الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

أحداث البصرة ... من يقف ورائها ؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

نستخلص من تجارب التأريخ أن رفض الواقع الأحتلالي هي الشرارة الأولى التي تضرم الانتفاضة, والانتفاضة هي الشرارة الثانية التي تضرم الثورة, والثورة هي الشرارة الثالثة التي تشعل الاحتلال وتفحمه ولا تبقي منه غير رمادا هشا يبعثره الهواء ويتطاير بعيد عن المكان الذي تراكم فيه. الرفض هو أول أعراض الاستياء الشعبي الذي يسبق الإعصار والانتفاضة هي التعبئة الشعبية مع بدأ الإعصار والثورة هي استكمال الأستحضارات والدخول في منتصف الإعصار, والنصر هو نهاية الإعصار وعودة الأجواء الصافية إلى سماء الوطن, عندما تبدأ الثورة تتوحد الإرادات وتتراص الصفوف, وينسى كل منا أخطاء أللآخر ويغفر له ذنوبه مهما كبرت وتعاظمت فلا وقت للحساب أو التأنيب ولعتاب, لكل أمر وقته ومكانه وزمانه, وبدلا من أن ينظر كل منا للآخر لننظر معا في اتجاه واحد وهو النصر وتحرير البلد من دنس المعتدين وعملائهم.

الثورة تستلزم قبل أي استعداد تعبوي لخوض المواجهة توفر استعداد نفسي, فقبل تهيئة العدة والعدد والتنظيم والسلاح وخطة العمل, لابد من تصفية النيات وتثبيت المشاعر الوطنية وتهيئة قاعدة صلبة للتوحد والعزف على وتر واحد هو الوطن وليس سوى الوطن, الثورة تعني لباس الجلباب الوطني ونزع القميص الطائفي والعنصري والقبلي, وتعليق كل المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية والقومية على شماعة المصير المشترك.

ولنحاول أن نلقي نظرة على أحداث البصرة, المحافظة الحبلى بالاضطرابات والمشاكل والمصائب فقد تحملت الكثير وعانت بما لم تعانيه محافظة عراقية مثلها, ولكنها في كل مرة تصحو من غفوتها العميقة نافضة عنها غبار الماضي تتلألأ بوجه صبوح لابسة حلة جديدة و فاتحة ثغرها الباسم منتظرة بتلهف قدوم الغد ألأفضل.

البصرة تتغير من حين لآخر من الناحية العمرانية شأنها شأن بقية بلاد الله رغم أن هذا التطور يمشي بحجلة, ولكن مواطنيها لم يتغيروا أبدا فهم مواطنون غريبو الطباع والأطوار, كلما اشتدت مصائبهم وضاقت محنتهم كلما كثر عطائهم وزاد كرمهم وتنامي حبهم وصفت نيتهم, فإذا شبه الناس بالمعادن فأن أهل البصرة من أجود وأغلى هذه المعادن أنهم سبائك من الذهب غير قابلة للتغير أو الصدأ وأن خف بريقه يوما بفعل الكوارث فسرعان ما يصقل ويجلي ذاته من جديد ليعود أكثر بريقا من السابق.

بالرغم من شدة وعسر التمخض ولكن الولادة كانت وشيكة ومتوقعة لكل مراقب ومتابع للمشهد العراقي, فقد حاولت بعض القوى الخارجية أن تشوه صورة البصرة ومواطنيها وتحولها من غصن اخضر يانع إلى غصن يابس سهل الكسر, فعبثت بأمنها بزرع ميليشيات مفخخة في كل أركانها ووطنت عدد من الأغراب في ربوعها, وزرعت بذور فتنة أجنبية استوردتها من أفضل منشأ طائفي في العالم.

