بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

في الذكرى الخمسين للوحدة
فكر صدام حسين الوحدوي في تعارض كلي مع مشاريع التحرير الزائفة

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 ابن تونس

 

مرت خمسون سنة على إعلان الوحدة المصرية السورية . 22 فيفري 1958 لم يكن يوما عاديا في تاريخ أمتنا العربية المجيدة بل كان حدثا تاريخيا أسهمت في صنعه القيادة القومية في مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر و القيادة القومية في سورية بقيادة الرئيس شكري القوتلي و احتفلت به الجماهير العربية  قاطبة. و بعد تحقيق هذا الانجاز التاريخي العظيم  انتظرت الجماهير العربية المحطات اللاحقة التي تؤسس لوحدة عربية شاملة لكن توقف هذا المسار رغم توفر كامل الظروف الموضوعية و التاريخية لتحقيق هذه الوحدة.

لقد اتضح أن المشروع القومي العربي المتمثل في  تحرير الأمة و توحيدها يشكل أخطر مشروع على الامبريالية و الصهيونية فخصصت لإجهاضه كافة طاقاتها و إمكاناتها  السياسية و العسكرية و الإعلامية. بطبيعة الحال سيرتكز المشروع الامبريالي الصهيوني المناهض لوحدة الأمة و تحررها على عوامل تناقض عملية الوحدة و لن تكون هذه العوامل غير تكريس سياسة التفتيت و الشرذمة.

لقد كانت أدوات الشرذمة بالنسبة للإمبريالية و الصهيونية هي الرادع  الأساسي و القادر الفعلي على سد الطريق أمام أي محاولة توحيدية . لذلك فقد سعت في بادئ الأمر بواسطة اتفاقية سايكس بيكو إلى غرس الكيان الصهيوني داخل الوطن العربي و انشاء الدول القطرية و حمايتها من أي فيروس توحيدي. في مرحلة لاحقة اعتمدت هذه القوى الامبريالية و الصهيونية على أداة تفكيكية جديدة و هي تحريك نعرات الأقليات القومية كالأكراد و الأقباط في المشرق العربي و القبائل في المغرب العربي .  و في مرحلة ثالثة  المرتبطة بوضعنا الحالي وجدت هذه القوى في الطائفية أحدث و أنجح أدوات للشرذمة و التقسيم . و حيث أنه لا يمكن للامبريالية و الصهيونية إحكام التصرف في هذه الأداة باعتبارها تستوجب جملة من الظروف و العوامل التي يستعصى توفيرها فقد التجأت إلى حليف يتقن تفريخ فيروس الطائفية و غرسه ، و لم يكن هذا الحليف  سوى إيران التي قفزت على هذه الفرصة علها تحقق ما حرمها من تحقيقه الرئيس الشهيد صدام حسين حين أوقف زحف جرادها بعد صعود الخميني للحكم مباشرة.

استراتيجية إيران في تناقض  كامل مع المشروع القومي العربي

لقد أجبرنا على انتظار انجازات المقاومة العراقية الباسلة حتى تنكشف صورة و حقيقة الدور الإيراني في المنطقة العربية. إذ انكشفت نوايا النظام الإيراني و اتضح أن مرجعه الوحيد في كل تحركاته و تصرفاته هي مصالحه القومية الضيقة . كان في حسبان إيران أنه يعسر على أي كان كشف التحالف الاستراتيجي بينها و بين الامبريالية و الصهيونية باعتبار أن الخطة الإيرانية  كانت تقتضي انتظار قوات الاحتلال الأمريكي  حتى تجهز بالكامل على المقاومة العراقية ثم تدخل إيران بثقلها في مواجهة تكتيكية مع قوات الاحتلال الأمريكي" لتحرير " العراق من " دنس الاستعمار" و تركز نصر الله العراق  )قد يكون الحكيم أو الصدر( ليصبح لإيران قادة " عظام " جاؤوا ليخلصوا الشعب العربي من الاحتلال و الطغيان لكن كذلك لينفذوا أجندة ايرانية تتمثل في النفاذ إلى الوطن العربي من البوابة الشرقية لاحتلاله و الشروع في إقامة الإمبراطورية الفارسية ذلك الهدف الاستراتيجي الذي طالما  كان الحلم المفضل للخميني .

غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن فقد سقط الاحتلال الأمريكي في المستنقع الذي أعدته له المقاومة العراقية و بدأ يترنح تحت ضربات أبطالنا الأشاوس و هذا الوضع استوجب تدخل إيران بشكل مباشر في المواجهة مع المقاومة العراقية لإنقاذ الاحتلال باعتبار أن القضاء على حزب البعث و الجيش العراقي و كل الرجال الذين جسدوا  نهضة العراق و قوته و مناعته  هي مسائل حياتية متعلقة بأولويات النظام الإيراني.

هذا الدور القذر الذي أجبرت المقاومة العراقية النظام الإيراني لاتخاذه جعل العديد من المحللين ينددون بالدور الإيراني المتواطئ مع الاحتلال الأمريكي. عندها فقط بدأ العديد من المغلطين يسمعون صوت الحق القادم من العراق يذكرهم بتصريح محمد خاتمي ونائبه حينما قالا" لولا دعم ايران لما تمكنت امريكا من غزو العراق وافغانستان. ..."  و يذكرهم بتصريح الخميني القائل " إن تحرير القدس يتم عبر تحرير بغداد ".

إن المشروع القومي الذي يؤسس لدولة عربية قوية موحدة يتناقض مع الدور التوسعي الذي بدونه لا يمكن الحديث عن الامبراطورية الفارسية أو المشروع الاستراتيجي للنظام الإيراني.

إيران لا تحمل موقفا مزدوجا بل من لا يرى انسجام موقفها الاستراتيجي هو الذي يحمل تفكيرا مزدوجا

إن ايران لها مصالح استراتيجية لن تتحقق إلا متى احتلت العراق ، فالعراق و أراضيه الخصبة و ثرواته البترولية و عتباته الشيعية المقدسة و موقعه الاستراتيجي هم الذين يقربون إيران من إنجاز إمبراطوريتها الفارسية القادرة على مقارعة القوى العظمى في المنطقة . و طالما بقيت الأمة العربية متمسكة بوحدة كيانها و بقيم النضال و المقاومة فإنها ستبقى حجرة عثرة أمام المشروع التوسعي الفارسي . إضافة لذلك فبقدر ما يحمل المشروع القومي العربي قيم التآخي مع الجيران كان المشروع الإيراني يقطر عداء للأمة العربية. لقد شرع النظام الإيراني في نسخته الجديدة مباشرة بعد صعود الخميني للحكم في تنفيذ مشروع تصدير الثورة من أجل تفكيك الوطن العربي و تقسيمه، و ذلك بواسطة أسلوبين :

الأول : المواجهة العسكرية المسلحة من أجل ضرب النظام الوطني العراقي باعتباره أصلب نواة للمشروع القومي العربي و باعتباره يمسك ببوابة إستراتيجية تحول دون التسرب الفارسي نحو الوطن العربي .

الثاني : العمل على غرس الطائفية الشيعية الموالية لإيران في مختلف أنحاء الوطن العربي  و ذلك بهدف إيجاد أصدقاء لها يشكلون نقطة ارتكاز لتواجدها المستقبلي في المنطقة.

أما الأسلوب الأول فقد منيت إيران في جولته الأولى بهزيمة نكراء ألحقها بها الجيش العربي الباسل في العراق بقيادة الشهيد صدام حسين أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ، و بسبب هذه الهزيمة و هذا الفشل الذريع أحست إيران أن مشروعها الاستراتيجي سيكون مآله الاندثار مما يقزّم دورها في المنطقة . لكن لم ييأس نظام الملالي الذي اعتبر تنفيذ مخططه الاستراتيجي قضية حياة أو موت.

 و بدأ العدوان الامبريالي الصهيوني على العراق في 20 مارس 2003 فجاء وقت اتخاذ قرار النظام الإيراني بضرورة التنسيق المباشر و المكشوف مع الامبريالية الأمريكية و الصهيونية لبلورة مخطط احتلال العراق و القضاء على نظام صدام حسين الوطني حتى يتم الإجهاز على نواة دولة الوحدة و التخلص النهائي من المشروع القومي العربي كخطوة نحو تفكيك و شرذمة هذا الوطن ليصبح قابلا للتفريس.

لقد التقى المخطط الامبريالي الصهيوني في ضرب أقوى ركيزة للأمة العربية مع المشروع الفارسي الطامح إلى وضع حدّ لهذا اللاصق القومي الذي يصهر وحدة الأمة و يمنع تفكك نسيجها الاجتماعي.

