بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

بمناسبة قانون الاجتثاث الجديد
مَن يَجتث مَن ؟

 

 

 شبكة المنصور

  محسن خليل

 

بالامس القريب صادق مجلس النواب المنشأ من سلطة الاحتلال على صيغة معدلة لقانون أجتثاث البعث ،أطلق عليها قانون المساءلة والعدالة ، بعد مناقشات وسجالات أستمرت اكثر من سنتين بين أحزاب الاحتلال الحاكمة .. بعضها كان يتبنى تعديلا يشدد القيود والروادع والملاحقات ضد البعث والبعثيين الى أن يتم أستئصالهم جسديا وينزع الحزب من المجتمع ، وبعضها الاخر كان يدعو الى تخفيف القيود على البعثيين وحصرها في العناصر القيادية والكوادر المتقدمة في الحزب والدولة ، والسماح للآخرين بالعودة الى وظائفهم أو صرف رواتب تقاعدية لهم .

القانون الجديد أكثر تشددا من السابق ويحمل روادع وقيود ضد البعث سقفها عالٍ جداً وأفقها مفتوح على المستقبل من غير آماد محدودة، أذ لم يكتف بملاحقة البعث كحزب سياسي وهيكل تنظيمي بل تناوله كفكر ومنهج وأسلوب في الحياة ، وعبر عن رغبة جامحة لدى كلٍ من الاحتلال وحكوماته بالقضاء على البعث بأسرع وقت وتصفية وجوده كتظيم ومقاومة وفكر رسالي ومنهج قومي ،بعد أن فشل قانون الاجتثاث في أستئصاله كما توقع القائمون عليه عند تشريعه .. بريمر علل في قانونه الاول ألاجتثاث بكون (البعث يشكل خطرا على أمن التحالف ) والقائمون على القانون الجديد ،وجدوا أن خمس سنوات من أجراءآت الاجتثاث أدت الى تصلب البعث وأتساع دائرة مؤيديه والملتحقين بصفوفه بعد الاحتلال لأول مرة ، وأدركوا أستحالة استتباب الامر لهم من دون القضاء عليه بعد أن صار محورا في كل العملية المناهضة للأحتلال المسلحة منها والسياسية ،وظل يمثل خطرا (على أمن التحالف وأمن حكوماته) التي لا تستطيع البقاء من دون حماية المحتل، رغم المليون ونصف المليون من القوات التي أستحدثتها والميليشيات المرتبطة باحزابها الحاكمة ،فأودعوا في القانون الجديد تفاصيل لم يتضمنها قانون بريمر السابق ..

القانون السابق أصدره بريمر الحاكم المدني لسلطة الاحتلال بموجب الامر الاداري رقم (1) بتاريخ (16\5\2003)، كما اصدر معه سلسلة من الاوامر والمذكرات والتعليمات ذات الصلة بأجتثاث البعث منها الامر الاداري رقم (2) بتاريخ (23\5\2003) الخاص بتفكيك بنية الدولة الوطنية (قرار حل الكيانات العراقية ) وهي أكثر من ثلاثين مؤسسة وطنية (من الجيش بكل تشكيلاته الى منظمات الشباب) ، والامر الاداري رقم (4) بتاريخ (25\5\2003) الخاص بمصادرة الممتلكات العائدة للبعث ، والامر الاداري رقم (5) بتاريخ (25\5\2003)الخاص بأنشاء هيئة أجتثاث البعث ،والامر الاداري رقم (14)بتاريخ (10\6\2003) الخاص بحظر أية نشاطات اعلامية (تدعو لعودة حزب البعث أو تصدر نشاطات يشتم منها أنها نيابة عن حزب البعث )...

