بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

العرب إلى أين بعد زيارة بوش؟

 

 

 شبكة المنصور

 د فيصل الفهد

 

كانت مصر آخر محطات جولة بوش الدراماتيكية في المنطقة ، ولم يدخر الرئيس الأمريكي وسعاً في تأكيد ما جاء من أجله على النظام المصري( الذي أصبح دوره هامشيا وتسيره الأهواء الاسرائيليه) وهو تضييق الخناق على الفلسطينيّين لا سيّما في قطاع غزة ، وإنهاء ما يعرف بحرب الأنفاق التي يدعي الكيان الصهيوني ومعه الإدارة الأمريكيّة أنّ هذه الأنفاق تستغل لتهريب الأسلحة إلى حركة حماس ، والحقيقة التي يعرفها الجميع أنّ هذه الأنفاق إن سمحت الجهات الرسمية المصرية باستخدامها فإنّها تستخدم للتهريب ، ولكن ليس للسلاح بل للمواد الغذائية والأدوية ، علماً بأنّ أطراف النظام المصري كما هو معروف أقرب إلى الصهاينة منهم إلى الفلسطينيّين ، عدا أنّ هذا النظام كان وسيبقى البوابة التي يلجأ إليها الصهاينة والأمريكان كلما أرادوا أن يدفعوا بالقيادات الفلسطينيّة إلى تقديم تنازلات أكبر في هذا المجال أو ذاك ولم يفت الرئيس بش من تذكير المسؤلين المصريين من الحرص الممسرح على التجربه الديمقراطيه والحريات في مصر!!! .

كما ركّز بوش في مباحثاته مع حسني مبارك على تفعيل دور النظام المصري وحديقته الخلفية الجامعة العربيّة لترميم الأوضاع المتهاوية في العراق والضغط أكثر على مجموعة العملاء للعودة إلى الحكومة العميلة لا سيّما من يطلقون على أنفسهم افتراءً وكذباً ممثلي السنة (وأهل السنّة وكلّ العراقيّين براء منهم ومن كلّ من خانوا بلدهم إلى يوم الدين ) ، ومن ذلك التمهيد لمؤتمر قد يعقدوه في القاهرة ( للمصالحة ) في  الشهر القادم .

وليست بعيدة عن هذه الصورة المجازر الأخيرة التي يستمر العدوّ الصهيوني بارتكابها كل يوم بحق الشعب الفلسطيني أمام أنظار السيّد بوش وأثناء وجوده في المنطقة ( وبموافقته لأنّها كانت جزء مهم من مباحثاته مع الصهاينة) ، ومع ذلك لم يحرك ساكناً بل استمر بذات الموقف الداعم والمنحاز للصهاينة، ومع ذلك لم تداوي زيارة بوش ولم تلحم مشاكل الفرقاء في الكيان الصهيوني فأثناء وجوده في مصر انفرط عقد التحالفات داخل المؤسسة الحاكمة في (تل أبيب) وراح كلّ طرف يغني على ليلاه وتركوا رئيس وزراء الكيان الصهيوني شريداً فريداً لوحده يغني على ليلاه في حين تزداد عوامل قوة خصومه لا سيّما وزيرة الخارجيه ووزير الدفاع الأكثر تشدداً والداعي إلى استخدام القوة المفرطة لحل خلافات الصهاينة مع الفلسطينيّين أيّاً كانوا من جماعة عباس وسلطته أو المناهضين لـه من الفصائل الأخرى ناهيك عن رغبة قادة المؤسسة العسكريّة ( الإسرائيلية ) في جرّ المنطقة كلها إلى قبول احتمالات ضربة عسكرية ( إسرائيلية ) لإيران تسحب في قاطرتها الولايات المتحدة وكلّ حلفائها وهذا أمر لم يعد يشكّ أحد في كونه أحد أهمّ الأمور التي خاض نقاشها السيّد بوش مع المسؤولين الذين زارهم وأملى عليهم المطالب الأمريكيّة في هذا الوقت كونها بمثابة قارب إنقاذ للحزب الجمهوري في الحملات الانتخابية خلال الفترة القادمة ...فلا يكاد يملك هذا الحزب بعد الأخطاء الستراتيجيه التي ارتكبها بوش خلال فترتي حكمه إلى أنه يوجه الأنظار إلى كارثة أخرى قد تنقذه من حال الغرق التي يعيشها لا سيّما بعد الإخفاقات المهولة في العراق وأفغانستان.

