الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

الجهاد : عنوان النصر والفتح المبين

 

 

 

شبكة المنصور

الأستاذ الحبيب اليازيدي

 

تمر الأمة العربية وخاصة في العراق وفلسطين، حيث تمارس أقصى درجات الغطرسة والوحشية الإستعمارية والعنصرية الصهيونية والإجرام الطائفي البغيض، بمرحلة دقيقة على غاية من الأهمية والخطورة. فالمعارك الطاحنة التي تدور رحاها دون توقف وتحديدا في العراق وخصوصا في فصلها الحالي الذي أخذ له من العناوين الدالة على طبيعته ومضمونه "الحواسم" والتي يتوقف على نتائجها الحاسمة، لا مصير الأمة العربية فحسب ولمرحلة ممتدة في الزمن بل كذلك مصير الإنسانية.

إنها مرحلة محملة بأسئلة مصيرية كثيرة أصبحت الإجابة عليها تستعصي على المقاربات النظرية المجردة وتتمرد على القياسات الكمية والحسابات الفنّية المعتادة لأنها و باختصار شديد على درجة من العمق والشمول تستدعي رؤية مختلفة وتنظيرا مغايرا مستقبليا، استشرافيا قد يكون بمثابة النبوءة ولكنه لن يكون ذا جدوى إلا بقدر تأسيسه للفعل و البناء الحضاري الجديد ومدى إجابته على انتظارات الجماهير المسحوقة والإنسانية المعذبة.

إن المعركة الحضارية الكبرى، معركة الإنسانية تدور اليوم على الأرض العربية وتحديدا في العراق الرائد والمؤسس للحضارة الإنسانية وللثقافة والمعرفة باكتشافه للحروف والكتابة التي أهلته ليكون وبكل جدارة الذاكرة الحية للإنسانية ومهبط الأنبياء وحاضنة الرسالة الخالدة بمثلها وقيمها ومبادئها السّامية. وهذا يستدعي أن تكون القراءة لأحداث المرحلة عربية وبمثابة الرد الأصيل على الاتجاهات الهجينة التي ارتضت تقمص المنظور الأمريكي واختارت أن تسلك طريق العمالة والخيانة وتملأ الدنيا بالضجيج لصرف النظر عن الطبيعة الفعلية للمواجهة ولفت الإنتباه لشعارات ظهر زيفها وعجز الاحتلال نفسه على تصريفها.

إنّ القراءة النظرية المجردة والمقاييس التي يعتمدها العقل البارد من عقلنية وموضوعية وعلمية في مثل هذه المواجهة القائمة من أم المعارك، الحواسم فالمقاومة، هي اللامنطق واللامعقول عينه. فإزاء اختلال الموازين على قاعدة القياسات المادية وباللجوء إلى جبروت القوة التقنية تدمر كل أوجه الحياة في العراق وتتم محاصرة الشعب العربي في فلسطين ويجوع ويهجر من أرضه وتمارس عليه شتى أصناف التعذيب والقهر كما تحاصر الأمة وتبتز وتهدر طاقاتها. ولا يمكن بأية حال من الأحوال مقارنة الخسائر التي تواجهها الأمّة بتلك التي يتكبدها العدو مهما أمعنا في استنزافه طالما لا يزال يحتفظ بقاعدة الإنتاج المادي سرّ تفوقه وغطرسته.

لذلك فإنّ المواجهة التي تخوضها الأمّة لا يمكن أن تكون من النوع المتداول، بل من نوع مغاير ومختلف تستدعي قراءة من منظور حضاري شامل يضع الحدث في موقعه الصحيح في سياق مسيرة الأمّة ومسار العالم. فلما توضع الأمّة أمام خيار مصيري يتعلق بوجودها وتقفل في وجهها الأبواب لحسابات مادية يكون الجواب تاريخيا في حجم ومستوى التحدّي والذي يعدّ بمثابة الطاقة الحيوية التي تحفظ وجود الأمّة وتجدّدها وانبعاثها.