الصيغة الجديدة وسعت آليات الاجتثاث وأساليبه وجعلتها مفتوحة غير مقيدة بزمن ،وأضافت الى التصفيات الجسدية والفصل من الوظائف والعزل السياسي ،والمنع من ممارسة النشاط الاقتصادي ، أستحداث قاعدة معلومات تفصيلية عن كل بعثي لرصد تحركاتهم وملاحقتهم وتوجيه الاتهامات لهم على الظن والشبهة.. وحول هذه المسالة ، وفي حالة عدم وجود من يتطوع بتوجيه تهم قائمة على الحق الشخصي ضد البعثيين ، أجاز القانون توجيه تهم ضدهم على قاعدة الحق العام .. كما تضمنت (أختيار سبل فعالة للقضاء على اساليب البعث في الترهيب وممارسة المحسوبية ) ..وهذه الاخيرة مصاغة بطريقة غريبة ذلك أن البعث لا يملك وهو يقاتل الاحتلال من خندق المقاومة أي محسوبية ، لكنه يملك مناضلين وحملة مباديء يؤمنون بحق العراقيين في تحرير وطنهم من الاحتلال وأدواته المحلية ،ولا يوجد في صفوف البعث في ظروف الاحتلال الا الذين نذروا أنفسهم وما يملكون لتحرير وطنهم ..السبل الفعالة التي أشار اليها القانون الجديد هي للقضاء على الدور المقاوم للبعث بمواصلة تصفية أعضائه جسدياً وتشريد عوائلهم ، ومنع تداول فكره والفكر القومي بوجه عام وتدمير ما أنجزه على الارض ، وما تركه في عقول وضمائر الناس من آثار عميقة وقيم نبيلة .. اي أجتثاث وطن ، ومحو هويته العربية ،وتصفية هياكل أقتصاده الانتاجية والخدمية ، والاجهاز على تجربته في التنمية المستقلة والدور الرائد للدولة والقطاع العام في الاقتصاد ومجانية التعليم والصحة ، وتأميم النفط والثروات الطبيعية الاخرى ، وسحق الطبقة الوسطى وقتل وتهجير ملاكاته العلمية وقادته العسكريين ... فما معنى أن يقرر القانون الجديد أعداد قوائم جديدة بأسماء المشمولين بأجراءآت الاجتثاث والعمل على نشرها وجعلها في متناول من يطلبها، والاحتفاظ بنسخ منها في أرشيف خاص أطلق عليه أرشيف حزب البعث ،واعداد برامج (اجتماعية وتثقيفية) لتشويه صورته والصاق كل الشرور والفضائع به وبالحركة القومية في العراق، ومساومة من يريد من اعضائه صرف راتب تقاعدي له لأعالة عائلته، أن يقدم براءة خطية من الحزب وتَعَهُدْ بعدم معاودة نشاطه السياسي .. أجتثاث ،فصل ، تجويع العوائل،أغتيالات ، اعتقالات ،تهجير، فرض براءآت .. كل هذا يفرض بأسم العراق الجديد وديمقراطية (التحرير) الامريكي ،ومع ذلك ثمة من يتهم البعث بالديكتاتورية والدموية ، و يتجاهل جرائم مروعة لاسابقة لها في التاريخ الحديث والمعاصر أرتكبتها قوات الاحتلال وحكوماتها وميليشياتها بأسم تحرير العراق من البعث على أيدي قوات أجنبية محتلة .

ما لم يعرفه البعض ، أن أجتثاث البعث لم يكن قانونا يعتمد معايير قضائية أو ينتظر قانونا يشرعه ،بل كان عمليات أنتقامية ثأرية باشرت بتنفيذها الميليشيات والاحزاب الموالية لأيران منذ اليوم الاول للأحتلال ،حيث كانت تحمل معها عند دخولها الى العراق قادمة من ايران قوائم بأسماء المطلوب تصفيتهم جسديا وخاصة ضباط الجيش والاجهزة الامنية ،لأن المحتل أوكل الى تلك المليشيات وتشكيلات الحرس الثوري والمخابرات الايرانية وفرق الموت الامريكية تنفيذ مهمة الاجتثاث .وكانت صحافة الاحزاب الحاكمة والحكومة تحرض الميليشات وفرق الموت على قتل البعثيين وملاحقتهم ..ومن يطالع ما كتبته صحف الاحزاب الحاكمة وحكومات الاحتلال يعثر على شهادات فاجعة تكشف دموية القوى الغازية ووحشية الاحزاب الحاكمة وميليشياتها وتجردها من كل قيمة انسانية او دينية .. ومن امثلة هذه الشهادات ما يلي:

1- تصريح أنتفاض قنبر الناطق بلسان احمد الجلبي (رئيس حزب المؤتمر الوطني رئيس هيئة أجتثاث البعث) لصحيفة الحياة بتاريخ (17\9\2003) بلغة تحريضية جاء فيه : (بعد فترة أنكفاء اعقبت سقوط بغداد ،عاد البعثيون الى النشاط وهم يتجولون بحرية في الشوارع من دون خوف ) محرضا الميليشيات لتكثيف ملاحقتهم والتخلص منهم لأن وتائر القتل في الاشهر الاولى كانت منخفضة..