البصرة محافظة كريمة ومتسامحة وبفضل موقعها البحري كانت من أكثر محافظات العراق تطورا ورقيا وتناغما بين شرائح المجتمع العراقي, ولم تكون في يوم ما موطن للجريمة والعصابات وفرق الموت ومافيا النهب والسلب, ولم تكن بؤرة للشحن الطائفي والتعصب الديني أو المذهبي وهذا ما أعطاها ميزة نادرة, ولكن مع بداية الغزو تغيرت الكثير من ملامح هذه المدينة الزاهية, فتحولت إلى مدينة معتمة تتنزه في أزقتها الأشباح, تعبث بأمنها وتفتك بناسها وتجرم نسائها وتسرق ثرواتها. ومع انسحاب القوات البريطانية إلى جحر خارج المدينة وتسليم الملف الأمني للقوات العراقية تفاقمت الأوضاع سوءا, فقد مدت الجسور بين أعداء العراق لتلتقي في هذا الثغر وتنفذ أجندتها بسهولة فالنفوذ الإيراني توغل إلى أقصى حد في المؤسسات العراقية العسكرية والأمنية, كما إن الكويت مستعدة كما نقل عن احد شيوخها لإنفاق آخر دينار تمتلكه لتدمير العراق عسى أن يساعدها في التنفيس عن حقدها المزمن مع الأسف على العراق وشعبه.

ما كان للظلم أن يطول كثيرا في أرجاء البصرة, فقد انبرى رؤساء العشائر العراقية العربية الأقحاح بعد أن استوعبوا الدرس جيدا ليقفوا بوجه هذه الموجة الصفراء مطالبين بوقف التدخل الإيراني السافر في شؤونهم, ووضع حد للتمادي في سرقة الثروة النفطية من الجانبين الإيراني والكويتي, مضافا إليه تنامي الوعي لدى القوى الوطنية في الجنوب لحقيقة النظام الفدرالي الذي ينوي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وتابعه حزب الدعوة تطبيقه, فقد تبين لهم أن الفدرالية المزعومة ليست سوى قصور من رمال تتبدى مع أول ريح قادمة, وان الغاية منها صنع أقاليم هشة تتناسب مع الرؤية الإسرائيلية والإيرانية, لتبدأ بعدها مرحلة تقاسم النفوذ وضم البصرة لاحقا إلى أخواتها الجزر العربية الثلاثة.

وكي تسير عربة التحليل بشكل سليم في طريق البصرة الشائك في الليل المعتم المشبع بالمفاجآت لابد من إشعال الإضاءة الأمامية كي نتلافى المطبات التي نواجهها ونتدارك الانعطافات الحادة, ولكن لا بد في الوقت نفسه من إشعال الإضاءة الخلفية لتنبيه الآخرين كي يأخذوا الحذر اللازم, ولنتأنى في مسيرنا كي لا تفوتنا علامات الطريق لأنها المرشد الوحيد لنعرف جهتنا.

ولنبدأ مع أول إشارة ونتوقف عندها قليلا, فقد اتخذت الإدارة الأمريكية الإجراءات اللازمة لسحب(20) ألف من مرتزقتها العاملين في العراق من مجمل قواتها البالغ عدده (160) ألف جندي مع بداية شهر تموز القادم استجابة للضغوط الشعبية والحزبية, وان التنافس بين الحزبيين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة في أوجه, ويحاول الجمهوريون اللعب على الحبلين فهم يدركون قبل غيرهم بأن سحب هذه القوات من شانه أن يترك فراغا من الصعب سده ولكنهم في نفس الوقت مرغمين على تقديم جرعة من المورفين لتهدئة الرأي العام سيما أن الدعاية الانتخابية في أوجها. ولكن في نفس الوقت لا بد من مسك الخيط الآخر وهو أمكانية خلق أزمة تستدعي إبقاء هذه القوات أو تعزيزها.

