بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

المواجهة التأريخية بين العراق والولايات المتحدة...(1)
المحطة الاولى : خيوط المؤامرة

 

 

شبكة المنصور

المقاتل الدكتور محمود عزام

 

انطلقت في الولايات المتحدة الامريكية الآن عملية اختيار المرشحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الى رئاسة البيت الابيض خلفا للمجرم العالمي والارهابي الاول في العالم جورج بوش الصغير.

وبغض النظر عمن سيخلف هذا المجرم في قيادة سياسة الكره المتأصل للعرب والاسلام سنقوم ببعض الاسهامات التحليلية والتأريخية السريعة للرابطة القوية بين صفحات المجابهة التأريخية بين العراق والولايات المتحدة ودور الحزب والشعب والمقاومة الوطنية العراقية في رسم مستقبل العراق.

خيوط المؤامرة

ترجع خيوط التآمر على العراق شعبا وأرضا وتأريخا إلى العهد الاستعماري البريطاني القديم للعراق وما نتج عن تلك الفترة الاستعمارية منذ اتفاقية سايكس-بيكو في العام 1917 والتي حددت طبيعة توزيع النفوذ الاستعماري في المنطقة وبالضد من مصلحة شعوبها في وقت كان الشعور الوطني والقومي والاعتزاز التأريخي بالدور القيادي الذي يجب ان تقوم به دول هذه المنطقة من العالم في نمو وازدياد ..وفي الجهة المقابلة كانت الدول الاستعمارية تعمل بالضد من الوطنية العراقية ولا تراعي مقومات حقيقية لنموها ونشوءها وتنتقص من سيادة العراق الاقليمية بشكل واضح بدون شرعية او قانونية ولاعتبارات مصلحية خاصة أو تخدم توجهات مستقبلية لجهات خارجية ..وكانت هذه الدول الاستعمارية تستهدف في نفس الوقت وتؤسس على المدى البعيد، بالضد من الأمن والمصالح القومية العربية في المشرق العربي كله..وما رافق ذلك من إنشاء واستمرار (الكيان الصهيوني) على أرض فلسطين .

ومنذ ذلك الوقت وهدف الوطنية العراقية تركز للعمل على تحرير العراق من هذه الهيمنة ..وبذلك تاسست اولى صفحات المواجهة الدائمة التي تخبو وتشتعل حسب ظروف المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية والوضع العراقي بشكل خاص.

بعد حرب حزيران عام 1967 حدثت متغيرات مهمة على صعيد المعادلات السياسية والجماهيرية في الشارع العربي وكانت واحدة من افرازات هذه المرحلة قيام ثورة 17-30 تموز عام 1968 في العراق..

العراق هذا البلد العريق في الحضارة والعمق التأريخي ..البلد الذي لا يعرف شعبه السكوت على ضيم او ظلم ..ولايقبل الذل والهوان مهما كلفه ذلك من تضحيات ..بلد الثروات والانتفاضات ..البلد البعيد عن حدود اسرائيل ورغم ذلك فهو يمثل لها دائما هاجس مقلق لاسباب عديدة اهمها ..ان وجود اسرائيل مرفوض من قبل شعب العراق ذوالشعور الوطني الدائم لهذا المكون من الشعب العربي ..وفي العراق نهران تقول كل الروايات والاساطير انهما ينبعان من الجنة ..وأحد النهرين هو نهر الفرات ..هذا النهر الذي تحلم اسرائيل ان تصله في يوم من الايام لأنها ربطت بين استقرارها الابدي ووجودها على نهر الفرات لأنه يمثل الحد المستقبلي لدولة اسرائيل الكبرى..هذا البلد الذي تقول أسفار الاسرائيلين ونبؤاتهم التأريخية بان نهاية اسرائيل ستكون على يد قائد ياتي من العراق ..

ومن جانب ىخر فقد مثل العراق أحد الأهداف الأكثر تميزا للولايات المتحدة في التعامل كوحدة جيو- سياسية واقتصادية للمنطقة الممتدة من شمال إفريقيا وحتى أواسط أسيا والتي تمثل (مناطق منابع وممرات النفط) ..وهذا الموقع المميز للعراق أعطاه أهمية ستراتيجية فريدة لمن يتطلع لدور أقليمي ودولي في هذه المنطقة الحساسة من العالم .. وبمجيء النظام السياسي العراقي الجديد والادوار التي قام بها على حداثته والتي يلعبها والمحتملة ومدى تأثيرها على المستوى القومي والجماهيري.. ازداد اهتمام الولايات المتحدة بالوضع العراقي.

من المعروف انه ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية انفردت الولايات المتحدة بمسؤولية فردية الحماية السياسية والامنية للمنطقة الممتدة من المحيط الهادي وحتى الهندي وبحر العرب بدون اشراكها لحلفائها لا في خططها ولا في انتشارها وعملياتها وبقيت هذه المنطقة من العالم تحت المراقبة الامريكية المباشرة من خلال تواجدها العسكري المتقدم وطائراتها التجسسية والاستطلاعية والسيطرة على حركات الملاحة والحركة البحرية ..وكانت هذه القوة الامريكية مستعدة للتدخل في أي عمل عسكري في هذه المناطق وهذا المؤشر على ان الولايات المتحدة الامريكية كانت مهياة منذ ذلك الحين للتدخل العسكري المباشر حالما تشعر بضرورة لذلك هو الذي مهد للتدخل الامريكي في الحرب الكورية وحرب فيتنام .

