الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

عرض كتاب
قبل أن يغادرنا التاريخ
للفريق الركن رعد مجيد الحمداني
قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الثاني (الفتح المبين)
(18)

 

 

شبكة المنصور

د. صباح محمد سعيد الراوي / كييف – أوكرانيا

 

ثم يتابع الفريق رعد في الصفحة 326 فيقول:

كانت ليلة 1-2 نيسان محرجة جدا بالرغم من المعنويات العالية لقواتنا التي قاتلت ببسالة، لكن القوة الجوية المعادية أنهكت تلك القوات بسلسلة من القصف الجوي الذي استهدف مقراتها والقطعات ومناطق الادامة وطرقها... فنجح العدو بالتقدم على محور دجلة إلى منطقة مفرق النعمانية قاطعا طريق إدامة الفرقة 34 التي استبدلت فرقة بغداد في قاطع الكوت، الذي بات بدوره محاصرا من الجنوب والجنوب الغربي، ومن شمالها قاطعا الطريق الذي يوصلها ببغداد، والذي تدافع عنه قوات المعهد إضافة الى قوات مقر الفيلق واللواء السادس من فرقة بغداد، واللواء 43 من فرقة النداء...

 قاطع الفرات، نجحت قوات العدو بالاحاظة من الشمال الغربي لمدنية كربلاء ما بينها وجنوب بحيرة الرزازة، مع ضغط شديد على المحور الوسطي، النجف، الحلة والديوانية – ناحية قاسم على الطريق السريع.... وحين لقائي بقائد فرقة المدينة المنورة اللواء الركن رياض حسين في مقره الجوال في اللطيفية وجدته قلقا على وضع قطاعاته في كربلاء... فتدارسنا الموقف... وبما أن كربلاء تمثل عنق الزجاجة ويفترض الدفاع فيها بقوة لا تقل عن فرقة... فتم دفع جحفل اللواء الرابع عشر الالي مع بعض الوحدات المساندة له.... وقبل ليلتين التقيت برئيس أركان الحرس الجمهوري الذي زار قاطع نبوخذ نصر... حيث أكد علي بسحب تلك القطعات غرب نهر الفرات....

فجر اليوم الثاني لشهر نيسان نجح العدو في تطوير هجومه على محور الفرات وبدأ في تطويق كربلاء من الشمال، حيث احتل مفرق الحر – امام عون، أما على محور دجلة فتمكن من تحقيق التماس بموضع العزيزية (70 كم جنوب بغداد)... مع استمرار الضغط على محور الطريق السريع في ناحية الامام القاسم.... في نفس الوقت وصلت فرقة المشاة السادسة عشرة بقيادة اللواء الركن مؤيد الضامن لتصبح بإمرة فيلقي (الفتح المبين) وهي كانت قادمة من الموصل... وقد أطلعت رئيس اركان الحرس الجمهوري على هذا الموقف حين التقيته...

ثم عدت إلى بغداد ومنها إلى كربلاء...... أنزلت مساعدي وكتبت قصاصة ورق الـى زوجتي، التي كانت قدر غادرت منزل العائلة – الذي أصابته أضرار بفعل القصف- الى منزل والدها في شرق بغداد، طلبت منها ومن معها مغادرة المنزل الى مكان آخر بأسرع وقت ممكن، لأن رتل العدو المتقدم على محور دجلة  سيحتلها دون شك خلال الايام القليلة القادمة.... وحين وصولي الى مقر الجماعة الجوالة لقائد فرقة المدينة المنورة على طريق المسيب- كربلاء، وجدته يدير معركة امام عون... وعندما وصلت إلى أرض المعركة، وجدت الفوج الالي من اللواء الرابع عشر الالي قد قدم عددا كبيرا من الشهداء الذين قاتلوا ببسالة وشجاعة، ولم يقصروا ابدا في تلك المعركة، وانهم اتخذوا الاجراءات الصحيحة في تفادي الغارات الجوية... والامر كله يعود الى التقنية العالية التي كان العدو يستخدمها... وكانت اشلاء تسعة وثلاثون شهيدا قد ملأت مواضعهم مع أشلاء عجلاتهم القتالية المدرعة....

