بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

مسرح الشوك .. ومهزلة الديمقراطية

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 د. الحارث

 

ان المتتبع لما يجري في العراق بعد الاحتلال من عملية سياسية سيئة وتردي الأوضاع الاقتصادية ، وازدهار تجارة التهريب والتخريب في كل مرافق الدولة العراقية وازدهار سياسة التهميش واﻹقصاء لكل الطاقات المبدعة والخلاقة التي بنت العراق العظيم ، يرى النتائج التي تمخضت عن هذا الاحتلال الملعون على ارض الواقع العراقي وكيف أصبح الفساد الاداري مستشري في كافة مفاصل الحياة حيث أصبحت الشهادة العلمية تُزور والعقول العلمية تقتل او تهمش وكيف أصبح العراق ساحة معركة يقودها العملاء بدعم من المحتل لقتل واعتقال العشرات من أبناء العراق وكيف أخذت الطائفية في هذا البلد الضوء الاخضر في تقتيل وتهميش وإقصاء وفرض أسوار في كل حي وشارع .. وبعد ان عجزت اﻹمبريالية الأمريكية وعملائها من جر العراق وشعبه سابقاً الى الاقتتال الطائفي ، حيث أذهل صمود العراقيين لأكثر من أربعة عشر سنة إبان الحصار الاقتصادي الجائر على العراق حيث دفع ساسة البيت الأبيض ان يفكروا ملياً الف مرة قبل قدومهم على ضرب القدرة العراقية المتطورة رغم حصارهم المقصود ﻹضعاف القدرة العراقية الخلاقة ، حيث لم يبقى أمامهم إلا طريق واحد هو طريق الغزو والضرب على وتر الطائفية البغيضة .

فحصل التدمير والتشريد والقتل وإمام هذه الصورة المعتمة في العراق برزت في الذهن مقارنة مابين ما شيدو العراقيون من حضارة شامخة ورموز عظيمةومؤسسات عملاقة في العراق وما بين هذه المهزلة التي جاء بها العدو إلا وهي ( الديمقراطية ) والتي افرزت كثيراً من الخزعبلات والمؤسسات التنفيذية والتشريعية الضعيفة ، والتي أصبحت هاتان المؤسستان أضحوكة للعالم في اتخاذ القرارات وتشريع القوانين وبعد فترة وجيزة يتم إلغائها وتوقيع الاتفاقات الجائرة وتبوأ المواقع القيادية لأشخاص لايملكون التجربة او القدرة العلمية والفنية .

اقول وانا استعرض هذا الشريط وإذا بمسرحية ( براويز ) من مسرح الشوك السوري للمخرج المبدع ( سعد فضة ) تبرز أمامي بلوحاتها الأربعة عشر والتي ركزت في مضمونها أربع لوحات شدتني لها بشكل كبير جداً لما ما يحصل الأن في العراق هو صورة قريبة من هذه المسرحية لكون التخبط وعدم التخطيط وعدم السيطرة على الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي قد اصبح في ( خبر كان ) في العراق اليوم ، وعودة الى هذه المسرحية الكوميدية الساخرة والناقدة لكل هذه الأمور وخلاصة فكرة هذه المسرحية تتمثل في حمارين يلبسان ثوب البشر هرباً من المعاملة المزرية التي يعاملان بها من قبل الناس وينزلان الى المجتمع الانساني ، يجوبان الأسواق والطرقات والدكاكين ، حيث تبرز اللوحة الأولى في مركز الشرطة - وفي هذا المركز يضرب الانسان ويشتم ويهان ويعامل بطريقة أكثر سوءاً من تلك التي يعاملان بها ، والاكثر من هذا ان المقارنة العجيبة في هذه الكوميديا الساخرة .. هو ان المهان ليس هو المقصود وإنما حدث خطأ نتيجة لتشابه الأسماء .

اما اللوحة الثانية فيشهدان حواراً طريفاً بين احد رجال البوليس السياسي واحد القادة المختلفين ، وهنا تبرز الحركة الكوميدية على هيئة نكتة ، عندما يرد المتهم على اخطر سؤال يوجه اليه في النهاية وهو الى أي الاحزاب ينتمي اليوم ؟ ويأتي الجواب سريعاً هو اليوم محال على المعاش .. اما اللوحة الثالثة حيث يراقب الحماران المتنكران اثنين من الموظفين احدهما يسأل الاخر عن احوال الاسرة فرداً فرداً فلا يتلقى غير اجابة واحدة هي مفادها انه توظف ؟ حيث الكل يفضل الوظيفة على أي شيء لأنه يأخذ أجراً دون ان يعمل ..ففي كل هذه اللوحات يكون الاعتماد على كوميديا الكلمة وأداء الممثل وصوته المتفوق ، وتصور اللوحة الرابعة مدى تواطئ رئيس الشرطة مع المهربين على الحدود ، حتى ان المهرب يضع الجنديين الشريفين موضع شبهات ويتسبب في تحويلهما الى التحقيق .

اما اللوحة الاخيرة فترسم صورة عامة للوضع الراهن حيث يقود السيارة ذات العجلات المتعددة اكثر من قائد وفي اكثر من اتجاه مما يؤدي الى تحطيم السيارة ، وفي كل مرة يحاولون الوصول الى اتفاق على السير في اتجاه واحد بقيادة احدهما حيث لايتوصلوا الى حل ، ويتعقد الأمر أكثر فأكثر وهنا لايطيق الحماران ذرعاً بالحياة الانسانية ، فينزعان قناعهما ويفضلان العودة الى طبيعتهما الجيوانية .. وهنا تكمن العلة في هذه المسرحية المختصرة جدا والتي تعتمد النقد السياسي الاجتماعي الساخروابراز الزيف الذي جاء به المحتل للسيطرة على العراق وبمعاونة عملائه المأجورين عند غزوه المشؤوم وما وعد به عملائه وهو الان يتخبط كما يتخبط الذي قاد السيارة في المسرحية المذكورة في اكثر من اتجاه واكثر من قائد مما ادى الى تحطم هذه السيارة لان تعدد اطراف القيادة والقرار كما يحصل اليوم في العراق سوف يكون كافي للقضاء على كل معيار لقياس الكفاءة الوطنية الحقيقية التي تريد ان تبني العراق .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس /  21  صفر 1429 هـ   ***   الموافق  28 / شبـــاط / 2008 م