بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 المواجهة التأريخية بين العراق والولايات المتحدة
المحطة الرابعة : التحضير لبناء المقاومة الوطنية العراقية قبل الحرب

الحلقة الرابعة

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 المقاتل الدكتور محمود عزام

 

كان عنوان المحطة الاولى هو خيوط المؤامرة التي بدات منذ العهد الاستعماري البريطاني القديم للعراق مرورا بافرازات حرب حزيران عام 1967 وكيف جعلت  ثورة 17 تموز 1968 شكل التآمر يتطور وتتنوع أساليبه التي امتدت لتصل الى غزو واحتلال العراق الغير شرعي والغير قانوني في آذار 2003. 

المحطة الثانية كانت بعنوان العدوان الثلاثيني وتجلي النصر العراقي ..وكيف كانت هجمة الاعداء الموغلة بالحقد والأذى..وبرغم ذلك على العراقيون ان يتذكروا وعليهم ان يفخروا ولاينسوا صمودهم وانتصاراتهم في هذه المواجهة التاريخية..عندما تصدت مقاتلاتنا وصقور الجو الابطال للموجات الكبيرة من الطائرات الامريكية المتطورة وكيف دارت معارك الاشتباكات الجوية على حدود وسماء العراق..وكيف اسقط الصقور العراقيون المئات من هذه الطائرات قبل وصولها الى اهدافها .. وكيف نفذ سلاح الصواريخ ارض-أرض  ضربات الحق والدمار في عمق اسرائيل وتل ابيب وعلى قطعات وتجمعات ومراكز قيادة ومعسكرات العدو الامريكي في عمق الاراضي الكويتية والسعودية.. ولنذكر معركة الخفجي..وابداع وبطولة رجال الدفاع الجوي الابطال و بطولات قواتنا المدرعة والمشاة والقوات الخاصة والمدفعية في الجيش العراقي والحرس الجمهوري والحرس الخاص وقواتنا البحرية الشجاعة.. وعلينا ان لا ننسى كيف التحم الشعب مع القيادة وساندها ودعمها في هذا الظرف الصعب عندما انتصرنا على الفتنة.. واعدنا بناء العراق. 

والمحطة الثالثة كانت عن تطور المواجهة التي بدأت سياسية  مستمرة وديناميكية وتحولت من غير مباشرة الى عسكرية مباشرة لتتخذ بعدها صفة مواجهة العصر التأريخية والكونية.

 

التحضير لبناء المقاومة الوطنية العراقية قبل الحرب

كانت كل الدلائل والمعطيات المتوفرة لدى قيادة الحزب والثورة في العراق منذ بدايات خيوط التآمر وخلال تطور صيغ واساليب المواجهة مع الولايات المتحدة توحي بما لايقبل الشك من ان هذه الدولة ماضية بدون تردد او حتى مراجعة للنفس في طريق السعي لاسقاط النظام العراقي الوطني الجديد ..وقد اتخذت هذه الدولة تدابير عملية للسعي لتحقيق ذلك كانت أشدها تخطيطا وتنفيذا وضغطا ..تلك التي تلت مرحلة 11أيلول /سبتمبر 2001 عندما تبنت الولايات المتحدة ماسمي بمشروع تحرير العراق..

وقد تدارست القيادة في العراق خيارات المواجهة العسكرية والمنازلة المرتقبة لعدة مرات وبعدة مناسبات وفي العديد من الحلقات والمؤتمرات الخاصة والضيقة ..وكان العامل السياسي والدور الذي يمكن ان يلعبه الأشقاء والاصدقاء في حال نشوب المنازلة التأريخية هو أحد أهم العوامل التي كانت تلقي بظلالها المشوشة والضبابية على الاستنتاجات والتي ستؤدي حتما الى التأثير على تنفيذ المقترحات اللاحقة تحسبا او استعدادا.

