الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

عرض كتاب
قبل أن يغادرنا التاريخ
للفريق الركن رعد مجيد الحمداني
قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الثاني (الفتح المبين)
(17)

 

 

شبكة المنصور

د. صباح محمد سعيد الراوي / كييف – أوكرانيا

 

في يوم الثلاثين من حزيران 2002 التقى الشهيد صدام بقادة فيالق وفرق الحرس الجمهوري، وحضر اللقاء نجله الشهيد قصي، ورئيس اركان الحرس الفريق سيف الدين الراوي، والامين العام الفريق كمال مصطفى عبد الله، وعبد الحميد حمود سكرتير الشهيد... فك الله اسره مع  اخوانه.... اراد الشهيد ان يستمع من القادة عن استعداداتهم لاحتمالات حرب قد تقع مع أمريكا....  

يوم 21/8/2002 زارني الشهيد قصي بوقت مبكر، في مقري جنوب بغداد بحوالي 50 كم، وبعد تبادل التحية طلب الاجتماع بي على انفراد... أخبرني انه اجابتي بصراحة على بعض الاسئلة... سألني أولا: هل الحرب مع أمريكا أمر محتمل؟ فأجبت بلا شك إنها أمر واقع وقريب بالرغم من انني بعيد عن دوائر المعلومات اللازمة لمعرفة ذلك.... ثم سألني: ما هو توقعك كنسبة عامة للذين سيصمدون من قوات الحرس الجمهوري في الحرب القادمة حتى نهايتها؟ فأجبت اذا حافظنا على استراتيجيتنا هذه، وقد اثبتت فشلها في حرب 1991 بالرغم من ان قدراتنا آنذاك كانت أضعاف قوتنا اليوم، ستصاب قواتنا بالهلع لشدة التدمير المتوقع بفعل الضربات الجوية والصاروخية المعادية... أفضل نسبة توقعها هي صمود 50% من الضباط و25% من الجنود... وإذا اعتمدنا حرب العصابات اتوقع نسبة الصامدين ستكون معقولة ومؤثرة... وكان السؤال الثالث: ما مدة الحرب المتوقعة حسب تقديرك ؟ اجبته ستكون قصيرة تتراوح ما بين 6 – 8 اسابيع لشدة التدمير وفقدان الحركة لقواتنا.... واذا عدلنا الاستراتيجية فإن الحرب قد تطول لفترة تتراوح ما بين 6 – 8 أشهر.. فرد علي مباشرة: وما الفائدة إذن وأنت ترى النتيجة ذاتها، أي خسارتنا للحرب؟؟ فأجبت: الفرق في ذلك ان استمرار الحرب لمدة طويلة يجعلها من الناحية السياسية والمعنوية متعذرة على الجانب الامريكي، وبالتأكيد إن تصاعد أرقام خسائرهم بالارواح يؤثر على الرأي العام لديهم... 

لي تعليق حول موضوع الخسائر في صفوف العلوج الامريكيين.... والرأي العام الامريكي...... قرأت مرة أن الرئيس الراحل حافظ الاسد، قال لرئيس امريكي سابق ما معناه أننا نحن العرب إذا راح منا عشرة آلاف شهيد في معركة ما دفاعا عن قضيتنا وعن بلدنا، فإن رئيس الدولة التي راح منها الشهداء سيصبح بطلا بنظر شعبه، أما أنتم..... فإذا سقط منكم عشرة آلاف قتيل، فشعبكم سوف يسقط رئيسه أو يغتاله ((من كتاب حافظ الاسد والصراع على الشرق الاوسط لـ باترك سيل))...... يا ترى ما هي شعبية بوش بنظر الأمريكيين بعد الخسائر المروعة في أرواح الجنود الامريكيين في العراق على أيدي المقاومة البطولية العظيمة؟؟؟ 

نعود للموضوع.... 

أين تكمن محنة الاستراتيجية العليا العراقية في عدوان عام 2003؟ ( ص 308) 

-         الاستراتيجية العراقية كانت في وضع غير قادر على تجنب الحرب، بالرغم من عدم وجود مسوغ قانوني لأمريكا بشنها، رأت القيادة أنه من الانسب الذهاب للحرب بشجاعة إذا كان ذلك قدرها... ((بالواقع هو عدوان مفروض.....)). 

