الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

أميركا مجرمة والزمن ينخر غطرستها ويقبح قبحها
( المحاكم وأسرانا الابطال شواهد حيّة )

 

 

شبكة المنصور

كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي _ بغداد

 

الوجع الانساني أنتج حضارات، من فن أصيل بديع، وعلوم عميقة، عاونت على تخفيف الوجع، وأنتج أيضا" ثورات عملاقة غيرت وجه الكون. المعاناة حركت الشعوب عبر التأريخ الطويل لانتاج السعادة فكرا" والسعادة تطبيقا". الخوف حرك عوامل ربانية في وجدان وضمير الانسان لاستكشاف مواقع أكثر أمنا"من الغابات والصحارى والقرى العتيقة، فبنى المدن، وسنّ القوانين والدساتير لتحجم شريعة الغاب وقوانين القوة الغاشمة الفطرية البدائية. التطلع والرؤى أوصلتنا الى ان الفعل الجمعي هو الطريق الامثل لعبور محن التناحر الفردي الذي ساد غابر الازمنة. وبقدر ما كان التوجه الجمعي حلا" ناجعا" لحل المشاكل، وللوصول الى التطلعات التي يستحيل تحقيقها فرديا"، فأنه قد أفرز أسلحة القتل الجماعي وقاد الى المعاناة الجماعية في معادلات خارقة أستخدمت الفردية والجمعية معا" لتحقيق أهداف قد تكون قذرة بل في غاية القذارة فيما يبدو انه قانون طبيعي سائد، أساسه أن لا مفيد مطلق من غير اضرار جانبية!.

أميركا تمثل الفعل الجمعي المعاصر الذي أطر المنافع الفردية او شبه الجماعية لجلد كل منجزات الانسان التي أطلق عليها مسميات التحضر والتمدن فيما يبدو عليه عودة غير حميدة الى شريعة الغاب، قد يكون مسوغها وسبب الانتكاس صوب هاويتها هو ادراك المحافظين الجدد، ان تكريس المصالح الفردية أو شبه الجمعية في مواجهة الموازنات العالمية التي احتفى الانسان بها منذ بضعة قرون قد اقتضى العودة الى شريعة الغاب خاصة بعد ان أسقطت قوة الموازنة الدولية (الأممية) في نجاح كان سهل المنال وأبدلتها بشريعة غاب عاهرة أسمها (العولمة).

الكارثة الحقيقية التي حلت بالعالم هي ان أميركا تريد أن تؤطر شريعة الغاب بنوع من المشروعية التي اقتنعت انها سبيلها الوحيد لتكريس سيطرتها على الكون واستغلاله لمصالحها ومصالح شركاؤها (الفرديون فقط) لمنحها قدر ونوع من الشرعية الشكلية الواهمة. أميركا العائدة بالعالم الى الوراء نحو هاوية سحيقة، أغتيل فيها القانون والعدالة والديمقراطية والشفافية وجميع الانجازات البشرية التي تحققت منذ القرون الوسطى والى يومنا القائم، تريد ان تعطي لهذا التراجع المريع (ماكياج) يلمع مظهره ويهبه جمالا" مصطنعا" سرعان ما يتوارى خلف حقيقة قباحة الافعال ودناءتها وسقوطها الاخلاقي المدوي...

أميركا بما تقوم به الآن هو باختصار شديد، زنا" مفضوح تريد أن تجبر العالم على انه يقبله على انه زواج شرعي، وارتداد بعجلة الحضارة الانسانية الى هوة سحيقة مع اصرار غبي على إجبار العالم على الاعتقاد بأنه تقدم الى أمام.

فاحتلال العراق وتدمير دولته العريقة لتحقيق الغايات الأمريكية الصهيونية وقتل مئات الآلاف من أبناءه وأعتقال عشرات الآلاف وتهجير الملايين وتقويض البنى الاجتماعية للبلد وذبح مكونات التناغم والانسجام والتعايش بين ابناءه وشرذمة وحدته الجغرافية والسكانية كلها جرائم نكراء وبشعة وفق كل قوانين الارض والسماء... الاّ ان اميركا ترغم العالم على التعامل معها على انها مكرمة جزيلة لشعب العراق ولشعوب المنطقة بحجة واهية مثقبة الرداء أسمها الديمقراطية التي وصل المحافظون الجدد (الصهاينة) الى قناعة راسخة ونهائية انها الثوب الذي لا بديل عنه لستر عورة التوجهات الحقيقية في السيطرة واغتيال ارادة الشعوب والامم لصالح الامبريالية واسرائيل وتصدير النهج الصهيوني الجديد عبر مؤسسة الادارة الامريكية المتصهينة والمتحالفة مع هذا النهج. الديمقراطية رداء مستقر الهيئة والشكل مقارنة بادعاءات أخرى قد فشلت وتهرأت مثل امتلاك أسلحة محرمة دوليا" واقامة علاقات لا تتوافق مع الهوى الامريكي.