نلخص الموقف فنقول : إن إيران حين تلتحم بالدرع الأمامي للأمة و الحاضن لمشروعها القومي و المتمثل في النظام العراقي الوطني تتوخى أسلوبا عسكريا دمويا تخريبيا حاقدا يسعى إلى تدمير كل من يحمل النفس العربي ، و هذا ما أدى إلى استهداف البعثيين بدرجة أولى في إطار ما سمي بقانون اجتثاث البعث و استهداف كذلك كل الوطنيين العرب في العراق بل حتى الفلسطينيين في العراق لم يسلموا من مخطط الإبادة و التشريد ( و هذا هو موقف النظام الإيراني من كل فلسطيني يرفض الهيمنة الإيرانية و سيكون ذلك هو مصير كل فلسطيني يعارض التواجد الإيراني في فلسطين بعد احتلالها لا سمح الله).

أما الأسلوب الثاني  و هو الأسلوب السلمي لزرع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية عبر غرس الطائفية و دعم التيارات السياسية الموالية له . إن هذا الأسلوب هو مخطط طويل المدى تهدف إيران من ورائه إلى الإعداد لأرضية ارتكاز لنفوذها في المنطقة و هو ما حصل في لبنان و البحرين و اليمن و فلسطين و غيرها ....

و حيث أن إيران تعلم أن تركيز الطائفية في أرضية يتسم نسيجها بالعداء لهذا الفيروس هو أمر عسير جدا إن لم يكن مستحيلا.فقد رأت أن مصالحها القومية تفرض عليها إيجاد خطة تقوم على الدخول في مواجهة تكتيكية دموية مع العدو اللدود للأمة العربية المتمثل في الصهيونية و ذلك من أجل كسب مودة الشعب العربي المتعطش لدحر عدو تاريخي و استراتيجي بقي جاثما على ثاني القبلتين و ثالث الحرمين. إن خوض إيران لمواجهة مع العدو الصهيوني في أرض الشام تهدف إلى فك زمام المقاومة من الأطراف القومية التي تخوض مواجهة حاسمة مع الامبريالية الأمريكية على ساحة العراق لتشرع بعد ذلك في تنفيذ الأجندة الفارسية  مع العمل على أن لا يثير تقرير الملالي مصير الأمة العربية حفيظة المواطن العربي .

إن توخي إيران المواجهة العسكرية ضد المقاومة العراقية في العراق هو تنفيذ لمهمة استراتيجية أما مواجهة العدو الصهيوني في لبنان مثلا فإنها مهمة تكتيكية تهدف إلى إعداد الشعب العربي لقبول المقايضة المتمثلة في ضرب العدو الصهيوني مقابل احتلال فلسطين و جعلها تحت النفوذ الفارسي مثلما فعل الأتراك حين احتلت الامبراطورية العثمانية الوطن العربي بما فيه فلسطين باسم الاسلام.

إن علاقة إيران مع العدو الصهيوني و الإمبريالية الأمريكية هي علاقة تعاون استراتيجي تشوبها الخلافات نتيجة رغبة كل طرف في الاستيلاء على الجزء الأكبر من الغنائم.و لتأكيد ما نقوله نطرح سؤالا بسيطا ، من سيحمي نجاد حين يزور العراق ؟ من سيقدرعلى حماية نجاد في الحقل الأمريكي غير فرق الحماية الأمريكية و وكالة المخابرات الأمريكية. يحصل هذا في حين يحكم العداء الاستراتيجي بين الامبريالية و الصهيونية العالمية و بين المقاومة العراقية و هذه حقيقة ثابتة بينتها الوقائع و أكدها رفض الرئيس الشهيد لأي مساومة مع عدو الأمة فلو كانت ايران في عداء مع الأعداء الاستراتيجيين للأمة هل تقدم على تذبيح من يمثلون سمّا قاتلا للامبريالية و الصهيونية ؟

في التناقض الرئيسي و التناقض الثانوي

خلقت الممارسات الإيرانية داخل الوطن العربي اختلافات في صلب النخبة الفكرية الوطنية مما أثر سلبا على نجاعة الفعل المقاوم للمثقف العربي . ففي الوقت الذي سارعت فيه مختلف فصائل المقاومة العراقية و على رأسها حزب البعث و في مقدمته الشهيد صدام حسين  ليؤكدوا على خطورة الدور الإيراني و خلفيات برنامجه الاستراتيجي و مسؤوليته في تأخير انتصار المقاومة العراقية  كانت العديد من القوى الوطنية العربية تقف مترددة في الحسم في مثل هذا الموضوع معللة موقفها بخطإ اعتبار تناقض الأمة العربية مع النظام الإيراني تناقضا رئيسيا معتبرة أن الطرف الوحيد الذي يعد تناقض الأمة معه تناقضا رئيسيا هو الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية .

و قبل توضيح هذه المسألة لا بد الاتفاق حول موضوع مهم ألا وهو قومية التناقض الرئيسي بمعنى أنه لا يمكن تحديد التناقض الرئيسي على أساس قطري ، و عليه  فإن الامبريالية الأمريكية  التي تحتل العراق و العدو الصهيوني  الذي يحتل فلسطين و جزء من سوريا و لبنان  يعدان عدوان رئيسيان للأمة العربية قاطبة و ليس فقط لشعبنا في العراق و فلسطين و سوريا و لبنان.

منذ 2003 شنت الولايات المتحدة حربا عدوانية على القطر العراقي و شكلت من أجل تكريس الاحتلال لهذا البلد العربي تحالفا ضم عددا كبيرا من البلدان أهمها بريطانيا في بداية الاحتلال ثم سرعان ما أخذت مكانها إيران الني تعاظم دورها الاحتلالي  و التخريبي و التآمري . لقد خاضت المقاومة العراقية مواجهة عاتية ضد حلف  استعماري تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ، في هذه الحالة هل يعقل أن ننعت قائد هذا الحلف بالاستعماري و نعفي حليفه الرئيسي من هذه الصفة  ؟ هل يعقل أن نعتبر تناقض الأمة العربية مع أمريكا تناقضا رئيسيا و مع حليفها الرئيسي في هذا العدوان تناقضا ثانويا ؟ هل يصح أن نعتبر إيران التي اتخذت موقعا مميزا في الحلف العدواني المشارك في احتلال و تدمير العراق ، هل من الممكن اعتبارها عنصرا من عناصر الجبهة الوطنية المناهضة للامبريالية و الصهيونية و نشبهها بالكومنتنغ الذي شارك في الجبهة الوطنية المناهضة للاحتلال الياباني إلى جانب الحزب الشيوعي الصيني رغم الخلافات التي تحكم العلاقة فيما بينهما  و تتخذ أحيانا أشكال مواجهات عسكرية ؟ أليس من الأنسب تشبيه إيران  باليابان و أمريكا بألمانيا  خلال الحرب العالمية الثانية باعتبار أنهما طرفان في حلف استعماري واحد . أو ربما تشبيههما ( لمن يعتبر أن إيران في تناقض مع الولايات المتحدة الأمريكية) بفرنسا التي كانت تحتل تونس و ألمانيا التي دخلت في صراع مع فرنسا لبسط نفوذها على قطرنا التونسي . في مثل هذه الوضعية هل يمكن اعتبار التناقض ثانوي مع ألمانيا و رئيسي مع فرنسا . كل الوطنيين في تونس يتذكرون أن الموقف السليم الذي اتخذوه آنذاك هو اعتبار التناقض مع الاستعمارين رئيسي والعمل على خوض حرب تحررية ضدهما.   

لقد كان الخلط في المفاهيم وراء هذه المواقف الخاطئة إذ حين أعلنت المقاومة العراقية أنه من الخاطئ اعتبار التناقض مع النظام الإيراني هو الرئيسي سارعت العديد من الأطراف الوطنية إلى الاستنتاج بأن التناقض مع إيران إذا هو تناقض ثانوي .  لقد آن الأوان لتوضيح كل هذه المسائل النظرية المتعلقة بهذا الموضوع و التي سبق أن حللها أبطال القلم المقاوم في العراق و بيّنوا أن اعتبار التناقض مع ايران هو التناقض الرئيسي الوحيد  ينزل العدو الأمريكي الصهيوني إلى المرتبة الثانية ليصبح التناقض معه ثانويا و هذا ما نبهت منه المقاومة العراقية . لكن في نفس الوقت نبهت المقاومة العراقية من اعتبار التناقض مع الاحتلال الإيراني تناقضا ثانويا ذلك أن مثل هذا الخطإ يسقطنا في فخ نزع صفة المحتل على النظام الإيراني  وهل يمكن أن يتحول المحتل إلى  عدو ثانوي. مع العلم أن هذا  الموقف تحدد بعد أن انتظرت المقاومة العراقية طويلا تغيرا في الموقف الإيراني و أخذ بعين الاعتبار علاقة الجوار ، لكن اتضح أن من ينتظر من إيران موقفا على الأقل محايدا هو كمن ينتظر الارتواء من السراب.

