بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

مؤتمر مصالحة أم مناطحة

 

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

رغم أن حكومة المالكي تتميز بإخفاقات مستمرة وجديرة بالاهتمام على طول الخط تحدث عنا الكثير من الكتاب العراقيين والعرب والأجانب بما فيهم قياديين في قوات الاحتلال, لكن هناك أخفاقات تحولت إلى نوع من النوادر التي يتحدث بها العراقيون في مجالسهم الخاصة والعامة ومنها الفساد المالي والإداري المتفشي كالسرطان في حكومة المالكي والخطط الأمنية التي نسمع بها دون أن نتحسسها فعليا والأمر الآخر مؤتمرات المصالحة الوطنية التي لا تقل فشلا عن الخطط الأمنية, رغم قناعتنا بأن المصالحة الوطنية هي البلسم الذي من شأنه أن يعالج الجروح الموغلة في العمق في عراقنا الحبيب, ومع اعترافنا بأنه لا يمكن إجراء مثل هذه المصالحة تحت خيمة الاحتلال, لأنه بكل بساطة يفهمها كل إنسان بسيط بأن هذه المصالحة تتعارض مع القاعدة الاستعمارية" فرق تسد" والتي جسدها ملعون الذكر بول بريمر عن طريق المحاصصة الطائفية ومازالت حكومة المالكي والجهات المنضوية تحت حكومته الفاشلة ملتزمة بها نصا وروحا لأنها تحقق مزايا ومكاسب لها. وربما ينفعنا أن نستذكر مقولة رئيس وكالة المخابرات الأمريكية مايكل هايدن الشهيرة" من الأفضل ترك المتصارعين- السنة والشيعة- يتقاتلون فيما بينهم إلى حد الإنهاك".

ليس لدينا اعتراض على المصالحة الوطنية عندما تنطلق من منظور المصلحة العامة وتهدف إلى تحقيق السؤدد والانسجام بين شرائح المجتمع العراقي, رغم علمنا أن المصالحة قبل أن تكون وطنية أي توفيق بين أطياف الشعب العراقي يفترض أن تجري بين الفرقاء السياسيين الذي مازالوا يتخندقون في المنطقة الخضراء ويتنقلون بين الحفر خشية الظهور أمام شعبهم الذي انتخبهم بشفافية عالية ونزاهة انتخابية كما يزعمون, وكان التشرذم في المواقف المتباينة في مؤتمر البرلمانيين العرب هو دليل على سعة الهوة بين الكتل السياسية العراقية المختلفة في كل شيء اللهم ماعدا الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم فهم متفقون كليا على هذا الأمر!

المصالحة الوطنية هي اعتراف بوجود صدع أو شرخ في العلاقات بين الفئات المتصارعة, وهذا الاعتراف يستوجب تحديد نقاط الصدع وأسبابها ومن يقف ورائها, من ثم مواجهة الطرف الذي يتحمل وزر هذا الصدع بمسئوليته وتحديد الطرف الذي وقع عليه الغبن, من ثم التفكير الجدي في كيفية ترميم هذا الصدع بما يرضي الطرفين, على افتراض وجود النوايا الصادقة لدي كل الأطراف بالوصول إلى مرفأ الأمان, وبدون هذه النوايا المخلصة و تهيئة الأرضية المشتركة والإرادة الموحدة فأن بوصلة النقاشات ستقرأ بيانات مشوهة من شانها أن تزيد الطين بله. وستضيع دعوة الحكومة للمصالحة الوطنية مثل (.... في سوق الصفافير) كما يقول المثل البغدادي المشهور.

المصالحة الوطنية تستوجب أن تكون كفتي الميزان متعادلتين, لأن ترجيح أية كفه على الأخرى من شأنه أن يعيدنا إلى نقطة الصفر, وهذا يعني عبث المحاولة وإضاعة الوقت والضحك على الذقون, وهذا ما انتهت إليه مؤتمرات المصالحة الوطنية السابقة.

