بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الانتفاضة ... مرة أخرى

 

 

 

 

شبكة المنصور

كاظم عبد الحسين عباس / اكاديمي عراقي

 

سأعمل جاهدا" على أن أنأى بنفسي قدر المستطاع عن الموضوع الذي يجعل أهل (الانتفاضة) يلاحقونني بالشتيمة أو بالخناجر ومن هم (ضد الانتفاضة)، كيما لا يقدموا براهينهم على انها كانت فعلا" شائنا" ولم تكن انتفاضة فأنا في غنى" عن الجبهتين لأسباب بسيطة أولها اني لا أمتلك القوة ولا الإسناد الذي يجعلني قادرا" على مواجهة أسلحة أهل الانتفاضة لأنهم يمتلكون من الاسلحة ما يكفي لابادة أمة كاملة وليس أنا لوحدي بعد ان صارت أسلحة أميركا وحلفاءها كلها تحت تصرف وفي خدمة أهل الانتفاضة, كما اني لست بحاجة الى نصائح (شهود العيان) بان الله ورسله وأئمته وأولياءه سيظلون غاضبين الى يوم الدين على من يسميها (انتفاضة) بل هي (كارثة وطنية)، ذلك لأنني من الذين عايشوا أحداث عام 1991 بكل تفاصيلها, بمعنى اني أيضا" شاهد عيان.

الذي لا يختلف فيه اثنان ان احداث عام 1991 كلها هي عبارة عن جرح غائر في الجسد العراقي كله. وهذه العبارة على ما اظن هي الوصف الأنسب لما جرى من أحداث جسام في حياتنا كعراقيين وهي قابلة للتصريف الوصفي والانشائي والقانوني وفقا" لهوى كل الأطراف دونما قيد أو شرط. ولكن الأمر الذي لا يقبل التفاوض أو الاجتهاد اطلاقا"، هو اننا إن ناقشنا أحداث ذلكم العام فيجب ان نناقشها بما يخفف جراحها ويضع البلاسم والمضادات الحيوية والأدوية على مواضع تلكم الجراح انطلاقا" من مصلحة العراق التي يجب أن تعلو فوق كل المصالح وتذوب تحت قدراتها الوطنية الخالصة اية قدرات تعود الى النظام الذي واجه الأحداث أو الأشخاص والفئات التي مارست أو عاونت وأسندت تلكم الاحداث. ان علاج الجروح الغائرة في جسد أمة ما وبلد ما لا تتم بحرب كلامية بين طرفي الحدث ولا بانتقام بالاعدام أو التصفيات الجسدية أو الاعتقال أو التهجير ضد طرف متهم بإبادة (الانتفاضة)، وهو الدولة وملايين الناس التي كانت تؤيد الدولة بعد أن اسقطت أميركا وحلفاءها تلك الدولة وجلبت (أهل الانتفاضة)، لتهبهم كراسي الحكم والقدرات الخارقة على الانتقام والثأر الذي أقل ما يقال عنه انه قد عمق الجرح العراقي ووضعه في دهاليز الدمار والخراب خاصة وان ما حدث بعد (التحرير الامريكي ) هو قرين ونظير أمر وأدهى من ذلك الذي جرى عام 1991.

ان علاج الجروح الغائرة في جسد الأمم وبلدانها يتم بالعودة الى حكم القانون وعدالة النظام وديمقراطية شفافة مطلقة في محاكمة الأحداث ونتائجها ومسببيها افرادا" ودولا" وفئات, هذا إن كنا نبحث عن الموضوعية في العلاج والتشخيص لمصلحة وطنية تتسامى فوق الأنانيات الحزبية والشخصية وهي في ذات الوقت كلمة سواء امام الله والناس والتأريخ.