اللقاء الاخير بالقيادة والقرار الغريب – ص 328 –

هر يوم الثاني من نيسان، وبينما انا على ظهر بناية حكومية شمال المسيب اراقب اللواء الرابع عشر الالي، جاءني عقيد المخابرة الشجاع جميل ليخبرني بطلب القيادة حضوري فورا الى بغداد... ودعت قائد الفرقة موصيا إياه بالصمود قدر الامكان وواعدا اياه بتعزيز قاطع كربلاء.... كان المرافق الاقدم للشهيد قصي صدام ينتظرني في استعلامات الحرس الجمهوري الكائنة في إحدى الدور السكنية خلف منزلي، فأقلني الى المقر السري الكائن في المنصور، وهو عبارة عن دار سكنية عادية، فوجدت كل من وزير الدفاع سلطان هاشم، ورئيس أركان الجيش ابراهيم عبد الستار التكريتي، ورئيس أركان جيش القدس الفريق أياد فتيح الراوي، وقائد فيلق الله أكبر حرس جمهوري الفريق مجيد حسين الدليمي...

وبعد تبادل التحيات.... قال لي الشهيد قصي...

فريق رعد: استمع الى رسالة سيدنا (الشهيد صدام) ينقلها وزير الدفاع.... فحواها: أن مجريات الحرب خلال الاسبوعين الماضيين ما هي إلا مخادعة عسكرية استراتيجية أمريكية وأن الجهد الرئيسي للامريكيين سيكون في الايام اللاحقة من اتجاه الاردن ثم شمال مدينة الرمادي نزولا إلى شمال مدينة بغداد العاصمة... وعليه ينص توجيه الرئيس بسحب ما يمكن من القوات من جنوب بغداد الى شمالها... وأن ينظم الدفاع في بغداد ويستند على حقول ألغام عميقة يشترك فيها مجهود الدولة...

بعد مداولات واقتراحات بين المجتمعين..... كان للفريق رعد رأي يقول – ص 329 –

-   للعدو جهد رئيسي على محور الفرات والان في أعلى درجات ضغطه لاحتلال كربلاء للاندفاع من الممر المحصور بين شمالها وجنوب بحيرة الرزازة وهو عنق الزجاجة، وينبغي عدم السماح له بالخروج.

    العدو أدام زخم هجومه في هذا المحور لوصول الفرقة المدرعة الرابعة القادمة من تركيا.

    شارون نصح بوش بأن أوهن نقطة في بغداد وأخطرها هي الزاوية الجنوبية الغربية منها المنطقة المحصورة ما بين الرضوانية واليوسفية والتي تؤدي الى المطار ثم إلى المواقع الرئاسية. (قرأ الفريق رعد هذه المعلومة على الانترنت قبل شهر من وقوع العدوان).

    الجهد الثانوي للعدو هو محور دجلة وهو يتعرض فيه الان لاحتلال الزاوية الجنوبية الشرقية، منطقة جسر ديالى من بغداد لتطويقها من الجنوب الشرقي الى الشمال الشرقي.... ويعتبر الطريق الجنوبي السريع طريق صدام الكبير التسهيل الهام للتعاون ما بين الجهدين، وفيه يتمكن العدو من العبور نحو القصر الجمهوري رقم 1 عبر الجسر المعلق، فيتم التعاون مع قوة احتلال المطار والرضوانية في الغرب... وان تحقق هذا فتكون بغداد قد احتلت....

بناء على ذلك يجب لقاء السيد الرئيس للتداول معه حول هذا الموضوع...