والإشارة الثانية هي أن الدول المتحالفة قد سئمت وجودها الممل في العراق دون تحقيق نتائج ملموسة على الواقع فقد أنفرط العقد ألتحالفي من(40) دولة إلى (26) دولة فقط, وهناك عدد من الدول قررت سحب قواتها هذا العام بما فيها التابع البريطاني الذليل, وهذا من شانه أن يدحض الدعاية الأمريكية ويسحب منها الشرعية الدولية المزيفة التي أضفتها الأمم المتحدة عليها بشرعنتها الاحتلال نتيجة الضغوط الأمريكية وشراء ذمم الدول الضعيفة والمهزوزة. ولا شك أن تفعيل الحاجة إلى وجود مثل هذه القوات يحتاج إلى مسوغ لإبقائها, ورغم أن الثمن فادح لكن للضرورة إحكامها, وان تفجير المركزين التجاريين في نيويورك هو أفضل مثل على الاستعداد الأمريكي لتحمل خسائر قليلة لتحقيق غايات شيطانية وهذا مبدأ ميكافيللي معروف " فالغاية تبرر الوسيلة".

كما تحاول الولايات المتحدة أن تضغط على شركائها من قوات التحالف العاملة معها في العراق بإبقاء قواتها مستفيدة من الدرس البريطاني, حيث أن قيام بريطانيا بسحب قواتها من البصرة إلى قواعد خارج المدينة منذ كانون الأول 2007 ترك فراغا واضحا ولم تتمكن القوات العراقية من سده بسبب عدم أكمال مستلزمات تحضيرها لمسك الملفات الأمنية, وعليه فأن انسحاب بقية القوات المتحالفة من شأنه أن يخلق نفس الفراغ الذي تركته بريطانيا بانسحابها إلى قواعد ثابتة. وربما تبغي الولايات المتحدة التأثير على القرار البريطاني بعدم سحب بقية قواتهم(4100) جندي خلال هذا العام بعد مرور أكثر من سنة على اعتراف رئيس الوزراء السابق توني بلير" بأن العمليات العسكرية في البصرة قد انتهت وبنجاح كبير". ومما يؤيد وجهة النظر هذه أن صحيفة الغارديان عبرت عن خشيتها من أن تزايد العنف في البصرة قد يؤدي إلى إطالة أمد بقاء القوات البريطانية التي تمارس حاليا دور المتفرج على ما يحدث في البصرة.

الإشارة الثالثة هي محاولة الولايات المتحدة أن تراهن على أكثر من حصان وذلك بعد أن تبجح الحزبان الأمريكيان المتنافسان بان سحب قواتهما من العراق سيكون من أولويات سياستهما القادمة, ورغم ن الوقائع تشير إلى خلاف ذلك لكن الدعاية الانتخابية تستلزم ترويج مثل هذه الأكاذيب فهي فنون والأعيب السياسة المعروفة, فالوعود الانتخابية ليست أكثر من سراب يتبدد مع إشراقة تولي مقاليد الحكم, ولا شك أن مثل هذه الدعاية الانتخابية تستلزم وجود قوات عراقية مؤهلة لتسلم المهام الأمنية بعد انسحاب القوات الأمريكية, بالرغم من أن كل المؤشرات تشير إلى عدم أهلية وجدية هذه القوات لفرض الأمن, بما فيها اعترافات بعض المسئولين الأمريكيين ممن اشرفوا على تدريب هذه القوات وأكدوا بأن فرقة واحدة فقط من كل عشر فرق يمكن أن تؤدي واجباتها مع عجز البقية عن حماية أنفسهم وليس حماية الوطن! ولكن مع هذا فلا بد للمالكي أن يثبت قوة الجيش العراقي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة, واعتبرت صحيفة ديلي تلغراف بأن معارك البصرة هي الامتحان الحقيقي لمعرفة مدى قدرة الجيش العراقي على فرض الأمن والقانون بدون مساعدة القوات الأخرى, فنجاح الجيش يعني توفر إمكانية إعادة الأعمار, كما إن تصريح الرئيس بوش يدعم هذه الفرضية فقد أكد " نحن نساعد العراقيين, لكن المهم أن تعرفوا بأنهم من يقود العمليات العسكرية, وان القوات الأمريكية تشرف على العمليات فقط, وسنقدم الدعم إذا ما طلبته الحكومة العراقية منا" كما أكد جونثان باول مدير مكتب بلير السابق بأن العملية العسكرية في البصرة هي واحدة من عمليات قادمة لاختبار قدرة الجيش العراقي, والتي إن نجحت ستقدم الضوء للأمريكيين والبريطانيين على الانسحاب. ولاشك أن" صولة الفرسان" كما سماها المالكي واشرف على تنفيذها بشكل شخصي تدعم هذا الكلام.