وفي كل سيناريو كان هنالك دوما تفهم لدى قيادة الحزب والثورة والقيادة السياسية العراقية لضرورة الاسراع بالمباشرة والشروع ببناء المقاومة الوطنية العراقية التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي..وهكذا بدات الخطوات الاولى لتشكيل نواة المقاومة العراقية من خلال تامين كل متطلباتها التي ستنطلق كصفحة من صفحات المواجهة وبموجب امر القيادة في الزمان والمكان الذي تحددهما .

وجرى التأكيد خلال كل الفترات اللاحقة على الالتزام بثوابت اساسية ومهمة أهمها ان انطلاق وبقاء استمرارية المقاومة الوطنية العراقية مرهون ببقاء المحتل الغير شرعي وطالما كان هناك احتلال وبأي صيغة وعلى أي جزء من ارض العراق وبغض النظر عن القرارات الأممية اللاحقة للاحتلال..

هدف المقاومة الوطنية العراقية الاساسي هو تحرير العراق ..

عندما يكون العراق محتلا فان الشرعية الوحيدة الباقية ستكون هي شرعية مقاومة المحتل بكل اشكاله..وهذا ما أكدت القيادة عليه من ان الشرعية الوحيدة ستكون للمقاومة الوطنية العراقية التي يقودها الحزب والتي سيكون لها الحق في العمل العسكري وغير العسكري وبالتعرض القتالي على قوات الاحتلال سواء كانوا أفراد ومعدات وتجمعات ومنشئات ومعسكرات ومقرات وهيئات وإدارات وخطوط إمداد ومرافق خدمات واسناد ومباني محتلة ومراكز أمن مساعدة وكل ماله له علاقة بدعم الجهد العسكري والقتالي والتعبوي للقوات المحتلة وتتعامل قتاليا مع المتعاملين والعملاء أفرادا وأحزابا وهيئات وغيرها من العناوين والمسميات وغيرها وبذلك تحدد العدو ومصادره بشكل واضح  ..

وحيث ان ثروات العراق هي ملك للشعب فقد ركزت القيادة على ان على المقاومة العراقية منع وعرقلة جهد الاحتلال من التصرف والتمكن والاستغلال، كيفما كان شكله، لثروات ومرافق وممتلكات العراق، وبالطرق والصيغ التي تقتضيها متطلبات تحقيق الهدف عسكرية أو إدارية أو فنية وذلك لمنعه من تحقيق كل او جزء من اهدافه سواءا كانت العسكرية او الاقتصادية او التصرف بنية الاستغلال وسرقة ثروة الشعب .

يجب ان لايكون هنالك من شبر على ارض العراق بدون روحية للجهاد والمقاومة للمحتل الغازي غير الشرعي وغير القانوني ..وهذا ما ركزت عليه القيادة في ان تعمم المقاومة عملها ومقاومتها المسلحة على أرض العراق كلها وبفعل ومشاركة العراقيين كلهم.

 ان قتال المحتل ومقاومته حق وواجب وشرف للجميع وبشكل متكافيء وتحرير العراق امانة في اعناقنا جميعا والتأكيد على كل العراقيين بأن واجبهم وحقهم المتكافئين في المقاومة وتحرير العراق تحت أي عنوان أو مسمى .

وعند تطور المعركة والمنازلة مع القوات الامريكية المحتلة سيكون من الواجب في المرحلة اللاحقة ان يعمل الحزب والمقاومة الوطنية العراقية على تحقيق تشكيل جيش تحرير العراق كتطوير في عمل المقاومة لتحرير العراق ..

ولكي تقوم المقاومة الوطنية العراقية والحزب بالاعتماد بشكل مباشر على النفس والقدرة الذاتية بدون الاتكال على ما قد يتوقع من اسناد فقد أكدت القيادة على ان المنازلة ستشهد انعدام احتمالات الدعم من قبل الأنظمة العربية كلها ولأسباب مرتبطة بطبيعة النظام الرسمي العربي بمجمله، وبطبيعة وأدوار أنظمة عربية بعينها، لا سيما المحيطة بالعراق العميلة والمستنفذة والطامحة للعب أو تجديد أدوار ترسمها لها الولايات المتحدة بموافقة (الكيان الصهيوني) وبما يخدم المنظور الستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة..لذلك فعلينا ان نعتمد على قدراتنا ومواردنا وامكاناتنا ..

