بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

شيوخ الصحوات

 

 

 

 

  شبكة المنصور

  المقاتل الدكتور محمود عزام

 

 بشكل تدريجي وبحكم طبيعة التأثير والموروث العشائري في العراق تظهر بين الحين والآخر الحاجة للاعتماد على العشيرة وخاصة عندما تتداخل الرؤى ويصبح لدى الكثيرين صعوبة في تمييز أهمية جهة الاسناد الضرورية والمطلوبة والحاكمة ..وبحكم طبيعة الحالة الحالية في العراق وما أفرزته عملية الاحتلال العسكرية الامريكية المباشرة الغير شرعية للعراق وما افرزه ذلك من ظهور مجموعة من المرتزقة والقتلة والسراق والمزورين والطائفيين مع هذا المحتل وسيطرتها على مقاليد السلطة وتبنيها للمشروع الايراني بشكل تفصيلي جنبا الى جنب مع المشروع الامريكي رغم التناقض المظهري في الاهداف الذي يذوب عندما يلتقي جوهر مصالح  واهداف كلا المشروعين الامريكي والايراني معا..واستنادا الى واقع الحال الجديد ..حاول التأثير العشائري وخاصة في محافظات وسط وغرب العراق الدخول بشكل مباشر في مجال جديد عليها من خلال  التجربة للتعامل مع اللعبة  السياسية وانطلاقا من حقيقتين مهمتين :

الاولى: لجوء الكثير من العراقيين الى كنف العشيرة لحمايتهم من الحملة الظالمة والغير انسانية من قتل واغتيال وملاحقة ومتابعة واعتقال وسجن وتشريد وتهديد ونهب وسرقة على يد قوات الاحتلال وقوات السلطة الحكومية التي تاتمر بالمحتل من جهة وبالاوامر والتوجيهات الايرانية من جهة اخرى ..مما أعطى لشيخ العشيرة دورا جديدا لم يكن في السابق جزء من واجباته التي كانت تقتصر على الامور الاجتماعية والتمثيلية والاعتبارية وحل مشاكلهم وتقوية العلاقات والاواصر مع بقية العشائر العراقية من اجل وحدة العراق وقوته .. 

الثانية: رغبة شيوخ هذه العشائر بمزيد من الصلاحيات والامتيازات والمنافع التي أخذت دائرة المستفيدين منها تتسع لتشمل الوقف السني والشيعي وبدأ رجال الدين يؤثرون بشكل مباشر على قرارات الدولة حتى ان جلال الدين الصغير بدأ يوعز الى وزارة الداخلية لمنح الرتب العسكرية للاشخاص الذين يرشحهم ..وقد تيقن هؤلاء الشيوخ بان الحصول على هذه الامتيازات على مايبدو لايتم الا من خلال الدخول والمشاركة في مضمار السياسة ..ومفهوم هذه المشاركة متفاوت من شيخ لآخر بحكم انتماءاته السابقة او تطلعاته ونظرته للواقع وطبيعة من يجيطون به من مستشارين وأصدقاء .. 

 وقد ساهم الحماس والظرف الأمني والحاجة لموقف ما على التغافل عن أم الحقائق وهي : ان  المشاركة في هذا المجال مربوط بشكل مباشر او غير مباشر برضى الاحتلال ..وان أي تحرك لا يعتمد ولايؤمن بثوابت العراق الوطنية التي تتبناها المقاومة الوطنية العراقية ويجامل المحتل واذلائه الذين عينهم وسلطهم على رقاب وممتلكات الشعب  سوف لن يحضى باحتضان ورعاية ودعم هذا الشغب..

وبذلك من يريد ان يبني له مجد سياسي اليوم من شيوخ الماضي والحاضر ويبتعد عن هذا الثوابت ( لاسامح الله ) لتقديرنا ومحبتنا وتقييمنا واحترامنا لهم ..عليه ان يجد وسيلة لكسب رضاء الامريكان أولا واقناعهم بالمنهج الذي يطرحه ( اما لتقوية العملية السياسية او كبديل لعملية سياسية مشابهة من حيث الجوهر والمضمون ).. 

وتعامل البعض من هؤلاء الشيوخ مع هذا الشرط القاتل للوطنية العراقية ولتأريخ الجهة التي تتعاطى معه بوضوح وحماس ! وطرحت تفسيرا واسبابا لهذا التعاون تتعلق بخدمة العراق ومنها تجربة عبد الستار وأحمد ابو ريشة وغيرهم في مجموعات الصحوة وما تبعها من صحوات بحجة مهاجمة القاعدة وتنظيماتها لتحويل الانظار عن الاحتلال والسلطة الذليلة التي تتحمل كل ما حدث للعراق ومنها ظهور وتنامي تنظيم القاعدة.. 