اقترب مني الشهيد قصي وقال لي: هل أنت متأكد يا فريق رعد مما طرحته حول الموقف العام ؟ فقلت له متأكد كما اني متأكد من حديثي مع حضرتك...

ثم حصلت مناقشات بين الحاضرين جميعا... انتهت بأن قال الشهيد قصي للفريق رعد: قم يا فريق رعد وبلغ ما يأتي:

تكون فرقة النداء وفرقة المشاة السادسة عشرة بإمرة فيلق الله أكبر، علاوة على فرقة بغداد التي خرجت من إمرتك قبل يومين، وتخرج فرقة 34 مشاة من إمرة فيلقك بإمرة عضو القيادة غازي العبيدي.... فتدخل رئيس أركان الحرس الجمهوري قائلا: يجب سحب اللواء الرابع عشر من كربلاء... فوافق الشهيد قصي على ذلك... وبعد الحاح مني على هذا الموضوع بقي جحفل معركة في قضاء المسيب غرب نهر الفرات لحماية جسري المسيب القديم والجديد.... وطلبت من المشرف الموافقة على نسف جسر القائد الاستراتيجي على نهر الفرات... فواق على هذا...

بعد فترة من المحادثة مع رئيس أركان فيلقي جاءت مكالمة من شخص لا أعرفه يدعى اللواء مظهر... ولا أدري من أين يخابرنا..... أفاد بأن القوات الامريكية اندفعت شمال كربلاء وأن أرتالها المدرعة تتحرك من جرف الصخر باتجاه الجسر المؤدي الى منطقة اليوسفية؟؟؟ عندها طلبت من رئيس اركان الفيلق أن يتأكد من هذا الخبر بواسطة سرية الاستطلاع العميق وأكدت عليه على نسف الجسر وإعلامي فورا....

وبعد انصراف الجميع... قلت للشهيد قصي: سيدي إن مصير بغداد الكارثي سيتحقق خلال 48 ساعة القادمة... أرجو أن أكون مخطئا في رأيي هذا... أرجو السماح لي بالعودة إلى مقري... فنظر لي نظرة حزينة لم أعهدها منه قبلا.. وقال: على راحتك... تفضل... وخرجت حزينا وكانت هذه آخر مرة أراه فيها... حيث بعدها ((استشهد قصي مع ابنه مصطفى وشقيقه عدي، على اثر معركة بطولية خاضوها مع العلوج الامريكيين في الموصل في شهر تموز 2003 استمرت لست ساعات متواصلة...))..

سرت في شوارع بغداد حزينا حيث كانت الصواريخ الاجرامية تقصفها بوحشية... وعلى ما يبدو ان ظهور دوريات العدو قرب ناظم المجرة غرب الفلوجة وشمال الرمادي وانزال قوة في منطقة سد حديثة (140 كم شمال الرمادي) قد يكونا سببا في ذلك القرار الذي اتخذه الشهيد صدام بمشورة لا ادري من أشار عليه بها... وخلال ما أنا فيه تم اعلامي بتقرير الاستطلاع العميق الذي رصد أكثر من 150 دبابة وعجلة قتال مدرعة امريكية اندفعت باتجاه جرف الصخر... بعدها جاءني خبر وقع علي كالصاعقة، وهوأن العدو هاجم الجسر، وأن هناك احتمالا بأنه تمكن من عبوره...

معركة الفيلق الأخيرة.... (ص 332)....

