بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تحالف الثورة والامبريالية وغياب القمة العربية

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 محسن خليل

 

مثلما لم يمنع شعار (الثورة الاسلامية الايرانية ) المعروف ( الموت لأمريكا .. الموت لأسرائيل ) خميني من تلقي السلاح الامريكي عن طريق أسرائيل خلال حربه التوسعية ضد العراق ( 1980 – 1988) والتي عرفت حينها بفضيحة ( ايران كيت ) ، كذلك لم تعق خطابات احمد نجاد الداعية الى محو أسرائيل من خريطة العالم ، الوحدات العسكرية الاسرائيلية داخل المنطقة الخضراء في بغداد من الاشتراك في تأمين حمايته والترحيب بزيارته .

التناقض الظاهر بين الشعارات الايرانية والسلوك السياسي لحكومات ( الثورة الاسلامية ) ينحصر في خطابها السياسي وليس في سياساتها .. ففي السياسات ثمة توافق بينها وبين السياسات الامريكية يصل حد التطابق فيما يتصل بالعراق والامة العربية، فكلا الطرفان يدركان أن عشرة قرون من الحملات العسكرية بدأت مع الحملة الصليبية الاولى ومستمرة الى اليوم ، لم تؤد الى رضوخ الامة العربية وأستئصال أرادتها على الصمود والمقاومة ، بل أن الامة في فترات عديدة حققت نجاحات باهرة كالتي حدثت في مصر منتصف القرن التاسع عشر وكادت توحد المشرق العربي كله في دولة عربية واحدة قوية، وتلك التي حصلت في عهد عبدالناصر ،والثالثة التي قادها الرئيس الشهيد صدام حسين ..

التوافق الامريكي الايراني الصهيوني قائم على أتفاق أساسه العمل المشترك لأستنزاف الامة العربية ومحاصرة مراكز نهوضها وبؤر المقاومة فيها لأيصالها الى حالة من اليأس والاحباط تسمح للتحالف الثلاثي بأعادة ترتيب خارطتها السياسية وتفتيت دولها الى كيانات طائفية وأثنية وتقاسم النفوذ في الوطن العربي ومحو هوية الامة القومية واحلال هويات فرعية محلها . أن الفشل الذي منيت به السياسة الايرانية على يد خميني في أسقاط العراق كاقوى مركز مقاومة ونهوض عربي ، جرى تعويضه بدخول الولايات المتحدة بقواتها العسكرية مباشرة الى مسرح المواجهة ضد العراق .. ومعروف ان العراق كان آخر المعاقل المنيعة والقوية للنهضة العربية ، واعتبر أسقاطه مقدمة لتداعي وانهيار بقية المعاقل القليلة المتبقية وفي مقدمتها سوريا .. لقد تم تدشين التحالف الامريكي الايراني الجديد لمرحلة ما بعد هزيمة مشروع خميني بمقدمتين : الاولى ، تمثلت بأعادة بناء تحالفات دول الاقليم وخاصة الخليجية منها لمحاصرة العراق وأستنزافه ، ودخلت تبعاً لهذه المقدمة العلاقات الخليجية مع أيران مستوىً متقدمأً من التنسيق والتعاون ضد العراق تحت الرعاية الامريكية بلغت أوجها بتوقيع اتفاقيات أمنية بين أيران والسعودية في 1999 .. والثانية ، مشاركة أيران في الغزو الامريكي لأفغانستان تمهيدا لأشتراكها في غزو العراق .. نائب الرئيس الايراني محمد على أبطحي وصف أهمية المشاركة الايرانية هذه بقوله ( أن امريكا لم تكن لتحلم بغزو العراق أو أفغانستان لولا الدعم الايراني ) ، وجورج فريدمان الكاتب الامريكي وصف التحالف الامريكي الايراني في هذه المرحلة بأنه ( أهم حدث عالمي في بداية القرن الحادي والعشرين بعد أحداث 11 سيبتمبر ) لم تمنع شعارات ( الموت لأمريكا .. الموت لأسرائيل ) واشنطن من تنصيب الاحزاب والشخصيات الموالية لأيران على رأس الحكومات التي أنشاتها بعد الاحتلال ،والعديد من تلك الشخصيات يحتفظ بجنسيته الايرانية ولا يحمل جنسية عراقية .. وبموافقة أمريكا جرى أطلاق يد فيلق القدس للحرس الثوري الايراني والمخابرات الايرانية للهيمنة على وسط وجنوب العراق ، وقيامهما بقيادة وتسليح ميليشيات بدر وحزب الدعوة وتشكيل ميليشيات مقتدى والميليشيات الواجهية الاخرى مثل ثأر الله وغيرها التي يصل عددها الى أكثر من 22 ميليشيا .. ومع تسليم ايران مقاليد الحكومات التي أنشاتها واشنطن في العراق المحتل ، جرى تنفيذ مخطط تدمير مؤسسة الدولة الوطنية وتصفية ملاكاتها بالاغتيال والاعتقال والتهجير ،أضافة الى أستخدام الورقة الطائفية لتفتيت وحدة المجتمع العراقي ..