 وبدون ان ينظر هؤلاء المتحمسون الى المستقبل لقصر نظرهم وطموحهم الذي يتجاوز الواقع ولجهلهم بطبيعة العدو الذي يتعاملون معه وضعف وعدم دراية مستشاريهم الذين دفعوا بهم لهذا التعاون ..حتى تصوروا ان الادارة الامريكية السياسية والاستخبارية والعسكرية مقتنعة بان مجاميع هذه الصحوة هي ( المنقذ للعراق ! ) في حين ان الاحتلال وبحكم حقيقة قيام القاعدة باتباع اساليب بعيدة عن استهداف الامريكان وتركيزها على مهاجمة الاهداف المدنية والمدارس والجامعات والاسواق والمراكز الدينية مما أجج الرفض الشعبي الكبير لها.. قد استخدم هذه القوة الشعبية والعشائرية كحجر واحد لاسقاط عدة عصافير وهي :ضرب القاعدة من جهة ليتمكن من بسط نفوذه على مناطق لم يستطيع الوصول اليها ..ولتحقيق مكاسب سياسية للادارة الامريكية التي بدات تخوض معركة الانتخابات الرئاسية.. ولأيهام العالم والرأي العام الامريكي بصواب منهج الولايات المتحدة من البداية بضرورة مكافحة الارهاب واعتماد هذا الهدف غاية ستراتيجية لبقاء القوات الامريكية في العراق واحتلالها طويل الامد له..وزرع نبتة صغيرة للغتنة لاستثمارها مستقبلا في الزمان والمكان الذي يقررونه .. 

والملاحظ ان شيوخ هذه الصحوات التي انتشرت الآن لم يستثمروا حجم الخدمة التي قدموها للامريكان لتحويل ماحققوه للمطالبة بتحرير العراق والعمل على دعم المقاومة الوطنية المشروعة واعادة الحق الى اصحابه ..بل اهتموا بما جنوه من مكاسب خاصة والثمن البخس الذي تقاضوه لايرتقي الى درجة ماقدموه من خدمة.. وبذلك استغل الامريكان هذه الصحوات باعتبارها ناتج عن ( رغبة شعبية رافضة للقتل والاغتيال والتهميش والابعاد والهيمنة والتسلط والتدخل بشؤون المنطقة او المحافظة او العراق سواء كان من القاعدة او اجهزة الدولة أو المحتل ) ووضفوها لتكون ( سلطة مناطقية ثأرية تتبع المحتل والحكومة وتضع أهدافها وفقا لارادة الاحتلال والتي تتعارض احيانا مع الحكومة وتلتقي معها في احيان اخرى) ولذلك نسمع تباينا حكوميا رسميا في تقييم هذه الصحوات وذلك يعود الى تطابق سياسة ونهج هذه الصحوات مع منهجها او تباعدها وحسب كل موقف.. 

ولأن هذه التجربة خطط لها وولدت من رحم الاحتلال فهي تابعة له وسيكون هدفها ومصيرها مرتبط بهدف الاحتلال ومصيره ولاعلاقة للاهداف المعلنة لهذه الصحوات وما تخطط له.. 

 وسياتي اليوم الذي ترى فيه هذه الصحوات وغيرها من مشاريع الاحتلال نفسها وهي:

 مستهدفة من قبل الشعب الذي دعمها وتنصلت منه وتنكرت له .. 

ومن شيوخ المنطقة الآخرين الذين يرون نفوذها وسيطرتها وامكاناتها وثروتها تتعاظم على حساب نفوذهم وسيطرتهم وثروتهم .. 

ومستهدفة من القاعدة التي هاجمتها بشراسة وعنف بحيث وصل الامر باحد الشيوخ ان يصرح من على احدى القنوات الفضائية بأننا : ( لدينا ثار مع القاعدة ولا نريد احد يذكر لنا شيء عن حقوق الانسان معهم !) .. 

وستستهدف من قبل الحكومة والاحزاب المتنفذة فيها التي لا يعجبها وضع هذه الصحوات وعلاقتها مع الامريكان وتسليحها وتنامي نفوذها .. 

وأخيرا من الامريكان انفسهم الذين يميلون دوما لتغيير الوجوه ! خاصة اذا تمادت في النظر الى نفسها قبل النظر اليهم !!   

mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء  /  06  صفر 1429 هـ الموافق  13 / شبـــاط / 2008 م