-         حرية محدودة في العمل السياسي نتيجة الضغوط السياسية الهائلة التي مارستها أمريكا في المحيطين الاقليمي والدولي.. ((لاتنسوا أن بعض الاذناب والمستعربين الراكعين عند أقدام رايس، بدأو بإبعاد السفراء والدبلوماسيين العراقيين قبل وقوع العدوان بدون أي سبب قبل وقوع العدوان تنفيذا لأومرا سيدتهم رايس))... 

-         أفصحت أمريكا عن هدفها من العدوان بإسقاط النظام السياسي في العراق.. 

-         ((مع التحفظ طبعا.... نورد هذه الفقرة..... وهي على الاكيد منسوخة، ولا اعتقد انه كان يجب على الفريق ادراجها... لكن أوردتها حتى لايقال إنها مصادرة للرأي الآخر... هذا إذا كانت هي فعلا رأي الفريق من جهة... ومن جهة ثانية، إن إدراجها يأتي اثباتا على عدم صحتها حاليا في أيامنا هذه....... وهي تزعم: بأن الولاء السياسي الحقيقي للقيادة العراقية على المستوى العام للشعب والجيش تدنى بشكل حاد... ما يؤكد هبوط احتمالية القتال الجدي للقوات المسلحة والحزب!!!!! رغم أن نتائج آخر استفتاء حول رئاسة الشهيد كانت بنسبة مائة بالمائة!!! (( التعليق حين انتهاء الكتاب....))..... 

إندلاع العدوان 

كانت المراكز الرئيسية للعدو تقع في: مشيخة قطر، الارض المسلوخة من البصرة، مشيخة البحرين، عدا عن مراكز أخرى في دول أخرى محيطة بالعراق... ((المشهور أقوى من المذكور)).... وبلغ مجموع الطائرات التي استعدت للعدوان 994 طائرة... ترافقها 154 قطعة بحرية... 

في الساعة الخامسة والنصف صباح يوم 20/3/2003 شنت طائرات شبح غارة على مزرعة "ابنة الاكرمين، وسليلة عائلة المجد العراقي العربي الاصيل رغد" في منطقة الدورة... فقد كانت ادارة الشر الامريكية تظن انه هدف الفرصة الذهبية... ثم اتبعت ذلك بموجة من الصواريخ الجوالة ضد اهداف في بغداد... وكان الشهيد يتواجد في أحد المنازل المتواضعة في حي التشريع قرب القصر الجمهوري رقم واحد...ثم ظهر بعد حوالي الساعتين يذيع خطابه المشهور ((الذي تخلله قصيدة أطلق لها السيف...))... ثم في نفس التوقيت بدأت العمليات البرية من قبل الجيش البريطاني بهجوم مباشر على ام قصر ((التي سرق نصفها شيوخ ال الانبطاح عقب توقف عدوان عام 1991... اللص يبقى دائما لص مهما تبرقع... وهؤلاء قوم لصوص))... وكان يدافع عنها لواء المشاة 45... وكانت معركة ام قصر من أطول المعارك حيث استمرت سبعة عشر يوما... كانت المقاومة العنيدة الشرسة التي أبداها هذا اللواء العراقي البطل خارج تصور كلا الطرفين البريطاني والامريكي ((حبذا لو ذكر لنا الفريق رعد اسم قائد هذا اللواء كي نحفره في ذاكرتنا...)).... في الوقت الذي اندفعت فيه طلائع القوات المدرعة الامريكية بدخول الصحراء العراقية جنوب غرب البصرة بتشكيلات جحافل معركة من الدبابات وعناصر الاستطلاع ((الجواسيس)).... هذا في الوقت الذي كانت فيه الطائرات تقوم بقصف سلسلة من الاهداف الثابتة في عموم العراق... وكانت الليلة التالية ليلة الرعب حيث ملأت سماء بغداد الف صاروخ وخمسمائة وخمسون مقذوفة موجهة بالليزر أطلقتها قوات العدوان الامريكية على معظم مباني الوزارات والدوائر الحكومية والمواقع الرئاسية والجسور... 

