بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

إستراتيجية العدوان الفارسي ضد العرب

 

 

شبكة المنصور

عراق المطيري

 

لم يكن العرب يوما من الأيام عنصريون , وعندما كرمهم الله بنشر الدين الإسلامي الحنيف أضاف الى التزامهم ما يرسخ فيهم قيم الرجولة والعدالة في التعامل مع البلدان التي يفتحونها , وعندما نبحث في تاريخ العلاقات العربية الفارسية الطويل , نجد الكثير من الجفاء والعداء الفارسي للأمة العربية , وهذا لا يتوقف عند فترة زمنية معينة , والعداء الفارسي للعرب وطموحهم في احتلال الأراضي العربية لم يكن في يوم من الأيام أمرا طارئا , وسنتطرق الى أطماعهم في الخليج العربي على أن نبحث إنشاء الله لاحقا أطماعهم في أجزاء أخرى من الوطن العربي .

الحكومات الفارسية المتعاقبة على مر العصور لم تتخلى يوما عن أطماعها في الخليج العربي وتحديها لسكانه العرب بمختلف الوسائل وحسب الظروف , وقد شهد القرن العشرين اخطر مراحله في التاريخ المعاصر بعد تحالف الفرس مع الامبريالية العالمية والحركة الصهيونية .

لقد عملت الأسرة البهلوية الفارسية على تسهيل تنفيذ الدور الاستعماري الصهيوني الهادف الى اغتصاب أجزاء من الوطن العربي , فيما تعمل هي على الهاء الجناح الشرقي للوطن العربي وخاصة العراق بالتعاون مع عملائها عصابات الأكراد بسلسلة من الاستفزازات والتوترات لتخفيف الضغط العربي على الكيان الصهيوني وتمكينه من التوسع والتمدد على حساب العرب واحتلال المزيد من الأراضي , وإذا كان حكم الشاه قد توقف عند حدود الاستفزاز , ثم توقف عنه بعد اتفاقية الجزائر عام 1976 , فان حكم الملالي الذين ينتحلون الدين الإسلامي الحنيف قد شنوا حربا عدوانية ظالمة لثمان سنوات , مكنت الكيان الصهيوني من تنفيذ مخططه التوسعي في لبنان .

إن إصرار الملالي الفرس على تصدير فكرهم الى الدول المجاورة وخصوصا الدول العربية , إنما هو تخريب لعلاقات الجوار والدين التي تربط الشعوب الفارسية بالشعب العربي , الى جانب سياسة التسليح التي انتهجتها الحكومات الفارسية المتعاقبة خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية حيث حدثت تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية داخل أقطار الخليج العربي , في الوقت الذي ارتبطت فيه بلاد فارس بشكل مباشر وعلني مع الامبريالية العالمية كمنفذ لسياستها الى جانب التغلغل الغربي في هذه المنطقة بعد تدفق النفط وازدياد الأهمية الإستراتيجية للخليج العربي , مما أدى الى طرح عدة مشاريع استعمارية ومحاولة ربط أقطار الخليج العربي بها .

استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض وجودها كعامل مؤثر في المنطقة بعد أن كان يخضع بشكل مطلق الى السيطرة البريطانية ( انظر مقالنا تاريخ الأطماع الأجنبية في الخليج العربي ) وتحت غطاء مواجهة الاتحاد السوفيتي "السابق " الذي يحاول الوصول الى المنطقة , تغلغلت امريكا في بلاد فارس والخليج العربي عن طريق عقد اتفاقيات اقتصادية وإستراتيجية من جهة , ومن الجهة الأخرى دعم الحكومة الفارسية لتحقيق أطماعها التوسعية في الخليج العربي مقابل تحقيق أهداف الامبريالية لأهدافها ومخططاتها في المنطقة , فكان من نتائج هذا الدعم اللا محدود إن سار الفرس بخطوات حثيثة لتحقيق أطماعهم في الخليج العربي والأمة العربية .

لعل من بين الأسباب التي دفعت الفرس الى تصعيد صراعهم ضد العرب هو تنامي الوعي القومي لدى سكان منطقة الخليج العربي خصوصا بعد انهيار الدولة العثمانية وقيام الثورة العربية الكبرى عام 1916 , حيث أصبح الفرس يتخذون موقفا عدائيا من أية دعوة الى توحيد الساحل العربي وبخاصة إذا كانت هذه الدعوة ستؤدي الى ارتباطه بدولة عربية من خارج المنطقة , وهذا ما يفسر تكرار المزاعم الفارسية في البحرين بشكل متطرف خلال الخمسينات من القرن الماضي , ثم احتلال الفرس بالتنسيق مع بريطانيا للجزر العربية في الخليج , طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في 30 تشرين الثاني عام 1970 بعد انسحاب القوات البريطانية منها مباشرة .