أما ان (ينتصر أهل الانتفاضة) بسلاح وجيوش أجنبية، ويبدأون في نفس اسبوع استلامهم لمهام الواجهة تحت حراب الاحتلال بقتل الناس وتدمير البلد كله مستندين الى محاكم (شرعية) أُقيمت في قم ومشهد وممثليات قم ومشهد في كربلاء والنجف فاننا ازاء صورة لا تمت الى العدالة بصلة ولا الى القانون أو الشرع بأية صلة بل انها في أقل وصف عمل عدواني اجرامي انتقامي ليس ضد من توجهت اليهم سهام القتل والتدمير فقط بل ضد الوطن قبلهم وأكثر أهمية منهم لاننا جميعا زائلون بحكم الله الحق في الوقت الذي نريد للعراق أن يكون بيت الجميع وخانة شرفهم وعزتهم. وعلى المعنيين بانتفاضتي 1991 و2003 أن يدركوا بان الله والتأريخ وقيم الرجولة والوطنية لن ترحم استقواءهم بالأجنبي على العراق والعراقيين وعليهم أن يدركوا تماما" ان الملايين من أبناء العراق يسكتون اليوم على إدعاءاتهم وتوجهاتهم أما خوفا" من بطشهم الذي تجاوز كل محطات البطش في التاريخ القديم والحديث واما (تقية)، وكلا السببين سينتهيان يوما" ما. وجُل ما نخشاه ان يتحول ضحايا الانتفاضتين الشقيقتين التسعينية والالفينية وهم كثر جدا" الى جلادين من طراز أمر وأدهى عندما تدور الدوائر وتتغير موازين القوة ويغادر الامريكان والفرس وتنكشف ظهور (السادة)، حينذاك نكون قد خسرنا أكثر من خسارة وأجل الخسارات وأعظمها اننا عاونا ابناء وطننا على أن يلتمسوا لانفسهم العذر في ساديتهم القاتلة المدمرة .

ان الادعاء بان الشعبانية انتفاضة، والتأسيس على ذلك بقتل واعدام ومطاردة الشعب والجيش وكوادر الدولة التي تصدت لها واوقفت فعلها الذي رأيناه بأم أعيننا وخبرناه بأنفسنا ولم نسمع أو نقرأ عنه، هو ادعاء قد يُقبل هنا وهناك ومن هذا الطرف أو ذاك الاّ ان الملايين من شهود العيان العراقيين من حقهم أن يتساءلوا أنْ كيف أعطى أصحاب الانتفاضة الحق لأنفسهم بعد ان استلموا السلطة بان يصيروا قضاة وجلادين، وخصم وحكم في آن واحد تحت ظل وضع يحكم فيه الامريكان البلد؟ وان هذه الملايين هم الآن ساكتون بحكم الظرف، الاّ انهم سيتكلمون بل سيصرخون في اللحظة المناسبة وعندها سيخسر أهل الانتفاضة كل ممتلكاتهم المادية والاعتبارية ويضيعوا في مهب الريح لانهم بلا سند قانوني أو شرعي وبدون أي انجاز سجلوه للبلد ولانفسهم حتى لو اعتقدوا مع ذواتهم انهم يمتلكون هذا السند لان هذا الاعتقاد هو محض وهم يشبه وهم النعامة. ان الطبيعة البشرية غالبا" ما تمنح حقا" مقدسا" لذاتها بانها تقف على حق مطلق وغالبا" ما ينسحب هذا الحق المطلق والاحساس والعمل تحت طائلته الى تصرفات الافراد ضمن الحالات الجمعية من احزاب أو كتل أو تيارات. ان الموضوعية في أدنى درجاتها تمنع الانحدار نحو هاوية الذاتية المدمرة أو على الاقل تحاول تحجيمها وصولا" الى أدنى قدر من التوافق الانساني في المواقف المتضادة أو المتناقضة.

ان الاستناد الى الموضوعية كقانون حياتي ليس في صالح أصحاب الانتفاضة في إعطاء فعلهم الثأري الانتقامي المدمر صفة الحق والتفويض المطلق خاصة وانهم يعتبرون أنفسهم منتصرين وفق قدر رباني يتوسل باطروحة البقاء للأصلح، واستخلاف الصالح بدل الطالح. فكيف للصالح اذن وصاحب التفويض المقدس ان يتحول الى قاتل مجاني لآلاف البشر؟ وكيف لمن يدعي الصلاح والاصلاح أن يُجذر بكل قواه الذاتية والموضوعية فكرة الانتقام والقتل لأُناس عزّل ومغلوبون وفق منطق القوة والغلبة، مع ان التفويض المقدّس يُغلّب ويفضّل العفو عند المقدرة !!! ويُغلّب الصفح حتى مع الاقرار بقانون العين بالعين والسن بالسن الذي يستند أصلا" الى قاعدة المعرفة الصرفة بالجاني والحق المطلق للمجني عليه حصرا" وتحديدا" وليس أن يتم الجزاء بناءا" على الشبهات أو لمجرد الانتماء الى حالة جمعية متهمة !. هكذا يكون الفعل ليس عينا" بعين التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون قصاصا" عادلا" وميثاق حق، بل هي هكذا محض تصرف أهوج مجبول باسوأ صفات القبلية والعشائرية المقيتة.

