الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

أزمة الائتلاف الصفوي وممكنات العمل الوطني القومي لتعزيز انتفاضة شعبنا الباسلة

الحلقة الاولى

 

 

 

 

شبكة المنصور

كاظم عبد الحسين عباس  / اكاديمي عراقي -  بغداد

 

يمتاز الفكر القومي العروبي بقدرات حيوية جعلته في مقدمة قوى الساحة العربية الحية والاصيلة وأمدته بمقومات فعل ميداني مشهودة. فلقد استطاع هذا الفكر أن يلتقط بذكاء و بعقليةعملية الكثير من إخفاقات ومشاكل الواقع العربي لينطلق منها في تأجيج الوعي الشعبي وفي التأسيس لتغييرات جذرية في حياة ومسيرة الأمة. ورغم أن هنالك العديد من المحطات التي اخفق فيها التيار العروبي وصار هدفا" للطعن والتشهير بسببها من قبل اعداءه السياسيين التقليديين إلاّ أن محطات النجاح لا يمكن لأحد إنكارها إلا إن كان موظفا" انكلو أمريكي صهيوني.

 

ما دفعني الى الرجوع الى بديهيات يتداولها الجميع هو احساسي العميق بان اللحظة التأريخية التي يمر بها العرب عموما"، والعراق بشكل خاص تستدعي مثل هذه العودة ليس الى ذاكرة سحيقة في تأريخنا رغم ما فيها من فوائد جمة، ولكن إلى زمن مازال يعيش بين جوانح العراق والامة ولم تنطفئ بعد أي من اشراقات فعله الكبير رغم كل الجهد الفكري والاعلامي ورغم الغزو العسكري ووسائل الدمار والتخريب التي وجهت بهدف طمس معالم فعله المميز والمؤثر في حياة الامة واطفاء أنوار انجازاته التي أطلقت أعنة الأمل في حياة العراقيين والعرب واثرت دون ادنى جدل في تحجيم اضخم مؤامرة تيئييس تعرضت لها امة في تاريخ البشرية من اجل تامين مستلزمات الديمومة للدولة اليهودية التي يستدعي بقاءها ان تلغى ذاكرة الأمة الجمعية وان ينتهي دورها الذاتي والموضوعي الجمعي وان لاتعطى اية فرصة في التوحد والنهوض ومن اجل ذلك دارت رحى ماكنة السياسة والإعلام والقوة العسكرية وتوظيف الاقتصاد والثقافه واسس التعليم وغير ذلك مما له مساس مباشر بحيثيات الوجود القومي الذي تمرد بإصرار على فكرة الرضوخ للأمر الواقع الانكلو صهيو امريكي.

لقد حاولت كل القوى التقليدية المعادية للامة ان تضع التيار العروبي في متاهات اللا نضج والمراهقة السياسية ووهن الفعل والخوض في غمار الجزئيات على حساب قضايا الامة الكبرى في ذات الوقت الذي تم فيه خارجيا" استثمار هذا الجهد المعادي وتزويده بكل ادوات النفوذ بهدف تشويه الوجود والسمعة وإظهار الجهد الفكري والميداني للتيار القومي العروبي على انه فاشل ومتخلف وعقيم وغير واضح الاهداف والملامح وطروحاته وغاياته ميتافيزيقية لا تربطها بالأرض أية روابط. والسؤال الذي يفرض نفسه فورا هو: ان لم يكن هذا التيار مخيفا لكل من يمكن وصفهم اعداءا فلماذا كل هذا التكالب عليه؟ أن من بديهيات العمل السياسي والاجتماعي وما يتداخل معهما من روافد لاي خط سياسي هي ان ردود الفعل علية او معه تعتمد كليا على مستوى قدرته على التصرف والفعل والاستقطاب للقوى الشعبية المختلفة.