2- أحمد الجلبي رئيس هيئة الاجتثاث دعا في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ (12\4\2004)الى (انهاء فكرة البعث )، ولا يعرف كيف يجتث الفكر دون اجتثاث من يحمله.

3- بتاريخ (5\5\2004) أصدرت لجنة تسمى (اللجنة العراقية لملاحقة البعثيين ) وهي لجنة غير معروفة (بياناً للأمة) جاء فيه: (ندعو الوطنيين لملاحقة هؤلاء(ويقصد البعثيون) وغيرهم من الارهابيين حتى لا يشهد العراق موجة جديدة من الدم ، وأن يمدنا كل من لديه معلومة عن هؤلاء المجرمين للعمل على فضحهم وملاحقتهم ) ... هكذا وكأن اللجنة المذكورة تدعو الى حفلة للصيد ؟؟؟؟

4- نشرت صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بتاريخ (10\5\2005 ) بيانا بأسم (هيئة اجتثاث البعث) وجاء في الصحيفة نقلا عن البيان (طالبت الهيئة الوطنية العليا لأجتثاث البعث بالاسراع في أتخاذ الاجراءآت الكفيلة بأستئصال ما وصفه البيان ب فيروس البعث ، مضيفا أن هذا الامر كان ولم يزل يمثل أولوية ،على اعتبار أن أي عمل أو تطور لا حق لا يتحقق الا بتحقيق هذه الاولوية ) .

5- نشرت صحيفة (الصباح) الحكومية بتاريخ (1\9\2005) وعشية مؤتمر القاهرة للمصالحة الوطنية المزعومة مقال بأسم ( محمد الكاتب ) يعترف فيه بأن قتل البعثيين يتم بأسلوب غوغائي وفي كل مكان يتباطأ فيه قتلهم ..يقول الكاتب (فأنا أعلم أن هناك عراقيين شرفاء يقومون بدورهم بأجتثاث الصداميين في كل يوم نسمع من تلك المحافظة أو القضاء أن هناك هشاشة من قبل الحكومة الوطنية .. القضاء على البعث ضمان لمستقبل أفضل ... ) ؟؟ .

6- وفي العدد نفسه من صحيفة (الصباح) الحكومية بتاريخ (1\9\2005) يكتب (أمير علي حسين ) : (نوجه حديثنا لممثلي العراق المنتخبين من قبل الشعب ونقول لهم لا تأخذكم بالبعث لومة لائم، فأما القضاء على البعث وأما أنتظار الاسوأ .. ونحن نعجب ممن يفرق بين بعث ما قبل صدام حسين وبعث العهد الصدامي ، فهل كان صدام حسين الا ثمرة المباديء البعثية العنصرية الشوفينية المنحرفة ...)..فهذا الكاتب له موقف شعوبي حقود ليس من البعث فحسب ولكن من مبادئه القومية ..

7- الوكالة الفرنسية من بغداد نقلت تصريحا لرئيس حكومة الاحتلال الثالثة الجعفري قال فيه ( لا مكان لحزب البعث في العراق على الاطلاق ..هذا يجب أن يفهمه الجميع ) .

8- عزت الشابندر من القائمة العراقية التي يرأسها اياد علاوي وهو جزء من العملية السياسية قال في مقابلة مع احدى القنوات الفضائية الاسبوع الماضي أن هيئة اجتثاث البعث كانت تسرب قوائم بأسماء البعثيين المشمولين بأجراءآت الاجتثاث الى الميليشيات لتتولى بنفسها تصفيتهم وقتلهم ،وأضاف أن بين اعضاء هيئة الاجتثاث عناصر مجرمة ..