كان صمود اللواء 45 مشاة في أم قصر مدعاة لزعزعة الثقة بالقوات الغازية المعتدية، وظهر ذلك جليا في وسائل الاعلام الغربية والامريكية، كذلك أبدت مدينة الزبير مقاومة شديدة.... ما أخر الاحتلال البريطاني لها (( المقاومة من قطعات الفيلق الثالث... الفرقة المدرعة السادسة والفرقة الالية 51)) وهو ما أثر ايضا على سرعة تقدم القوات الامريكية على محور الفرات....  

في الساعات الـ 72 الأولى لبدء العدوان كانت القوات الامريكية قد حققت التماس مع بعض القوات العراقية المدافعة عن الناصرية ((الفرقة الحادية عشرة وفرقة جيش القدس))... ومعلوم أن نهر الفرات يشطر تلك المدينة الى نصفين... وكانت القيادة التي تدير المعارك هناك متمثلة بأحد أعضاء القيادة السياسية وهو عادل الدوري يعاونه الفريق الركن رعد عبد المجيد التكريتي... كانت القوات الامريكية تنوي تطويق هذه المدينة من اتجاهين: جنوبي مفرق سوق الشيوخ وآخر شمالي... لكن في الجنوب واجهت مقاومة اسطورية شديدة وقعت فيها خسائر أمريكية من قتلى وجرحى ما أحدثت صدمة قوية على الشعب الامريكي حين تم عرض الاسرى... وعرض التلفزيون العراقي صورا لتلك الخسائر البشرية العلوجية.... حينها جن جنون أمريكا لهذا الذي حصل... ورغم عشرات الصواريخ والقذائف والمقذوفات التي كانت تسقط على العراق في كل مكان، إلا أن معنويات الشعب العراقي كانت عالية جدا، وهذا ما أغاظ الامريكان وزاد من جنونهم أكثر.... 

في شمال مدينة الناصرية استطاعت القوات الامريكية العبور مع بعض الخنازير القادمين من دولة السموم الصفراء الكسروية، وهم عناصر فيلق الغدر التابعين لابن العقور الزنيم... واندفعت القوات على محور الغراف (نهر يتفرع من دجلة، الكوت الى نهر الفرات شمال الناصرية).... اندفع لواء امريكي مسنود بطائرات مقاتلة ومروحيات الاباتشي خارج الطريق العام محققا نجاحا من الشطرة الفجر الرفاعي قلعة سكر الحي (50 كم جنوب الكوت)... فكان أن عزل القاطع الجنوبي ((كان فيه الفيلق الرابع بقيادة البطل حكمت ناظم))..... في ذات الوقت كان المحتل البريطاني قد دنس بواسطة خنازيره مدينة الزبير ... وكذلك دنسوا مطار البصرة الدولي... وكانت قوة بريطانية أخرى قد اندفعت من ميناء الفاو الى ابوالخصيب لتحقق التماس بقطعات القوة البحرية المدافعة.... 

ثم استطاعت القوات الامريكية تخطي السماوة بعد السيطرة على مداخلها ومخارجها... ورغم انه لم يكن فيها قوات جيش وانما جيش القدس وبعض التنظيمات المسلحة الحزبية، إلا أن الرتل المندفع باتجاه الديوانية حين دنسها... كانوا شديد الحذر خوفا من وجود مقاومة تسحقه... أما في الجانب الغربي فقد حقق الجيش الامريكي بعض التماس بالقوات المدافعة عن النجف... وبسرعة علية دنست القوات الامريكية المحمولة جوا المدينة... فوقفت الجماهير العراقية بوجههم سلميا قرب مرقد الامام علي... فاضطروا للخروج منها، وكان الذي يقود معركة الدفاع عنها الفريق الركن صلاح عبود الذي طلب في هذا الموقف الصعب اسنادا ناريا من قوات الحرس الجمهوري، فخصصت له عددا من مدافع فرقة المدينة المنورة ذات المدى البعيد... 