الإشارة الرابعة تتمثل في ارتفاع حجم الخسائر الأمريكية بزيادة عدد القتلى عن(4000) قتيل وحوالي(30) ألف جريح, وهي إحصائيات غير حقيقية ولا تمثل سوى عشر الخسائر الأمريكية في العراق, جعلت الرئيس الأمريكي يتباكى ويندب حظه العاثر, ولكن هذه الخسائر تزايدت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة فلا يمض يوم إلا وتداولت وسائل الإعلام أخبار سقوط عدد كبير من القتلى الأمريكان, وهذا يتباين مع تشدق البيت الأبيض بتحسن الوضع الأمني في العراق, وكان لا بد من تبرير وتفسير هذا العدد التصاعدي من الضحايا, وبالتالي فأنه لا بد من ردة فعل تخفف من وطأة وقوع هذه الإخبار على الرأي العام الأمريكي وإرجاع جزء من كرامته المهدورة في العراق! وأن جنوب العراق مهيأ ليكون مسرحا للإحداث القادمة, بعد أن شهدت مدينة البصرة صراعا بين العديد من الميليشيات على الواردات النفطية, إضافة إلى انتشار الجرائم وقتل النساء والأطباء وأساتذة الجامعات من قبل بعض المتطرفين والمتشددين والعصابات الإجرامية وفرق الموت. وهذا ما حدا بالناطق بأسم البيت الأبيض توني فراتو للتصريح بأن هذه الحملة- يقصد تصفية التيار الصدري- " هي بالضبط الطريقة الصحيحة لتخليص البصرة من الميليشيات والعصابات الإجرامية".

الإشارة الخامسة تتعلق بتصفية التيار الصدري, فقد كانت خطة مبيته و قد بدت ملامحها منذ زيارة عبد العزيز الحكيم الأخيرة إلى واشنطن ولقائه بمنظر السياسة الأمريكية اليهودي هنري كيسنجر وشكواه من عدم إمكانية تمرير قانون الفدرالية بسبب موقف التيار الصدري, وان تشكيلات الحكومات المحلية في المحافظات سيكون لها دورا رئيسيا في إحباط مشروع الفدرالية الذي يتبناه الحكيم وتؤيده قوات الاحتلال والكيان الصهيوني وإيران, حيث سيكتسح التيار الصدري هذه المجالس بتفوق ساحق ومؤكد. إضافة إلى مناهضة الصدريين لتمديد وجود قوات الاحتلال ورفض عقد اتفاقيات طويلة الأمد معها, وهو طرح يتناغم مع طروحات القائمة العراقية , وليست النية مبيته منذ ثلاثة أشهر كما اعترف مسئول شيعي كبير لوسائل الأعلام, وأن زيارة الرئيس الإيراني احمد نجادي إلى العراق ولقائه مع الحكيم وبعض القيادات الأمريكية كما كشف عنها لاحقا كانت تصب في نفس الاتجاه, ولكن زيارة ديك تشيني الأخيرة كانت تحذيرا أمريكيا أخيرا للمالكي لبدء الحملة العسكرية فقد نفذ صبر الإدارة الأمريكية منه, والحقيقة أن التوقيت جاء غير متناسب مع الظروف الموضوعية لاسيما أن الصدر تصرف بدهاء عندما سحب البساط من تحت أقدام المالكي ليشن حملته ضد تياره, فقد باغته بالموافقة على تجميد النشاط العسكري لجيش المهدي لستة شهور! أخرى فكانت صدمة شديدة أفزعت المالكي وأفقدته رشده فاضطر إلى تأجيل الخطة, من ثم انصراف الصدر عن العمل السياسي والتفرغ إلى الدراسة يعني أنه لم يكن مستعدا لخوض معركة مع الحكومة بل على العكس فقد خدمها بهذا التجميد, وقدم لها الفرصة الذهبية لاقتناص الأشرار المحسوبين أو الذين حسبوا على تياره. لذلك كان اختيار المالكي هذا الوقت غير موفقا لشن حملته العسكرية فظهر كمن يصيد السمك بشبكة متهرئة.

