بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

سفينة الانتخابات الأمريكية والموانئ العاصفة

 

 

 

 

 شبكة المنصور

 نزار السامرائي

 

يوشك الحزب الديمقراطي الأمريكي أن يحسم أمره بين مرشحين اثنين ، امرأة كانت السيدة الأولى في الولايات المتحدة ثماني سنوات ، وعضو في مجلس الشيوخ لمدة مماثلة ، أكسبتها خبرة متصلة من التعاطي مع أحدا ث بلدها والعالم ، من بوابة المكتب الرئاسي للبيت الأبيض في الحقبة الأولى ، ومن نافذة مفتوحة على الأركان الأربعة ، وما تحت الأرض وما في الفضاء الخارجي في الحقبة الثانية ، وأمريكي من أصل أفريقي ، ما تزال جذوره العائلية تمتد في أرض كينيا ، بدأ يشق طريقه بسرعة تتناغم مع المزاج الأمريكي العام في تجربة كل صرعة جديدة ، يحمل من الطموح أكثر مما يحمل من الخبرة ، ويحاول تجسير الروابط بين أصل عرقي والمجتمع الذي ينتمي إليه ، ودفن المعتقد الديني الذي كان عليه آباؤه ، كي لا يكون سببا في تراجع فرصه في مجتمع يلاحق المسلمين بشبهة الإرهاب .

وهذه المنافسة الضيقة الأفق ، هي التي تنعش فرص الحزب الجمهوري بالبقاء في البيت الأبيض ، أربع سنوات اخرى على الأقل ، ذلك أن مجتمعا مثل المجتمع الأمريكي ، والذي يحمل متراكما هائلا من تقاليد العنف التي جاء بها المهاجرون والمنفيون الأوائل من أوربا ، والتي تفرض نمط سلوك محدد للاحتفاظ بالحياة والتفوق ، أما أن يكون قاتلا أو مقتولا ، وتناسل هذا السلوك وأصبح جزء من الموروث القيمي للعالم الجديد ، يجعل من ترئيس سيدة على بلد كهذا أمرا محفوفا بكثير من علامات الاستفهام ، على رغم كل ما حصل من تطورات اجتماعية في البلاد ، ويبدو أن كثيرا من أسباب التركيز الأمريكي على حقوق المرأة في العالم ينبع من إحساس بنظرة تعطي المرأة كل حقوقها الاجتماعية ، وتحرمها عمليا من كثير من حقوقها السياسية ، وهذا هو الذي دفع بالكثير من المشفقين على الحزب الديمقراطي ، إلى التساؤل عن مدى صواب ترشيح الحزب للسيدة هيلاري كلنتون لانتخابات الرئاسة ، في مجتمع ينظر إلى البندقية نظرة تقديس ، لأنها السبب الوحيد لتمليك القارة البكر لهذا الشعب ، وعما إذا كانت قادرة على حبس دموعها في أية مناظرة محتملة مع جون ماكين ، أحد صقور الحزب الجمهوري والمجهز بخبرة في شؤون الحرب ، لأنه ممن قاتل في الحرب الفيتنامية ، والمدجج بالمعرفة السياسية لخبرة طويلة في عضوية الكونغرس .

آخر التقارير بدأت تتحدث عن انحسار شعبية كلنتون حتى بين النساء ، وتحولت الأصوات أو هي في طريقها للتحول إلى باراك أوباما ، في حالة فوز الأخير ، فإن ذلك سيعني أن المنطقة الرمادية من المقترعين ، ستنحاز تلقائيا ضد المرشح الديمقراطي الأفريقي الأصل الخلاسي المولد ، فمجتمع ما تزال ذاكرته الجمعية تعرض على شاشاتها تاريخ منظمة كوكلوس كلان العنصرية ، ليس من السهل عليه أن ينتقل خلال ها الزمن القصير نسبيا ، من مرحلة قتل الزنوج إلى مرحلة ترئيسهم ، وتاريخ الحرب الأهلية ما يزال يسترجع الكثير من صور الهزيمة التي تعرض لها الجنوبيون فيها ، و غالب الظن أن الوسط الرمادي سوف ينحاز تلقائيا ضد مرشح الحزب الديمقراطي ، بل أن وسطا مهما من الذين كانوا يصوتون للحزب الديمقراطي تقليديا ، سيجدون أنفسهم مدفوعين بعوامل شتى للانحياز لمرشح الحزب الجمهوري ، وحينذاك سيجد جون ماكين نفسه في حرب غير متكافئة مع المرشح المنافس ، سواء كان السيدة الأولى في عهد الرئيس كلنتون ، أو المرشح الأفريقي الأصل الذي جاء أبوه من بلد ، شهد عنفا دمويا بسبب انتخابات الرئاسة بالذات ، مما سجل مصادفة لا يمكن تجاهل تأثيرها على أوباما ، وهذا ما يطرح تساؤلات جدية عن السبب الذي حدا بالرئيس بوش إلى سحب برقية التهنئة التي بعث بها للرئيس الكيني الفائز كيباكي .

من يدخل البيت الأبيض لم يعد مهما من الناحية العملية ، فلكل رئيس أمريكي هامشه في ترك بصماته على تاريخ بلاده ، والأعظم يأتي من خلال مراكز صنع القرار في دولة لها مشروعها الكوني ، ومطلوب من كل رئيس أن يضيف إليه جزء قدر استطاعته ، ولأننا كعراقيين ما نزال نعيش تحت ضغط ماكنة الحرب العالمية الثالثة ، التي دشنت الولايات المتحدة أول فصولها في العراق ، لم نجد فارقا بين فعل أي من الحزبين ، فقد تناوب الحزبان منذ عهد بوش الأب في حكم الولايات المتحدة على إلحاق الأذى بنا ، ولم يكن أحدنا يعيش وهم الفرق في إستراتيجيتهما ، ولهذا فإن الوعود التي أطلقتها كلنتون أو أوباما ، بانسحاب مبكر من العراق في حال فوز أي منهما ، ما هي إلا محاولة لاستثمار قضية كبرى تضغط على الرأي العام الأمريكي لجني مكاسب ، على طريقة الإعلانات التجارية التي تهدف إلى تحقيق أكبر قد من الأرباح ، وخاصة عندما يأتي الحديث عن سحب للقوات الأمريكية خلال شهرين ، وهذا الوعد يصطدم بعقبات فنية لا شك أن من أطلقها يجهل الحقائق الميدانية عن حركة القطعات العسكرية ، هذا غير التأثيرات السياسية على مكانة الولايات المتحدة في عالم اليوم .

نحن لا نشك أبدا أن الملف العراقي سيبقى أكثر الملفات الإنسانية والاقتصادية ، في المجتمع الأمريكي ، وحينما نقول إنسانية و اقتصادية ، فإننا لا نقصد ما يتعرض له العراقيون ، وإنما ما يتكبده الأمريكيون من خسائر بشرية ومالية متزايدة ، لم تتمكن التعديلات الميدانية اللاحقة من تقليصها ، لكن الملف العراقي وما يحمل من آمال واعدة بكسب لا تحدّه حدود ، يستحق المجازفة لمجتمع بنيت قواعده على انتزاع الثروة بقوة السلاح ، وتحمل كل الأخطار المترتبة على ذلك .

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت /  23  صفر 1429 هـ   ***   الموافق  01 / أذار / 2008 م