هكذا اذن نكون أمام تعريف لانتفاضة سالت فيها دماء زكية طاهرة من أبناء شعبنا كله ودُمرت فيها بناه التحتية كلها وخسر فيها ما خسر وفوق كل هذا وذاك فاننا نكون ايضا" ازاء ضياع تام في تحديد على من تقع مسؤولية ما جرى فنخسر مرتين، مرة أدمت فيها الانتفاضة بفعلها الفوضوي قلوبنا فاغتسلنا بالدماء ثم عادت الانتفاضة ذاتها لتغتسل من جديد بدم العراقيين !!!. ان تكرار الانتفاضة مرتين في ظرف عشر سنوات هو إدانة للانتفاضة من زاوية حادة واحدة على الاقل هي انها أرادت بذلك ان تطمس بوصلة التقييم والمسؤولية وبذلك يكون كل ما انجزته الانتفاضة هو دم ودمار في 1991 و2003 مضافا" له تحويل المسؤولية الى محض وهم يمسكه الطرف المنتصر بفعل دبابات الاحتلال وثأر سيكون له وقع كارثي حين تحين ساعته لملايين العراقيين الذين ساقتهم الانتفاضتين الى الدمار والهلاك.

وثمة أمر آخر أجد انه لا يصب اطلاقا" في خانة مصلحة أهل الانتفاضة ألا وهو ارتباط فعلها ونتائجها وما آلت اليه الأحوال في البلد تحت عتلات اتجاهات حركتها ب(السيد). والسيد هذا عرفه أهلنا على انه انسان يفعل الخير والمعروف وتشرّفوا بالسير وراءه ليس لشخصه، بل لشرف انتسابه الى سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وآله وسلم والى عترته الطاهرة وأهل بيته الكرام علي والحسن والحسين وموسى الكاظم سلام الله عليهم أجمعين فاذا بأهلنا يرونه الآن في صورة أخرى غير الصورة التي اعتادوا عليها. فهو الآن ينزع عمامته ويقتل وينزع عمامته ويجلس فوق هامات البشر ويكون من أجسادهم وهياكلهم كراسي يحكمهم من خلالها بكل أنواع الاستهانة والبطش والتنكيل. بهذا يكون ليس سيدا". ان الانتفاضتين قد أسستا بكل نتائجهما الى ان السيد الذي يحيي الانتفاضة الاولى والذي ركب الكراسي التي وصلت اليها الانتفاضة الثانية بقوة اميركا واسرائيل وايران ليس سيدا" ينتمي كما عرفناه واحترمناه وأطعناه وسرنا خلفه بدءا" من مشايخنا ووجهاءنا وحكامنا وانتهاءا" باللطامة الى هواشم العرب بل هو تعريف مختلف جذريا". وليكن جميع السادة على يقين هم ومن يقلدهم بعمائم بيضاء أو بقمصان مقفلة الرقبة دون ربطة عنق انهم فقدوا الهيبة والاحترام الحقيقي وان رأوا شيئا منه الآن فهو مخادع ومرائي ومنافق وتلك احدى نتائج اللهاث وراء انتفاضة ينقصها التعريف الدقيق للانتفاضة حتى لو حلا للبعض ان يسميها عفوية وهي ليست كذلك قطعا" بل مخطط لها باتقان ونفذت باتقان وحققت كامل غاياتها باتقان سواءا" ما هو متعلق منها بالقتل المجاني للعراقيين أو بتصفية البنى التحتية للبلد من البصرة حتى أسوار بغداد.

