بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الاستعلاء الإيماني والفعل الجهادي

 

 

 

 

شبكة المنصور

د. محمود الشــــــــــــيباني

 

الجهاد ضرورة من ضرورات المبادئ الأساسية المعبرة عن الإيمان الصادق , المتحرر من شتى الضغوط النفسية , والعسكرية , والاقتصادية , والاجتماعية ..  التي فرضها المنطق الاستعماري المتغطرس .ووفق هذه النظرة فلا بد للإيمان  من  ان يدافع عن وجوده , ولا بد من ان يخوض معركة مفروضة عليه , من طراز المعركة التي نخوضها , لندفع عن الإنسانية الظلم , وان نبدأ بأنفسنا في دفع الظلم عنا .

وليس هنالك ظلم على وجه المعمورة أشنع من الظلم الذي وقع على قطرنا الحبيب المؤمن المجاهد من أميركا والصهيونية العالمية , وتحالفهما غير المعلن مع الطغمة الصفوية الحاقدة الحاكمة في إيران , وأذنابها والذي يجب مجاهدته في كل ميدان , وبكل وسيلة نمتلكها (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم )) (( وجاهدوا في الله حق جهاده )) (( وانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم )) ورسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) يقول  (( اعلموا ان الجنة تحت ظلال السيوف )) .

ان أهم ما يميز ملحمتنا الجهادية إنها استعلت بالإيمان على منطق الكفر , وهي متيقنة ان من بين أهم أهداف العدوان والاحتلال , هو النيل من روح ومرتكزات الإيمان في قلوبنا  , وهي تدرك ضعف قوتها المادية . وفقر ما لها , ولكنها لم تتهاوى أمام قوى الطاغوت , والاستكبار العالمي , الذي يمتلك  كل وسائل القوة المادية الهائلة , واستوعبت عنف الضربات العدوانية التي ما كان لقوى عظمى ان تتحملها , وتصمد في وجهها , لشدة قوتها وشراستها , وحولت ذلك الى فعل تاريخي حضاري , وقدمت أنموذجا فريدا للعرب والمسلمين والإنسانية بان قوة الإيمان  لايمكن قهرها , وإنها قادرة على فعل التحدي بوجه اعتى القوى الظالمة , مهما علت التضحيات , وعظمت الخسائر , لان قوة الاستعلاء الإيمانية لم تكن مجرد فورة آنية , ولا حماسة فائرة . إنما هي الاستعلاء القائم على منطق الحق الثابت الموصلة بالله الخالق عزوجل , السند الأعظم والأقوى والأثبت , فيكون المؤمن هو الأعلى سندا وقوة من القوى الباغية , الحائدة عن منهج الإيمان , وهي الأعلى ضميرا وشعورا وخلقا وسلوكا ونظاما .

ان المؤمنين حيث كانوا هم أصحاب ميراث ضخم , هو مزيج من الابتلاء والعافية , من الكفاح والنصر , ومن الضراء والسراء , ولكن العاقبة معروفة (( لتبلون في أموالكم وأنفسكم وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور )) (( ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقران , ومن أوفى بعده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به , ذلك هو الفوز العظيم )) ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول ( والذي نفسي بيده لولا ان رجالا من المؤمنين لاتطيب أنفسهم ان يتخلفوا عني ولا أجد ما احملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله , والذي في نفسي بيده لوددت إني اقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم اقتل ثم أحيا ثم اقتل ثم أحيا ثم اقتل ))

ان مجاهدينا الأبطال الشجعان لايقتصرون في جهادهم على مقاتلة الكفرة المشركين المحتلين وأذنابهم فحسب بل هم يجاهدون أنفسهم أيضا من الأهواء والمغريات , أو كما سماها رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) بالجهاد الأكبر  بقوله (( جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعدائكم )) , ومجاهدة النفس عند الغضب الشديد , والألم المرير , حتى لايتورطون في ماثم , أو يقعون في معصية , يريدون مرضاة الله عزوجل , كما ان علاجهم للفقر الذي يصيبهم , والعوز الذي يعتريهم , والحاجة التي تطرأ عليهم , هي لون من ألوان الجهاد , يصونون به وجههم عن السؤال , وكرامتهم عن الابتذال , ونفسهم عن المذلة , وأدميتهم عن السقوط , وإنسانيتهم عن الهوان , وتحملهم المشاق في سبيل الله , أو علم يحصلونه أو عرض يصونونه أو مال يحفظونه , هو جهاد مشكور , يدعوهم الاسلام الى فعله .

وبذلك فأي عمل يعمله المجاهد فيه نفع للفرد , أو الأمة , يبذل فيه جهد المخلص , وطاقة الناصح , وبراعة الحاذق , وكفاية العالم , جهاد فيه تمكين الدين , وقوة الأمة والوطن , ونهوض الشعب , وعلى هذا فان قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) (( ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه))   ينير لنا الطريق الى الجهاد .

ان العزة والنصر الحقيقيين لابد لهما من ضريبة يؤديها الأفراد وتؤديها الجماعة وتؤديها الشعوب , فالتضحيات مهر لحصاد , لان الخسارة هي الحالة الضائعة . أما الحالة التي تزرع معانيها في التاريخ , وداخل نفس الإنسان , وعلى مستوى الأمة ككل , فلا يمكن ان تكون خسارة , انه معنى كبير جدا هذا الذي سيربحه المجاهدون , حيث الاستعلاء بالإيمان مع ضعف القوة المادية وقلة العدد وفقر العدد وفقر المال الذي لايتهاوى أمام اعتى قوى البغي في التاريخ , ثم كان وعد الله للمؤمنين المجاهدين في سبيله جزاء على الأيمان والطاعة والصبر على الابتلاء , والانتصار على منطق الكفر والطغيان بطمأنينة القلب , الذين يأبون ان يذلوا أو يحزنوا أو يبيعوا دينهم ووطنهم ومبادئهم ورجولتهم , وقد عاش من عاش منهم عزيزا كريما , ومات من مات منهم كريما عزيزا على الله والناس (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه , ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )) , التي تكشف كل يوم عن طاقات روحية بطولية مبدعة , عن روح وطنية وقومية إيمانية , تكمن وراء المعطيات الرقمية الرائعة لفعل المجاهدين ضد أعدائهم روح جهادية يغذيها باستمرار إيمان عميق مشبع بروح رسالة الأمة وحتمية انتصارها , مهما غلت التضحيات , ومهما طال الزمن . لأنها في جوهرها هي معركة الإيمان كله ضد الكفرة كله , معركة بين المؤمنين وأعدائهم , والنصر الحقيقي هو انتصار الروح على القيم المادية المجردة , وانتصار الإيمان على منطق الكفر  , وانتصار العقيدة على الألم والخوف , وانتصار الحق على الباطل , فالإيمان هو القوة التي لايغلبها شيء في الأرض متى استقرت في وجداننا , (( وليمحص الله الذين امنوا ويمحق الكافرين )) (( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا )) وما النصر إلا من عند الله , وان نصره لقريب بأذنه ومشيئته . فالله ناصر المؤمنين المجاهدين في سبيله .

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                           السبت  /  08  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  15 / أذار / 2008 م