الإشارة السادسة تتعلق برغبة التيار الصدري في المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات قد سببت هذه الرغبة كابوسا مزدوجا للمالكي وعبد العزيز الحكيم, وهذا يجرنا إلى إعادة النظر في محاولة عادل عبد المهدي عرقلة تمرير قانون المحافظات في مجلس النواب تحت عدة ذرائع, ولكن بعد زيارة ديك تشيني سحب اعتراضاته بالرغم من عدم تغيير أية فقرة في القانون المذكور, وقد أعترف عبد المهدي بأن الغرض من الزيارة كان الضغط على المجلس الأعلى لسحب معارضته والمصادقة على القانون, وهذا يعني أن ديك تشيني قد طمأن الحكيم بأن يمرر القانون, وأعطى الضوء الأخضر لبدء الحملة ضد التيار الصدري, فالطبخة قد أعدت بشكل متقن, لذلك مع بداية القتال أسفر الحكيم عن وجهه البشع ليؤيد العمليات العسكرية ضد التيار الصدري بصفاقة تدعو إلى الدهشة حيث كان من الأولى به أن يلغي الاتفاق الذي وقعه مع التيار الصدري أو ما يسمى بالهدنة(تتضمن 11 بندا) قبل التسرع في تأييد المالكي, سيما أن التيار الصدري كما جاء على لسان نائبته الموسوي ما يزال متمسكا بالاتفاق المبرم مع المجلس الأعلى, ولم يصدر مقتدى الصدر توجيها بإلغائه لحد الآن, وبالرغم من محاولة المجلس الأعلى عبر تصريح نائبه (عمار طعمه) برفض إرجاع النزاع الجاري إلى خلفية انتخابات مجالس المحافظات لكن هذا لا يلغي أنه من أهم أسباب الأزمة الحالية. ويبدو من السابق لأوانه أن يعتبر الطعمة " أن مشاركة التيار الصدري في انتخابات مجلس المحافظات لن يحقق نتيجة تذكر" فهذه النبوءة تشبه ذر الرماد في العيون والصياغة الصحيحة للجملة هي أن المجلس الأعلى وحزب الدعوة ليس بإمكانهما تحقيق نتيجة تذكر في الانتخابات القادمة, فالقاعدة الجماهيرية للمجلس الأعلى وحزب الدعوة تجاه القاعدة الشعبية للصدر أشبه ما تكون بمواجهة بين قزم ومارد.