المخططان يتلاقيان تاريخا وحاضرا ويتشاركان الرؤية لتوليد مستقبل مظلم للأمة العربية .. المخطط الامريكي الصهيوني ، يدرك أن نجاحه في الوطن العربي وحماية مستقبل الكيان الصهيوني مستحيل من دون القضاء على أرادة المقاومة لدى الشعب العربي ،وأن الحلول العسكرية والتسويات المفروضة عن طريق حكام غير شرعيين لن تؤتي أكلها ما دامت المقاومة مستمرة والارادة العربية تمتلك التصميم والاستمرارية ،بل أن هذا النوع من السياسات ساهم في تقوية المقاومة العربية ووحد الامة خلفها ..كل ما حققه التحالف الامريكي الصهيوني هو فرض استسلام على حكام ، لكنه عجز عن قتل أرادة المقاومة لدى الامة ..

التوسع الايراني كان عبر التاريخ يتجه نحو العراق والوطن العربي .. ففي هذه المنطقة الثروة والموقع والحضارة .. ومخطط (الثورة الاسلامية ) وجد بعد أستهلاك ورقة الشاه داخلياً، أن امضى سلاح يشهره بوجه الامة العربية هو ان يخترق نسيجها الاجتماعي ويسعى الى تفتيتها ويشعل الصراع بين أبنائها عن طريق أستخدام الورقة الطائفية، وهو ما تبناه دستور الجمهورية الاسلامية،حيث أكدت أحدى مواده( المادة 12 ) الطبيعة المذهبية لدين الدولة الرسمي ،وألزمت مادة أخرى ( فقرة الجيش العقائدي من مقدمة الدستور ) الدولة بتصدير الثورة وفقاً لمذهب الدولة ،وبهذا التحول أرادت الخمينية أن تعوض عن أستنفاذ وأستهلاك دور شاه أيران ، بتبني منهجا مغايرا لمنهج الشاه بالشكل ولا يختلف عنه في ألاهداف والجوهر، أنما يتميز عليه بكونه يزودها بقدرة عالية على خرق المجتمعات العربية وخلط الاوراق وأيجاد تداخل في ساحات المعارك وتشويه وعي الامة وتضليل أبنائها مما لا تمتلك مثيلاً له في التأثير ،كل من الولايات المتحدة والصهيونية العالمية .. وفي هذه المسألة يكمن سر وقوة التحالف بين أيران وواشنطن ،وهي التي أربكت رؤية كثير من السياسيين العرب للعلاقة الامريكية الايرانية وجعلت بعضهم يعتقد بصحة شعارات ثورة الخميني المعادية لأمريكا والكيان الصهيوني .لقد تُرجمت صياغة التحالف بين (الثورة والامبريالية ) في العراق عبر تنظيم وتنفيذ العمليات الارهابية الموجهة ضد العراقيين بكل ألوانهم والتي غلفت بأساليب أخراج جعلتها تبدو وكأنها حرب بين طوائف العراقيين وأثنياتهم بينما المنفذ واحد هو تحالف ( الثورة والامبريالية ) من خلال وضع رجال (الثورة .. الحكيم والمالكي والجعفري ومقتدى ) على رأس حكومات المحتل وأطلاق الحرية لاقامة الميليشيات وتسليحها وتدريبها تحت مرأى ومسمع ورعاية قوات الاحتلال الامريكي .، فهذا السلاح الخميني أقدر من سلاح الاحتلال العسكري على أختراق وحدة المجتمع العراقي والعربي ، وأمضى في تعطيل قدرته على المقاومة وتحييد موقف جزء من الشعب ضد المحتل وأيهامه بأن المعركة (الحقيقية) هي معركة سيادة المذهب وليس طرد المحتل ..

