بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

من ثورة 1936م إلي انتفاضة الأقصى 2000م مأساة فلسطينية

 

 

 

 

  شبكة المنصور

  سامي الأخرس

 

كلما فتحت أحدي صفحات التاريخ فإنها تصفعك صفعة تطرحك الأرض غضباً ، وقهراً ، وألماً ، وأخص بالذكر الصفحات التاريخية المعنونة باسم فلسطين ، أو تلك التي تتناول المسيرة النضالية الفلسطينية ، والتي من خلالها لم يستطع الشعب الفلسطيني تحقيق أي منجزات على الأرض ، رغم مسيرة التضحيات العظيمة والكبيرة ، التي لم يضاهيها مسيرة كفاحية لأي شعب من شعوب المعمورة مقياسا بالظروف ، ونوعية المحتل ، وطبيعته ، ومساحة الدعم والتأييد التي يعمل من خلالها سواء الدعم السياسي الدولي ، أو المادي ، أو المعنوي إقليميا ودوليا.

بقدر ما يعتبر الإبحار في التاريخ مؤلماً وقاسياً ، بقدر ما تجد نفسك أمام نفس الصفحات التي مضت من مراحل سابقة ، وكأنك تعيش أحداث فيلم وثائقي تاريخي يعاد تكرار أحداثه مع إدخال إحداثيات التطور العصرية ، أي تلوين صورة العرض ، وتطوير الوسيلة التي يتم العرض من خلالها ، واستبدال الآلة القديمة بالآلة الحديثة وفقا لغايات التطور .

فإن كانت الحركة الصهيونية ومنذ انعقاد مؤتمرها الأول سنة 1897م الذي عقد في بازل قد وضع جملة من الأهداف الإستراتيجية التي سخرت كل الإمكانيات والوسائل لتحقيقها ، وإعلان ثيودور هرتزل حينها أنه خلال خمسون عام سيتم تحقيق الحلم بإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين ، فإن العام الخمسون للإعلان شهد فعلاً إعلان دولة إسرائيل في فلسطين ، وهذا إن دل فإنما يدل علي القدرة التخطيطية لهذه الحركة وثقتها بالأهداف المعلنة والغير معلنة ، وليس من باب القدرات الخارقة والغيبية لهرتزل ، وإنما استناد للخطط المدروسة والأهداف المعلومة ، والبرامج القابلة للتحقق ، والوقائع المسندة لهذا التنبؤ ، والذي يؤكده أن باعث الصهيونية ونبيها في العصر الحديث قد توفي وهو في ريعان الشباب ورغم ذلك لم تسقط الحركة الصهيونية ولم تفشل في تحقيق أهدافها ، وإنما سارت وفق ما هو مخطط ومرسوم ، مما يؤكد العمل المؤسساتي الذي لا يعتمد على شخصية كاريزميه بفقدانها تنهار المؤسسة .

هذه المقدمة ليست إعجاباً وترويجا للعبقرية الصهيونية المصطنعة من تحالف كل القوي لخدمتها ، ولكنها إطلاله على دقة التخطيط والتنفيذ ، والعمل بنظام مؤسساتي لا يتعلق بشخصية الفرد والقائد التي نعمل بها نحن العرب ، ونربط بين القائد والمصير ، وبوفاته تنهار عملية التواصل ونعود لنبدأ من نقطة اللابدايه .

وبالعودة لثورة سنة 1936م التي خاض بها العرب في فلسطين إضرابا طويلاً مصحوبا بمقاومة عنيفة تم رفدها من بعض الشعوب العربية المجاورة بالرجال والعتاد ، والتي استطاعت أن تشكل نقطة تحول هامة في مسيرة العمل الكفاحي الفلسطيني الذي كان يعتمد على ردات الفعل ضد الأحداث اللحظية كالانتفاضات التي سبقتها سواء انتفاضة حادث البراق وغيرها ، والاستغراق الطويل المستفيض في تحديد أولوية المقاومة بين قادة العمل الوطني التي استغرقوا مرحلة كاملة وهم يختلفوا علي تحديد أولوية النضال ضد الهجرة اليهودية ؟ أم ضد الانتداب البريطاني ؟