وضمن سلسلة التعاون الغربي الصهيوني الفارسي في منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية احتلال الاحواز في نيسان عام 1925 , فمنذ أن خضع هذا الإقليم للاحتلال الفارسي , عبرت السلطات الفارسية عن حقدها الدفين تجاه العرب بممارسة شتى الأساليب للقضاء على الشعب العربي فيه وإبعاده عن امتداده الطبيعي مع الأمة العربية , فحرم عليه استعمال اللغة العربية وارتداء الزى العربي وفرض عليه حصارا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا يرافقه حملات إعدام متكررة لرموزه الوطنية , فوصل تدهور الأوضاع الى درجة لا مثيل لها في العصر الحديث , الى جانب حروب الإبادة والاضطهاد التي تشنها السلطات العنصرية بين فترة وأخرى ليس آخرها إغراق مساحات واسعة جدا من أراضي الإقليم لتهجير سكانه العرب على يد احمد مدني قائد حرس خميني والحاكم العسكري في سبعينات القرن الماضي وتصريحه الشهير بأنه مستعد لشرب دماء العرب بدل الماء إن هم أصروا على متابعة مطالبتهم بحقوقهم .

على الجانب الآخر فان الهجرة الفارسية للضفة الغربية من الخليج العربي لم تعد خاضعة لاعتبارات عفوية وذاتية تتعلق بالمتسللين بوصفهم أفرادا جاءوا الى المنطقة كسبا للرزق بل أصبحت ظاهرة تعبر عن مخطط يهدف الى إغراق المنطقة بالإيرانيين بهدف خلخلة واقعها القومي وتغييره بصيغة مشابهة من حيث الجوهر والغايات الأساسية للصيغة التي تم تطبيقها في فلسطين , وبذلك يمكن في نظرهم عزل المنطقة عن المحيط العربي ومنع تحررها ووحدتها مع الأقطار العربية وخاصة العراق , والواقع الخطير إن الأطماع الفارسية لم تعد مجرد أحلام وخطط في مخيلة ساستهم , بل أصبحت حقيقة ملموسة سعى الفرس الى تنفيذها مع بداية القرن العشرين , إذ إن سواحل الخليج العربي كانت دائما محط أنظار الفرس لأهميتها الإستراتيجية وموانئها المزدهرة , وازدادت أطماعهم بعد اكتشاف النفط على امتداد سواحل الخليج إضافة الى عقدة تحقيق إمبراطوريتهم التي ضاعت الى الأبد بالإضافة الى التغطية التي يمارسها حكامهم على شعوبهم لتوجيه أنظارهم الى أقطار الخليج العربية الغنية بغية إقناعهم إنها فارسية وان ثرواتها هي ثروات فارسية اغتصبها العرب .

إن نسبة الوافدين الى منطقة الخليج العربي تربو على نصف السكان او تزيد قليلا في بعض الإمارات وتدل هذه النسبة المرتفعة التي تمثل نسبة العاملين من مجموع السكان على إن أغلبية المهاجرين هم رجال في سن العمل , وهذا يدلل على قدرتهم في التأثير على اقتصاد تلك الأقطار بالإضافة الى عدم قدرته على الاندماج في المجتمع العربي , لان ذلك لا يتحقق إلا إذا كانت إعدادهم بكميات قليلة , أما والحالة هذه فإنهم سيظلون محافظين على طابعهم الخاص بل والتأثير في القطر المضيف , وأكثر من ذلك فان التجار الأثرياء كونوا مراكز نفوذ اقتصادية وسياسية, بالإضافة الى محاولة الفرس السيطرة على المرافق الاقتصادية الحساسة فقد قاموا بغزو منظم لكل دوائر الهجرة والجوازات والتسجيل العقاري والموانئ والمطارات , نظرا للدور الحيوي الذي تؤديه هذه الدوائر , وقد كان لهؤلاء دور خطير في توفير الظروف المناسبة للمتسللين , وقد ذكر تقرير دائرة الهجرة في البحرين لعام 1950 مثلا إن ( 104 ) فارسيا قدموا طلبات للحصول على الجنسية البحرانية , وقد منحت الحكومة ( 71 ) شخصا منهم الجنسية , وحينما منح المقيم السياسي البريطاني في البحرين جوازات سفر لـ ( 7250 ) أجنبيا واعتبرهم من رعايا الحكومة البريطانية كان من بينهم (4441 ) فارسيا , هذا الى جانب الذين يحملون جوازات سفر خليجية ويعدون من رعايا تلك الإمارات , فقد جاء في تقرير حكومة البحرين لسنة 1946 انه دخل البحرين ( 750 ) شخصا من رعايا دبي واغلبهم من اصول فارسية .

وقد ازدادت الهجرة الفارسية الى منطقة الخليج العربي بعد دخول إيران في حلف بغداد وتزايد تيارات القومية العربية في الخليج العربي ,إذ إن بريطانيا استغلت المطامع الفارسية للإبقاء على وجودها الاستعماري , فشجعت الهجرة الفارسية , وعملت على فتح ابواب الخليج للفرس دون السماح للعرب من الأقطار العربية إلا بأعداد قليلة , وأكثر من ذلك إن بريطانيا أخذت تطلب في السر عون ومساعدة الفرس لتثبيت مركزها خصوصا بعد إعلان الفرس عن مطامعهم في الخليج العربي, ومما تجدر الإشارة إليه إن مقالة نشرت في صحيفة " طهران مصور " الفارسية في عددها 479 في السابع عشر من تشرين الثاني 1952 قد جاء فيها إن الفرس الموجودين في البحرين أرسلوا طلبا الى الحكومة الفارسية يطلبون فيها تخليصهم من الاستعمار وإرسال جنود فرس لرفع الأذى عنهم , وتحقيقا لذلك فإنهم مستعدون لتجهيز ستة ألاف جندي من داخل البحرين .