كنت اتدارس الموقف المستجد مع رئيس أركان الفيلق وعدد من ضباط الركن وكيفية ترتيب دفاعاتنا... حين وصلتنا معلومات تفيد أن عناصر استطلاع العدو شوهدت قرب منشأة القعقاع لصناعة البارود في اليوسفية... أي أن العدو اخترق بعمق 15 كم من الضفة الشرقية لنهر الفرات.... بسرعة دفعنا كتيبتين من اللواء المدرع العاشر من اتجاهين: اتجاه اللطيفية – المنشآت الصناعية – الجسر، ومن مفرق اليوسفية – المنشآت – الجسر، ثم دفعنا ما تيسر لنا من قوات خاصة من اللواء الثالث واللواء 26 بأسرع ما يمكن، واعتبرنا قناة اليوسفية هي منطقة التحشد... وأنذرنا اللواء 22 من فرقة نبوخذ نصر في قاطع الحلة للتهيؤ للحركة مع مسك مفرق اليوسفية بكتيبة دبابات المنصور من اللواء العاشر...

تأكد وجود العدو فعلا في المكان المحدد وكان عبارة عن سرية عجلات مدرعة... ثم فاجأني رئيس أركان الحرس الجمهوري ومدير الأركان العامة اللواء حميد اسماعيل عندما وصلا إلي من طريق فرعي من اتجاه العدو، وأكدا لي مشاهدة العدو، فأكبرت فيهما ولهما هذا الموقف الشجاع... وعند استفساري منهما علمت أن المشرف، الشهيد قصي، طلب منها تدقيق الموقف، وكانت شجاعة رئيس أركان الحرس الجمهوري قد دفعته إلى مخاطرة كبيرة... حيث كاد أن يقتل هو وصاحبه.... وعند منتصف الليل لم تصلني من القطعات سوى سرية قوات خاصة بإمرة آمر الفوج الثالث وجزء من مقر اللواء قوات خاصة، وسرية استطلاع فرقة المدينة، وسرية مقاومة الدبابات من الفيلق (صواريخ تاو محمولة على ناقلات)... فطلبت من القوة التماس بالعدو لحين وصول القوة الكبرى...

يوم الثالث من نيسان خضنا معركة الجسر، وكان قائد فرقة المدينة المنورة معي يقود جزءا من المعركة هذه على المحور، وكذلك آمر اللواء العاشر العميد الركن سعد الحياني يقود قوة من الاتجاه الآخر.... وكنت قد دفعت القوات الخاصة على امتداد قناة اروائية جافة تتصل بمنطقة او عطفة الجسر... وبعد ساعتين من القتال استشهدت مجموعة القيادة والمخابرة التابعة لي ومن ضمنها العقيد جميل، وكذلك جزء من مقر قائد فرقة المدينة المنورة نتيجة للغارات الجوية المعادية... وقد نجوت مع قائد الفرقة من موت محقق أكثر من ثلاث مرات... وقد أدهشني مراسلي الجندي محمود الذي قذف بنفسه فوق ظهري ليحميني عند انفجار مقذوفات جوية بالقرب منا.... وضاع أملي في دفع جماعة تدمير الجسر بقيادة آمر الهندسة العسكرية للفيلق العميد الركن جاسم محمد وبإسناد آمر الهندسة العسكرية في الحرس الجمهوري اللواء الركن بكر عبد الكريم...

وكان موقف آمر كتيبة دبابات الوحدة المقدم الركن قيس العداي مذهلا حين أوجزت له مهمته ومدى خطورتها... فأدى لي التحية قائلا: أنا المقدم الركن الشهيد قيس أقسم أن لا أعود إلا بتحقيق هدفي....... وبعد نصف ساعة... ارتقى شهيدا ((سعيدا في الجنان ان شاء الله مع باقي اخوانه الشهداء الابرار الابطال))... حاولت جاهدا سحب جثمانه ((الطاهر)) ولم يفلح من أرسلتهم إلا بجلب رتبته بسبب شدة النيران المعادية...

