بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الخريف المستمر في العراق في ظل الاحتلال

 

 

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

مضت السنة الرابعة للغزو الأمريكي للعراق مخلفة وراءها تراكمات مخيفة من الموت والدمار الذي تعرض له جميع العراقيين من عرب وأكراد وتركمان ومندائيين وأيزيدية وكلدانيين وآشوريين وبقية مكونات الشعب العراق الذين يعيشون في المنطقة الحمراء فالعراق كله منطقة حمراء, باستثناء تلك البقعة الصغيرة المطلة على نهر دجلة الخالد المسماة بالمنطقة الخضراء التي اتخذتها قوات الاحتلال كمقر لها واحتضنت فيها حفنة من العملاء الأذلاء الذين قايضوا ضمائرهم بالدولار الأمريكي.

مجموعة من الوزراء والنواب وعناصر أحزاب سياسية كانوا جميعا نكرات وعلامات استفهام قبل الاحتلال وتحولوا إلى قادة بارزين بعده, انتخبوا بطريقة أمريكية ذكية أشبه ما تكون بفوازير رمضان عن طريق قوائم انتخابية لا تعرف أشخاصها ولا مؤهلاتهم وحظيت هذه القوائم اللغز بمباركة كبار رجال الدين. وما أن انتهى الصخب والضجيج الانتخابي حتى ذابوا كفصوص الملح دون أن يتركوا أثرا يدل عليهم, خلفوا لنا مجموعة من الشعارات البراقة التي أطلقوها في حملتهم الانتخابية وتبين أنها مثل دعايات أفلام حروب الفضاء التي تأخذك في معارك وانتصارات عبر الفضاء ولكن ما ينتهي الفلم حتى تجد نفسك قد عدت إلى مكانك على الأرض.

مجموعة من الدهاقنة ورجال العصابات واللصوص تولوا أرفع المرتب في العراق وعبثوا به إلى درجة الانهيار تحدوهم نزعة انتقامية وثأرية رفعت من هيبة هولاكو ونيرون في نظر الآخرين وان حاججتهم قالوا لك إنهم جاءوا عبر انتخابات ديمقراطية, فالحكومة منتخبة ومجلس النواب المنخوب منتخب والرئيس منتخب فعلام الاعتراض, أحزابنا رشحتنا ومراجعنا باركونا والناس انتخبونا فهل هناك أفضل من هذه الممارسة الديمقراطية؟

وبغض النظر عن طبيعة الانتخابات وإجرائها تحت ظلال وضلال الاحتلال وبغض النظر عن التزييف الذي رافقها في كل مراحلها والذي بدأ يتكشف يوم بعد آخر, فأن العناصر المسئولة عن هذه الولادة المسخ هي قوات الاحتلال والأحزاب السياسية والمراجع الدينية والناخبون.

بعد هذه السنوات المظلمة التي ذاق فيها الشعب العراقي الويلات والمصائب بدأت تظهر في الأفق ردود الأفعال المناوئة للحكومة والبرلمان من جميع الجبهات فالولايات المتحدة عبرت أكثر من مرة عن فشل الحكومة العراقية وضعفها ورغم تحذيرات الرئيس الأمريكي لزعماء العراق لكن النتيجة كانت نفسها! أليس من المضحك بأن تطلب من مشلول أن يشارك في مسابقة للركض؟

والمراجع الدينية ضاقت ذرعاً بتصرفات الحكومة وحجيج برلمانها وحملتهم مسئولية الفشل في مساعيها لتحقيق الحد الأدنى من طلبات الشعب العراقي, وكان الشيخ اليعقوبي الأول على قائمة المنتقدين والمنبهين لهذا التهافت, وقادة الأحزاب اعترفوا أخيرا بأن القوائم الانتخابية تضمنت عدد من العناصر التي لا تصلح لإدارة محل بقاله وليس إدارة بلد, بل تبين أن احدهم إرهابي وهو أبو مهدي المهندس والذي تبين أن اسمه هذا حركي ودخل به الانتخابات! وبدأ كل منهم يوجه نقده للآخر ويحمله مسئولية الفشل في الحكومة والمجلس, بل أن مجلس النواب والحكومة يتبادلا الاتهامات بهذا الصدد, أما العنصر الأخير الذي وقع في شر أعماله فهم الناخبون فقد كانوا أشبه بالزوج المخدوع في هذه المصيبة, فهو الذي تحمل ثمن الإدلاء بصوته.

ولنرى لمن صوت الشعب العراقي؟

صوت لخراب العراق وتدمير الدولة العراقية بكل أركانها, وصوت لقتل حوالي مليون مواطن عراقي وتشريد(4) مليون في الداخل و الخارج, وصوت لصالح نهب(18) مليار دولار لحد الآن ما عدا السرقات التي لم يكشف عنها بعد, وصوت لموت الخدمات الأساسية الماء والكهرباء والنفط والغاز, و صوت لبقاء قوات الاحتلال لسنين غير محدودة, وصوت لحكومة طائفية تعيش على الفتن كما تعيش الجراثيم في البرك الآسنة, وصوت لنهب تاريخ بلده وحضارته, صوت لبناء قوات شرطة تضم حثالات المجتمع وجيش طائفي ترك مهمة الدفاع عن حدود الوطن وتوجه لتصفية الطوائف الأخرى و صوت لبرلمان ضاع من أحرفه البر والأمان, صوت لتدمير الصناعة والزراعة والتجارة, ولأحياء الملاريا والكوليرا والايدز, صوت لبناء الميليشيات وفرق الموت والقتل على الهوية وسرقة الجوامع وحرقها وإرسال عشرات الألوف من أبنائه إلى المعتقلات وصوت لخراب الدين والدنيا. صوت لقتل فريضة الجهاد في مهدها, صوت لحكومة عمائم تجاهلت الدين وانشغلت بإغراءات الدنيا. صوت لتفتيت البلاد من فدراليات وإمارات هشة صوت لتسويق ثروات المعدنية بأيدي لصوص وقطاع طرق, صوت لمن أهدر دمه وانتهك عرضه ويتم أطفاله ورمل نسائه, وصوت لمن خنق صوته بلا رحمة.