المخطط الثلاثي .. يعمل على أستقرارالاحتلال في العراق بعد تفتيته الى فدراليات متصارعة ، وأتخاذ العراق قاعدة أنطلاق ووثوب الى الاقطار العربية الاخرى لتكرار التجربة نفسها ... مالذي يجعل (أيران الثورة ) تدعم حكومة جاء بها المحتل ويوفر لها حماية ضد المقاومة العراقية الوطنية ، وكيف تستضيف هذه الحكومة رئيساً يردد بمناسبة وبغير مناسبة أنه يسعى لمحو (أسرائيل ) من الخارطة ، وهي لا تملك سيادة ولا سلطة حقيقية بينما السلطة الحقيقية بيد قوات الاحتلال ؟؟ وكيف ترحب (الامبريالية)بمن يعتبره اعلامها مصدر تهديد لأمن الكيان الصهيوني ولأمن قواتها في العراق ، وهي التي تستبيح قواتها مدناً عراقية بأكملها لمجرد الشبهة بأنها توفر حاضنة شعبية للمقاومة ؟

أن مخطط التحالف فشل حتى الان في فرض الاحتلال أو نظام المحاصصة والفضل في ذلك يعود الى المقاومة الوطنية العراقية الباسلة التي أجهضت مشروع الاحتلال .. وبعد خمس سنوات ، فرضت المقاومة على القوات الامريكية أن تعيد أحتلال كل مدينة وكل قرية .وهاهي الموصل البطلة صامدة بوجه حملة عسكرية تشارك فيها اكثر من اربع فرق عسكرية أمريكية وتابعة للحكومة العميلة والبيشمركة للقضاء على المقاومة الوطنية فيها من غير طائل . أما جنوب العراق موطن الرهان الايراني الامريكي الصهيوني المشترك والذي أريد له أن يكون قاعدة أرتكاز للوجود الايراني في العراق وبيئة لأفشاء الطائفية فيه ومنطقة محايدة أزاء المحتل ، فقد خيب ظنهم جميعا ، وانتفض بغالبيته الساحقة ضد النفوذ الايراني ، وأثبت أنِ ولاءه المذهبي شيء وولاءه الوطني القومي شيء آخر ، وان عروبته الاصيلة لن تسمح للأجنبي أيرانيا كان أو أمريكيا او صهيونيا أن ينال منها ومن عروبة وطنها ،وانخرطت قطاعات واسعة من ابنائه في المقاومة السياسية وشكل بعضهم فصائل مسلحة ابرزها الجيش العربي لتحرير الجنوب وكتائب العراق لتحرير الجنوب ..

زيارة أحمد نجاد للعراق تكشف عن دخول التحالف الامريكي الايراني مرحلة جديدة .. هي مرحلة تسليم مفتاح بغداد اعترافا بفعالية الوسائل الايرانية في تفتيت وحدة شعب العراق والمنطقة .. وعلى الجميع أن يترقب بعد زيارة نجاد لبغداد أرتفاع منسوب العمليات الارهابية الطائفية التي تنفذها ميليشيات الحكومة وتشكيلات الحرس الثوري الايراني ..وكان يفترض أن تدق زيارة احمد نجاد نواقيس الخطر في أروقة النظام العربي الرسمي بعد الاستقبال الذي حظي به من الشيطان الاكبر ، الا أن ردود الفعل العربية جاءت كما هو متوقعا ، فيها الكثير من التغافل وقصر النظر ،وتغليب المصالح الضيقة ،والقليل من الحكمة واحجام عن الاستفادة من دروس سنوات الاحتلال الخمسة ،متجاهلة أن التحالف الثلاثي لن يعفيها من مد مخططاته الى دولها ، وخاصة في جزئها الايراني الذي نشر منذ سنوات طويلة خلاياه النائمة وتنظيماته الدعوية السرية ،وآن أوان أيقاظها وتحريكها، وبعض دول النظام العربي شهدت تحرك تلك الامتدادات فيها.. وعلى الدول العربية الحليفة لأمريكا ان تدرك حين تأتي اللحظة المناسبة فأن حليف أمريكا سيكون مصالحها وليس أنظمة وعوائل حاكمة أستهلكت وظيفتها وسقطت شرعيتها عند شعوبها .