نعود الآن للنقطة التي تناولناها في مستهل هذا المحور لنخرج بالاستنتاج التالي :  بما أن التحالف الأمريكي الصهيوني الإيراني هو الذي يخوض حربا عدوانية في أحد مواقع هذا الوطن فإن تناقض الأمة يصبح رئيسيا مع العناصر الأساسية المكونة للحلف و ليس مع قائد هذا الحلف فقط.

و حتى نقرب الصورة للأذهان أكثر يمكننا تشبيه الاحتلال الإيراني بالاحتلال العثماني الذي اعتمد على الإسلام لفرض نفوذه على الوطن العربي لمدة خمسة قرون  وتشبيه الاحتلال الأمريكي بالاحتلال البريطاني. هل كان على الشريف حسين قائد الثورة العربية الكبرى التحالف مع الاحتلال التركي الذي اعتبر الحركة القومية العربية أخطر أعدائه كتكفير عن الخطإ التاريخي القاتل الذي ارتكبه عندما تحالف مع الاستعمار البريطاني لمواجهة الاحتلال العثماني ؟ فتركيا كانت في صراع  مع بريطانيا من أجل النفوذ في المنطقة لكنهما أي تركيا و بريطانيا كانا في عداء كامل مع الحركة القومية و التحررية العربية .

الجمع بين فكر صدام حسين و الفكر الإيراني أمر مستحيل

ليس بالصدفة  أن يكون التيار القومي العربي  هو قائد المواجهات الكبرى التي خاضتها الأمة العربية ضد أعدائها في التاريخ المعاصر من محمد على إلى جمال عبد الناصر إلى الشهيد صدام حسين . إن الذي جعل مشاريع هؤلاء الزعماء تجد لها وقعا لدى جماهير الأمة هو جمعها بين التحرر و الوحدة. لقد استطاع القائد جمال عبد الناصر أن يقود حركة التحرر العربية في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي و حقق انجازات عظيمة في خضم المواجهات ضد الامبريالية و الصهيونية . كان جمال عبد الناصر ابن الأمة و لأنه واحدا منها فقد كان برنامجه الاستراتيجي تصب كل بنوده على خدمة الأمة من أجل تحررها و وحدتها. بعد ذلك أخذ حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق المشعل ليخوض باقتدار معركة القادسية الثانية دفاعا عن البوابة الشرقية للوطن العربي من العدوان الفارسي  ثم  ليواجه العدوان الثلاثيني في مـنازلة "أم المعارك" و ليخوض بعد ذلك مواجهة تاريخية في "معركة الحواسم" ضد أعداء الأمة من امبرياليين و صهاينة . لقد خاضت المقاومة العراقية هذه المنازلة التاريخية نيابة عن الأمة و من أجل الأمة  و ما كان لهذه المقاومة أن تخوض مواجهة بهذا الحجم من أجل مستقبل هذه الأمة جمعاء لو لم يكن الفكر الذي يقودها فكرا قوميا عربيا . فحزب البعث في العراق بقيادة الشهيد صدام حسين هو الذي هيأ لهذه المنازلة و هو الذي يخط إلى جانب مختلف الفصائل الوطنية ليس مستقبل العراق فقط بل مستقبل الأمة بأكملها فقد قال القائد المجاهد عزت ابراهيم الدوري في " مقدمة البرنامج الاستراتيجي للبعث و المقاومة الصادر في 05/10/2005 " إن حزب البعث هو ملك لكل الأجيال وهو غاية الأمة ووسيلتها لتحقيق ما تصبوا اليه من عز ومجد وتاريخ وحضارة ".

لقد استطاع حزب البعث أن يحافظ على دوره القيادي خلال منازلة معركة التحرير الحالية رغم استشهاد 120 ألف من أعضائه بسبب تطبيق الاحتلال و حلفائه و عملائه سياسة ما تسمى بسياسة اجتثاث البعث و تمكن من الحفاظ على الطابع القومي لنضال المقاومة رغم ما عاشه من جحود من طرف أمته التي يدافع عنها . فلقد كانت كلمات الشهيد صدام حسين قبل استشهاده معبرة عن عمق الفكر القومي الذي يتبناه حزب البعث و المقاومة حين رفع  أعلى منصة الاعدام شعار تحيا الأمة  يحيا الشعب و تحيا فلسطين.