إنّ الموت المقترن بالإستشهاد، هو قانون الوجود ونبع الحياة وطريق الخلود وأساس البناء الحضاري الخالد وقمّة الإنسانية في التراث الروحي والوجودي للأمّة العربية. لذلك كلّما تعلّق الأمر بوجودنا فإنّنا نكره لأنفسنا ميتة البعير ويغدو الإستشهاد مطلبنا وتعبيرنا على قمّة حبّنا للحياة بانتصارنا للمبادئ والقيم والمواقف المعبّرة على حيوية الأمّة واستمراريتها. وفي هذا السياق فإنّ استشهاد الرّفيق القائد البطل صدّام حسين ليس إلاّ تجسيدا لإتّحاد الوجود بالخلود. إنّنا نحسّ بفقدانه لأنّه عزيز على قلوبنا ولكنّه بانحيازه للمبادئ والقيم العميقة للأمّة وللحقّ وبفعله الجهادي والإسشهادي البطولي سيظلّ خالدا فينا وفي الأجيال المتعاقبة وسينضاف إلى قائمة الشّهداء الذين خطّوا بأرواحهم و دمائهم الرّسالة الخالدة للأمّة. لقد ترك لنا الموقف القومي المنحاز لقضايا لأمّة كقيمة رمزيّة وعمليّة في معركة الحسم من أجل المستقبل.

فالمعقول الوحيد في معركة الوجود التي تخوضها الأمّة هو منطق الجهاد والإسشهاد " الذي يحسب الأمور بموازين تاريخية، ويحسم الموقف لصالح المستقبل، لأنّه دفاع بديهي عن الوجود و القيم وعن معاني الرّسالة الخالدة للأمّة، ولاسيما في حلة مصيريّة كهذه يتوحّد في دخلها م هو وطني وقومي وعالمي، ضم منظور حضاري انساني متكامل. فمقاييس الرّبح والخسارة، في الحالة الجهاديّة، ترتكز إلى معايير تتجاوز الحسابات الآنيّة التقليديّة. إذ قد يكون الرّبح -في غياب المرتكز الأخلاقي النابع م قيم الشرف والكرامة والحق والرجولة- هو الخسارة لكل شيء، أمّا مظهر الخسارة في حالة الموقف المبدئي، فهو الضريبة المترتّة على الإنسان والوطن والأمّة وربّما العالم، لكي يربح كلّ شيء، أي ذاته الإنسانيّة".

إنّ انحلال الإتّحاد السوفياتي وتفككّ المنظومة الشيوعية وانحسار المدّ الإشتراكي، الّذي مثّل ولحقبة طويلة نسبيّا مطمح الكثيرين في تحقيق الأمل بالعدالة الإجتماعيّة والمكاسب الماديّة للكادحين والمحرومين، فسح المجال من جديد لوحشيّة الرّأسماليّة وغطرستها والإنقلاب على المكاسب النضاليّة للشعوب والطبقات المُستََغَلّة. وإذا كان من الممكن الحديث عن هزيمة الاشتراكية الماديّة في الغرب في مواجهة النّزعة اللّيبراليّة فالأحرى أن نعلن عن هزيمة الماديّة الغربيّة الّتي أثبتت التجارب والممارسات وحشيتها ولاإسانيّتها وفقرها الرّوحي والأخلاقي.

إزاء هذا النزوع المتصاعد لوحشيّة الرّأسماليّة مجسّدة في الإمبريالية الاستعمارية الغربيّة والصهيونيّة، وإزاء مشاريع الرّجعيّة الطائفيّة وانكماش الدول على مصالحها (مثل الصين) وتبعيّة أغلب دول العالم وصمها. تجد الأمّة العربيّة نفسها، بما تمثّله من عمق روحي ومرتكزات أخلاقيّة وقيم حضاريّة، في الخط الأوّل من المواجهة. فهي الحصن الأخير للدفاع عن الإسايّة وانقاذها من براثن التوحّش والبربريّة.

إنّ الحالة الجهاديّة، هي السمة المميّزة للمرحلة الرّاهنة ولانبثاق فجر الإنسانيّة المعاصرة، وهي النزوع العربي الأصيل للمقاومة والتعبير الدقيق عن طبيعة المواجهة التاريخيّة بين حضارة الغرب الماديّة الّتي خنقت تراثها الرّوحي والإنساني وأخضعته لقيم الربح والاستغلال وقهر الشعوب و بين الحضارة الروحيّة والإنسانيّة العربيّة المنفتحة على آلام المعذبين والمسحوقين في الأرض.

بالجهاد أنجز الرّسول محمد (ص) ثورة العرب القوميّة على التشرذم والانقسام والتخلّف والاستعمار والظلم وهيّأ الأرضيّة لإنتاج وتنميّة الثروة الماديّة بل رسم معالم الطريق للأمّة لتكرّس تحوّلا حضاريّا إنسانيّا تاريخيّا في حياة البشريّة. إنّ الجهاد هو قدر الأمّة العربيّة إذ يحتل فيها موقع القانون المميّز للوجود دفاعا عن الذّات والقانون المحدّد للانبعاث والنهوض والتعبير عن الوجود، ولمعنى الوجود لما تشمل الأمّة بعطائها وفيضها كافة البشريّة.