بهذه النزعة الدموية والروح الثأرية تابع المحتل وحكوماته أجتثاث البعث ،والعمل على تصفية عناصره جسديا رغم التصريحات والشعارات الكاذبة حول الديمقراطية والتعددية وأحترام الرأي والرأي الاخر،وقدمت الجامعة العربية وحكومات عربية عديدة أغطية لحكومات الاحتلال من خلال الاعتراف بها وتأكيد تأييدها (للعراق الجديد) الذي تبنيه ،وفات هؤلاء جميعاً أن البعث ليس حزباً موسميا ولا حزب سلطة كما يروجون ،وان أجتثاثه ضرب من الخيال لو كان للقائمين على الامر عقل أو قدر من الحكمة،والصحيح أن أجتثاث العملاء الذين حملتهم دبابات المحتل الى سلطة باطلة واهية ،لأهون بمليون مرة من أجتثاث البعث لو كانوا يعلمون..

ما ذكر أعلاه مجرد تفاصيل تكشف كذب أدعاءآت حكومات الاحتلال بأنها حريصة على تحقيق المصالحة الوطنية ، وأن اعادة النظر في قانون أجتثاث البعث تصب في هذا الاتجاه وتنفتح على البعثيين أنفسهم، والحقيقة ان ما يجري في العراق هو جزء من خطة الاحتلال وهدفها أدامة حالة الفوضى والتدمير وأستئصال البعث ،واغراق الشعب في أتون جحيم ارهاب الدولة العظمى والفوضى الخلاقة بحيث يجبره ذلك على فك أرتباطه بالمقاومة والرضوخ لأرادة المحتل وحكوماته العميلة .. ولكن هيهات .. فالبعث لا يشرفه التعامل مع عملاء ، ولا يمكن ان يساوم مع المحتل ، وليس أمامه سوى طريق واحد لتحرير العراق وهو طريق المقاومة ، ويحلم المحتل أو عملاؤه الصغار بالمستحيل أذا أعتقدوا أن البعث يمكن أن يضعف أو يساوم أو يجتمع معهم تحت سقف واحد ..

أن الملاحظات المهمة على قانون الاجتثاث لا تتصل بتفاصيل القانون المذكور، ولكنها تتلخص بأن كلاً من السلطة العميلة وسلطة الاحتلال لا تملكان شرعية أصدار قوانين كهذه أو ما يشبهها ،لأن القانون الدولي والمواثيق الدولية لا تجيز لهما هذه السلطة أو الصلاحية ، وتعدان قانون ألاجتثاث باطل وغير شرعي جملة وتفصيلاً بصرف النظر عن تفاصيله ، ومن الخطا ألانغماس في الجدل حول تصويب القانون أو تعديله أو تخفيف قيوده لأن الجوهري في الامر هو عدم شرعية السلطة التي أصدرته.. والملاحظات التالية تصب في هذا الاتجاه :

1- عدم شرعية قانون المساءلة طبقا للقانون الوطني العراقي ،لأن الجهة التي أصدرته تخضع بموجب القانون الوطني العراقي النافذ قبل الاحتلال للمساءلة والعقاب بتهمة التخابر مع الاجنبي ومعاونته في أحتلال العراق وقيام أحزابها واجهزتها بعد الاحتلال بملاحقة القوى الوطنية المناهضة له.. وقانون العقوبات العراقي يحكم على المتورطين بهذه الجرائم بالخيانة العظمى .. المادة (158) من قانون العقوبات العراقي النافذ تنص على مايلي :( يعاقب بالاعدام أو الحبس المؤبد كل من سعى لدى دولة أجنبية أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها ، للقيام بأعمال عدائية ضد العراق قد تؤدي الى الحرب أو الى قطع العلاقات السياسية أو دبر لها الوسائل المؤدية الى ذلك ) .وهذه المادة تماثل المادة (77) من قانون العقوبات المصري والمادة (264) من قانون العقوبات السوري والمادة (75) من قانون العقوبات الفرنسي النافذ الخ.

أن صور الاتصال الاجرامي بالدولة الاجنبية تعدّ من اكثر الصور الاجرامية خطورة ،ولذا أطلق عليها في فرنسا تسمية جريمة (الخيانة العظمى) .والتشريعات الجنائية في دول العالم لا تعتد بالباعث الذي يؤدي الى هذه الافعال الاجرامية سواء كان ذلك الدافع حقداً على الدولة او يكون طمعا في مال أو منفعة ..