وحيث أن التيار العروبي قد نجح نجاحات مخيفة لاعداءه فان دائرة الاعداء قد توسعت وتوسعت معها معاول الهدم والغدر والإساءة. وأول العصي التي وضعت في طريق الفعل القومي فكرا وممارسة هو تاسيس الاحزاب والتكتلات والتيارات المسيسه للدين لفتح فجوة عميقة واحداث نزف يطال اوتار قلب القضية فيصيبه بالارتجاف والوهن وحشرجات الموت ذلك لان التصادم بين العروبة والدين هو الفج العميق الذي سيضييع الدين ويضييع العروبة في آن معا لان الدين هو ابن العروبة ولد من رحمها وصار عنوانا" بارزا" من علامات وجودها الإنساني. إن تدمير الصلة الجدلية بين الدين والعروبة هو المدخل لتشظية القدرات العملاقة للامة وهو المدخل لانتصار أعداءها. وهذا هو سر او سبب الصلة التي كانت خفية بين الصهيونية والاحزاب المسيسه للدين والتي اشتغلت سنوات طويلة لوأد أي تقدم في مسار الحياة المدنية وقنواتها في الدول العربية المتمدنة المتحضرة والتي تم الاعلان عنها بشكل سافر بعد احتلال العراق وقبيل ذلك بقليل لان مقتضيات الهجوم على الامة والتيار القومي قد اقتضت ان تعلن صلة المصاهرة بلا حياء ولا خجل حيث اسقطت ورقة التوت واسفر عن كل وجوه المؤامرة بالكامل.

لقد عملت الاحزاب المسييسة للدين وهي احزاب طائفية بالتعريف عبر سنوات طويلة على تمزيق التيار العروبي لانه دونما جدل عدوها الاول ليس لانه يقف في طريق تحقيق غاياتها في الوصول الى السلطة فحسب بل لانه نجح عبر قرون من العمل السياسي والفكري على وضع هذه الاحزاب والقوى في عنق الزجاجة من خلال قدرته الفذة على سحب البساط من تحت اقدامها فكريا وعمليا وفضح وتعرية تركيبتها المجزئة للامة ولبلدان الامة وارتباطها المخزي بالقوى المعادية للامة وتطلعاتها في الوحدة والتحرر وبلوغ الذات وكينونتها الخلاقة المبدعه والتي تؤهلها للعب دور بارز ومميز في محطات العطاء الانساني على جميع الأصعدة.

لقد استطاع التيار العروبي ان يسجل محطات انتصار ضخمة له كدور طليعي في حياة العرب واقطارهم وأهم مؤشرات ذلك:

1- استلام السلطة في اكثر من بلد عربي وتسجيل مسارات نجاح في ادارة عمليات الانماء والتنمية المختلفة. ولم يوقف نجاح اي من هذه التجارب عبر تاريخ الامة المعاصر اي اخفاق ذاتي مميت ولكنها جميعا اوقفت وانهكت واسقطت بفعل تداخل عوامل تامر تعاونت فيها قوى العداء التقليدي الداخلية مع قوى خارجية معروفة.

2- تأسيس تجارب فكرية خلاقة ومبدعة تمحورت في أطر قطرية مرة وضمن أطر قطرية ذات تطلع قومي توحيدي مرة أخرى أو زاوجت بطريقة ترنو إلى اجتهاد بنائي خاص بين الفكر العروبي وامتداداته واسسه المرتبطة بالإسلام كنتاج حضاري عظيم من نتاجات اراد لها الله سبحانه ان تكون وليدا من ولادات خصب هذه الأمة.

3- النجاح المتواصل في الوصول الى العقل الجمعي لشرائح مختلفه تتراوح بين كادحي الامة وبين نخبتها الفكرية والعلمية والسياسية اضافة الى الشرائح الاخرى الواقعة بين هاتين الفئتين او الشريحتين .

وما يهمني الاشارة اليه في ابواب المقارنة بين نجاحات الخط العروبي واخفاقات الاحزاب المسييسة للدين هو ان الاخيرة قد ظلت طيلة السنوات الماضية تجتر نقاط الاخفاق في خط سير التيار القومي وتتغذى عليها مثلما تلتقط بعض اخفاقات الميدان التي وقع بها التيار العروبي وهو يقود الجماهير والسلطة لتؤسس عليها في جهدها المضني لكسب القاعدة الشعبية باوسع قدر ممكن. إن مثل خط الفعل السلبي هذا قد حنط التيارات الدينية بطريقة جعل من جسدها واهنا" وسلبي البايولوجيا حتى لو تمكنت من التعكز على قاعدة بشرية بمواصفات معلومة ومحددة. كما أن الجمود الفكري للحركات المسيسة للدين قد وقف حائلا هو الاخر في طريق نموها الواسع ذلك لانها ارتكزت على الفئوية المذهبية وعلى مرتكزات صراع تاريخي لم يعد معظم العرب بل وحتى اغلب المسلمين من العرب يعتدون به كثيرا يضاف إلى ذلك ديماغوجية وتخبط فلسفي حال بينها وبين عامة الناس فاتكأت ببلادة تاريخية على صلة غير مبدئية ولا عقائدية على الحوزات العلمية وما اكتنزته هذه الحوزات من بناء كل جسوره ومواده الرابطة هي الجهل والولاءات العمياء.

