الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

يا فتاح يا كريم
مدن ملاهي وآيس كريم

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

هناك مثل بغدادي مشهور" شجاب الجني للجامع" بمعنى" كيف يمكن للجان أن يدخل للجامع والغرض منه التعجب من دخول شخص إلى مكان لا يتفق مطلقاً ومواصفاته أو خصائصه, وقد جاء هذا المثل في بالي وأنا اطلع على خبر غريب مفاده بأن الملياردير الأمريكي لولين ويننر قد أتخذ قرارا حاسما بإعادة البسمة إلى أطفال العراق و العوائل وربما يقصد المتعففة منها من خلال بناء مدينة ملاهي على غرار مدن والت دزني المنتشرة في دول العالم المتقدم, وان التكلفة التقديرية للمشروع حوالي نصف مليار دولار, وستقام المدينة على أنقاض متنزه الزوراء الذي عبثت به قوات الاحتلال وحولته إلى مجمع للقمامة والنفايات, وسيشغل مساحة تقدر بعشرين هكتار تنتهي بحديقة حيوانات تجاور المنطقة الخضراء لعل الحيوانات تستأنس بمشاهدة جيرانها من الخنازير.

ويقال إن المشروع تم بالاتفاق بين ألملياردير الأمريكي ويننر والملياردير العراقي صابر العيساوي أمين بغداد دون الإفصاح عن طبيعة الصفقة وشروطها, ولسنا بصدد الحديث عن هذا الموضوع الغريب من وجهة نظر اقتصادية فمن المعروف في النظريات الاقتصادية أن رأس المال جبان, وهذا يعني انه لا يمكن أن يتوجه إلى مكان فيه خطورة حتى ولو كانت نسبة الخطورة10% فما بالك أن كانت نسبة الخطورة 100%؟ لذلك ترى في كل الحروب الماضية أول من يغادر هي الشركات الاستثمارية, ولا يمكن لرأسمالي كبير مثل ويننر أن يسبح عكس التيار ويعرض أمواله إلى التلف في بلد تبلغ فيه نسبة الفساد أعلى نسبة في العالم!

ربما يكون الخبر مضحكا لنا لكنه من المؤكد كان مفزعا لوزير الكهرباء فقد أقضى الخبر مضجعه, فمدينة مثل هذه تحتاج من الطاقة ما لا يمكن لوزارته أن توفرها بعد نصف قرن قادم, فخلال خمس سنوات من الجهد الذي قامت بها وزارة الكهرباء اللاوطنية وبعد إنفاق (36) مليار دولار عليها أنها ما تزال تتوسل بالمولدة والفانوس واللالة والحطب لإسعافها, فكيف بأجهزة تحتاج إلى طاقة كهربائية عالية! من المؤكد أن الوزير استنجد بالناطق بأسم الحكومة والعليم بعلوم الحوزة لينجده من هذا المأزق؟ فالدباغ كما يبدو له دراية بالموضوع وهو الذي صرح لصحيفة التايمس بأن العراق يعاني من نقص حاد في وسائل التسلية والترفيه, ويفتقر أطفال العراق إلى دور السينما والملاعب لكي يتمتع الأطفال بطفولتهم, والحاجة شديدة للملاهي, وبهذه العبقرية المحضة يكشف لنا الدباغ أنه ليس عليم بشئون الحوزة فحسب بل بعلم الملاهي أيضاً!

لولا تعليق الدباغ كنا حسبنا إن الأمر ليس أكثر من مزحة, ولكن يبدو إن الموضوع جدي, وربما أستشار الدباغ الحوزة العلمية وأفتت بجواز وجود مدن الملاهي, ولا يمكن أن يتصرف خبير الحوزة بمعزل عن إرشاداتها الدنيوية والوطنية السليمة. وربما ستقترح عليه تعميم التجربة على بقية محافظات العراق لتعم البسمة جميع أطفال العراق دون أن يبتسم أطفال بغداد ويكشر أطفال بقية المحافظات!من المؤكد إن صاحب المشروع استعان بعدد من الخبراء الاقتصاديين ليقدروا له التكاليف الكلية للمشروع والعوائد التي ستنجم عنه خلال السنوات القادمة, وقلب المشروع من كافة الأوجه الاقتصادية والسياسية والأمنية وحدد المخاطر وطرق معالجتها, ومن المحتمل ان السيد المستشار الأمني تكفل له بموضوع أمن مدينة الملاهي عن طريق إحاطتها من جميع الجوانب بسياج عالي شبيه بجدران العزل الطائفي, وان تحيط فرقة أمنية المدينة على شكل طوق أمني وتوزع آلاف من أجهزة المراقبة في كل مفاصل المدينة ويفضل أن يخصص قمر صناعي يكلف بمراقبة المدينة فقط,ولغرض المحافظة على أبنائنا ستخصص وزارة الداخلية مرافق خاص مع كل طفل عند تمتعه بإحدى الألعاب, ويكون المشرف على اللعبة وتشغيلها من ضباط الأمن والمدربين على مكافحة الإرهاب الدولي ومتخصص بأمن الملاهي! وسيقوم وزير الصحة القادم بتأمين سلامة الأطفال ببناء جسر جوي بين مدينة الطب ومدينة الملاهي لإسعاف الحالات الحرجة وتوزيع الكوادر الطبية على إرجاء المدينة, ولاحتمال أن تقضي الأسر جل يومها في المدينة فأن هناك حاجة ماسة لتولي الوقف السني والشيعي مهمة بناء المساجد والحسينيات داخل المدينة لتأمين إقامة فريضة الصلاة على أوقاتها!