في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تعتبر الخليج العربي منطقة ذات قيمة حيوية وستراتيجية لها ولكن لم تكن تفكر باسبقية هذه المنطقة على حساب المنطقة الممتدة آنفا اضافة الى ان السيطرة المباشرة على الخليج العربي في حينها اذا استجدت أية امور لا تعدو عن السيطرة المباشرة على مدخل الخليج وبذلك يتم التحكم بشكل كامل بمقدرات المنطقة في الداخل ..وبشكل عام لم يكن هناك من سيناريو مستحدث ومستعجل للتدخل وجرى التركيز على ضبط مداخل الخليج الذي يعتبر عمليا بداية لخنق العراق.

وكانت هذه السيطرة على مدخل الخليج العربي والتواجد بالقرب منه أول صفحات البداية لأي استهداف للعراق..

خاصة بعد توجه القيادة العراقية الجديدة والشابة وذات التوجه القومي والتحرري بالتحرك خلال منتصف السبعينات باتجاه شرق البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر وافريقيا وموقعها المميز الذي اكتسبته في حركة دول عدم الانحياز والمؤتمر الاسلامي والجامعة العربية ..وما شكلته القوة العراقية في الجانب الاقتصادي والتنموي من عامل جذب للمعسكر الاشتراكي والاوربي وعامل قلق للولايات المتحدة على الرغم من عدم شعورها بالخطر الحقيقي لهذه التحركات نتيجة القبضة المحكمة للولايات المتحدة على هذه الساحات التي كانت القيادة العراقية تتحرك فيها..ولكنها لم تكن بعيدة جدا عن حياكة جملة من المؤامرات للاطاحة بالنظام السياسي العراقي الجديد داخليا وخارجيا ومن ضمنها سحب تأييدها لشاه ايران واطالة يد نظام خميني ليهدد بتصدير الثورة الايرانية الى خارج ايران.

وحدث شيء جديد في العراق في عام 1979..لقد تسلم صدام حسين المسؤولية الاولى في الحزب والدولة ..وهذا القائد الشاب الملهم لشباب العراق والامة العربية ولحركات التحرر في العالم لديه من الخطط التي تشبه الاحلام ويتحدث بلغة اجداد العرب القدماء الذين نشروا الحضارة والعلم والمعرفة وكانوا شعلة وضاءة لكل ظلام ..انه يتحدث بلغة الارقام والتأريخ ليستنتج ان ثروة العراق اذا ما اصبحت بيد العراقيين فانها ستكون لكل الامة ..انه قائد يرفض التبعية والوصاية واحتلال ارض العرب ..انه شجاع الى حد انه أخرج رصاصة من قدمه بدون مخدر ومقدام لا يهاب الموت من اجل القضايا التي يؤمن بها وهي قضايا الشعب والامة والعراق ..وهذا الحدث كان احد اسباب زيادة الاهتمام بضرورة التآمر ..وكان أول الغيث ما جاء من جهة ايران ..

في أيلول عام 1980 خاض العراق حربا ضروس لازالت مواجهاتها وآثارها مستمرة لحد الآن بهدف تقويض النظام السياسي العراقي في حينها ..وكان لأيران في تلك الحرب حلفاء من داخل المنظومة العربية ..وعلى عكس توقعات الولايات المتحدة بخروج العراق من هذه الحرب مفتت اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا الا ان العراق خرج قويا وذو تجربة وقدرات عسكرية هائلة ولازال هذا النظام يتحدث باللغة القومية والدور الحضاري ..اضافة الى سياسات وتطبيقات هذا النظام التي تقف وتعمل بالضد من مصالح الولايات المتحدة وخاصة مصلحتها الستراتيجية بديمومة تأكيد وضمان استمرار أمن وتفوق "إسرائيل".ورفض نظام البعث وخصوصا صدام حسين لمنطق الهيمنة، وإعطاء الهوية السياسية والتنموية للنفط العراقي، ومواقف العراق المشهورة والمعروفة داخل منظمة الدول المصدرة للنفط، اوبك والسياسة الخارجية المستقلة للدولة العراقية، وتأخر عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ عام 1967 مع الولايات المتحدة في وقت كانت هذه الدولة العظمى تعمل لتصبح دولة القطب الواحد في الكون ، والتوجه الحثيث لبناء التوازن العلمي والدفاعي مع (إسرائيل) ودول الجوار غير العربية المتربصة أو المتحالفة مع الولايات المتحدة..كل هذه الامور وما رافقها من الدعم الاقتصادي اللامحدود الذي قدمته دولة العراق للاقطار العربية والافريقية والتحررية والصديقة وتأسيس شبكة مهمة من العلاقات المتوازنة والمبنية على المصالح المتكافئة مع الدول الاوربية المؤثرة إنما شكلت عوامل مضادة لستراتيجية الولايات المتحدة الكونية الى ان جاء يوم النداء حيث مثل هذا الفعل تحدي مباشر لكل المصالح الاستعمارية في المنطقة والتي رسخت كل مخاوفها وريبتها وقلقها من ان تستغل هذه القوة العراقية لاحداث تغييرات هامة لاتخدم الستراتيجية الامريكية والاسرائيلية في المنطقة ..