إنّ تركيز بوش وإدارته على موضوع إيران وجعلها القضيّة الأولى في الحملات الانتخابية وتكرار الحديث عن دولتين صهيونية وفلسطينية متعايشتين ( للدعاية فقط ) وتمرير صفقات بيع الأسلحة وتخفيض أسعار النفط كلها محاولات عقيمة من بوش لإيقاف تداعي التأييد للحزب الجمهوري لا سيّما وأنّ محاولات كثيرة تجري لرفع قضية احتلال العراق من أولوية اهتمام الناخبين الأمريكيّين والاستعاضة عنها بالحملات الدعائية المفبركة الموجهة ضدّ حليف أمريكا في السر وعدوّها في الظاهر نظام الملالي في طهران.

إنّ ما يقوم بـه بوش من مناورات لإعادة تحديد أولويات الرأي العام الأمريكي وتعاطيه مع البرامج الانتخابية وجعل قضية انسحاب القوات الأمريكيّة المحتلة من العراق مسألة ثانوية لن تجد طريقها للنجاح لأنّ الرئيس الأمريكي لا يستطيع أن يغادرها في فكره ولعل إرساله لوزيرة خارجيته كونداليزا رايس بشكل مفاجئ إلى بغداد وهو لايزال مستمراً في زيارته للسعودية خير دليل على أنّ قضية العراق كانت الأكثر حضوراً وتأثيراً وفعالية في كلّ نقاشاته التي أجراها مع المسؤولين في الدول التي زارها وترافق مع زيارة رايس لبغداد إعلان وزير الخارجية السعودية عن تعيين سفير لبلاده في بغدادجاءت زيارة رايس السريعه إلى بغداد وهي تحمل خلاصة ما اتفق عليه بين السعوديين وبقية الأنظمة الخليجية وبين الرئيس بوش وجميعها لا تخرج عن مساندة وتأييد جهود الاحتلال الداعية إلى إنجاح ما يسمى بالعملية السياسية وإعطاء دور أكبر للتوازنات الجديدة بعد بروز ظاهرة مجالس الصحوة وكذلك إعادة توزيع السلطات والصلاحيات لرجال المنطقة الخضراء لا سيّما بعد أن تمّ حصر نوري المالكي في زاوية ضيقة وتخييره بين قبول تقاسم السلطة والصلاحيات مع الأطراف الأخرى المشاركة في مشروع الاحتلال وبين تنحيته واستبداله بآخر من العملاء ، والأمر المضحك في كلّ هذه المسرحية أنّ جميعهم يتحدثون عن الصلاحيات والسلطات ولكن لا أحد منهم يمتلك فعلاً أي صلاحيات أوسلطات تشجع هؤلاء لكي يتنافسوا عليها اللهم إلاّ السلب والنهب والسرقات والقتل والاعتقال .

ومع ذلك فإنّ لا شيء حاسم يمكن أن يرى النور لإعادة الحياة إلى اللعبة السياسية الميتة سريرياً في العراق المحتل ، فكل الأطراف التي ارتضت العمل في صفوف الاحتلالين الأمريكي والإيراني اختارت لنفسها مسافة محددة تخدم بها أهدافها الحزبية الضيقة والفئوية والطائفية بل والعائلية ، وبهذا المعنى فالكل مستفيد ( مادياً نتيجة السرقات ) وهذا هو المهم لدى هذه الثلة من خونة العراق أرضاً وشعباً وتاريخاً ودينا وحضارة وكلّ ما يرتبط بالإنسان العراقي وما حلّ بـه من إجحاف وظلم وقهر وإساءة ودمار وخراب وقتل وانتهاك للحرمات السماوية والوضعية ... إنّ هذه الحقيقة تفسر لنا قبول هذه الشرذمة لكلّ الحقائق والوقائع التي تؤكد ضلوعهم بارتكاب الجرائم الكبرى بحق الشعب العراقي والإنسانية واستمرار تمسّكهم الأهوج بالمغانم والمكاسب التي حصلوا عليها جراء بيعه أنفسهم الرخيصة بأثمان بخسة للمحتلين...والشعب العراقي لن يرحم أحد منهم بعدما ذاق ألمرعلى ايدي الاحتلال وعملائه طيلة السنوات الخمس العجاف ولن تنطلي علي العراقيين فتاوى رجال الدين (أيّاً كانت طائفتهم ) أو أكاذيب العملاء والخونة والجواسيس أو التلفيقات والادّعاءات وتزوير الأحداث فالعراق وبفضل ديمقراطية بوش وعملائه أصبح دوله منتجه للافيون والمخدرات واول بلد في الفساد والسرقات والرشوة في العالم وهذه فات وظواهر لم يعرفها العراقيين قبل الاحتلال ... والقادم من الأيام أيّاً كانت ألوانها لن تكون كما تشتهي الفئة الباغية بل إنّها ستحرك عقارب الساعة بالاتجاهات التي توسع فيها دائرة الغالبية العظمى من الشعب العراقي وستزيد من فاعلية إرادتهم الوطنية الحرة المتمثلة بالمقاومة العراقيّة البطلة لأنّ كلّ ما جرى وسيجري خلال هذا العام لن تخرج عن جعبة المصلحة العليا للعراقيين بمن فيهم قلة ضلت طريقها بعد الاحتلال ثمّ عادت إلى جادة الصواب بعد أن غُرّر بها من قبل الأفاقين والدهاقنة الذين زورا الدين وألبسوه غير ثيابه وحرفوا أهدافهم النبيلة .