ليس الجهاد مجرّد جزء من التراث نعتزّ به بل هو العنصر الحيّ في تاريخنا النضالي وهو القيمة الثابتة والطاقة الحيويّة لتجدّد الأمّة ونهضتها.

إنّ أمّ المعارك فالحواسم -بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي-، اللّذان فتحا المواجهة مع قوى الشرّ والطغيان المعاديّة للإنسانيّة بأعمق ما يكون، هما الإعلان عن المنعطف التاريخي والحضاري المصيري في حياة البشريّة في هذا العصر. فالمواجهة الّتي تتمّ اليوم على أرض الرّافدين هيّ بين منطق الحضارة والإنسانيّة الّتي يصوغها المجاهدون بدمائهم وآلامهم وبين منطق التوحّش والبربريّة. إنّ المواجهة المفتوحة وهذه المنازلة التاريخيّة الكبرى جاءت لتؤكّد أنّ الجهاد بالنسبة للعرب مشروع قومي مستقبلي.

إنّ الغرب المتغطرس الّذي وجّه آلته التدميريّة في العراق لتعمل وبكلّ طاقتها على ضرب كلّ ما يهيئ لامتلاك قدرات العصر وكلّ ما يرمز للتميّز الحضاري والإنساني، ولم يسلم من بربريّته حتّى الحجر. بات يدرك أنّ الأمّة العربيّة بعمقها الرّوحي والحضاري وبتراثها الإنساني ودورها الرّسالي تحوز على عوامل النهوض والبناء وهي المؤهّلة قبل غيرها من الأمم وقوف في وجه الظلم والطغيان ولقيادة كلّ شعوب الأرض في مواجهة قوى الشرّ والفساد على قاعدة الجهاد والإعمار وبالإستناد إلى منضومة قيمية وأخلاقيّة عادلة وإنسانيّة.

وإزاء التحدّيات المتصاعدة، الّتي تعترض مسار وحدة الأمّة بل وتهدّد نهضتها ووجودها ذاته وتحول دون يقظة العروبة والإسلام، فلابدّ أن تستدعي الأمّة كلّ زخمها الرّوحي والحضاري وتستدعي وعيها العميق لذاتها ونضالها لتحقيق أهدافها. ولمّا يحتدم التناقض بين التوحّش الغربي على قاعدة التفوّق المادي وبين القيم الإنسانيّة والرّوحيّة و يصل الطلاق بين الغرب و العرب وباقي شعوب العالم تصبح الحالة الجهاديّة هيّ الجواب التّاريخي الحتمي على هذا التحدّي وخاصة بالنسبة للأمّة العربيّة.

إنّ الفعل الجهادي الواعي الّذي تنتهجه المقاومة العربيّة اليوم في العراق وفلسطين هو التعبير المبدئي الأصيل على إرادة الأمّة وإصرارها على مواجهة التحدّيات وانجاز مشروعها الحضاري، وهو الإمتحان العميق لذاتها ولجوهرها الأصيل ولمدى استعدادها وقدرتها على تجاوز واقع التخلّف والتجزئة والتبعيّة والإلتحام حقيقتها أساسا نهضتها وانبعاثها من جديد. فاالجهاد هو النهج الأصيل والثابت في مسار نهضة الأمّة واستعدادها الدّائم لتبليغ رسالتها عبر التاريخ. وهو ما أكّده الرّفيق الشهيد صدام حسين في كلمته لمؤتمر وزراء خارجيّة الدول الإسلاميّة تاريخ 1-6-1981، إذ يقول:

"إنّ النضال الّذي نخوضه ضد كلّ أشكال الإستعمار، والإستغلال، وضد الصهيونيّة الباغية، وضد التسلّط و القهر، ليس اتّجاها مؤقّتا، ولم يأت نتيجة ردود فعل على أوضاع راهنة أو آنيّة، وإنّما هو نهج أصيل وعميق، ينبع من أصول عقيدتنا الإسلاميّة...ونحن نتحمّل اليوم مسؤوليّة الجهاد في إطار العصر الرّاهن، من أجل نفس المبادىء والأهداف السامية الّتي جاهد من أجلها أسلافنا الأماجد." (المؤلّفات الكاملة ج7 ص314).

