بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

احترس !! إنه حمار إرهابي

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

رحم الله الفيلسوف الهندي بيدبا وملحمته الرائعة " كليلة ودمنة" فقد تحدثت الحيوانات بلسان أقوم من حديث البشر وقدمت لنا من النصائح ما تجعلنا مسلحين ومتهيئين ونحن نقتحم مجاهل الحياة المحفوفة بالأهوال والمخاطر, وكان للحمار موطئ قدم راسخ في قصص بيدبا, وكي لا نعطي للحمار الهندي قيمة واعتبارا اكبر من الحمار العربي فلابد من أن نستذكر روائع توفيق الحكيم بصحبة حماره مثل" حمار الحكيم" و " حماري قال ليً ", كما لا يغيب عن بالنا الشاعر المصري الكبير احمد شوقي في ملحمته الشعرية وتصويره الرائع لمعاناة الحمار وهو يقف مستضعفا أمام ملك الغابة و يبادره بقوله" كم مزقت أنيابي لحوم وحش ألغابي وقوة افتراسي معروفة للناس" فينهق الحمار مستعطفا مليكه, وللأنصاف فإن الحمار العراقي ربما كان أكثر شهرة من بقية الحمير, و لا نبالغ إذا قلنا انه كان في متربعا في القمة منذ عهد علامتنا الخواجة نصر الدين (جحا) ولحد هذا الأسبوع, قبل أن ينزل إلى الساحة العراقية نوع آخر من الحمير وهو" الحمار الإرهابي" وهذا النوع من الحمير جعلنا نعيد النظر في تقييمنا لهذا الحيوان, فلم يشهد التأريخ أن تضم قوى الظلام حميرا, فقد عرف عن هذا الحيوان الكثير من الايجابيات والقليل من السلبيات فهو قنوع للغاية, وخدوم أكثر مما يجب, يحمل الذهب ويأكل التبن بمعنى يرضى بالقليل كما وصف بالحلم والطاعة وعدم التذمر, أما صبره فقد أمسى مضربا للأمثال. و لا تتعدى سلبياته صوته المنكر الذي يزعج الآخرين وتكشيرته البلهاء التي تكشف أسنانه الطويلة رغم انه من الصنف النباتي ولا يحتاج اليها.

الحمار في العراق رافق المواطن في مسيرته التاريخية الطويلة منذ العصور الأولى وحتى الألفية الثالثة فقد دخل العراقي بوابة العولمة وهو يسوق حماره تارة بعربة وتارة بلا عربة يحمل عليه النفط ومشتقاته وكذلك المحاصيل الزراعية, انه بحق حمار خدمة رائع ومنجزاته لا يمكن أن ينساها أي عراقي مخلص, فمع اختفاء البنزين وارتفاع أجور النقل بالسيارات في ظل الاحتلال الصديق كان الحمار أوفى من غيره, فقد بقى البديل الرائع ليوفر لنا النقل شبه المجاني مقتنعا بخبز يابس وشربة ماء لا بأس أن تكون من مخلفات المطر أو طوفان المجاري, فربما عرف هذا المسكين إن المياه النقية لا تقل تلوثا عن مياه المجاري فرضي بالمتيسر, وبالرغم من المعاناة اليومية للحمير بسبب قلة الغذاء من جهة والقصف المعادي الصديق من جهة أخرى وأعمال العنف ورغم التضحيات التي قدمتها فصيلته فأنه بقى متشبثا بأرض الأجداد ولم يفارقها ليكتسب جنسية غير عراقية. وما يصدق على الحمار يصدق أيضا على الحصان فهو رفيق الحمار في رحلته الشاقة هذه, رغم أن الأخير أمتاز عليه في سباقات الخيول فرجح كفته وغلى ثمنه.

هذه هي معرفتنا عن الخيول والحمير إنها حيوانات أليفة وصديقة وما كان لنا عهد بها أنه بعد أن يتحرر العراق ويصل إلى أعلى مراحل الديمقراطية أن تتآمر عليه هذه الفصيلة لتتحول من صديق إلى عدو مبين يترصد حياتنا وأمننا المستقر الذي دفعنا أكثر من مليون عراقي شهيد لنحصل عليه وفق هذه الصيغ المتقدمة. إنها مأساة حقيقية أن يتحول حليف الأمس إلى عدو اليوم دون أن تتوفر عنده الذرائع اللازمة, رغم أن هناك برلمان منتخب وحكومة ديمقراطية ومنظمات الرفق بالحيوان ومؤسسات المجتمع المدني, وكلها كفيلة برفع الظلم الواقع على الإنسان أو غيره من الكائنات, فالأبواب مفتوحة ومشرعة لسماع أصوات المظلومين ولا حجة لكائن من كان أن يسلك طريق الضلال مفرغا حقده الدفين على المواطنين الأبرياء. أن ينسى الحمار تاريخه العريق برفقة البشر ويتنازل بمثل هذه السهولة عن صفاته السخية ليسمح لقوى الإرهاب بان تلجمه وتوجهه لتنفيذ مشاريعها الظلامية والمبتذلة على أرض السواد, فهذا أمر يحتاج إلى الدراسة والتمحيص, إنها خطوة لإعادة النظر في الكثير من الأمور ولعل من أهمها الخطط الأمنية, كلما نتقدم إلى الأمام ويتحسسن الوضع الأمني ويشعر العراقي بنوع من الأمان يقوم أعداء العراق برمي حجار لتعكير المياه الراكدة, وهذه المرة بواسطة تجنيد مجموعة من الحمير الضالة من ذوات النفوس الضعيفة التي يغريها الأخضر ويحفزها لفعل كل ما هو شائن وللحد من هذه الهجمة الحميرية الشرسة التي استنفرت قواتنا الأمينة وجعلتها تعيد النظر في خططها الأمنية, فقد منعت سلطتنا المنيعة حركة العربات التي تجرها الحمير في العاصمة, بعد أن رصدت هذه القوات عبر الأقمار الصناعية قيام حصان أو حمار إرهابي بتفجير نفسه في نقطة تفتيش ملحقا خسائر كبيرة بالحراس, اثر هذه العملية الإرهابية اجتمعت قيادة قوات فرض القانون في بغداد اجتماعا سريا وأصدرت بيانا عاجلاً بمنع حركة الحمير من الساعة الثانية عشر ظهرا حتى إشعار آخر, ومن الملفت للنظر أن التوقيت جاء حسب توقيت غرينتش على اعتبار أن الإرهاب دولي ولا بد أن يضبط حسب التوقيت الدولي فكانت التفاته رائعة من قوات فرض القانون ودلالة على عمق وعيهم الأمني.