وحدث ما حدث من تآمر على العراق انتهى بدخول العراق الى الكويت ودخوله حربا طاحنة انتهت صفحتها الاولى بفرض حصار ظالم وشامل على كل مصادر الصناعة والزراعة وادامة المتطلبات العسكرية ومناحي الحياة كافة بغية اضعاف العراق وبنيته الاقتصادية وانهاك قطعاته العسكرية وتفتيت نسيجه الاجتماعي لسنوات لحين الوصول الى لحظة الانقضاض على سيادته وغزوه واحتلاله ..والذي حدث في آذار 2003.

في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 تم التعرض بشكل مباشر ولاول مرة بالتأريخ للأمن القومي الأمريكي بفعل ضرب نيويورك وواشنطن . وقد شكلت هذه الضربة نقطة انتقال الادارة الامريكية للتحول الى اسلوب تصفية الحسابات القديمة والجديدة ..وكان استهداف النظام السياسي في العراق أحد هذه الاهداف بل الاكثرها اهمية وتركيزا..وجرى تقييم الصراع بين الولايات المتحدة والعراق كأنه صراع بين الحضارة والديمقراطية الامريكية والارهاب الذي يمثله النظام العراقي من خلال التركيز على حيازته لاسلحة الدمار الشامل التي قد تسلم الى القاعدة بفعل العلاقة التي تربط صدام حسين بالقاعدة!! .. ونتذكر جميعا نص الرسالة التحذيرية التي وجهتها الادارة الامريكية للقيادة العراقية في الاسابيع الاولى بعد ضربة 11 سبتمبر ..وكأن هذه الضربة تمت لتباشر الولايات المتحدة خطتها بغزو واحتلال العراق.

وطرحت الولايات المتحدة توصيف ( مثلث الشر ) الذي يمثل كوريا الشمالية والعراق وايران ..ومع ان التركيز كان على اسلحة الدمار الشامل الا ان تعاطي الولايات المتحدة مع الملف النووي الكوري والملف النووي الايراني لا يقاس بنفس الجدية والحدية بالمقارنة مع الاجراءات التي اتخذت مع العراق ..واذا تحدثنا بلغة مهنية فقط فان التهديد النووي الكوري أكثر جدية للولايات المتحدة والتهديد النووي الايراني اكثر تهديدا لاسرائيل في وقت كان العراق وكل قدراته النفطية والاقتصادية والعسكرية مقيد ومحاصر ..وهذا يعطينا الاستنتاج الواضح والصريح وهو ان المستهدف من كل هذه العمليات والتوصيفات والتحركات هو النظام السياسي الوطني في العراق.

وبدات الولايات المتحدة مسلسل الكذب والدجل والتلفيق والمخادعة ابتداءا من المعلومات الاستخبارية المفبركة والمغلوطة التي نظمت بدقة من وكالة المخابرات المركزية الامريكية والتي جعلت من العراق احد اهم مصادر التهديد للامن الوطني الامريكي من خلال ربط كذبة امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل بحتمية قيام النظام الوطني في العراق بتسليمه الى التنظيمات الارهابية ومنها القاعدة لضرب أهداف في عمق الولايات المتحدة ..واستندت هذه المعلومات على مصادر وصفوها بانها مهمة واثبتت التحقيقات اللاحقة انها وهمية..ثم جرى تضخيم هذا الموضوع لدرجة تم فيها ربط نتائج فرق التفتيش وتوصياتها بقرارات مباشرة فورية من مجلس الامن تتيح للولايات المتحدة استخدام القوة لضرب أية أهداف داخل العراق وهذا ما حدث لعدة مرات ولغايات أولها ترهيب القيادة والشعب وتدمير بعض الاهداف المهمة من الناحية السياسية او العسكرية او الاقتصادية وانتهاءا بالرغبة بمعرفة الحدود التي وصل اليها العلماء العراقيون في مجال الدفاع الجوي للتصدي للصواريخ الجوالة والطائرات القاذفة والاطلاع على درجة الاستعداد القتالي للقطعات العسكرية..وظلت هذه الكذبة هي محور تآمر الولايات المتحدة عندما عرض كولن باول تقريره الاستعراضي على مجلس الأمن والذي لم يؤيده فيه سوى بريطانيا الذليلة والتابعة..

كل هذا التآمر والعراق صامد ..صمود الجبال ويقاوم بالصبر والجلد ..لأنه يعرف انه لا مفر من المنازلة ولا مفر من المواجهة ..

كان هذا هو قدر العراق ..مثلما سيكون النصر حتما قدر لنا ..

والى المحطة الثانية : تطور المواجهة

mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد / 28 ذو الحجة 1428 هـ الموافق 06 / كانون الثاني / 2008 م