ومن المشاهد المؤثرة أن ضابطا برتبة نقيب من صنف القوات الخاصة يدعى طارق وقف أمامي وكان معي قائد الفرقة، حيث اقتربنا من القوات الخاصة وهم في اشتباك شديد مع العدو... وحين تأكد من يقف أمامه قال لي: سيدي إن آمر لواء القوات الخاصة الثالث طلب مني منعك من التقدم أكثر، ولشدة احترامي لك لن أتمكن من ايقافك... إلا أنني سأضع البندقية على بطني فإن تقدمت خطوة خرى قتلت نفسي!!! فقلت له اسمع يا ولدي إن شرف العراق (بل شرف الامة العربية بأكملها) على وشك أن يدنس اذا ما دنست بغداد... فلم يعد هناك حدود في المستويات ولم يتبق لنا سوى ساعة واحدة لشروق الشمس... إن لم ننجح فيما قيمة حياتنا....

ومع انبلاج ضوء الثالث من نيسان وصلت طلائع القوات الخاصة الى عطفة الجسر... وفي هذه اللحظات شنت اعداد كبيرة من الطائرات المعادية والمروحيات سلسلة من الهجمات الشديدة.. بحيث لم يتبق لي اية دبابة او ناقلة.. ودمرت عجلات القيادة العائدة لي ولقائد الفرقة.. واشرقت الشمس وطائرات العدو تمعن في قصفها الاجرامي... ثم تبين لي عند نهاية الجسر وجود أكثر من ستين دبابة وعجلة قتال معادية وعشرات المروحيات، ناهيك عن الطائرات المقاتلة التي لم يتوقف قصفها... وفي حدود السادسة والنصف صباحا قطعنا التماس بدروع العدو... حيث خفت الغارات الجوية التي كانت تحيل ليل بغداد الى نهار... وقد مللأ أعمدة الدخان المتصاعدة سماء المنطقة... وقد آلمني كثيرا أجرام الطائرات المعادية بقرى الفلاحين... فقتلت الكثير منهم نساءا وأطفالا وشيوخا.... لم تنقصنا الشجاعة... لكن تقنيات اسلحتهم وتفوقها حسما المعركة.... ((بالواقع هي معركة الجولة الاولى.... وليس النهائية... كما قال الاستاذ محمد سعيد الصحاف))....

في الساعة التاسعة من صباح يوم الثالث من نيسان جلست وقائد فرقة المدينة المنورة وآمري الهندسة العسكرية للفيلق قرب الشارع الرئيسي في المنطقة وقد انهكنا التعب والالم... وصلنا رئيس أركان الحرس الجمهوري ومعه رئيس أركان فيلقي (الذي أخفى اصابته بشظية في ظهره لشجاعته وإخلاصه).... قلت: لم يقصر أحد.. إن تفوق العدو التقني وقوته الجوية لايجاريان... والرجال قاتلوا حتى النهاية....

وهنا رجاني قائد الفرقة دخول أحد بيوت الفلاحين القريبة منا بمسافة 300 متر تقريبا للراحة حيث لم نعد قادرين على رفع أقدامنا من شدة التعب..... وصلني آمر اللواء الرابع مشاة العقيد عبد السلام ابراهيم الناصري وهو من خيرة آمري الالوية بالفيلق، فكلفته بمهمة مسك موضع دفاعي على قناة اليوسفية بكامل لوائه مع ما تيسر من القطعات المتبقية من المعركة لمنع العدو من الوصول إلى مفرق اليوسفية مهما كلف الأمر...

عندما أوينا إلى ذلك البيت الريفي الخالي من اهله الذين شردتهم الغارات الجوية ليلة أمس وجدناهم قد تركوا عشاءهم كما هو في إحدى الغرف... استرحنا... وبعد برهة استيقطت على أصوات رمي عنيف، نظرت الى صاحبي فوجدته وكأنه جثة هامدة من شدة التعب... ثم جاء عنصر الحماية لي بعجلة من نوع نيسان بترول، كان يقودها الملازم حيدر من مجموعة المخابرة التي كان يرأسها العقيد جميل... وصلت الى القناة حيث تركت اللواء الرابع (مشاة) للدفاع عنها... وكان اتجاه المعركة من اقصى المين منا، أي باتجاه الشمال... ثم عرفت من أحد الفلاحين الهاربين من تلك المنطقة التي تجري فيها الاشتباكات ان العدو استأنف تعرضه من اتجاهين: الاول باتجاه مفرق اليوسفية بغداد، والثاني باتجاه ناحية القره غول، الرضوانية... وكانت تقديرات دروعه تقارب 200 دبابة ومدرعة....