الإشارة السابعة تتمثل في تبرير الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية لعملية صولة الفرسان باعتبارها تستهدف الجماعات المسلحة التي تعبث بأمن المحافظة بغض النظر عن ارتباطاتها الحزبية والمذهبية, فقد صرح الرئيس بوش بأن القتال في البصرة يشكل لحظة ايجابية جيدة في تطور امة تتمتع بالسيادة وتعتزم السيطرة على عناصر خارجة عن القانون, كما أشار كيفن بيرغنر إلى أن المالكي بدون هذه العملية لا أمل له في تحسين الوضع الأمني في البصرة. وعبر البنتاغون عن ارتياحه لتحرك القوات العراقية ضد جيش المهدي وان أدائها يؤكد نجاح الخطة الأمريكية, وسرح( جيف موريل) في خياله البعيد مدعيا أن المالكي يستحق الإشادة لاتخاذه مبادرة الذهاب بنفسه لمقاتلة المتطرفين والمجرمين, وكان من المفترض أن يتريث موريل قليلا لمعرفة ما سيسفر عنه القتال قبل أن يستشف نتائجه المعطبة, سيما أن الأخبار تقول بأن المالكي يواجه أزمة حقيقية في تحقيق تقدم ملموس في المحافظات الجنوبية, أما إدعائه بأن المالكي توجه طوعيا إلى البصرة لقتال جيش المهدي! فلا نعتقد ولا يعتقد غيرنا إن الأمور تجري بهذه الطريقة سيما أن المالكي سبق أن أدلى بتصريح سابق بأن ليس بإمكانه أن يحرك سرية دون أخذ موافقة مسبقة من إدارة الاحتلال.

الإشارة الثامنة هي الدور الإيراني في كل ما يحدث في البصرة, من نافلة القول إن لإيران دورا مهما في تردي الأوضاع في البصرة, مع اعترافنا بأن المسئولية تقع بالدرجة الأولى على قوات الاحتلال وفقا للمواثيق الدولية من ثم الحكومة العراقية, لكن السماح لإيران بأن تمدد نفوذها على جنوب العراق كان سببا رئيسيا لتفاقم الأزمة, وهذا ما عبر عنه الجنرال كيفن بيرغنر نفسه خلال مؤتمر صحفي عقده في بغداد " لا شك أن إيران تمتلك نفوذا كبيرا في البصرة ومحافظات جنوب وشرق العراق, ونود أن تلتزم الحكومة الإيرانية بتعهداتها للمساعدة في تحسين الأمن والاستقرار في البصرة والحد من أنشطة الخارجين على القانون" ! ولنا الحق أن نتساءل من سمح لإيران بهذا النفوذ؟ ولماذا لم تحدد الإدارة الأمريكية هذا النفوذ أو تحد منه؟ ولماذا لم تلتزم الحكومة الإيرانية بتعهداتها خلال اللقاءات التي جرت بينها وبين قوات الاحتلال في العراق؟ ولماذا لم يناقش هذا الأمر خلال زيارة الرئيس نجادي الأخيرة للعراق؟ ولماذا لم يتوجه المالكي لإيران لحل المشكلة قبل أن يأخذ طريقه إلى البصرة لإدارة العمليات العسكرية؟ كما أن الصدر يتواجد حاليا في إيران كما أشارت المصادر مما يسهل للمالكي عملية التفاوض معه تحت خيمة ولاية الفقيه.

الإشارة التاسعة: غرابة توقيت عملية صولة الفرسان! فقد تزامنت مع اجتماعات القمة في دمشق وتعذر المالكي من المشاركة في الاجتماع بحجة انصرافه إلى العمليات العسكرية, بعد أن اعتذر الرئيس الطالباني أيضا عن المشاركة بسبب رفض الجامعة العربية ترجمة كلمات رؤساء الوفود و المقررات إلى اللغة الكردية وجاءت العمليات لتزيد قناعة الدول المشاركة في القمة بعجز العملية السياسية عن توصيل العراقيين إلى مرفأ الأمان, وان الوضع ما يزال يعج بالاضطراب والتخبط ولا يوجد تحسن في الأوضاع الأمنية كما تشيع الحكومة العراقية, ولتقدم أيضا تبريرا مناسبا للحكام العرب بعدم فتح سفارات لدولهم في العراق بحجة فقدان الأمن والدليل على ما يحصل حاليا من عنف جنوب البلاد.