بقي أن نبين بعد كل هذا أن حزب البعث و المقاومة العراقية التي قدمت تضحيات جسيمة لم تخيب آمال الأمة بل حققت انتصارا تاريخيا عظيما على أعتى قوة استعمارية في التاريخ 

إننا نعيش اليوم مرحلة تاريخية استثنائية باعتبار أن تفجر الصراع بين الأمة و أعدائها باغ حدا لم يشهده من قبل ، مما ينبئ بتأثير هذا الصراع ليس على مصير الأمة فحسب بل مصير العالم أجمع.

و حيث أن الصراع متشابك فقد أفرز الوضع ظاهرتين :

الظاهرة الأولى هي المنازلة التاريخية التي تخوضها المقاومة الوطنية العراقية ضد رأس حربة الامبريالية العالمية في الساحة العراقي.

الظاهرة الثانية وهي المواجهة مع العدو الصهيوني في لبنان التي خاضها الشعب اللبناني بقيادة حزب الله و التي موّلها النظام الإيراني عبر ممثله في المنطقة.

إن الظاهرتين أو المواجهتين تستند كل واحدة منها على استراتيجية مختلفة :

الأولى في العراق و تستند على استراتيجية المشروع القومي العربي الهادفة إلى تحرير الأمة و توحيدها و تطويرها.

و الثانية تستند على الاستراتيجية الإيرانية التي اتضحت معالمها و انكشفت مراميها الساعية لخدمة الأهداف القومية الإيرانية مثلما أسلفنا.

بطبيعة الحال لا يمكن أن تؤدي هاتين المواجهتين إلى وحدة حركة التحرر العربية رغم استهداف المشروعان أعداء الأمة ، بل أفرزتا انقساما داخل هذه الحركة بسبب اختلاف استراتيجية كل مشروع ( ألم نقل من البداية أن ايران أينما تحل تزرع القتنة و التقسيم ....) لقد أفرز هذا الاختلاف تيارين:

التيارالأول يعتبر أن المقاومة العراقية التي أسسها الشهيد صدام حسين هي رأس حربة نضال حركة التحرر العربي ضد أعداء الأمة من امبرياليين و صهاينة و حلفائهما و عملائهما و بالتالي فأنها – المقاومة العراقية – هي القادرة على صيانة و الدفاع على عروبة الأمة و إسلامها. و نتيجة لكل ذلك يرى أصحاب هذا الرأي أن كفاءة هذه المقاومة و قدرتها على إدارة الصراع تحتم على الجميع الالتفاف حولها و دعمها و الاستنارة بفكرها و الترويج لمواقفها.

أما التيار الثاني فهو الذي يجرد إيران من الصفة التوسعية و يرى فيها عنصرا يسهم إيجابيا في صراع الأمة ضد أعدائها رغم كل الذي ارتكبته من جرائم في حق شعبنا في العراق و رغم اتضاح أهدافه الاستراتيجية.

بطبيعة الحال ، إن انقسام حركة التحرر العربية إلى تيارين سيؤثر سلبا على عطاء هذه الحركة . ففي الوقت الذي كان المطلوب من القوى الوطنية و القومية رفع الحصار الإعلامي على المقاومة العراقية و إبراز انجازاتها و أهدافها و برامجها و الافتخار برموزها و ملاحمها و الانخراط في فضح الجرائم التي تمارس على أعظم شعب و مقاومة لم يشهد التاريخ لها مثيلا ، نرى التيار الثاني حوّل أنظاره نحو الواجهة اللبنانية و سعى إلى جر الجميع نحو تمجيد حزب طائفي اتضحت نوايا ملحمته مع العدو الصهيوني بل وصل البعض من هذا التيار إلى حد الافتخار بقادة نفذوا جرائم أمرتهم إيران بتنفيذها ضد المقاومة العراقية ( كعماد مغنية ) و اعتبار هؤلاء القادة شهداء حين يستهدفهم الأمريكان و الصهاينة.