ويبدو إن هناك اهتماما جدياً بأطفال العراق من الجانب الأمريكي فقد سمعنا خبرا أثلج صدرنا كما أثلج قلوب أطفالنا وهم يعانون في البصرة من حر الصيف وحر الاحتلال المؤذي, فقد وزعت قوات الاحتلال لأطفال العراق آيس كريم مقابل قيامهم بجمع النفايات والأوساخ من الشوارع, وهو تطبيق نموذجي رائع لاتفاقية حقوق الطفل من حق وزارة حقوق الإنسان العراقية أن تفتخر به, وأن تزغرد منظمة اليونيسيف بكل قوة لنعمة الآيس كريم التي حظي بها أطفال العراق , أطفال بعمر الورد يعملون في النفايات وجمع الأوساخ, ويكونوا عرضة للإصابة بالأمراض والأوبئة ناهيك عن المفخخات التي تزرع على جوانب الطريق أو قرب حاويات القمامة, مابين مدينة دزني القادمة وحاويات القمامة يتأرجح موقف الطفل العراقي, ونظن أن المليونير الأمريكي سيقشعر جسده وهو يسمع بهذا الخبر, وبدلا من أن يفتح مدينة دزني للملاهي من المتوقع أن يؤسس مدينة لجمع النفايات وبقربها معمل صناعة آيس كريم فمتى ما انتهى العمل من جمع النفايات يتوجه الأطفال إلى المعمل لتناول المرطبات وينعشوا أجسادهم الطرية اليانعة وسيحقق المليونير ملايين إضافية وطالما ان مسئولية النظافة تقع على أمين بغداد فأنه من الممكن بسهولة تغير العقد من بناء مدينة للملاهي الى مدينة لجمع النفايات, وستستفيد نفس الأطراف من الصفقة, ويمكن لدكتور الحوزة علي الدباغ ان يغير تصريحه بأن النظافة من الأيمان وإنها من أولويات برنامج الحكومة ولها الأسبقية على الملاهي والتسلية, كي يتمكن أطفالنا من المرح وهم نظيفو الأجسام والملابس, والشعب في كل الأحوال ساكت عن بلايا الحكومة وعثراتها فلا حول له ولا قوة!

وبعد! هل هناك صفاقة أكبر من هذه؟ وهل هناك نذالة بهذا المستوى الرقيع؟ هذه البراعم الفتية التي ولدت في خضم المأساة تعامل بهذه الطريقة اللاإنسانية, أطفال يعملون مجانا لجمع القمامة, بدلا من أن يتم توجيههم ليعودوا إلى مكانهم الصحيح على مقاعد الدراسة بدلا من ان يفسح لهم المجال ليتدربوا على حياة الشوارع, ويتحولوا من قيمة اجتماعية عليا إلى مصيبة كبرى في المستقبل القريب!

خمسة ملايين طفل عراقي يتيم حسب إحصائيات الحكومة, وحوالي(400) طفل ييتم يوميا في العراق بسبب أعمال العنف التي تمارسها قوات الاحتلال والأجهزة الحكومية وقوى الإرهاب ويشغل هؤلاء اليتامى في أعمال القمامة ويوعدون بأكاذيب عن بناء مدن ملاهي وصروح من هوى تتساقط على الواقع كأوراق الخريف! وهل الطفل العراقي بحاجة إلى مدن ملاهي لتعاد البسمة له وبمثل هذه البساطة والتفاهة؟ ومن يعيد البسمة لهؤلاء الملايين الخمسة إدارة بوش أم حكومة الاحتلال؟ وكلاهما سبب لقتل أولياء أمورهم.

السيدة راديكا كوماراسوامي ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لشئون الأطفال ذكرت الأسبوع الماضي خلال زيارتها لبغداد بأن أطفال العراق هم الضحايا الصامتون للعنف الدائر في البلاد, وان 50% فقط من الطلاب هم المستمرين في الدوام بمدارسهم, والبقية المتبقية من الأطفال لا يذهبون إلى المدارس وتم تجنيدهم في العديد من الميليشيات والجماعات المتمردة للقيام بنشاطات تتسم بالعنف ومنها الهجمات الانتحارية أو هم رهن الاعتقال وقدرت عددهم (1500) طفلا, وأشارت بأن حوالي 50% من اللاجئين هم من الأطفال, معتبرة أن هذا الوضع لا يمكن السكوت عنه وناشدت المجتمع الدولي لتقديم الحماية لهؤلاء الأطفال.

نقول لحكومة الذل! إذا لم تتمكنوا من مساعدة الغير فعلى الأقل أكفوهم شركم! فكفاكم ما فعلتم بشباب العراق فاتركوا الأطفال يعيشون على الأقل بسلام, لقد ضحوا بطفولتهم وبراءتهم ومدارسهم وأسرهم! فما تريدون أكثر من ذلك؟ وبدلاً من بناء الملاهي أبنوا ملاجئ لهؤلاء الأيتام وعمروا لهم المدارس والمستشفيات المتخصصة بهم؟ فمازالت ذكرى ملجأ الحنان ماثلة في الأذهان.

اليتامى وما أدراك ما اليتامى؟ أنهم أحباب الله وقد جاء ذكرهم في العديد من الآيات الكريمة, إنهم سيعبدون طريق جهنم لقوات الاحتلال وحكومة الذل, يسوقونهم إلى السعير كالخراف, إنهم اليتامى وما أدراك ما اليتامى؟

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                          الاربعاء  /  24  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  30 /  نيســـــــان / 2008 م