المادة (159) من قانون العقوبات العراقي عالجت صورة أجرامية أخرى من صور الاتصال مع الاجنبي ونصها الاتي :(يعاقب بالاعدام كل من سعى وتخابر مع دولة أجنبية معادية لمعاونتها في عملياتها الحربية ضد العراق أو للأضرار بالعمليات الحربية لجمهورية العراق) . ونص هذه المادة منقول عن المادة (77\ج) من قانون العقوبات المصري ، ويشابه المادة (75) من قانون العقوبات الفرنسي والمادة (158\1) من قانون العقوبات البلجيكي التي هي مطابقة لنص المادة (247) من قانون العقوبات الايطالي ، والمادة (265) من قانون العقوبات السوري، الخ .. وسبق للقضاء العراقي والمصري أن حكم في قضايا التخابر مع المخابرات الصهيونية ،وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن قبول الشخص الفرنسي العمل في الجستابو الالماني أثناء الاحتلال الالماني لفرنسا ، وتقديم خدمات الى هذه الهيئة يعد من قبيل التخابر، كما اعتبر القضاء الفرنسي أن امداد الدولة المعادية بمعلومات تتعلق بمحطة لاسلكي وبساحة مطار وتسليم النقود لجمع المعلومات عن سفن في ميناء (بوردو)،واشعال النار في حديقة لأرشاد طائرة المانية القت بعدئذ بقنابلها ، وقيام الفرنسي بأبلاغ العدو الالماني اخبارا عن المقاومة الفرنسية... كل ذلك عُدَّ سعيا وتخابرا مع العدو وعَدَّها القضاء الفرنسي من اعمال خيانة الوطن ..

في بلد كبريطانيا او أمريكا او فرنسا سيكون من المستحيل افلات أشخاص مثل المالكي وعدنان الدليمي والجعفري والحكيم ومحسن عبالحميد ومسعود البارزاني وطارق الهاشمي وجلال الطالباني من الادانة بالخيانة العظمى ، فكيف يمكن لهؤلاء وطبقا لأي منطق ان يحاكموا او يسائلوا حزبا كحزب البعث قاوم الغزو وما زال يقاوم الاحتلال في حرب تحرير وطنية ؟ وهل يمكن لسلطة مدانة بالجرم المشهود في سعيها لدى العدو ومساعدته في أحتلال الوطن أن تكون في موقع يسمح لها بمساءلة من قاوم المحتل وما يزال يقاومه ؟ المساءلة الحقة وفي الوقت المناسب سيقوم بها شعب العراق للذين أصدروا قانون المساءلة ونفذوا قانون الاجتثاث لأنهم فعلوا ذلك لحساب المحتل وبأوامر منه ...

2- عدم شرعية قانون الاجتثاث ووليده قانون المساءلة طبقا للقانون الدولي واتفاقية لاهاي ... فقانون الاجتثاث الاول أصدره بريمر الحاكم المدني لسلطة الاحتلال ، والثاني أصدرته حكومة تحت الاحتلال .. القوانين الدولية وقانون الحرب تقرر أن المحتل ليس له سلطة او صلاحية تغيير النظام السياسي والاقتصادي والقضائي في البلد الخاضع للأحتلال .وقانون الاجتثاث ولاحقاً قانون المساءلة أستهدفا الغاء النظام الوطني القائم قبل الاحتلال وتدمير كيان الدولة الوطنية ، بينما السيادة والسلطة الشرعية ما تزال بيد الشعب العراقي وفي دولته المعروفة بجمهورية العراق ، واللذان تمثلهما في الوقت الحاضر المقاومة الوطنية العراقية والبعث أحد فصائلها الاساسية ..

3- عدم شرعية الحكومات الاربع المشكلة من سلطة الاحتلال ،لان هذه الحكومات بموجب القانون الدولي لا تملك السيادة ،وهي لا تعدو أن تكون حكومات دمية ،وتعد باطلة ولا يجوز أن يعترف بها المجتمع الدولي ،وسبق للحلفاء رفض الاعتراف بحكومة فيشي بقيادة الجنرال بيتان لكونها تحت الاحتلال الالماني .. الدليل العسكري الميداني الامريكي ((27- 10 (1956(( وضَّح طبيعة هذه الحكومات في الفصل (366) تحت عنوان (الحكومات المحلية الواقعة تحت الاكراه والحكومات الدمى ) .

