بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

السحر الذي انقلب على الساحر

 

 

 

 

  شبكة المنصور

  المقاتل الدكتور محمود عزام

 

  في مقالة سابقة بعنوان ( الذي ينعق في عرس الطبالين ) جرت الاشارة الى اجراءات الاجهزة الحكومية  الشديدة الشراسة في قمع حركة احمد اليماني التي تزامنت مع قبول المراجع الدينية لاجراء المناظرات الفكرية مع هذه الجماعة وتطابق واتفاق الجهات الساكتة على الاحتلال والمستفيدة منه من كل الاطراف على الاسراع  بالصاق التهمة (بحزب البعث والنظام السابق !).. 

المهم في تحليل هذه الاحداث ان هذه التيارات ظهرت في وسط وبيئة أقل مايمكن الافتراض بالقول عنها ( ليس من وجهة نظرنا وانما من خلال منهجهم وبرنامجهم الذي طرحوه قبل وبعد الاحتلال ) ان تكون مهيئة تماما للتطور والازدهار من جهة وتطبيق للشعرات التي تغنوا بها من جهة أخرى. 

لقد ركز الاحتلال الامريكي وأجهزته الاستخبارية والاعلامية والأدلاء والمزورين والخونة الذين جاءوا معه من تحالف الاكراد والائتلاف الشيعي وخاصة الدعوة وتنظيم الحكيم وبعض الشخصيات التي تدعي الوطنية على ان حزب البعث وأجهزة النظام السابق كانت ( منظومة كافرة وقمعية تحارب بقسوة وعنف كل الافكار والمعتقدات الدينية وتمنع حرية المعتقد الطائفي وشعائره !).وكان هذا الشعار مرتكز العملية التثقيفية والتضليلية التي كانت هذه المجموعة تمارسها قبل الاحتلال وتغري البسطاء من الناس بالانظمام اليها وتنفيذ برامجها بهدف اشاعة الديمقراطية وحرية التعبير عن المشاعر والمعتقدات والشعائر الدينية والمذهبية  .. 

وبعد الاحتلال تصاعدت وتيرة هذه الهجمة الى درجة أصبح نقد أي ظاهرة سلبية أو التساؤل عن تطبيق البرنامج المعلن سابقا لهذه الكتلة أو تلك ..أونقد تصرف ما لمسؤول او مجرد الحديث عن التباطؤ في تقديم الخدمات العامة للناس والذي هو من صلب اهتمام ومسؤولية الدولة يعني توجيه اتهام مباشر من قبل هذه الاحزاب والسلطة والاجهزة الحكومية للجهة المنتقدة بانها تتعاطف مع النظام السابق وتريد اعادة البعث للسلطة . 

ومنذ اليوم الاول للاحتلال وما تلاه أصبح هذا النهج المعد سلفا قانونا على الجميع الالتزام به !  

وأصبح ترديد عبارة ( تحرير العراق من البعث والنظام السابق مكسب يستحق التضحيات لسنين طويلة ! ) شعارا للدولة وأجهزتها ورجالها الفاسدين للايغال بالسرقة وتعاطي الرشوة وبيع العراق وثروته وتقسيم الوزارات والدوائر وفقا للطائفة والحزب المعني وملاحقة المناضلين ورجال العلم والكوادر النزيهة وقتلهم وتهجير عوائلهم.. 

وكل منتقد لهذه الحالة ( محبا كان أو لمصلحة ما ) يتهم بأنه من الموالين ( لصدام حسين والبعث ويريد اعادة النظام السابق) .. 

وهكذا استمرت معركة الهجوم الشامل التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية بكل آلتها الاعلامية وتقنياتها المتطورة وامكاناتها المادية الكبيرة الترغيبية وآلية شراء الذمم للسكوت على الاقل من جهة ..ومن جهة اخرى قيام الزمرة الحاقدة والمستفيدة والحاكمة بكل تعبئتها المزورة لاستغلال هذا (العرف الشائع الجديد) لتكرس من سيطرتها ووجودها وهي  تضرب على وتر الطائفية ونصرة المظلومين.. 

ونتج من زخم هذا الهجوم المتصاعد مع الزمن وطبيعة تسييره  على حزب البعث كعقيدة وفكر وممارسة في العراق وعلى النظام الوطني السابق قبل الاحتلال.. نتج عن ذلك تسليم العراق الى ايران وتمادي السلطة الجاهلة والسارقة والحاقدة بغيها وتنكيلها بالشعب وقواه الوطنية ومناضليه واغتيال خيرة شباب وخبرات العراق حتى وصل عدد الشهداء بيد السلطة وأجهزتها الى أكثر من 300000 ثلثمائة ألف عالم وطبيب ومهندس وضابط ومناضل واستفردت هذه الزمرة الباغية في بسط يد الميليشيات الطائفية في القتل والتهجير والنهب والسلب والاختطاف وقطع كل الخدمات الاساسية عن الشعب وسرقة ثروة العراق بكل المجالات واحتكارها للسلطة والثروة والمقدرات من جهة  ومن جهة اخرى سكوت مطبق لكل القوى التي كان الضمير والواجب والتأريخ يحتم عليها الكلام خوفا من ان يفسر انتقادها بانه تعاطف مع النظام السابق والذي يرشحها فورا للقتل .  