وقد تسربت إخبار من أروقة الاجتماع تشير إلى أن قوات فرض القانون تخشى من قيام قوى الإرهاب بتجنيد الكلاب والقطط الضالة عبر تفخيخها بالمتفجرات مما يؤدي إلى ضياع التحسن الأمني والذي وصل حسب تصريحات المسئولين إلى 70% سيما أن بعض الآراء أشارت إلى صعوبة السيطرة على الكلاب وخاصة إنها معروفة بشراستها وتعض بقسوة مما يفزع رجال الشرطة ويعرقل متابعتهم لها, من جهة ثانية سفه بعض القادة الأمنيين مسألة تجنيد القطط والهررة لعدم قدرتها على حمل كميات كبيرة من المتفجرات بشكل كبير.

وبدخول الحمير كفقرة في الخطط الأمنية القادمة فأنه من المتوقع أن تتعرض المناطق التي تتواجد فيها أعداد غفيرة من الحمير إلى عمليات تفتيش واسعة النطاق ومداهمات قد تسفر عن إلقاء القبض على بعض الشبكات الإرهابية منها, وستقوم قوات حفظ النظام بتهيئة سجون للحمير تخضع إلى إجراءات أمنية مشددة, كما ستصاحب هذه الخطة حملة إعلامية مكثفة تفضح هذه المؤامرة الدنيئة وتسلط الضوء على أعداء العراق الجدد.

و بتعاظم هذه الثغرة الأمنية فأنه من المتوقع أن تجري مسيرات جماهيرية لتأييد أو معارضة هذا الأجراء الأمني الجديد, فبعض الآراء تناصر هذه الخطوة وتشد أزر قوات فرض النظام منطلقة في موقفها بأن الأمن في العراق فوق الجميع, وان خطة فرض القانون لا تستثني أحد ومن المفروض أن تخضع الإسطبلات إلى حملة تفتيش واسعة النطاق و لا يستثنى أي حمار من هذه الإجراءات مهما بلغت رفعته ودرجة قرابته, بل أن البعض سيطالب بأن ترفع السروج من ظهور الحمير أيضا إلى إشعار آخر وحتى عودتهم إلى الصف الوطني, ويتناقل البعض أخبارا بأن المتظاهرين سيطالبون بعرض هذه القضية الخطيرة على البرلمان لغرض مناقشتها ووضع قوانين مشددة على الحمير وأصحابها.

من جهة ثانية فأنه من المتوقع أن تسير تظاهرة أخرى تنظمها جمعيات الرفق بالحيوان ومؤسسات المجتمع غير المدني وألعربنجية وباعة النفط في شوارع العاصمة, يتقدمها بعض الحمير من كبار السن وكر مقرمش( حمار صغير) وربما عدد من الخيول والجحوش(جمع جحش) لتستأثر بعاطفة المواطنين, وعند وصولها للبرلمان ستعلن الفصيلة البراءة من أي حمار اخرق يحاول العبث بأمن العراق وسيادته, وستختم وثيقة الشرف هذه بختم حدوه حافر أكبر حمار في الفصيلة دلالة على التزامهم بالخطة الأمنية, وقد علق احد الظرفاء بأنه سترفع لافتات بهذا الصدد منها (الحمير البغدادية .. تساند الخطط الأمنية) و( تعلن فصيلة الحمير براءتها من التدمير) ( لا تظلموا جميع الحمير إذا أساء احدهم التدبير). وحتى يتم الفصل في هذه المسألة فأننا ننصح الجميع بتجنب الحمير وعدم الاقتراب منهم دعما لخطة فرض القانون ولله في خلقه شئون. وربما يفسر التقرب منها بأنه تآمر على الوطن أو نوع من التواطؤ مع التكفيريين, لاسيما إن سوق الوشايات عامر جدا وفيه درب الصد ما رد وهي تحظى باهتمام كبير من قبل قوات حفظ النظام والساهرين على أمن المواطن وراحته.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس  /  28  صفر 1429 هـ   ***   الموافق  06 / أذار / 2008 م