كذلك لا معنى للقول بأن قرار مجلس الامن رقم (1546) في (8\6\2004) نقل السيادة الى الحكومة المحلية في (30\6\2004) ،ذلك أن نقل السيادة وفقا لقوانين الحرب لا يحدث مع أستمرار الاحتلال، وما قامت به الولايات المتحدة في حزيران \يونيو 2004 هو نقل لفظي للسيادة وأنهاء ورقي للأحتلال ،فلم يتزحزح بموجب هذا القرارجندي أمريكي واحد خارج العراق، فكيف انتهى الاحتلال؟ وكيف عادت السيادة الى العراق؟؟ مرة أخرى الدليل العسكري الميداني الامريكي يعالج هذه المسألة حيث جاء فيه :(أن الاحتلال العدواني في حرب خارجية المعتمد على أحتلال أراضي تابعة للعدو يعني بالضرورة أن سيادة الاراضي المحتلة ليست من حق القوة المحتلة لأن الاحتلال في ضرورته حالة مؤقتة ) ويكمل هذا النص ما جاء في الفصل (358) ونصه :(الاحتلال لا حق له في نقل السيادة الى حكومة دمية ) ، القانون الدولي لايجيز نقل السيادة الى المحتل وأنما يخوله سلطة لممارسة واجبات فرض أستتباب الامن والنظام والقانون اللذين لا غنى عنهما للسكان وللقوة المحتلة .

4- اصدر مجلس الامن القرار رقم (1483) بتاريخ(22\5\2003) اعترف بالولايات المتحدة وبريطانيا بوصفهما دولتين قائمتين بالاحتلال تحت قيادة موحدة وتضمن القرار المذكور ألتزام الدولتين بالمسؤوليات والصلاحيات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي بما في ذلك بصفة خاصة أتفاقيات جنيف لعام (1949)وقواعد لاهاي لعام (1907)..وحيث أن هذه القوانين الدولية تمنع المحتل من تغيير النظام السياسي أو الاقتصادي أو القضائي النافذ في البلد الخاضع للأحتلال، وتلزم الفقرة (43) من أتفاقية لاهاي ،المحتل بالعمل على أحترام القوانين السائدة في البلد الخاضع للاحتلال .قرار(1483) وإن صدر من مجلس الامن تحت الضغط الامريكي ، الا انه لا يمنح شرعية للاحتلال ، ولا يعفي الولايات المتحدة من تحمل مسؤولية ارتكابها عدوان صريح ضد العراق بذرائع اعترفت هي بانها كاذبة .. ميثاق الامم المتحدة في المادة السابعة من الفصل الاول يقرر أنه ( ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للامم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما ) .ويترتب على هذه المعطيات القانونية أن جميع القرارات التي أصدرها بريمر والتي قضت بتدمير بنية الدولة الوطنية وغيَّرت الانظمة النافذة في العراق قبل الاحتلال باطلة ، وأن قرارات حكومات الاحتلال الاربعة التي أستندت الى قرارات بريمر وسلطة الاحتلال هي الاخرى باطلة ولا يعتد بها ولا بما يترتب عليها من نتائج وآثار .

5- تعللت الولايات المتحدة والحكومات التي انشأتها في شن حملتها ضد البعث بدعاوى كاذبة قائمة على أتهام البعث خلال حكمه بأنتهاك حقوق الانسان في العراق ...واذا كان النظام الوطني قبل الاحتلال قد لجأ الى أستخدام القوة ضد تمرد عسكري هدد وحدة البلاد وتمتع بدعم من ايران وأسرائيل وأمريكا ، فان هذا السلوك مارسته وتمارسه جميع دول العالم دون استثناء .مارسته بريطانيا ضد الجيش الجمهوري الايرلندي ، ومارسته تركيا ضد حزب العمال الكردي التركي وقامت بتدمير قرى بكاملها في جنوب شرق البلاد، وذهبت أيران وتركيا ابعد من الاخرين عندما شنت غاراتها الجوية ضد قرى كردية في شمال العراق وهو تحت الاحتلال الامريكي ردا على عمليات قام بها حزب العمال الكردي التركي داخل أراضيها ،وما تزال أيران تقوم حتى هذه اللحظة بقمع شعب عربستان بوحشية وضراوة ،ولا يمر أسبوع من دون ان تعتقل المئآت من ابنائه وتقتل العشرات وفي أحيان كثيرة تنفذ أحكام الاعدام بالمجاهدين العربستانيين على مرأى من المواطنين العرب لبث الرعب في نفوسهم ،مع العلم أن شعب عربستان ليس جزءاً من أيران بل أحتلت ايران أرضه بتواطؤ مع بريطانيا عام 1925 .. ألم تخض الدولة الامريكية الفدرالية حربا طاحنة احرقت الاخضر واليابس ضد الولايات الجنوبية التي اعلنت العصيان والتمرد على واشنطن في ستينات القرن التاسع عشر ؟ فلماذا يسكت على هذه الدول ويحاسب البعث ؟؟