ربما تمكّن بوش من تمرير بعض ما كان يصبوا إليه من غايات على دول المنطقة وربما أراد أن يثبت حرصه ودعمه للكيان الصهيوني بالدرجة الأولى وهو يعلم أنّ لهذا الكيان حظوته الكبرى في كلّ ما ستؤول إليه الانتخابات الأمريكيّة نهاية العام ، كما سلّم بوش بكلّ رغبات الصهاينة في استباحة الدم الفلسطيني بل وقدّم لهم كلّ ما يمكّنهم من قتل أكبر عدد من الفلسطينيّين وإعادة صياغة الخارطة الفلسطينيّة بالشكل الذي يلبي أهداف الصهاينه في حين سيبقي الرئيس الأمريكي دعواته ( الدعائية ) بقيام الدولتين وسيلة لإنجاح حملات حزبه الجمهوري الانتخابية رغم ان مايجري على الأرض يشير بعكس ذلك ... كما ستتوسع دائرة الهجوم الكلامي على التهديد الإيراني بشقيه التوسعي بالمنطقة والنووي، كما لن يغيب عن هذا الهجوم (الكلامي) تقليم أظافر إيران وسوريا بزعم تدخلهما في لبنان .

ويستأثر الحديث عن منجزات تحققت في العراق المحتل أمنا وديمقراطيّة واستقراراً ورفاهيةً وخدماتً وكلها محض أوهام في عقول قاليها .. وذاكرة بوش لاتسعفه كي ينعشها باخبار زيادة اعداد القتلى من جنوده في العراق مع مطلع العام الجديد.

إنّ ثمة دعوات أطلقها البعض في الآونة الأخيرة لإجراء انتخابات مبكرة في العراق ويأمل أصحاب هذه الدعوات أن تكون هذه الخطوة مقدمة لإحداث تغييرات شاملة في عملية العهر السياسي في العراق المحتل .. ونقول لهؤلاء وغيرهم من الذين يتناسون الحقيقة و تعميهم الأكاذيب الاعلاميه عن رؤية الحقائق بأنّ الظروف والأوضاع الشاذة التي أوصلت العراق إلى ما هو عليه اليوم من الحضيض لا تزال هي المهيمنة ، فالاحتلالان الأمريكي والإيراني وعملائهما يسيطرون على مقاليد السلطة والحكومة الوهمية وميليشياتهم وفرق الموت التابعة لهم مستمرة بإرهاب الشعب ..

ولذلك فالانتخابات سواء أجريت الآن أو بعد سنة ( كما قرروها سابقاً ) لن تغير في الواقع شيئاً وستأتي بنفس الوجوه الكالحة والقوى العميلة وبنفس التقسيمات والنوايا..

وإذا كنا نريد للعراق الخير فعلينا أن نخلصه من الاحتلالين الأمريكي والإيراني وهذه كافية لتخلصنا من كلّ نتائجهما على الأرض وعندها يمكن الحديث عن الانتخابات والديمقراطية وتداول السلطة والاستقلال والاستقرار والخدمات وإعادة بناء الوطن .

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 18 محـــــرم 1429 هـ الموافق  26 / كانون الثاني / 2008 م