من جانب آخر وأيغالا بايذاء الشعب وتزويرا للحقائق وقيم ومباديء كل الوطنيين .. شيع المحتل وأذنابه مفهوما غريبا وعجيبا عندما جعل المجرمين الذين اصطفوا مع أعداء الشعب والاجنبي وتآمروا على العراق بالفعل والقول وقاتلوا الجيش العراقي وعذبوا اسراه داخل ايران حتى الموت وجعل الذين تآمروا وخانوا الوطن بمد يد العون للامريكان وقتالهم الى جانبهم في تدمير العراق أبطالا يجري تكريمهم من خلال تقليدهم ارفع المناصب ومنحهم الرتب العسكرية العالية ..  

وبذلك تم سن ( عرف غريب جديد آخر ) في العراق ..وهو ان الخائن بطل لأنه تعاون مع ايران وأمريكا ..والوطني الذي قاوم ايران سابقا بالسلاح ويقاوم المحتل اليوم ..خائن !.. 

وهكذا أصبح الذين نالوا جزاءهم العادل باسم الشعب نتيجة خيانتهم للعراق وارتباطهم بايران في السابق ( شهداء ) وبذلك شرعوا عرفا استفاد منه كل خائن وجاسوس عمل لصالح جهة خارجية في زمن ( البعث والنظام السابق ) ..بحيث ان من قتلمنهم  أصبح (شهيدا ) ومن عاش منهم أصبح (رمزا وقائدا!) . 

وكان هذا التشريع هو أول شرخ واضح في منهج هذه الجماعات والذي قطع الماء عن بداية نمو نبتة العلاقة بين من جاء كاذبا ودخل العراق بافكار تحارب الامريكان وكانت طيلة ثلاثين سنة تتهم ( النظام السابق بالعمالة لهم)..وبين البسطاء من العامة الذين أخذتهم موجة عارمة من الاغواء واللعب على المشاعر والعواطف بحجة الحرص على الطائفة وحمايتها ورعاية شعائرها! 

وكان تبرير العمالة الكاملة للاجنبي على حساب المباديء والوطن والشعب و(هدف اسقاط النظام السابق من اجل اعادة الحق الى أصحابه وانصاف المظلومين !) موضوع يداعب مشاعر الموجة العارمة التي لا تفرق بين الغاية والوسيلة ولم يتسنى لها الوقت الكافي لتتعلم صحة تبرير استخدام أي وسيلة لتحقيق الغاية  .. 

في هذا الجو الغائم والعواصف التي تهب من كل صوب وسط عواء الكلاب والذئاب والثعالب وقيام الولايات المتحدة الامريكية بأكبر مراهنة خاسرة في تأريخها بوضع كل بيضها في سلة واحدة  ..مراهنة امريكية تأريخية سياسية وعسكرية واعلامية وحضارية خاسرة وليسوعلى طريقة لعب الروليت  في مدينة القمار الامريكية لاس فيكاس حيث وضعت امريكا كل ماتملك ( على رقم محدد ) وهي في حالة تخبط وانهاك وتعب وخسارة..  وذلك من خلال  دعم هذه المجموعة التي تحكم العراق والمرتبطة بايران ومحاربة كل ماله علاقة بالنظام الوطني السابق وحزب البعث!..في هذه الاجواء التي ستدخل عامها السادس وقف البعث ورموزه ومناضليه والجيش العراقي الباسل البطل والحرس الجمهوري الصلب وفدائيي صدام واجهزة المخابرات والامن والاعلام والدوائر الاخرى لوحدهم في الميدان.. 

وحدهم في قتال المحتل وأعوانه واذنابه ..قتال وجهاد ومقاومة ملحمية لم يسمع بها التأريخ ولم نقرأعن مثيل لها ..وحدها في ميدان فيه مثل هؤلاء الاعداء ..وحدها ويقف معها الله وهو حاميها وناصرها ..حاضنها الشعب المحاصر والملاحق والمغلوب على أمره.  

