بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الانتخابات الامريكية 2008

"الحزب الديمقراطي".. وراء كل مرأة بيضاء رجل اسود

"العم توم" من الكوخ الى عتبة "البيت الابيض".. فقط !

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي "الجبريني"

 

مع تصاعد وتيرة المنافسة على الانتخابات التمهيدية الامريكية على الكرسي الاحمر في غرفة البيت الابيض البيضاوية، ترتفع في المقابل حمى التأويلات، التوقعات وربما الامال بين المراقبين في مختلف انحاء العالم بدرجات لا تقل،في احيان اخرى تزيد عن مستوى الاهتمام الشعبي الامريكي بلون ونهج رئيس الامبراطورية الكبرى القادم.

ترقب عالمي حذر

العالم يقف على رؤوس اصابعه منذ الان، والانتخابات لم تتجاوز بعد هدف اختيار المرشحين الحزبيين للقطبين "الديمقراطي والجمهوري". النظام الرسمي العالمي يراقب بصمت، ويدرس الاحتمالات التي تمخضت عنها دراسات وابحاث مراكز الدراسات الاستراتيجية القومية، يطرح الحلول وفق كل احتمال، ويدرس اي تغيير جذري او تكتيكي قد يطرأ على سياسة الدولة والدول المعنية به، يوجه الاماني تجاه هذا المرشح او تلك، على عكس الجماهير التي عادة ما يكون تأثرها بالدعاية الاعلامية ونفوذ وسطوة الجهات الممولة هو الحكم الخفي في توجيه مشاعرها وتعاطفها للشخصيات، بناء على ما يروج عنها او تدعيه في نفسها.

وان كانت الانتخابات الرئاسية الامريكية اثبتت نفسها مرار على انها مناسبة يكترث بها معظم سكان المعمورة منذ الحرب العالمية الباردة، لتستمر بنفس الوتيرة بل وتزداد اهمية بعد انتهائها، فهي في هذه الدورة تأخذ منحنى أكثر أهمية وجدية خاصة وان الحديث يدور حول انتهاء الحقبة "البوشية" التي غيرت معالم الكرة الارضية في السنوات الثمان الماضية كما لم تفعله أي حقبة رئاسية أخرى، بما فيها حقبة هاري ترومان الذي فجر أول قنبلة نووية في حرب، او جورج بوش الاب الذي انتهت في عهده الحرب الباردة وساد ما يسمى بالنظام العالمي الجديد.

واذا كان العالم العربي ابتهج بسقوط بوش الاب في انتخابات 92، كما احتفل الاسيويون برحيل نيكسون، فلا شك ان العالم سيشعر براحة اكبر بغض النظر عن القادم وهو يعد الساعات التي تنهي عهد بوش، الذي بدوره يسابق الزمن لحفر أثر أخر على كوكب الارض قبل انقضاء السنة الاخيرة له، عبر حرب جديدة لا يسعفها الحظ، بقدر ما يمكن ان تسعفها فرصة مواتية تختلقها دائرة "خلق الفرص السرية" تقلب الطاولة وتعيد النشاط العسكري الى اوجه، في المنطقة العربية خصوصا.


"النيغرو" مرشح "كوكلاس كلان"

بالعودة الى الانتخابات فإن نظرة موجزة لما تبثه وسائل الدعاية لكل ناخب، وما ترصده وسائل الاعلام من حالات، يشير الى تعاطف عالمي خاص مع المرشح الديمقراطي "باراك اوباما" الذي نال شهرة واهتماما عالميا كونه أول أسود يفكر ويسعى جديا لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية ذات التاريخ العنصري المعيب مع السود، -صاحبة مفردة العبد "نيغرو في القاموس الانجليزي، ومخلدة أشهر عصابات التمييز العنصري في العالم "كوكلاس كلان"- الذي لم تنتهي اخر فصوله بعد رغم ما تخوضه من حروب بطول العالم وعرضه تحت ذرائع حقوق الانسان، وسيقت على صورته آمال جيشها جينه العرقي اولا وخطابه الليبرالي الاصلاحي ثانيا، وبدرجة أقل انتماءه الحزبي الديمقراطي، الذي ينظر له عالميا بإعتباره اهون الشرين أمريكيا مقارنة بنده الجمهوري.