لا يتوقع من القمة العربية القادمة أن تتعامل بمسؤولية مع ألاحتلال الامريكي للعراق والصهيوني لفلسطين والاثيوبي للصومال والتدخل الدولي في السودان والازمة السياسية في لبنان .. وسيعاد أجترارهذه الملفات كما في الدورات السابقة للقمة العربية ربما بأستثناء ممارسة مزيد من الضغوط على سوريا ، لكن على القمة أن تضع في حساباتها المعطيات الجديدة التي أفرزها الاحتلال الامريكي للعراق، وفي مقدمتها فشل أقوى دولة في العالم مع شركائها في التصدي للمقاومة العراقية أو ضربها وتصفيتها..ورغم انها مقاومة يتيمة ، فقد ابدعت في أستنزاف قوات الاحتلال وميليشيات وأحزاب أيران وهي اليوم تدخل مرحلة جديدة من مراحل تطورها على مستوى تكتيكاتها القتالية وعلى مستوى التعبئة الشعبية ، ولم يعد مع المحتل سوى العملاء والمرتزقة الذين لا يغريهم بالبقاء معه حتى الآن سوى المصالح الهائلة التي تيسرها لهم سلطة الاحتلال عن طريق نهب المال العام والفساد والسرقات وهؤلاء جميعاً التحقوا بمعسكر الاحتلال طمعاً في المغانم وليس للموت من أجل المحتل، ولذلك رغم الدمار والقتل العشوائي والقسوة البالغة تتجذر المقاومة بين أوساط الشعب العراقي بينما يزداد تدهور معنويات جنود الاحتلال ومرتزقتهم التي تعاني من أنتشار الامراض النفسية والعصبية بين جنودها وارتفاع حالات الهروب من الخدمة في الميدان واعداد المنتحرين وعزوف الشباب الامريكي والبريطاني عن التطوع في الجيش.. اما بالنسبة للعملاء والمرتزقة الذين يمارسون السلطة لحساب المحتل وأيران فأنهم وضعوا عوائلهم في دول خارج العراق ، وأستثمروا اموال الشعب العراقي التي سرقوها في شراء العقارات وتأسيس الشركات التجارية في دول عربية وأوربية ، والعديد من عناصر وفود الاحزاب الحاكمة وفي مقدمتها وفود تابعة للمجلس الاعلى وحزب الدعوة وعناصر جيش مقتدى طلبت اللجوء السياسي في دول أوربية ، وبلغت هذه الحالات مستوى الظاهرة في الدول الاسكندنافية ،ذلك أنهم جميعاً يقرؤا الواقع العراقي من خلال تماسهم مع حقائق الميدان ويدركوا أن لحظة الهروب الجماعي قادمة ومتوقعة في أي لحظة ، والاّ فلماذا يضع من شارك في (تحرير) شعب العراق وبناء نظامه الديمقراطي التعددي كما يقال،عائلته وأمواله خارج العراق ولا يحتفظ الا بحقيبة سفر جاهزة في مكتبه اذا كان واثقا ً مما يحمله له الغد؟ ....

ان المقاومة العراقية ، قد أنهكت المحتل ومؤهلة لأنهاء وجوده في العراق ، وبصمودها الاسطوري حمت الدول العربية ودول العالم من الجموح الامريكي الذي لولاها لبدأ كما اعلن بوش في الاسابيع الاولى بعد الاحتلال بمعاقبة الدول التي عارضت الغزو وكان يقصد المانيا وفرنسا ،وتغيير الانظمة التي تعفنت في المنطقة العربية . هاهو بوش الان يستجدي دعم هذه الدول ودعم الانظمة العربية التي هدد بتغييرها بفضل المقاومة وليس لتحسن في اخلاقه ،وما لم يتنبه له كثيرون ان المقاومة بصمودها تهيء بيئة دولية مواتية لبناء نظام دولي جديد على أنقاض نظام القطبية الاحادية الامريكي الذي يشهد انهياره في العراق ..فهل تكون زيارة أحمد نجاد مناسبة لكي تعيد القمة العربية النظر في سياستها تجاه المقاومة العراقية فتعترف بها وتسحب أعترافها من حكومة الاحتلال وتوقف التعامل معها ؟؟ أنه مجرد سؤال من اسئلة احلام اليقظة لا اكثر ...

 

صحيفة الموقف العربي  / القاهرة
11 \ 3 \ 2008

 

 

 

شبكة المنصور

                                             الاحد  /  02  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  09 / أذار / 2008 م