قبل نهاية الاسبوع الاول كان الامريكيون قد استطاعوا الوصول إلى جسر الكفل الاستراتيجي وبعدها دنسوا مدينة ذو الكفل (فيها قبر النبي ذو الكفل، وهو أحد أنبيا بني اسرائيل خلال السبي البابلي)... وفي ذلك الوقت قال قائد الفرقة الامريكية المحمولة جوا: لقد وصلنا إلى حدود إسرائيل الشرقية!!!! وكان هذا الجسر مهيئا للتخريب، لكن نتيجة بعض الاخطاء لم ينسف الجسر... ورافق ذلك ليلة 26/3 انزال اللواء 173 من الفرقة الامريكية المحمولة جوا في المنطقة الكردية شمال العراق.... أما من الاتجاه الغربي للعراق قامت قوة من الفرقة 82 المحمولة جوا بالانزال على سد حديثة الكائن شمال الرمادي بـ 140 كم... وقد سبقتها مجاميع قوات خاصة عراقية ((خونة ساقطين))... بقيادة ضابط عراقي سابق يدعى محمد عبد الله الشهواني كانت قد توغلت عميقا بالهليوكبتر نحو مواقع مفترضة لاطلاق صواريخ ارض ارض في الاسبوع الاول من شهر شباط... واندفعت مجموعات منها بواسطة عجلات عسكرية محورة للعمل في الصحراء لمدة طويلة الى منطقة جنوب بحيرة الحبانية تدعى قناة المجرة... وهذه القناة تنقل المياه الى بحيرة الرزازة جنوبا نحو كربلاء... في هذا الوقت افتتح عدد من الخونة الساقطين الهاربين إلى الغرب بقيادة سليم شاكر الامام مقرا لادارة العمليات في منطقة الكيلو 160 على الطريق الموصل ما بين الانبار والحدود الغربية للعراق... 

قبل نهاية الاسبوع الاول من الحرب انفتح فيلق الفتح المبين كما يلي: 

-         فرقة المدينة المنورة تدافع على خط الصويرة، مفرق الطريق السريع مع طريق المسيب المحاويل، المسيب كربلاء.-          

-         فرقة بغداد تدافع عن قاطع الكوت.. دفعت باللواء الرابع منها اضافة الى سرية مقاومة دروع من الفيلق الى قاطع النعمانية الشوملي... 

-         فرقة النداء لا تبدل (قاطع جنوب وشرق بغداد وبعقوبة) 

-         فرقة معهد التدريب (قاطع شرق الصويرة) 

-         فرقة نبوخذ نصر (وصلت من الفيلق الاول) تدافع في قاطع الحلة 90 كم جنوب بغداد من ناحية الامام القاسم – مفرق الطريق السريع، ديوانية/ بغداد وفي الهاشمية والحلة الى الهندية لستر المقترب الوسطي لبغداد. 

-         كتيبة استطلاع الفيلق ناقص سرية الاستطلاع العميق والفوج الثاني من اللواء العاشر المدرع لحراسة الجسر الاستراتيجي غرب اليوسفية جرف الصخر، وكان الجسر مهيئا للتخريب حيث سلمت آمر الكتيبة أمرا بنسفه حال الاحساس باقتراب العدو. 

-         سرية الاستطلاع العميق على خط النفط الاستراتيجي ما بين كربلاء والنجف، يساندها بطارية بعيدة المدى. 

-         لواء القوات الخاصة ناقص فوج في جنوب بغداد (فوج منه يقوم بأعمال دوريات القتال في قاطع الديوانية عفك، وبإسناد مدفعية بعيدة المدى من الفيلق). 