 

العالم وتمثال الحرية

ورغم ما يتشارك اوباما فيه مع رفيقته الديمقراطية هيلاري كلينتون في حجم الشهرة العالمية، على اعتبار ان الاخيرة ستكون أول امرأة تقود امريكا في حال فوزها، الا ان النظرة تختلف من احدهما عن الاخر، فإذا كانت بشرة اوباما السوداء وجذوره الافريقية تشكل ميزة في التعاطف العالمي معه، فإن هيلاري المرأة لا تحظ بتلك النظرة كسيدة ستحكم اهم عواصم العالم. وفيما تشكل خبرة هيلاري فترة تولي زوجها بيل الحكم، وحنكتها السياسية في التعامل مع فضيحته مع مساعدته مونيكا لونيسكي والتي ساهمت في القائه خارج البيت الابيض،فإن خصومها ينتقدونها لتصويتها العام 2002 تأييدا لشن الحرب على العراق وهي تؤيد الانسحاب من هذا البلد من دون ان تحدد جدولا زمنيا لذلك، تسعى هيلاري كلينتون لتحديد موقعها السياسي في الوسط وهي تؤيد عقوبة الاعدام وتشديد اجراءات الرقابة على الهجرة غير الشرعية وتدعو الى توسيع نطاق الضمان الصحي على طراز النظام الذي سعى بيل كلينتون بدون جدوى لفرضه خلال ولايته الاولى وثم علاقاتها السياسية الواسعة، هي صفات راديكالية ضرورية امريكيا لا يتمتع بها اوباما الشاب فيما قلة الخبرة في الشؤون الدولية تشكل علامة لا تشجع الاوروبيين خصوصا على التعاطف معه. الا أن خطابه التصالحي والذي يسعى الى ارضاء البيض أكثر مما يحاول ان يؤشر على نفسه كإبن السود او الساعي لتمثيلهم، ورفضه لإدانة التمييز العنصري الذي تعاني منه امريكا يمنح دوائر صنع القرار فرصة لقطع الطرق على فكرة التمييز العنصري السائدة، ولدعم فلسفة الانسنة العسكرية الامريكية، ولكن تلك الفكرة لن تعطيه اكثر من فرصة اظهاره كوجه انتخابي اسود، لن يتجاوزها ليصبح رئيسا على الارجح.


مطبخ الرؤساء

كلى المرشحين اللذين يتسيدان فرص الفوز بلقب مرشح الحزب الديمقراطي، وبعيدا عن اسلوب الحشد الانتخابي، هما في النهاية خاضعان لمنظومة سياسية كبرى، كما كان وسيكون اي رئيس امريكي قادم، يخضع بكل طاعة للنظام السياسي الذي تم بناء الجمهورية عليه، وتكفلت بحمايته الدوائر الاكثر ضيقا في مطابخ القرار الاستراتيجي الامريكي، ولأن امريكا هي بلد ديمقراطي كما يفترض فلا بد من اسباغ صفة المنافسة الديمقراطية على صراع الرئاسة، فكان الحزبان، وكان الخطاب الدعائي الذي يخطع دائما لقياسات خاصة بالمواطن الامريكي الممنهج وفق خط الليبرالية الفردية، والاكتراث لفكرة الخدمات والمصالح الداخلية التي تلبي طموحه كفرد، ولا تعنيه كأمة الا بما يساند الشعور القومي الاعلامي –مرة اخرى.

وبذلك فنجد ان السياسة الامريكية على مدى الثلاثة والاربعون رئيسا ممن حكموا امريكا كانت خطا ونهجا واحدا استفاد من البناء الثقافي الشعبي، واختزل القرار السياسي بطبقة النخبة المعتمة والتي ينصاع ويجب ان يفعل ذلك لها الرئيس الامريكي مهما كانت ميوله.


اختلاف اعلامي

واذا كان وجه الاختلاف كما يظهر بين اوباما وكلينتون، هو على سياسة كل منهما تجاه القضايا الخارجية مثل معارضة الحرب التي يتبناها اوباما وتأييدها كما تفاخر هيلاري، فهذا ما لن يكون حاسما بصورة جدية بين جمهور الناخبين، الذين يأخذون على اوباما جذوره الافريقية ولون بشرته، خلفيته الاسرية التي برزت فيها ديانة جده كمسلم، بل وحتى إيقاع اسمه البعيد عن الاسماء الانجلوسكسونية والقريب من ايقاع لفظ "اسامة" هي ملاحظات ليس من الحكمة تجاهلها في مجتمع يرى في نفسه المثال الاكثر رقيا وطليعية بين المجتمعات الغربية.

ورغم محاولات اوباما الحثيثة التقرب من اللوبيات الصهيونية الغربية، ودعم فكرة الامة العظمى، والتأكيد على مسؤليتها كامة "حافظة للسلم العالمي" –اشارة يفهمها اي امريكي كدليل على مد اليد الامركية تجاه اي مكان في العالم- الا انه سيظل أقل نيلا للثقة من منافسته الشرسة هيلاري. وهو الذي يراهن على معارضته منذ البداية للحرب على العراق وهو يعتزم التشديد على هذا الاختلاف في وجهات النظر بينه وبين هيلاري كلينتون التي يعتبر اخطر منافسيها.

كل ذلك هو قراءة اكثر تبسيطا للحالة بين الديمقراطيين، الذين يحلو للبعض تصنيفهم على انهم الجناح اليساري للنسر الامريكي، مقابل الجناح اليميني الذي يمثله الجمهورويون، لكن ما هو شكل الاختلاف بين اليمين واليسار اذا كان الرأس هو من يتحكم في حركتهما على السواء.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 01 محـــــرم 1429 هـ الموافق 09 / كانون الثاني / 2008 م