في الوقت الذي انجز العقل البشري فيه واحدا" من أهم انجازات التواصل بين الشعوب في ثورة مميزة، هي ثورة الاتصال، للتزاوج بين الحضارات وتنتشر عقلية الصداقة والمحبة ومد الجسور، لانجاز أضخم هدف حلمت به البشرية وهو التفاعل الحضاري الخلاق متعدد الروافد. في هذا الزمن المبهر تخرج علينا أميركا في حلة استعمارية جديدة لذات الاهداف الاستعمارية الاحتلالية القديمة، ثم توغل في غباء مشهود لتعطينا الامثلة على تحضرها وتمدنها المقرون بقذائف الفسفور والصواريخ الموجهة والقنابل العنقودية وكل ما هو معلن وغير معلن من أسلحة الدمار الشامل لتغرق العالم في انبهار مندهش كستار لاحتلال العراق وتدميره وقتل شعبه والسيطرة على قراره وارادته الوطنية والقومية في معادلة مقلوبة ومشوهة، هي معادلة التخلص من أسلحة مزعومة ومفترضة باستخدام أسلحة فعلية للتدمير الجماعي.

وبعد خطف الأبصار في سياسة الابهار هذه المعتمدة على تقنية زومات سريعة وخاطفة يتم الانتقال الى مسرحية تراجيدية، اذ تؤسس اميركا محكمة (عراقية) لاغتيال القيادة الوطنية العراقية وتبدأ بالصراخ والتطبيل الذي مزق آذان العالم عن عدالة هذه المحكمة وشفافيتها، وها نحن نرى ان العالم مرغم على القبول لاول في تأريخه القديم والجديد على أن يحاكم شعب تحت الاحتلال، ومرغم أيضا" على القبول ان المحكمة عادلة وقانونية.

ان اميركا بفعلها هذا قد جلدت انجاز البشرية العظيم في المعاني الحقيقية للسيادة في مفاهيم القانون والعدالة وأرجعتها الى شرائع الغاب. ان سلوك بوش وادارته المتصهينة في محاكمة القيادة العراقية الاسيرة قد مرّ لحد الآن دون أن يواجه رد الفعل الأنساني على هذا الانتكاس والنكوص في تمدن وحضارة البشرية في ما يبدو عليه سبات خوف من قانون الغاب وشرعة الموت الديمقراطي... تماما" كما مرّ الفعل الاكثر بشاعة والباب الذي دخلت منه كل رياح الفعل النتن العدواني الشائن ضد العراق وشعبه ألا وهو الاحتلال.

المحكمة العادلة الامريكية في العراق أسست وتشتغل في ظل الاجواء الآتية:

1. الحكومة منصبة من الاحتلال وتشتغل تحت حمايته وتسييره العلني والسري.

2. قانون المحكمة وضعه الاحتلال.

3. الحكام والقضاة والادعاء عينهم الاحتلال.

4. الاحزاب المسيطرة وميليشياتها المسلحة جلبهم الاحتلال وسلطهم وهي خصم سياسي وفكري وعقائدي وتاريخي للقيادة الوطنية الأسيرة.

5. لا يحق للمتهمون الدفاع عن انفسهم الاّ وفق ما يراه القاضي وما يتناسب مع مزاجه مع عدم وجود محامي دفاع .

6. يتم تصفية محامو الدفاع جسديا" وإن لم تتمكن المليشيات من تنفيذ عملية الاغتيال, فان المحكمة وحواشيها تعاملهم بطرائق مهينة وغير لائقة ولا قانونية بل وتهمش وجودهم وتسخر من ادوارهم لارغامهم على الانسحاب.

7. تتم المحاكمات (عادة )من غير وجود فعلي لمحامي الدفاع.

8. شهود الاثبات اعضاء في المليشيات والاحزاب الحاكمة كما هو حال بقية موظفي المحكمة.

9. يتم اغتيال أو تغييب شهود النفي أو يحاصرون بوسائل غير قانونية مع ان الظروف كلها طاردة اصلا لمثل هؤلاء الشهود.