6- قيام سلطة الاحتلال في العراق واجهزة حكوماتها الدمى وميليشيات أحزابها الحاكمة بانتهاك حقوق الانسان والشعب العراقي كما لم يحدث في أي مكان في العالم .. انتهكت القوانين الدولية وأرتكبت جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب بحقه ،وجرائم امريكا في العراق تفوق الاحصاء ، وانتهاكاتها للقوانين الدولية ولحقوق الانسان تحتاج الى مجلدات لتغطيتها .... محاولة بوش اغتيال الرئيس صدام حسين هي في حد ذاتها جريمة دولية ... غزو العراق دون مبرر جريمة كبرى ضد السلام كما حددها قانون نورنبرغ (1950)... خطة الحرب الامريكية ضد العراق التي أطلق عليها (الصدمة والترويع) لضرب بغداد بقنابل زنة (9,5) طن ،وتدمير مدن كاملة ( الفلوجة ، القائم ، حديثة ، الحويجة ، ديالى ، سامراء ، الرمادي وغيرها )تعد جرائم حرب بموجب قانون نورنبرغ 1945 (المادة 6 - ب) التي حددت مصطلح (جرائم الحرب) ليتضمن (التهديم الطائش والعشوائي أو التخريب للمدن والقرى دون مبرر عسكري ضروري ) .. حكومات الاحتلال الاربعة والمسؤولين فيها شاركوا بدورهم في جميع هذه الجرائم ،ويقعون تحت طائلة القانون الدولي .

7- أسرت الولايات المتحدة واعتقلت عشرات الالاف من العراقيين بعضهم في ميادين القتال والغالبية العظمى منهم أعتقلتهم من خلال حملات مداهمة المدن والقرى والاحياء .. وتعرضوا لأبشع انواع التعذيب ، وجرائم التعذيب في أبي غريب أصبحت معروفة للعالم أجمع ... ان الاسرى من هؤلاء تحميهم أتفاقية جنيف الثالثة، والمدنيين منهم تحميهم اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، أضافة الى الاتفاقيات الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها الولايات المتحدة ..أما الذين اعتقلوا على أيدي شرطة وقوات حكومات الاحتلال الاربعة وميليشيات أحزابها الحاكمة فأعدادهم تزيد على (200) ألف معتقل بينهم آلآف النساء ، تعرضوا لأنماط جديدة من التعذيب فاق تعذيب أسرى ومعتقلي أبو غريب .. هؤلاء تعرضوا لثقب رؤوسهم واجسادهم بالمثقاب الكهربائي ونشرت اجسادهم وأطرافهم بالمناشير وهم احياء وقطعت رؤوسهم ورميت جثامينهم في الطرقات .. أنها جرائم تفوق الخيال .. ان هذه الجرائم تضع الولايات المتحدة كدولة قائمة بالاحتلال تحت طائلة المسؤولية ،وتجعل قواتها النظامية وشبه النظامية وكل موظفيها في العراق المدنيين والعسكريين مسؤولون شخصيا وفق قانون الجرائم الدولي عن كل انتهاك لقوانين الحرب والقانون الدولي الانساني وحقوق الانسان ، كما ان أمريكا وقوات الاحتلال مسؤولة عن كل الجرائم التي تقترفها فرق الموت والميليشيات والشركات الامنية (المرتزقة) وتلك التي ترتكبها أجهزة الحكومة لأنها هي التي جاءت بهذه الاخيرة وهي حكومات دمية لا سلطة لديها ولا سيادة ولكنها شريكة في الجريمة ..