وعلى كل شريف وأمين ومنصف أن يرجع الى تصريحات وبيانات حزب البعث منذ الاسبوع الاول للاحتلال ليرى بوضوح كيف تصدى البعث لهذه الهجمة وفضح صفحاتها وكيف ترجم رده وتصديه الى ارض الواقع عملياتيا ..ورغم كل شيء كان الشعب والوطن قبل الحزب الذي تحمل كل هذا الحيف المعنوي والمادي والبشري يحتاج لحدث مهم يقلب السحر على الساحر..الشيء الوحيد الذي سيقلب حساباتهم وينهي احلامهم الى الابد هو الثورة الشعبية العارمة وخاصة في جنوب العراق والفرات الاوسط التي تتزامن مع ذراعها المسلح القوي الامين وهو البعث والمقاومة الوطنية ..هذا الحدث الذي كان الحزب يعلم انه سيحدث ولكنه يحتاج الى صبر ومطاولة ..ونحن لها.. 

وبغض النظر عن التفاصيل والافكار والاهداف لما حدث في البصرة والناصرية والعمارة والكوت والديوانية والنجف وكربلاء وبابل فان ماحدث هو افلاس كامل للدولة وسلطتها القمعية وبرامجها الكاذبة وتحدي واضح لقوة الطغاة التي تحتمي بالمحتل وطائراته ودباباته وعرباته المصفحة وسطوته الدولية ..انها نهاية الكذبة الكبيرة والخدعة الغاشمة التي ثقفوا عليها قبل الاحتلال لسنوات وهاهي السنة السادسة تدخل عليهم وهم في قمة السلطة بلا منازع بعد ان شربوا حتى الثمالة من دم الشهداء والابرياء من شباب العراق وشيوخه واطفاله.. 

 فأين برنامج الفئة المحرومة والمظلومة التي تاجروا باسمها كل هذه السنوات؟..وأين مناداتكم ألتي كنتم تتشدقون بها والخاصة بحرية المعتقد الديني وديمقراطية الشعائر وقد استخدمتم اقسى أساليب الرد وأعنفها بحق جماعة طرحت معتقد ديني بغض النظر عن صحته من عدمها؟.. 

وهذه الحكومة لم تستطيع حماية ما كان موجود ماديا ومعنويا في كل محافظات العراق فكيف تستطيع تحقيق تطور فيها ..والشعب بكل أطيافه عرف الآن ان هذه الحكومة تاتمر بشكل كلمل باوامر الاحتلال من جهة وبايران من جهة أخرى..وحالة الناس في محافظات الجنوب والفرات الاوسط  اليوم هي أسوأ من المحافظات الاخرى والبؤس والتهميش والقتل والتهجير والملاحقة والفقر والعوز والكبت وتقييد الحريات وكتم الانفاس واسكات الاصوات وقطع الارزاق والقهر تحت حراب المحتل وميليشيات الاحزاب التي تأتمر بايران الذي هم فيه الآن لم يمر يوم عليهم في السابق كانوا قد عانوا فيه مثل مايعانوه اليوم .. 

لقد تيقن شعبنا وخاصة في الجنوب والفرات الاوسط من صدق ودقة تحليل الحزب لهذه الاحزاب التي تدعي انها حريصة على الطائفة وحامية لمصالحها وبين بانها احزاب مرتبطة بالاجنبي وتعمل لصالح اجندتها التي لا تخدم العراق ..وان هذه الاحزاب لا تتوانى عن استخدام اقسى درجات القسوة والعنف ضد أي جهة تنافسها في تعبئة هذه الشريحة وبغض النظر عن الحجة والبرهان .. 

لقد بدأالشعب ينتقد ويقارن ويحاجج ..وينصف.. 

وبدأت كل خيوط مؤامراتهم وزيفهم وتزويرهم ودجلهم  تتكشف.. 

انها الرغبة الشعبية العارمة للتعبير عن الاحتجاج ..احتجاج على المنهج وعلى الاسلوب وعلى سياسة الكذب والدجل والتلفيق الذي اتبعته هذه الاحزاب طيلة فترات طويلة قبل الاحتلال وبعده ..رفض شعبي كبير ومؤثر للتبعية المطلقة للمحتل ولايران ..وتيقن كامل من كذب برامج الاحزاب التي وصلت الى السلطة لمصلحتها ولا ترغب بالتخلي عنها لأي سبب من الاسباب وتحت أي ظرف.. 

انه التفكك الكامل للقواعد التي راهن عليها اعداء الشعب ..انها الصحوة الحقيقية من الخدر والتنجيم الذي رافقهم لفترة طويلة ..صحوة للضمير وللحق ..ليس كصحوة قطاع الطرق المتعاونة مع الامريكان والحكومة العميلة التي انشأها الاحتلال .. 

حذار يا أهلنا في كل مكان من التطرف والانزلاق بفخ الاعداء.. 

انها بداية الانهيار الكامل لكل ما بناه السحرة والمنجمون ..

 

mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس  /  07  صفر 1429 هـ الموافق  14 / شبـــاط / 2008 م