كما ان الانخراط بصفوف المقاومة العراقية لقتال المحتل هو واجب قومي ووطني بموجب تاكيد القيادة على واجب وحق الجماهير العربية في الانخراط بالمقاومة العراقية المسلحة على قاعدة المسؤولية والحق القوميين وغير المتعارضة مع مسؤولية وحق العراقيين المؤسس على قاعدة الوطنية العراقية وذلك لأن المواجهة هي مواجهة قومية ووطنية ..

وقد كانت القيادة على دراية واضحة من ان قيام المنازلة وتطورها يتطلب تطور في اساليب المقاومة بما يحقق هدفنا في تحرير العراق وبذلك فانه على تشكيلات المقاومة وتنظيمات الحزب ان تعمل ليكون عملها في المرحلة الحالية  من النضال المقاوم العراقي والجهادي، وما سيكون الوضع عليه لاحقا في ضوء تطور المنازلة في صفحاتها اللاحقة منسجما مع الهدف النهائي في تحرير العراق ، وان لا ننسى السعي لتحقيق أهداف تكتيكية متناغمة ومرحلة المأزق السياسي والأخلاقي التي تعيشها الإدارة الأمريكية وحليفتها البريطانية والناتجة من كشف زيف ادعاءات المزورين والمزيفين الذين اتخذوا من ذرائع وهمية وغير حقيقية مبررا للاعتداء على العراق وشن الحرب عليه  وتدمير دولته ومؤسساته وتمزيق وحدته ونسيجه الاجتماعي وتزييف حقيقة وطنية النظام الشرعي الذي كان يقف لمخططاتهم بالمرصاد.

وستضل الأهداف التكتيكية للمقاومة تعمل باتجاه ترجيح الهدف الستراتيجي المتمثل بطرد قوات الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه موحدا ووطنا لكل العراقيين.

وعلى الفعل المقاوم المسلح والتعرضي للحزب وتشكيلات المقاومة العراقية ان تبقى دائما كعنصر مؤثر ومهم في تعميق المأزق السياسي للمعتدين بفعل الاستحقاقات الانتخابية للرئاسة الأمريكية والانتخابات العامة البريطانية، بحيث تسقط الادعاءات الزائفة لهم وفضح زيف الأهداف المعلنة للحرب وعدم مشروعية الذرائع واستهداف إسقاط النظام السياسي في العراق واحتلاله...كما ان على هذا الفعل المؤثر ان يكون قادرا على التعامل مع الذرائع المتغيرة التي يطرحها الاحتلال لاسقاط النظام تحت شعارات زائفة كالديمقراطية وانشاء دولة الحضارة واحقاق الحق وغيرها من الاكاذيب التي انقلبت على سحرهم ودجلهم ونفاقهم.

ولغرض ادامة الزخم التعرضي والقتالي والسياسي للحزب والمقاومة فقد أكدت القيادة السياسية والحزبية العراقية على ان المقاومة العراقية تبني وتطور خياراتها انطلاقا من حسها الوطني وعراقة انتمائها للعراق الأسبق حضارة وتاريخا وعلى انتمائها القومي العربي ومعينها الحضاري الإسلامي وممارساتها الجهادية والنضالية المتراكمة وفهمها لطبيعة المواجهة المستمرة ومتطلباتها وتطبيقاتها الثورية المستنبطة من واقع عملها النضالي واسترشادها بفكر البعث ورسالته وتحليليها ومرجعاتها وتقييمها لمراحل الإنجاز وصفحات المنازلة في مقاومة الاحتلال ..وان هذه الخاصيات التي تتصف بها المقاومة العراقية هي عوامل قوتها وعوامل اضعاف للعدو ..وهي مبررات ديمومتها وانتصارها ومبررات هروب وخسارة العدو.