فركبت مسرعا ومعي الملازم حيدر الى نقطة التقاء طريقي بالطريق القادم من ناحية القره غول باتجاه مفرق اليوسفية... ثم فجأة وجدت نفسي امام دبابات المقدمة لذلك الرتل بمسافة لا تزيد عن 200 م... وكانت الدبابات تحيل عجلات الهاربين الى اشلاء مهروسة بكل وحشية واجرام... وكانت مقذوفات المدفعية الامريكية تدمير أي شيء يتحرك أمامها... ثم تمكنت من الاجتياز بعيدا باتجاه مفرق اليوسفية للوصول الى مقري فلي ناحية الرشيد لانقاذ ما يمكن انقاذه.... بعد أن بدلت السيارة التي تدمرت وصارت بلا اطارات جراء القصف... وقد احزنني استشهاد الملازم حيدر....

بعد وصولي الى المقر أصدرت أمرا بحركة فرقة نبوخذ نصر بأسرع ما يمكن لمسك عقدة اليوسفية والدفاع عنها... كذلك أصدرت أمرا الى كتيبة دبابات المنصور لصد العدو في مفرق اليوسفية فورا.. واصدرت آمرا لتحريك آخر ما تبقى من اللواء المدرع الثاني من فرقة المدينة المنورة....

لم يمض وقت طويل حتى دخلت دروع العدو ناحية الرشيد الذي كان فيه مقرنا (بناية دائرة الكهرباء) ونشب القتال في مقري... فصاح احد الضباط: يا للهول.. ثم خرجنا من المقر مع المسؤول السياسي للفيلق اللواء الركن محمود رجا شلاح وضباط الركن الثلاثة... خرجنا بإحدى العجلات بسرعة مذهلة حتى وصلنا الى نهاية طريق ترابي عند بستان فيه دار كبيرة... ومن غرائب الصدف انها كانت لأحدى اقاربي، وهو مهندس، هجر بغداد وآوى للريف لينشد الراحة... فآوانا عنده... وبعد وقت اثبت شجاعة حين وصلت القوة المطاردة فخرج اليها لثنيها عن تفتيش داره....

في ذلك الوقت كنت قد قلت لمن رافقني بأن ينجو بأنفسهم باتجاه بيت الشيخ ابوياسين الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات.... وقفت خلف إحدى جذوع اشجار النخيل بينما مضيفي يتجادل مع القوة المطادرة، وقد تعجبت لصغر أعمارهم... لم يتقدموا.. بل انتشروا في المكان وراحوا يمشطون حافات البستان بصليات من رشاشاتهم... وبعد  نصف ساعة خرجوا.... لقد صار الغزاة على ألابواب الجنوبية لبغداد....

في يوم الرابع من نيسان حاولت الاتصال بقطعاتي وتجميع ما يمكن تجميعه إلا أنني فشلت... وكانت مشاهد تصاعد الحشود العسكرية الامريكية وحركتها باتجاه بغداد يتصاعد... اما مضيفي فكان سعيدا باقتراب نهاية النظام السياسي في العراق!!!!!.... ((لكن لا ندري إن كان لازال سعيدا... والبلد على ما هو عليه))....

الحلقة القادمة هي الأخيرة.... تليها الخاتمة ((ليست من الكتاب وإنما بعض التعليق عليه))... ثم أخيرا وكملحق للكتاب، شهادة الفريق سيف الدين الراوي.....

يتبع.....

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                             الاثنين  /  22  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  28 /  نيســـــــان / 2008 م