جرى هذا الانفتاح لقواتنا منذ منتصف شهر شباط قبل الحرب بإلحاح شديد مني بعدما اتضح جليا اتجاه التعرض المعادي المحتمل من اتجاه الجنوب (( اي من اتجاه الارض المسلوخة من مدينة البصرة))... وقد نفذت قواتنا جدولا طويلا من الاجراءات الدافعية منها سبعة الاف موضع قتال للدروع وللمدفعية والعجلات الكبيرة، واكثر من الفين موضع عجلات مختلفة، و1864 كدس مواد تموين قتال من الاعتدة المختلفة، حيث جرى تفريغ المستودعات الرئيسية خشية تدميرها... وجرى توزيعها على التشكيلات القتالية وأكثر من اربعين الف موضع قتالي مزدوج للاشخاص مع كافة اجراءات التمويه الميداني... وغيرها من الاعمال الميدانية مثل اعداد مقرات ومواقع سيطرة واخلاء وتصليح وغير ذلك... 

معركة الكفل...(( ص 320))... 

يوم السادس والعشرين من آذار (صادف العاصفة الترابية الشهيرة التي لم يشهد العراق مثلها منذ خمسون عاما) ارسل الشهيد قصي صدام بطلبي، وكان ينتظرني مرافقه الاقدم المقدم علي حسين رشيد بالملابس المدنية... فالتقيت به في دار تقع في طرف حي المنصور ببداية شارع 14 رمضان... وبعد التحية والسلام وقفنا بجانب خريطة معلقة على الحائط.. وكان كل شيء يهتز في القاعة لشدة القصف الجوي والصاروخي على اهداف قريبة... وطلب مني معالجة الموقف في قضاء الكفل بعد أن دنسه العدو حين عبر على الجسر دون تفجيره... كما طلب مني عدم الدخول بمعركة حاسمة حفاظا على قدرات الحرس الجمهوري لأجل معركة بغداد... أطلتعته على ما قمت به من دفع عدد من الوحدات والدوريات القتالية وتحرك عدد من الوحدات خارج قيود المقر الاعلى للضرورات الميدانية... فأيدني بما قمت به... كذلك طلبت كسبق للنظر وكي لا يتكرر موضوع جسر الكفل مع جسر جرف الصخر لاهميته ضرورة نفسه مبكرا.... ثم اتصلت من مكتب الشهيد قصي برئيس أركان فيلقي اللواء الركن فائق عبد الله وطلبت منه إنذار قوة واحب من لواء القوات الخاصة، وأن تتحشد هذه القوة في قضاء المحاويل (شمال الكفل بـ 28 كم) وطلب أن يكون آمر اللواء وآمر الفوج المظلي المقدم الركن جيحان بانتظاري في نفس المكان... كذلك طلبت من آمر مدفعية الفيلق واستغلالا لظروف العاصفة الترابية الشديدة دفع عدد من بطاريات المدفعية من فرقة المدينة المنورة ومدفعية الفيلق لاسناد العملية.... 

في الوقت والمكان المتفق عليه، التقيت بالمعنيين... بعد جهد جهيد وبسبب العاصفة الترابية عثرت على المقر السري لقيادة المنطقة في مدرسة للبنات تجنبا للغارات الجوية... وكان على رأس هذه القيادة محمود غريب مع محافظ بابل وعدد من المسؤولين الحزبيين والمستشار العسكري اللواء الركن جواد كاظم... ثم عثرنا على قائد فرقة جيش القدس التي كانت تدافع في معركة الكفل.... ثم توقفنا بإحدى الثكنات العسكرية شمال الكفل حيث التقيت باللواء الركن مؤيد الهادي وهو من سكان المنطقة.... فشرح لي تفاصيل عن الموقف وطبيعة الارض وقدم لنا النصائح..... 

اضطررنا إلى تأجيل الغارة إلى فجر اليوم التالي، وكانت العاصفة الرميلة تزداد عنفا... وكان سوء الرؤية يصل إلى بضعة أمتار أحيانا ... كنا نضطر أحيانا لاستخدام المصابيح للنظر إلى ساعاتنا لمعرفة الوقت... وبإسناذ ناري كثيف شنت الغارة العنيفة بأسلحة القوات الخاصة الخفيفة والمتوسطة بنجاح كبير وبدأت انفجارات الدروع المصابة واضحة جدا، ثم انسحبت القوة المهاجمة حاملة تسعة جرحى وتركت في أرض المعركة ثلاثة شهداء بعدما تعذر سحب جثثهم لشدة رد الفعل المعادي بالنيران المختلفة... 