لا نكشف سرا عندما نتحدث عن وجود أكثر من(20) ميليشيا تسيطر على مفاصل البصرة الرئيسية ومنها قوات بدر وحزب الدعوة بشقيه وحزب الفضيلة وثأر الله وحزب الله وسيد الشهداء وغيرها, لذا فأن من المفروض أن توجه الحملة إلى كافة هذه الميليشيات وأن لا تقتصر على جيش المهدي! ومن غير المنطقي ان تكون سياسة أسة المالكي غفورة رحيمة مع ميليشيا بدر وحزب الدعوة والفضيلة وغيرها وتكون بنفس الوقت شديدة العقاب مع التيار الصدري, وكان بإمكان المالكي أن يفعل قانون إلغاء الميليشيات ويعطيها مهلة محددة لتسليم أسلحتها ولا يستطيع أحد أن يلومه في ذلك, وان كان الموضوع يتعلق بالجرائم فأن هذه الصفة تشمل جميع أنحاء العراق ولاسيما العاصمة بغداد! وان كان المالكي يبغي وقف عمليات اغتيال الأطباء وأساتذة الجامعات فالأولى به أن يضع خطة عامة لمعالجة هذه الحالات الشاذة, وان يحرك الأمن والشرطة للكشف عن نتائج تحقيق عملية اغتيال ولو واحدة فقط تمت في عهده الأسود!

وأن كان المالكي يبغي حقيقة معالجة الفساد المستشري في البصرة فالأولى به أن يحاربه في مقره ومقر وزاراته المنفلتة وان لا يتستر على وزرائه وأقاربه من الفاسدين كما كشف القاضي راضي الراضي, وكان تستره هذا سببا لفقدان (14) مليار دولار؟ الفساد واحد سوى كان في البصرة أو ديالى او دهوك أو أية محافظة عراقية, وإذا كان هناك مجرمون فمن الأولى أن يستثمر المالكي الفرصة التي قدمها لها الصدر بتمديد تجميد أنشطه جيش المهدي لاصطياد هؤلاء المجرمين وستنتفي عند ذاك الحاجة إلى إراقة الدماء العراقية, حيث يمكن أن تضطلع وزارة الداخلية بهذه الأزمة دون الحاجة إلى تدخل الجيش لقمع المواطنين بهذه الطريقة الوحشية وما رافقها من قتل العديد من المدنيين!

المالكي يعرف قبل غيره إن الجيش والشرطة هما عناصر من ميليشيا بدر وحزب الدعوة باللباس الرسمي وان استصحابه وزير الداخلية جواد البولاني من قادة المجلس الأعلى في إدارة الصولة دون وزير الدفاع يثير الكثير من علامات الاستفهام؟ سيما أن وزير الدفاع هو من يفترض أن يصحب القائد العام للقوات المسلحة وليس وزير الداخلية؟ ربما لم يحاط وزير الدفاع علما ببدء ساعة الصفر؟ وإلا كيف نفسر سكوته الغريب هذا؟ ونتساءل أيضا أين مستشار الأمن الوطني ووزير الأمن الوطني من كل هذا؟ أليس لهما دورا طالما أن العملية العسكرية تتعلق باستتباب الأمن كما يزعم المالكي؟

تشير الوقائع بأن المالكي قد رضخ لإرادتي الاحتلال من جهة ولإرادة الحكيم من جهة ثانية في تنفيذ صولة الفرسان وكان توجيها صارما للمالكي لا يمكن أن يحيد عنه, ففي الوقت الذي حاول فيه الصدر أن يهدأ من الموقف مطالبا أنصاره بتوزيع غصن الزيتون على رجال الجيش والشرطة فأن هؤلاء قابلوهم بالرصاص فتناثرت الغصون على الأرض وطافت على برك من الدماء! كان المالكي قد كسر أغصان الزيتون عندما قال" لا مفاوضات مع المجرمين" ! مع انه يقود كذلك حفنة من المجرمين وينفذ إرادة المجرمين, ويسلك بتشكيله فرق الإعدامات سلوك المجرمين. والضحية دائما الشعب العراقي الذي يدفع ثمن المهاترات وتصفية الحسابات بين الاحزاب المتنافسة.