ان على الذين يتغنون بالانتفاضة ان ينظروا قليلا" أبعد من انوفهم لأن هذا الانتشاء لم يصلوا اليه بقدرات استندت اليها الانتفاضتين، بل بقدرات اميركا وهو انتشاء يرقص فوق جثث مئات الآلاف من ابناء العراق الجريح ويهرول فوق محطات ومسالك الاقصاء والتهجير والتعذيب والاعتقال التي أدت الى ايذاء الملايين من العراقيين وفي هذا تأسيس لحلقات من حقوق نُهبت واغتصبت وثمن لدماء سالت من غير وجه حق وان الله سبحانه كفيل باعادتها طال الزمن ام قصر. وان على السادة المطبلين والراقصين ان يعودوا الى رشدهم لانهم بحاجة الى إعادة حسابات خسائرهم الخفية والظاهرة على ساحة العراق.

نحن نعرف البير وغطاه ونعرف كل ما حصل, ونحن هذه تعني الملايين من العراقيين الذين وضعهم السادة المنتشوون خلف ظهورهم وكأن الله لم يخلقهم , نحن نعرف ماذا جرى خلال الانتفاضة وكيف جرى وبارادة مَن وبقوة مَن. وستحين الساعة التي ستفتح فيها فضائيات العالم كله لتسمع شهادة الملايين ممن أضرتهم الانتفاضة وستسمع صوت العراق الى جانب هؤلاء. وعندها سندعوا الى محكمة عدل دولية تحاكم كل الاطراف ليعرف العالم حقيقة ما جرى. نعم محكمة دولية يستمع اليها كل العالم لاننا اكثر حكمة من أصحاب الانتفاضتين، ولن نكتفى بالصراخ والهرج الاعلامي واضعين رؤوسنا في الطين مصدقين ان هذا الهرج والتهويل الاعلامي سيُكتب له الخلود. سنحتكم الى القانون الدولي والى العدالة والديمقراطية دون ان نفترض ان الادانة حاصلة سلفا" حتى لو كان السيف بيد من هم ضد الانتفاضتين لاننا نعرف ان الملايين من ابناء شعبنا لم يسمعوا بكلمة انتفاضة ولم يروا أو يسمعوا عن مقابر جماعية الى ان تسلط على رقابنا اهل الانتفاضتين بعون من اسرائيل وامريكا وايران فجعلوا من الانتفاضة والمقابر الجماعية نغمة أطرشت آذان العالم على طريقة كذب ثم كذب ثم كذب حتى يصدقك العالم.

ان انتهاج سياسة الحكم والخصم لم تعد تنطلي على أحد بتاتا" وان من يصفقون لها ويباركونها لا يزيد عددهم على عدد سكان المنطقة الخضراء مع الاقرار بدوافع هؤلاء البعيدة كل البعد عن العدالة ومضامينها والتصاقهم المريع بالمحتل ودولته مما يجعل كل شهاداتهم ومواقفهم لا تبعد سنتمترات عن لعبة الاحتلال واعوانه وواجهاته وقد سجلوا على انفسهم واحزابهم مثالب وانحرافات لن يغفرها ابناء العراق. ان محاكمة الاسرى عند القوات الامريكية هي مسخرة من بين اكبر مسخرات نتاجات مرحلة ما بعد الاحتلال وعنوان يُدمي القلب والضمير من عناوين انصياع الاطراف الحاكمة تحت حراب الاحتلال والاحزاب التى ادخلها المحتل أو التي تأسست تحت خيمة الاحتلال وهي بالتاكيد عار تأريخي على الاحتلال وأدواته. واذا كان رئيس وزراء حكومة الاحتلال يعتقد بان البعثيين أصحاب عقول مريضة دون أن يكون له أي دراية لا بالطب ولا بفسلجة الدماغ، فاننا أصحاب اختصاص ونقول له: انه هو ومن يحكم بحراب الاحتلال بلا عقول أصلا" ونزعم أن صاحب العقل المريض شريف قد ينام في العراء الاّ ان من لا عقل له قد ارتضى لنفسه أن ينام في خيمة صهيونية أمريكية تحت خيمته الفارسية وشتان بين الحالتين.

 

 

 

 

شبكة المنصور

                                         الخميس  /  13  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  20 / أذار / 2008 م