استمرار المعارك.... 

كان توجيهي لقادة الفرق أن لايقتصدوا بصرف عتاد المدفعية في أية فرصة تسنح لهم لتكبيد العدو أقصى ما يمكن من الخسائر عن بعد، وإن لم يكن ايقاع تلك الخسائر مضمونا... فأبلت الوحدات بلاء حسنا بقلب القواعد القياسية باستخدام المدفعية بالاعتماد على على أساليب الطواريء كأساس في استخدامنا لهذا السلاح المهم، فمعظم البطاريات في وضع الاختفاء العام... كما كنا نرسل دوريات استطلاع بالملابس المدنية لتحديد الاهداف المعادية، وكان بعض هذه الدوريات يستخدم أجهزة ملاحة صغيرة محمولة نوع (جي بي أس) فيبعث للمقرات الميدانية بالاحداثيات لتلك الاهداف فتنفذها أقرب المدافع من مواقع وقتية وجوالة والمعدة مسبقا... والقياس الثابت بالرمي هو عشر اطلاقات دون الحاجة للتصحيح ثم ترك موضع الرمي على الفور والدخول في أقرب موضع اختفاء لتجنب صيدها بالطائرات.... 

أقول، حين ظهر الاستاذ محمد سعيد الصحاف على قناة ابوظبي، قال ان توجيهات القيادة العسكرية لجميع المقاتلين كانت تقضي باستخدام أسلحة المدافع والبنادق والهاونات والدبابات بدون حساب.... يعني لا تحسب كم صرفت من العتاد.... ودون اقتصاد لمدة ثلاثة أشهر ((ارمي كد ما تكدر)).... لكن بعد مرور ثلاثة أشهر لابد من التقنين حسب توجيهات القيادة... وهذا دليل على كثرة الاسلحة التي كانت متواجدة لدى الجيش العراقي... حتى اننا سنقرأ لاحقا في شهادة الفريق سيف الدين الراوي، أن المقاومة العراقية لديها سلاح يكفيها لمدة خمسون عاما.... 

كان لاستخدام أسلحة الدفاع الجوي باسلوب الكمائن المختلطة في أقصى الامام (الكمين المختلط عبارة عن عجلة مدرعة تحمل سلاحا مضادا عيار 23 ملم مزوج السبطانة تسحب خلفها مدفعا عيار 57 ملم وتحمل على ظهرها مفرزة صواريخ ضد الجو نوع خفيف مثل ستريلا أو أوكلا) أثرا كبيرا على مروحيات العدو... وخاصة الاباتشي، واحدثت صدمة له، فحيدت الكثير منها في تلك الاوقات وفي الاماكن المستورة (البساتين)... وكانت الضفة الشرقية للفرات ومنطقة كربلاء ساحة عمل جيدة لهذه الكمائن... فقد كان لها تأثير واضح حيث خولت آمري الكمائن صلاحيات كاملة للتصرف الذاتي بالكشف والتمييز والمشاغلة للأهداف الجوية دون الرجوع الى عمل منظمة الدفاع الجوي... وكان افضل تأثير لهذا الاسلوب القتالي هو اجبار تشكيل طائرات العدو – الاباتشي - على تغيير اتجاهه وترك ساحة المعركة قرب كربلاء في ليلة 1 – 2 نيسان...... وقد أكد لي آمر احدى الكمائن ان خسائر مؤكدة وقعت في صفوف العدو... 

لقد عولت كثيرا على استخدام القوات الخاصة وكتائب سرايا الاستطلاع وكان رجال القوات الخاصة عند حسن ظني بهم، وشهدت منهم مشاهد لم أرها في الحروب التي شاركت فيها من قبل... وكان لاستخدام اسلحة مقاومة الدروع المسيرة بأساليب جديدة دور مهم أيضا في القتال، ويرجع الفضل في هذا للفريق سيف الدين الراوي الذي طور هذا السلاح وأساليب قتاله....  