أما على الجانب العسكري فان الفرس قد حولوا بلادهم الى ترسانة كبيرة للأسلحة حتى تلك الفائضة عن الحاجة , وذلك تمهيدا لتحقيق أطماعها التوسعية , هذا من جانب ومن الجانب الآخر فان تزويد الفرس المعروفين بأطماعهم في الخليج العربي بالأسلحة المتطورة جاء بديلا عن المشروع الذي خططت له خارجية كيسنجر وعملت على تنفيذه والذي كان يهدف الى احتلال منابع النفط العربية , وقد كانت فكرة هذا المشروع مطروحة قبل حرب تشرين الاول 1973 , ولكن ما أحدثته من ردود فعل سيئة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية جعلها تعتمد على الفرس لتنفيذ مراميها في حالة استخدام الأقطار العربية للنفط كسلاح في المعركة .

لقد كان اختيار امريكا للفرس للقيام بدور الشرطي في الخليج العربي اختيارا ذكيا , لأنه امتاز عن الشرطي الصهيوني بعدة مميزات منها إن بلادهم دولة كبيرة وذات قدرة اقتصادية وبشرية تسمح لها ببناء قوة عسكرية دون أن يشكل ذلك عبئا على دافع الضريبة الامريكي , كما إن الفرس دولة تعيش على أرضها وليس هناك من يجادل في حقها في الوجود , على العكس من الصهاينة , يضاف الى ذلك إن تسليح الفرس لا يشكل تحديا قوميا ودينيا مباشرا لجيرانها إلا إذا تصرفت إزاءهم بروح عدائية , وفضلا عن ذلك فان الفرس يشكلون امتدادا دينيا للوطن العربي , وهو أمر يقدم غطاء قويا ومعقولا لحلفاء الولايات المتحدة المتعاونين مع الفرس .

أما بعد الغزو الامريكي للعراق فقد اعترف عميل البنتاكون احمد جلبي بأنه كان ينقل المعلومات الاستخباراتية من حكومة الملالي الفارسية الى وزارة الدفاع الأمريكية عن الأوضاع في العراق , ورغم التظاهر بوجود صراع بين الاحتلالين الفارسي والأمريكي للعراق , فان امريكا قد وفرت الغطاء المطلوب للتغلغل الفارسي في القطر لتمزيق نسيجه الاجتماعي وإبعاده عن ممارسة دوره في قضية العرب المركزية في فلسطين , وإنشاء عصابات وفرق الموت والمليشيات التي أخذت على عاتقها مهمة إحراق دوائر الدولة ونهب ممتلكاتها والعمليات المنظمة التي استهدفت تفكيك مقومات الاقتصاد العراقي وتهريب المعامل العراقية الى إيران, ثم العمل على قتل الكوادر العلمية العراقية والقيادات العسكرية الوطنية وتهجير مئات الآلاف من العوائل العراقية الى خارج الوطن او في الداخل حسب الانتماء الطائفي ناهيك عن القتل الجماعي للأبرياء وتدريب المليشيات في المعسكرات الفارسية وتزويدها بالأسلحة اللازمة .

لقد عمد الفرس الى تسليح حزب الله في الجنوب اللبناني وزجه في معركة غير متكافئة مع الكيان الصهيوني , الأمر الذي أدى الى قتل المئات من اللبنانيين وإصابة الآلاف منهم ناهيك عن تدمير البنى التحتية اللبنانية وتهديم ألاف الدور وتشريد ساكنيها فضلا عن شل وتدمير الاقتصاد دون أن يحقق أي نتائج تذكر , ولم يتوقف الفرس عند هذا الحد بل يعملون الآن على دعم إثارة الفتن والخلافات بالشكل الذي نراه اليوم حتى أصبح لبنان مركز لصراعات الإرادات الدولية .

إن الشعارات الفضفاضة التي ترفعها حكومة الملالي الفرس بدعم الشعب العربي الفلسطيني هي محض افتراء خالي عن الصحة لا يوجد له ما يدعمه , فقد قام عملائهم في العراق بقتل العشرات منهم وتهجير أعداد كبيرة منهم خارج العراق والاستيلاء على ممتلكاتهم وتركهم بدون أية خدمات على الحدود مع الأردن في العراء .

إن ذلك كله جانب من عداء الفرس للعرب في تاريخنا المعاصر , نجد بعده قسم من المسؤولين العرب يظهر لنا من على الفضائيات ليدس للمواطن البسيط آن الفرس ليسوا اعداءا للعرب تنفيذا لخدمة مشروع التحالف الامريكي الصهيوني الفارسي .

Iraq_almutery@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 27 ذو الحجة 1428 هـ الموافق 05 / كانون الثاني / 2008 م