8- ثم هناك مسؤولية كل من الولايات المتحدة والحكومات التي أنشأتها عن الذين قتلوا وبلغ عددهم مليون وسبعمئة الف مواطن بينهم اعداد كبيرة من الاطفال والنساء وكبار السن أي غير المقاتلين بحكم الطبيعة ، وهي المسؤول عن جريمة تهجير ستة ملايين عراقي داخل العراق وخارجه على أيدي ميليشيات الاحزاب الحاكمة وبتحريض وتشجيع من قواتها ؟؟ كم مرة يجب أن يجتث بوش وأدارته عن هذه الجرائم ؟؟وأي محكمة يجب أن تنصب لحكومات الاحتلال الاربع بحيث تتناسب مع حجم وهول الجرائم التي أرتكبوها ؟؟

9- هناك أيضا مسؤولية الولايات المتحدة عن سرقة اموال العراق وموجوداته وعوائد النفط المصدر .لقد أشاعت أمريكا الفساد وتحول العراق حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية الى أكبر فضيحة فساد في التاريخ .. الشعب يتضور من الجوع والبطالة وانعدام الكهرباء والماء والادوية وخدمات الصحة وانهيار التعليم ، بينما سلطة الاحتلال وأركان حكومات الاحتلال ينهبون مليارات النفط الذي تجاوزت عوائده خلال سنوات الاحتلال (200) مليار دولار حسب أقل التقديرات .هذه أموال شعب العراق فمن يتحمل مسؤولية تبديدها غير الاحتلال والعملاء الذين يحكمون بأسمه ؟؟

ما نوع القانون الذي يجب أن يشرع ليستوعب كل جرائم الادارة الامريكية وقواتها المحتلة وحكوماتها الدمية ؟

يتحدثون عن اجتثاث البعث لكن البعث صار مشكلتهم ووضعهم في مأزق ،فلاهم قادرون على أجتثاثه ولا قادرون على تركه .. .أرادوا أجتثاثه على مدى خمس سنوات وسط صمت دولي وتواطؤعربي وعجزوا ... يعيشون في ظل شبحه وتحديه وأستخفافه بقوانينهم الأجتثاثية ..أنه حزب عريق أنتقل من السلطة الى المقاومة ، ومن القيادة المنفردة للنظام السياسي قبل الاحتلال الى العمل الجبهوي مع كل الفصائل والقوى العراقية المناهضة للأحتلال .. حزب تمرس بالنضال وينتمي بفخر الى أمة حضارية عظيمة ، وكلما طرقوا عليه بشدة ازداد صلابة وتجذرا في الوطن وبين أوساط الشعب ..أنه يكبر كل يوم بأفعاله والملتحقين في صفوفه ..وفكره الذي أرادوا اجتثاثه ينغرس بقوة في عقول وضمائر العراقيين ..حقا التحدي الذي يواجهه البعث في العراق هائل وله وطأة ،ولكن رصيده النضالي عبر تاريخه الطويل وبنائه العقائدي وأنتمائه الى أمته العربية العريقة وقدرته العالية على تكييف صيغه النضالية في ظروف الاحتلال ،جعلته بمستوى التحدي وقادر على تطوير أساليبه النضالية ومقاومته المسلحة الى المستوى الذي يؤهله مع قوى المقاومة الوطنية الاخرى من طرد المحتل وعملائه..

10- ويظل السؤال .. من الذي يجب أن يُجتث ؟ البعث صاحب المشروع الوطني القومي الحضاري ، المقاوم والمتصدي للمؤآمرة الامبريالية الصهيونية على العراق والامة أم الاحتلال وعملاءه الظلاميين حملة القتل والدمار والفتنة والمحاصصة ؟؟؟ للتاريخ جواب واحد لم يخطيء مرة واحدة وهو طرد المحتل وألقاء عملائه الى مزبلة التاريخ وقمامات العار ....

 
 صحيفة الموقف العربي القاهرة

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 15 محـــــرم 1429 هـ الموافق  23 / كانون الثاني / 2008 م