كانت فرقة جيش القدس بقيادة اللواء الركن عزيزالحيالي قد فشلت في إيقاف العدو ومنعه من دخول الديوانية، مفرق الطريق السريع، وذلك رغم استبسالها في القتال وتأخير العدو عدة أيام عنها... بعدها أصبح للعدو حرية العمل شرقا للوصول إلى نهر دجلة من اتجاه الشوملي، النعمانية ولتطويق مدينة الكوت من شمالها.... وحين كانت طلائع العدو المدرعة في ذلك المفرق (الديوانية – عفك – الطريق السريع) شنت قوة واجب من لواء القوات الخاصة التابعة للفيلق بقيادة مقدم اللواء العقيد الركن باسم سلسلة من الغارات ونصب الكمائن، وزرع الالغام وبإسناد مدفعي من مدافع مفردة وحسب السياق ومن موارد الفيلق وبقيادة أمر مدفعية الفيلق اللواء الركن أركان ياسين تكبد العدو فيها خسائر في الارواح والآليات المدرعة.... 

كانت فرقة بغداد بقيادة اللواء الركن صالح ابراهيم مهيأة جيدا للدفاع عن الكوت، وعندما احتل العدو مدينة الحي جنوب الكوت بـ 50 كم وناحية الشوملي على اتجاه النعمانية – الكوت، صدر أمر مباشر من المقر الأعلى ليلة التاسع والعشرين من آذار بسحب تلك الفرقة وتبديلها بفرقة المشاة الرابعة والثلاثين بقيادة اللواء الركن البطل عبد الكريم الحميدي – الذي استشهد فيما بعد على أيدي عصابات الغدر المجوسية الخمينية الكسروية الكافرة – وهي فرقة تابعة للفيلق الثاني التي كانت تدافع عن خانقين شمال شرق بغداد بـ 180 كم... حين علمت بهذا الأمر كنت في الهاشمية أتفقد اللواء الثالث والعشرين من فرقة نبوخذ نصر بقيادة العميد الركن محمود الجحيشي... حيث أنجزنا واجب الغارات على مفرق طريق عفك وأجبرنا العدو على الانسحاب إلى منطقة حقول الدواجن... اسرعت بالعودة إلى المقر لأعراف التفاصيل... حيث كان الامر يشير إلى سحب فرقة بغداد للدفاع عن ابوغريب وهذا أمر يعتبر من الاخطاء حيث من غير المعقول انسحاب فرقة تحت تفوق جوي معادي ساحق لمسافة أكثر من 200 كم بدون غطاء جوي، وكذلك تحريك فرقة أخرى لمسافة 300 كم... 

في ليلة الثامن والعشرين من آذار اندفع العدو لمواجهة فرقة نبوخذ نصر في قاطع الحلة وعلى محورين، المحور الاول النجف – الحلفة – والمحور الثاني النجف – الحيدرية قضاء الهندية، اي من الجنوب ومن الغرب، فدات معارك شديدة تم فيها ايقاف العدو على بعد سبعة كيلو مترات جنوب الحلة، ودفع العدو خارج الهندية التي كان يدافع عنها لواء المشاة الثاني والعشرين من الحرس الجهموري، وقد عزز هذا اللواء بفوج من القوات الخاصة (الفوج الثالث) بإمرة المقدم الركن ثائر... وجرة تعزيز الفيلق بفوج قوات خاصة من لواء القوات الخاصة السادس والعشرين العائد لفيلق الله أكبر – حرس جمهوري – وقد تم إعداد سلسلة من الهجمات على شكل غارات بمستويات صغيرة لضرب العدو على طريق النجف، الحلة... بالوقت الذي كانت فيه مدفعية فرقة المدينة تدك ليلا نهارا الطريق الاستراتيجي الموصل ما بين محافظة النجف وكربلاء غرب نهر الفرات.... أما سرية الاستطلاع العميق بقيادة النقيب معد الجحيشي فقد كانت تديم التماس بالعدو الامريكي (الفيلق الخامس) جنوب غرب كربلاء، والتي أفادتني بمعلومات قبل أيام استنجت منها بأن القوات الامريكية كانت قد توقفت غرب النجف لإعادة التنظيم.... 

يتبع.....

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                              الاحد  /  21  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  27 /  نيســـــــان / 2008 م