إنّ الجهاد هو الإمتحان العسير للذّات العربيّة ولحقيقة الأمّة فهو أقصى ما يمكن أن تلغه الإنسانيّة من استعداد للتّضحية و تحمّل المعاناة و قمّة الحياويّة وحب الحياة و الفعل الممتد نحو الخلود. والحالة الجهاديّة بالنسبة للأمّة العربيّةهيّ امتداد الفعل في الزّمن منذ معارك الرّسالة إلى ما تنجزه المقاومة العربيّة اليوم بفعلها الجهادي من بطولات تهزّ عروش الأعداء و تحبط مسعى التّابعين من الخونة و الجبناء.

"إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم" (صدق الله العظيم)، هيّ مسألة مبدئيّة و جوهريّة في الفكر العربي الثوري عبّر عنها حزب البعث العربي الإشتراكي جهاديّا في فلسطين سنة 1948 من خلال كتيبة الفداء بقيادة الرّفيق المؤسّس أحمد ميشيل عفلق. إنّ فكر البغث هو فكر رسالي انبعاثي جهادي وهو الإمتداد لعنصر الحياة في التاريخ و التراث وهو التعبير المعاصر على الطاقة الرّوحيّة الخلاّقة و المبدعة في الأمّة. والبعثيون المجاهدون الصامدون هم الإمتداد الحيّ لأرواح أسلافنا الميامين و حاملوا راية الله أكبر راية النصر والفتح المبين.

الله أكبر هيّ مهج في الحياة وهي تربية نفسيّة وروحيّة عميقة مُستمَدّة من منضومة قيميّة و أخلاقيّة و سلوكيّة نحتتها المعاناة و التضحيّات وهي خُلاصة التجرة الوجوديّة للأمّة عبر التاريخ و نزوع الأمّة للإتّحاد بالحقّ، وهي عنوان النصر على العجز و الإستسلام و الذلّ بالجهاد. و تلك هيّ روح رسالة الأمّة. تحت هذه الرّاية خاض العراق المجاهد بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي المنازلة الكبرى مع أعداء الأمّة من أمّ المعارك إلى الحواسم وتحت رايتها تتأطّر المقاومة العربيّة الباسلة اليوم في العراق العظيم. فالله أكبر إذن ليس مجرّد شعار على علم العراق يتجاسر على إزالته هؤلاء الأقزام بمجرّد قرار. فإذا كان بإمكانهم التجاسر على قطعة من القماش فهم أعجز من أن يتجاسروا على القناعات في العقول والإيمان في القلوب.

إنّ الفعل الجهادي للمقاومة اليوم هو التعبير عن الطاقة الرّوحيّة الحيويّة المتجدّدة في الأمّة وعلى قدرتها على النّهوض والإنعاث. فالحالة الجهاديّة الّتي تجسّدها المقاومة هيّ التعير عن النّهاية الحاسمة لمظاهر الزّيفو الوهن في الأمّة والتأسيس لمرحلة جديدة ولمستوى جديد في العمل الوطني والقومي المستقبلي.

إنّه الإعلان عن العودة إلى أصالة الأمّة وحيويّتها والصعود بالنّضال إلى المستوى الّذي يتجاوز قوّة الأعداء ويطوي صفحة الخونة المفًرّطين بقظايانا الوطنيّة والقوميّة وعلى رأسها قضيّة فلسطين.

إنّ الحالة الحهاديّة هيّ التعبير الوحيد الممكن اليوم الّذي يرتقي بالأمّة إلى مستوى التحدّيات و الدّفاع عن قضاياها و تحقيق أهدافها.

إنّ الجهاد هو الأداة والوسيلة والتعبير عن روح وعمق وأفاق الثورة العربيّة: ثورة الوحدة والحريّة والإشتراكيّة.

إنّ الفعل الجهادي بمثابة النواة المحرّكة ومركز الجذب للإتّحاد والإلتحام المؤِسّس للقوّة. إنّه التجاوز النوعي المؤسّس للبناء الحضاري الإنساني المستقبلي الملبّي لتطلّعات وانتظارات الجماهير والمجسّد لرسالة الأمّة لذاتها وللإنسانيّة.

 

تونس الأربعاء، 30 نيسان، 2008

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                         الجمعة  /  04  جمادي الاول 1429 هـ   ***   الموافق  09  /  أيــــار / 2008 م