الجميع بالتأكيد يتحمل مسئولية الوضع المزري الذي يعيش فيه العراق اليوم, لكن بالتأكيد المسئولية الكبرى تتحملها قوات ألاحتلال وفقاً لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي. وبالتأكيد أن كل من دعا أو شارك في العملية الانتخابية يتحمل جزءا من المسئولية, ورجال الدين الذين دعموا الانتخابات التي تخرج عن نطاق معرفتهم ومداركهم يتحملون جزءا من المسئولية, والزعماء السياسيون الذين نثروا هذه العثث التي نخرت أساس العراق يتحملون جزءا من المسئولية إذن هي مسئولية جماعية, وطالما أن عقارب الساعة لا يمكن أن ترجع إلى الوراء, ولأنه لا يصح غير الصحيح فأنه لا بد من انتخابات سواء كانت مبكرة أو متأخرة لتصحيح المسارات الخاطئة والمنحرفة رغم أن هذا الأمر سيعود بنا إلى الصفر ولكن أن تبدأ من الصفر بطريقة صحيحة أفضل بكثير من أن تكمل البناء على ركائز واهنة وضعيفة, إنها خسارة بالفعل لكن أن تخسر الماضي للحفاظ على الحاضر والمستقبل أفضل من أن تخسره مع حاضرك ومستقبلك, وهو أيضاً درسا قاسياً ومروعاً للجميع فرؤساء الاحزاب السياسية أدركوا المطب الذي وقعوا فيه بسبب اختياراتهم البائسة, ورجال الدين أدركوا بأن مهمتهم النصح والإرشاد والتوعية الدينية ومكانهم ليس قاعة ألانتخابات أو البرلمان أو الحكومة, والشعب أدرك مغبة تطبيق لعبة اليانصيب على مصيره باختيار مرشحين " أنت وحظك".

وكي لا نقع في نفس المصيدة فالإنسان الذكي لا يعثر بحجرة واحدة مرتين ولا يلدغ من جحر واحد مرتين لذا فان الشعب العراقي كخطوة أولى يفترض به أن يرفض الاستفتاء المزمع حول كركوك لأن النتيجة ستكون واحدة سيما أن الحزبين الكرديين ادخلا أكثر من(350) ألف كردي هجين ليشاركوا في عملية الاستفتاء, والخطوة الثانية المطالبة بانتخابات مبكرة ترفض فيها الدعايات الانتخابية القائمة على الأسس الطائفية والعنصرية, ويفرض على كل حزب أن يقدم معلومات صحيحة ووافية (CV) عن أي عضو يرشحه وان لا تقل شهادة المرشح عن بكالوريوس (شهادة غير مزيفة) صادر من جامعة معترف بها, ويمنع رجال الدين من كل الطوائف بأن يدخلوا كأطراف دعائية بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم المرشحين, وان تكون الأحزاب السياسية بمستوى المسئولية الوطنية وليس الحزبية الضيقة كأن يرشح حزب الدعوة عناصر سنية والحزب الإسلامي عناصر شيعية وكذلك الأحزاب الكردية بترشيح عناصر عربية وتركمانية وتنتهج بقية الأحزاب نفس الأسلوب عندئذ سيشعر المواطن العراقي بأن هذه الاحزاب تجاوزت نظرتها الحزبية الضيقة وإنها فعلاً تمثل المجتمع العراقي بمختلف شرائحه, وإجازة لكل الأحزاب السياسية في الساحة العراقية بأن تمارس حقها في الترشيح بدون استثناءات واجتثاث. وان يتوجه الناخب إلى صناديق الاقتراع وهو يثق بنفسه وبخياره الصحيح وبقناعته بالمشروع الذي طرحه المرشحون, متجردا من كل العوامل الطائفية والعنصرية ومؤمنا بمصلحة واحدة هي مصلحة العراق. وأن تجري الانتخابات بطريقة نزيهة بعيدة عن تدخل قوات الاحتلال والحكومة والأحزاب والميليشيات ورجال الشرطة سيما أن معظمهم من عناصر الاحزاب الحاكمة, وأن تجري الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمات دولية وعربية وعراقية مستقلة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني, حيث تقوم جميع هذه الجهات في التنسيق فيما بينها لتتولى مراقبة عملية التصويت فرز الأصوات وإعلان النتائج, وتسقط اللوحة ألانتخابية لأي حزب يخالف التعليمات أو يمارس الزيف والتدليس ويحال إلى المحاكم المختصة, عندها يمكن القول أن الانتخابات جرت بطريقة شفافة ونزيهة, بذلك فقط نكون قد استفدنا من الدرس السابق وتعلمنا كيف نستفيد من أخطائنا لرسم مستقبلنا فقد كانت تجاربنا مريرة بما فيه الكفاية ودفعنا تكاليف باهظة من دمائنا ثمنا لها.

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                          الجمعة  /  14  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  21 / أذار / 2008 م