إن الفشل التاريخي الفكري والسياسي للتيارات الدينية قد اوقعها في شرك الارتماء في احضان التبعية والتبني من قبل قوى خارجية معلنة العداء لمصالح وطموحات وتطلعات الامة العربية.

وأضخم عملية سقوط سجلت في التاريخ المعاصر للتيار المسييس للدين هي تعاون وارتماء الاحزاب الدينية المحسوبة على العراقيين والعراق مع اميركا وبريطانيا ودول اخرى تحالفت مع هاتين الدولتين ومع اسرائيل للوصول الى السلطة في العراق على حساب اسقاط العراق تحت الاحتلال المباشر للتحالف الامريكى البريطاني الصهيوني الايراني بعد ان تُسقط وتغتال أهم تجربة وانجح تجربة قومية عروبية عرفتها الامة في تاريخها الحديث والمعاصر بعد تجربة بناء الدولة الاسلامية العظمى.

والآن .. وبعد مضي خمس سنوات على احتلال العراق وتسليم السلطة للاحزاب الصفوية مع ذيول مهملة من اتجاهات وتيارات اخرى شهد العراق خلالها أسوأ الكوارث وافجع المصائب اودت واطاحت بكل ما انجزه الشعب العراقي خلال ثلاثين عاما من الكفاح والجهاد والعمل المضني الدؤوب وأطاحت بوحدته الوطنية وحولت شوارعه الى برك من دماء ابناءه ورسمت في افقه ظلاما دامسا لمستقبل يدور في انفاق مظلمة. بعد كل هذا الدمار الشامل والضياع المفجع لاول تجربة تستلم فيها احزاب مسيسة للدين للسلطة في الوطن العربي عموما" وللعراق خصوصا", يفرض السؤال نفسه ... هل يستطيع التيار العروبي القومي في العراق ان ينهض من بين ركام الموت الذي أُريد له أن يقع تحته بأطنان من تكنولوجيات الأسلحة البرية والبحرية والجوية مع حزمة قوانين تذبح بدم بارد أي اثر حي للتيار العروبي؟ وهل يستطيع هذا التيار استثمار الفشل التاريخي للاحزاب الصفوية العميلة وهو فشل يمكن ان يؤشر في اكثر من زاوية واكثر من ركن تتراوح بين السقوط الاخلاقي الحاصل عن خيانتها لمبادئ الوطنية التي لا تقبل القسمة ولا تقبل بأي حال من الاحوال امكانية الوقوع في دائرة اللون الرمادي, وبين فشلها المريع في امتلاك أية رؤية لإدارة شؤون الدولة وسقوطها كذلك ونتيجة لهذا وسواه من العوامل في حلقات فساد قد لا نستطيع مطلقا" إفرازها وعزلها عن الطبيعة البنائية لهذه الاحزاب بل وصار من المؤكد انها جزء لايتجزء مطلقا من التشكيل التركيبي لهذه الأحزاب؟ وأخيرا" هل سيتمكن التيار العروبي من التقاط طبيعة العدوانية والعداء الباطنية التي تتمترس فوقها ومن خلفها هذه القوى ضد بعضها البعض حتى لو بدت وكانها متآلفة صوريا"؟

قبل أن نحاول التداخل مع هذه التساولات وسواها في مقال قادم باذن الله نود ان نشير الى ملاحظة سريعة لكنها ليست عابرة باي حال من الأحوال ... إن واحدة من نجاحات التيار العروبي هو كفاحه المسدد ضد الاحتلال والذي كان من بين ابرز أسباب وضع العملاء والخونة تحت دائرة الطرق الموجع التي أطاحت بمحاولتهم البائسة لاستلام السلطة وان هذا الجهاد البطولي الوطني القومي الاسلامي هو الذي ادى الى كشف عورات أراد لها الله سبحانه ان تُكشف ذلك لأنها الزبد الذي لن يمكث في الأرض .... والى تكملة الموضوع ان شاء الله .

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                            الثلاثاء  /  25  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  01 / نيســـــــان / 2008 م