بقظ القلب كما الطير الحرّ
يتنقل بين الموت المخبوء وإيلام الجرح وشراك القتله
وقبيل عبور( دجلة ) صوْب الضفةّ الأخرى..
ودّع ( مزنة ) وبرفق حان ربتّ فوق جبهتها الغرّاء ,
ثمة قال لها : أذنّ يامزنة حزْنُ النأيّ , سنفترق الآنْ ..
يامزنهْ
أيتها الفرس الحرّه .... وداعا
وإفترقا ..
نزل صقرقريش الماء , وفي ليل البرد الثلجيّ , ووجع الجرح النازف , قطع النهر.
لمح ضوء ينبث من آخرة الأفق , فمشى , ومشى ,وأتى نُزلا من بدو الصحراء , وأراح الجرح
وآنس نارا
وسرّى قبل الفجر , ومضى..
وقف في بادئة الصبح بباب الدار الاولى
إحتضنت الأم فتاها,
إمتلأ قلب( صبحة) بالحزن
قالت : إمض محروسا ياقرّة عيني ؟!
قبلّ رأس الأم ويديها
قال: وداعا
وإفترقا ....

قبل أن يلقي خطوته في ليل المنفى
داربعيْنيّه صوب جهات الوطن الأربع
وعند ضفاف النهر ,
تمتم بكلمات والقى السلام المبجل على الفرات
ومضى ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اضاءات:

العوجة: إحدى القرى التابعة لمدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين .
الطين الحري : النظيف الخالي من الشوائب .
الديوان : المضافة , والمكان الذي يمضي فيه رجال القرية أمسياتهم في المسامرة ويقطعون آماد الليل بالحكايات والشعر البدوي وإستذكار السيرالبطولية نحو السيرة الهلالية وغيرها ..
من تقاليد القرى ذات الطبيعة البدوية تعلم الرماية وركوب الخيل وتعلم السباحة والاعتماد المبكر على النفس ,
فقد صدام حسين أباه وهو مايزال جنينا في بطن أمه لذلك لم يعش طفولة كما عاشها أترابه في القرية .
مدرسة صلاح الدين: من أقدم مدارس تكريت , وعند نيله الشهادة الابتدائية إضطر الصبي أن يذهب الى بغداد لاستكمال تعليمه الدراسي فنزل ضيفا في بيت خاله خيرالله طلفاح
الكرخ هي الجانب الغربي من العاصمة . و(خضر إلياس) إحدى محلاتها الشهيرة والعريقة .
جسرالشهداء : واحد من عشرة جسور تربط ضفتي العاصمة وهو الجسر الاقدم الذي إغتسل بدم العراقيين في واقعات الوثبة الوطنية عام 1948 إحتجاجا على المعاهدة العراقية- البريطانية المعروفة بإسم ( بورت سموث ) , وتظاهرات تأييد فلسطين والمطالبة بالجهاد , وكان الجسر واحدا من الاهداف التي هاجمتها طائرات العدو الامريكي عام 1991 .
المدرسة الكرخية ( ثانوية الكرخ للبنين): وعلى مقاعدها واصل صدام حسين وعدنان خيرالله . وكانت في مقدمة مدارس بغداد في قيادة التظاهرات عشية العدوان الثلاثي الاثيم على مصر العروبة وتأييدا لقيادة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر , وقد سقط جراء تلك التظاهرات العديد من الجرحى والشهداء وكان التلميذ صدام حسين أحد الذين صدر بحقهم أمر القبض عليهم من قبل الحكومة .
الرحلة الطويلة(1959-1963): تبدأ عقب قيام السلطة يملاحقة الفتى لاشتراكه في عملية إغتيال رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم , وصدرضده حكم الاعدام مما إضطره لمغادرة العراق متخفيا الى الجمهورية العربية المتحدة .
مزنة : السحابة الممتلئة بالماء , وهو إسم الفرس التي رافقت الفتى في جزء من رحلته الطويلة .

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 27 ذو الحجة 1428 هـ الموافق 05 / كانون الثاني / 2008 م