المصالحة الوطنية الجديدة كشفت مدى الانحراف المغناطيسي الفرقاء السياسيين عن القطب الوطني, فمع بداية افتتاح المؤتمر بدأت الاختلافات تطفو إلى السطح, فجبهة التوافق العراقية رفضت الحضور إلى المؤتمر زاعمة أن الدعوة كانت شخصية وليست رسمية إلى الجبهة, وكأنها تهمش لأول مرة أو أنها صحت هذه المرة من غفوتها متسائلة عن أسباب عدم تطبيق قرارات الاجتماعات السابقة؟

التيار الصدري بحركة مسرحية حضر إلى المؤتمر وأنسحب بحجة انه مع المصالحة الوطنية لكن لمؤتمر لم يخرج عن كونه دعاية حكومية, وكان بإمكانه أن يجير رفضه مؤتمر المصالحة الذي عقد العام الماضي لصالحه مبررا رفض الحكومة وضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال هو السبب في رفض المشاركة, هيئة علماء المسلمين اعتبرت المؤتمر محكوم عليه بالفشل لأنه يتم بين أصحاب مصالح سياسية وشركاء للاحتلال, وبينت أن الهيئة لم تستلم دعوة للمشاركة, وحتى لو وجهت لها فأن سترفض المشاركة في هكذا مؤتمرات زائفة تجري تحت راية الاحتلال.

كما رفضت الأمانة العامة للتيار العربي في العراق( ائتلاف من 18 حركة وحزب) المشاركة في المؤتمر المذكور لأنه يخدم مصالح دعائية وهي تتغاضى عن واقع الاحتلال واسترداد السيادة الوطنية, واتهمت منظمي المؤتمر بأنهم يقفون وراء استمرار الفرقة والتناحر لتمرير برامجها الذاتية والنفعية المتقاطعة مع الهاجس الحقيقي للشعب العراقي.

كما قاطع المؤتمر عدد كبير من التجمعات السياسية العراقية داخل وخارج العراق إضافة إلى عدد من الشخصيات المعروفة على الصعيد الوطني, وفي الوقت الذي وجهت الدعوة إلى(700) شخصية فأن عدد الحضور لم يتجاوز (300) شخصية معظمهم من المشاركين في العملية السياسية والمستفيدين منها. بلا شك أن الانطباع الأولي الذي يستخلص من عدم مشاركة الأحزاب السنية والعلمانية والتيارين العربي و الصدري يعني فشل المؤتمر مهما حاولت الأبواق الحكومية أن تطبل للمؤتمر.

إن غياب نصف من وجهت إليهم الدعوة هو تعبير صارخ لرفض سياسات حكومة المالكي وفضح الأساليب الملتوية التي تنتهجها حكومة المالكي للالتفاف على الحقائق, رغم أدعائه بأنه ما يزال متمسكا بقرار المصالحة ولن يتنازل عنه!

هناك مثل صيني يصلح أن يهتدي به المالكي وهو" بدلا من أن تلعن الظلام أشعل شمعة" وإشعالها يكون عن طريق وجود النوايا الصادقة لإضاءة الطريق والخروج من العتمة السياسية التي تتخبط فيها حكومته, عندما يعمل المالكي وفق منظور" تريد أرنب هاك أرنب, تريد غزال هاك أرنب" مع بقية الأحزاب والحركات السياسية المغيبة أو المهمشة على الساحة السياسية فأن دعواه ستكون اقرب لدعوة ساحر هندي يرقص الأفاعي منه إلى رئيس حكومة يبغي جمع الآخرين في سلة وطنية واحدة. سيما تلك القوى المناهضة لسياسته وتلك التي لها صوت مسموع وقاعدة شعبية في الشارع العراقي. لإعطائها الفرصة المناسبة للتعبير عن وجهة نظرها, أما أن تغيب صور البعض المخالف وتلمع صور البعض المتآلف فأن المسألة ستكون أشبه باجتماع مع الخلان وليس مؤتمر مصالحة وطنية.

نقولها بصراحة للمالكي بأن يحترم شعبه ويصون كرامته, كما أن ألاعيبه أمست معروفة لجميع العراقيين وأن الضغط الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على حكومته لتحقيق المصالحة الوطنية هو السبب الحقيقي وراء هذا المؤتمر وليس المصلحة الوطنية والرغبة بتفعيل مشاركة بقية الأحزاب المغيبة أو المهمشة, وربما نسي المالكي أو تناسى تحذير وزير الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس والذي نشرته صحيفة الواشنطون بوست في الثالث عشر من شهر ت2 العام الماضي بقولها" إنكم جميعا تتدلون على أعمدة النور إذا لم تعملوا سوية" فنحن والحمد لله لم ننسى بعد ونشحذ ذاكرتنا باستمرار, وبدورنا نذكره عسى أن تنفع الذكرى.

 

Alialkash2005@hotmail.com

 

 

 

شبكة المنصور

                                         الخميس  /  13  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  20 / أذار / 2008 م