(مجلس الدواب) أو النواب كما يسمى رسميا كان طرفا في الأزمة, ففي الوقت الذي طلب فيه النواب الصدريين إدراج أوضاع البصرة ضمن جدول أعمال المجلس فأن التصويت جاء لصالحه ب(32) صوت فقط! لتنكشف حقيقة أن هذا المجلس ليس سوى تعبيرا عن أرادة الاحتلالين الأمريكي والإيراني للعراق, و إن حقن دم العراقيين بالنسبة له يشبه جرع كأس من السم! والغريب أنه بعد مرور يوم واحد يصحو ضمير المجلس ليوافق على تشكيل لجنة لدراسة الموقف ووقف القتال بغياب النواب الصدريين الذين علقوا اجتماعاتهم.

وفي الوقت الذي حصر الدستور المسخ إعلان حالة الطوارئ بمجلس النواب فأن المالكي أعلنها دون الرجوع إلى المجلس وهذا يشكل انتهاكا صارخا للدستور, ولم يعترض رئيس المجلس عليه بل الأدهى أنه طل علينا ببلاهته المعهودة ليعلن تأييده للماللكي الذي أختلس صلاحيات مجلسه على مرأى الجميع, مشبها العملية العسكرية" بهجوم على انتفاضة الخارجين عن القانون ضد خطة فرض القانون" ومتهما كعادته وسائل الأعلام بالصيد في الماء العكر؟ ولم يحدد الجهة المقصودة فيما إذا كانت الأعلام الحكومي التابع للاحتلال أم الإعلام المناهض للاحتلال؟ وكي يوضح للناس مدى سعة عقله وارجحية تحليلاته وإدراكه وبصيرته الثاقبة ومعرفته ببواطن السياسة ودهاليزها فأنه نفى أن تكون هناك علاقة بين هذه العمليات المسلحة وانتخابات المجالس المحلية! ولم يعلمنا المشهداني فيما إذا كانت التظاهرات السلمية والعصيان المدني حق للمواطن أم لا ؟ كما جاء في الدستور.

وبطريقة فتاحي الفأل ينتهي في كلامه إلى الحكمة التالية بأن" الخارجون على القانون فقط من يجب أن يخشوا على أنفسهم وليس الممارسين للعمل السياسي". ولا شك أن هناك رغبة عند البعض منا بأيقاظ أرسطو أو أفلاطون من غفوتهم الأبدية ليفكوا لنا رموز وطلاسم علاقة هذه الجملة بالعمليات العسكرية, أو أن نقنع أنفسنا بأن الرجل يعاني من أزمة نيابية أو عقلية حادة!

الحوزة العلمية والمراجع انتقلوا بحمد الله إلى المرحلة الثالثة في مسيرتهم العجيبة من الحوزة الصامتة إلى الحوزة العميلة إلى الحوزة العاجزة, أو ربما لم تصلهم التوجيهات بعد من قم والله اعلم.

لا يعنينا الدفاع عن التيار الصدري فله أمكانية الدفاع عن نفسه, وكنا من اشد المنتقدين لمسيرته الماضية, ولا تعنينا حكومة المالكي وصولتها وفيما إذا كانت صادقة بنية محاربة المجرمين أم أنها تصفية حسابات حزبية أو تنفيذ أجندات خارجية! الذي يعنينا حقا هو دماء المواطنين الأبرياء التي سالت نتيجة هذه الأحداث ومن هي الجهة التي تتحملها أمام الله وأمام العراقيين؟

 

Alialkash2005@hotmail.com

 

 

 

شبكة المنصور

                                           الاربعاء  /  26  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  02 / نيســـــــان / 2008 م