كانت ثورة سنة 1936م قد حددت وجهة العمل المقاوم فقاومت الانتداب البريطاني ، وقاومت الهجرة والاستيطان اليهودي معاً ، واستطاعت جمع شمل الأحزاب العائلية في هذه الحقبة تحت كيان موحد ، حتى تدخل بعض ملوك العرب وأوقفوا الثورة لإعطاء الوعود البريطانية فرصة للتنفيذ ، فكانت نتيجة هذه الوعود والإستراتيجية الخاطئة التي أتبعتها اللجنة العربية العليا بمقاطعة كل اللجان البريطانية صفعة تاريخية تعتبر أحد اقوي الصفعات التي قسمت فلسطين التاريخية الموحدة ، كابوس أطل من رحم ثورة سنة 1936م ، حيث خلصت اللجنة الملكية البريطانية إلي توصية بتقسيم فلسطين ، فكان قرار التقسيم الأول سنة 1937م الذي أضاع فلسطين ، ومثل قطرة الغيث للحلم الصهيوني ، هذه التوصية التي استغلها وايزمن كهدف مرحلي يحقق من خلاله الهدف الأكبر وهو الوطن القومي اليهودي في كل فلسطين .

إذا فثورة سنة 1936م تمخضت عن مأساة التقسيم التي جزأت فلسطين وحولتها لدولتين دولة يهودية أصبحت حلماً وحقيقة ، ودولة عربية لم ترٍ النور حتى كتابة هذه الأسطر ، ولا يوجد ما يؤكد إنها ستري النور قريبا ، فالحلم لا زال بعيداً في ظل الواقع الحالي الذي تعيشه فلسطين وشعبها.

وبعد أربع وستون عام منذ ثورة 1936م حتى انتفاضة الأقصى 2000م والتي انتهي مفعولها ، وفقدت بريقها وزخمها فعليا منذ أن انحرفت عن طابعها الشعبي المقاوم ، فإن التاريخ يعيد لنا نفس المشهد ، ونفس الانعكاس شبح التقسيم بصورة إشعاعية أكثر مأساوية وقتامه.

فان كانت ثورة 1936م قد أنتجت لنا مشروع تقسيم فلسطين الكل إلي فلسطين اليهودية ، وفلسطين العربية ، فإن انتفاضة الأقصى قد وضعتنا أمام تقسيم للجزء المجزأ والمشرذم فلسطين رام الله ، وفلسطين غزة ، مع وضع خاص للقدس الشرقية التي كان من المفترض أن تكون عاصمة أبدية للحلم الفلسطيني حسب أبجديات الوطنية المتعارف عليها.

فالواقع قد صدمنا بحقيقة قائمة وهي أن مستقبل فلسطين الذي لم يستطع قادة وساسة الفعل الوطني في ذاك العهد قراءته والتخطيط له ، وانغمسوا في خلافاتهم العائلية على حساب مصالح الوطن ، وذهبوا بنا إلي قرار التقسيم الأول لعام 1937م والذي أصبح فيما بعد مشروعا دوليا ذو صبغة عالمية معترف بها ، فإن الواقع اليوم يقودنا إلي فشل أكثر سلبية حيث قسم كنتونات محاصرة بحزام استيطاني ، وأرض مسلوبة ، ألا وهو فشل زعماء الأحزاب في لفظ حزبيتهم مرة أخري ، وغلبوا مصالحهم الحزبية علي المصالح الوطنية ، وذهبوا بنا إلي رام الله دولة الشرعية الرئاسية ، وغزة دولة الشرعية الحكومية المنتخبة ، والشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي غير شرعي ، وعلي ما يبدو إنه لقيط للتاريخ وللساسة والقادة ، في عصر النهضة والتكنولوجيا والثورة المعلوماتية .

إذن فالتاريخ الذي سخرنا ولا زلنا نسخر منه ، وأبطاله الذين عايشوا الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية ، فغنهم لم يعايشوا عصر الحداثة والاتصالات ، والتطور في شتي المناحي الحياتية ، ولم يقرأوا دروس التاريخ التي سبقتهم ، معتمدين علي فطرتهم الوطنية فأخطأوا ، فماذا سنقول عن هؤلاء ؟ الذين قرأوا التاريخ وعايشوا فصوله وأحداثه ؟!

ماذا سيكتب التاريخ عن قادة القرن الحادي والعشرون في فلسطين ؟!

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد  /  03  صفر 1429 هـ الموافق  10 / شبـــاط / 2008 م