في مثل هذه الوضعية هل بوسع هؤلاء أن يحسوا مثلا بخطورة الجريمة التي تعد لها أمريكا بالتعاون مع إيران الهادفة إلى اغتيال ما تبقى من القيادة الوطنية العراقية. لقد اتضحت الآن أسباب البرود حين تصلهم الأخبار عن المقاومة العراقية و حزب البعث  و أسباب الحماس الفياض حين ينصتون لخطب نصرالله الطائفي و هو يتحدث عن قرب زوال "إسرائيل " ....

إن الانجرار وراء الأطروحات الإيرانية دفع العديد من القوميين العرب إلى تغليب الطابع الاسلامي في وحدة العلاقة بين العروبة و الاسلام مما أدى إلى تسرب عديد من المفاهيم لها نقاط مشتركة مع الطرح الإيراني. و من مخلفات هذا الطرح تحويل نقطة التركيز من العراق إلى فلسطين بحجة أن القضية المركزية هي قضية فلسطين و كأن هناك من القوميين من يروج لغير ذلك. فمثل هذا التحليل يبث الضبابية و يحدث خلطا بين القضية المركزية و الساحة الرئيسية للمعركة . فهو لا يرى أن الساحة الرئيسة للمعركة التي تحدد مستقبل الأمة و العالم قاطبة تجري حاليا في العراق ضد رأس حربة الامبريالية العالمية التي باندحارها نتقدم أشواطا كبيرة نحو حل القضية المركزية ، قضية فلسطين .

و في الأخير نقول أن ما قلناه ليس سوى بداية الحديث و النقاش إذا أردنا تصحيح جميع المسارات .

و تبقى قضية علاقة العروبة و الاسلام هي أحد أهم المسائل التي تستدعي نقاشا رصينا و معمقا لأن فهمها بشكل خاطئ هو الذي تسبب في بروز تحاليل عرجاء تغيّب العروبة فتسقط في شرك الجبهة الاسلامية الموحدة و ما ينجر عنها من السقوط في اللعبة الإيرانية.

 

 

المصادر و المراجع :

بيانات حزب البعث – قطر العراق

- البعث - قطر العراق 26/10/2007 : بيان الى جماهير شعبنا العظيم حول إيغال المُحتلين الاميركان وعملائهم بالترويج للمخطط المريب المقيت لتقسيم العراق

- حزب البعث - مكتب تنظيم الجنوب : حملة تصفيات جسدية كبيرة نالت وتنال الرفاق من اعضاء - حزب البعث بمختلف مستوياتهم الحزبية وكذلك القادة والامرين والضباط والطيارين

- حزب البعث - قطر العراق 25/08/2007 : لماذا تستعجل امريكا وايران في تصفية القادة الاسرى؟

- البعث - قطر العراق 08/08/2007 : ليكن دحر إيران في قادسية صدام محفزا إضافيا لتحرير العراق

كتابات الأستاذ صلاح المختار

- هياكل التضليل : كيف تذبح الضحية بريشة فنان؟... مغزى طروحات هيكل حول العراق و إيران

- لماذا تصاعدت الحملة على البعث؟

- لماذا تطالب ايران بانسحاب القوات الأمريكية من المنطقة؟

- هل إيران دولة استعمارية؟

- المؤتمر القومي : بين وعد بلفور ووعد خميني

- أيهما اخطر على العرب : اسرائيل وامريكا؟ ام ايران؟  

- صبرنا انتهى : الاستقطاب الامريكي - الايراني لماذا؟

- صنميات قرن الخداع الشامل : ما هي صلة ايران واسرائيل وامريكا بعد بروتوكولات حكماء صهيون

مقالات الدكتور ابراهيم علوش

- حول دعم إيران بدافع التنافس مع البعث في العراق

-  بين قضية الأحواز والنزاع الإيراني - الأمريكي على الإقليم

- رفض الطائفية بجيمع أشكالها، وتأييد المقاومة في كل أرجاء الوطن العربي

- في الضرورة التاريخية لبرنامج العمل القومي

- الاحتلال العثماني والحنين للتخلف

- الثورة الإيرانية وتداعي المد الوطني والقومي في الشارع العربي 

- القومية العربية كمنقذ من تفكك الأمة

هيئة علماء المسلمين

- بيان  هيئة علماء المسلمين رقم ( 530 ) المتعلق بتجاوزات ايران المستمرة

-  كلمة الدكتور حارث الضاري في ملتقى القدس الدولي 18/11/2007

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت /  23  صفر 1429 هـ   ***   الموافق  01 / أذار / 2008 م