كما ان على المقاومة العراقية ان تركز وبدقة على رصد وتشخيص الأدوار التآمرية والخيانية للعملاء والمتعاونين مع الاحتلال في الداخل ومتابعة وتوصيف أدوار الأنظمة العربية سواء في مرحلة ما قبل الاحتلال وما بعده وكشف مداخلات دول الجوار الأجنبية وترتيبات تعاونها مع الاحتلال بما يخدم مصالحها الوطنية على حساب مصلحة العراق ووحدته الوطنية وكشف وتحديد انتهازية المصالح الاقتصادية للغير في ظل الاحتلال وتأشير الدور الذي رسمته الولايات المتحدة (للكيان الصهيوني) خلال فترة العدوان ومابعده وتطورات هذا الدور في ظل الاحتلال وتعاون أنظمة عربية أو تلاقي مصالح قوى إقليمية أخرى.

وحيث ان العراق كبلد حضاري وتاريخي وديناميكي وفيه من المعطيات والحقائق التي تجعله معادلة صعبة الحل وبيئة يستحيل فيها تطبيق برامج الاحتلال السياسية والاقتصادية والأمنية والأخرى على أرضه ..لذلك يجب استثمار هذه الرؤية  الستراتيجية ، وبالتالي عدم امكانية تعميمها في المنطقة والعالم وحصرها وردها فقط للطبيعة الإمبريالية العدوانية ومخططاتها التأمرية على العراق والأمة العربية، والتي حتمت في خضم التفرد بالقوة الطاغية واختلال التوازن الدولي، ممارسة العدوان والاحتلال كنموذج مرتبط بحالة التفرد بالقوة من قبل الولايات المتحدة التي ضربت عرض الحائط كل القوانين والتشريعات الدولية وغزت العراق بدون تفويض او تخويل أو شرعية او قانونية .

وكما هو معروف فان النظام الرسمي العربي وخاصة بعض الانظمة الهزيلة والتابعة التي تريد تحقيق كسب رخيص على حساب العراق قد ساهمت بايصال الحال الى ما وصل اليه ..لذلك فمن واجب الحزب والمقاومة العراقية العمل على تعطيل الأدوار المحتملة لهذه الانظمة العربية المتآمرة انطلاقا من رغبتها بالتعامل مع واقع الاحتلال وإفرازاته، وحرق أصابع تلك الأنظمة في تعاملها المخطط والمحتمل مع الشأن العراقي، وعكس ذلك على أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية المعاشة اضافة الى تأزيم المنطقة ومفرداتها ومنع تحقيق مصالح الأخريين المجاورين على حساب العراق ووحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي .

وعلى الحزب والمقاومة تعظيم تكلفة مساندة هذه الدول للعدوان وتعاملهم مع إفرازاته الداخلية في العراق المستهدفة تفتيت الوحدة الوطنية العراقية على حساب مصالح عرقية ومذهبية وجهوية وفئوية مرتهنة للاحتلال ومرتبطة بوجوده.

ولكي تكتسب معركتنا العادلة صفتها القومية رغم محاولات الاعداء والطامعين والحاقدين بجعلها مواجهة ذات بعد ضيق يتمثل بنزاع عراقي امريكي  ..فان الولايات المتحدة توخت في هذه المواجهة الكونية والتأريخية ان تستمر مصلحة طرف إقليمي وحيد في المنطقة وهو (الكيان الصهيوني) وان لا يتأثر باي حال من الاحوال بما يجري من متناقضات ناجمة عن ادخال المنطقة في نفق مظلم من جراء طيش الولايات المتحدة وحقدها ..وبدون ان تعي امريكا فقد قامت بنقل الصراع من مجرد مواجهة بينها وبين العراق بمفرده الى مواجهة الامة العربية كلها .. 

وهكذا وبفعل وضوح اهداف الولايات المتحدة الشريرة فقد أعطت صفة جديدة للمواجهة مع العراق وهي انها مواجهة وطنية وقومية.

 

والى المحطة الخامسة..

 

mah.azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء  /  19  صفر 1429 هـ الموافق  26 / شبـــاط / 2008 م