10. قرارات الحكم أصلا صادرة والمحكمة ماهي الا مسرحية كوميدية .

كل مكونات المحكمة وخلفياتها واسنادها خصوم بل أعداء لدودين وما زالت اميركا تتكلم عن عدالة! أوَ ليس هذا بعينه الانتكاص نحو هاويات التراجع المخجل للبشرية؟

ان منطق القانون يفضي الى ان المحكمة باطلة شكلا" ومضمونا".

خمس سنوات خلت وفي العراق عدة غوانتناموات, محجوز فيها العشرات من أعضاء القيادة العراقية الوطنية الحزبية والعسكرية والادارية (فضلا" عن عشرات الآلاف من العراقيين الابرياء). وما تسرب من اخبار غوانتنامو (ابو غريب) قد جادت به صفقة بيع للمعلومات بين ابطال سيرك التعذيب الوحشي الذي لم يُمارس شبيه له حتى في غوانتنامو الكوبية من قبل مارينز أميركا واستخباراتها العسكرية ومخابراتها وبين اجهزة الاعلام الباحثة عن سبق الاعلان عن الفضائح والتمثيليات الوحشية التي تؤرخ لعودة البشرية الى أيام الوجع والمعاناة. غير ان حضارة الثقب بالدريلات الكهربائية والحرق الجزئي للاعضاء وخاصة الحساسة منها والقطع الجزئي للاطراف والاغتصاب والتدمير السايكولوجي التي تمارسها عناصر منتخبة من ميليشيا بدر والدعوة والجلبي والصدر واطلاعات الايرانية تحت اشراف وتوجيه الامريكان والانجليز في معتقلات بوكا والمطار وغيرها مازالت طي الكتمان والتستر, ربما ,بانتظار صفقة خرق اعلامي جديد يقدمها للعالم. ويقينا ان العديد من شركاء اميركا في العودة بالبشرية الى شرائع الغاب وعدالة الوحوش يعلمون ويعرفون بما يجري ... لكن ظرورات انجاح مسيرة نظرية تسييد الصقور الصهاينة تقتضي غض الطرف.

لماذا مرت جريمة وحشية كجريمة التمثيل بجثمان الرفيق الشهيد البطل محمد حمزة الزبيدي بعد وفاته تحت التعذيب في المعتقل وتسليم الجثمان الطاهر الى المليشيات المجرمة كي لا تكتشف اثار التعذيب الوحشي الذي تعرض له رحمه الله وأدى الى استشهاده حيث تم التمثيل بجسد مسلم ميت بطريقة يندى لها جبين البشرية؟

كيف يسكت العالم على مسخرة محاكمات صورية يقوم بها حكام وقضاة جل مؤهلاتهم هي الحقد الدفين والثأر البدائي الاحمق والعقد السلوكية والاخلاقية ممن تعاقد معهم الاحتلال على أن يمنحهم حق اللجوء بعد انتهاء ادوارهم، وبعضهم قد تعاقد معهم مقابل سكوته على انحرافهم الخلقي والسلوكي وفضائحهم المصورة في الليالي الحمراء لدولة المنطقة الخضراء. وبعضهم قد فضحهم اسيادهم حكام المنطقة الخضراء بعد انتهاء أدوارهم المخجلة في ملهاة أميركا الديمقراطية المضحكة المبكية.

وأكثر ايلاما" من هذا هو لماذا يسكت شعبنا بكل فئاته ووجهائه ورجال دينه وشيوخ عشائره عن جريمة اهانة وايذاء وقتل واحتجاز عراقيين شرفاء لم يعرف تأريخ العراق القديم ولا الحديث اخلاصا" مثل اخلاصهم لبلدهم وشعبهم. ولم يقدم حاكم طيلة تاريخ الامة ماقدموه من انجازات لخدمة الشعب وتقدم وتطور البلد.

متى ستنطلق شرارة الغضب العراقي العارم؟ ومتى سترفع رايات العراقيين الشرفاء لايقاف وحشية الاسر ضد عراقيين استظل شعبنا بأفياءهم عشرات السنين وغنى لهم فنانونا وألف لهم شعراءنا وأهتزت أرض الرافدين تحت دبكات أهازيج الملايين ممن كانوا يرجون رضاهم والتقرب من جودهم وكرمهم وسماحة اخلاقهم وعدل حكمهم ونبل عقيدتهم وشرف انتمائهم للدين وعقيدة الامة ؟

متى يتألق الوجع العراقي ليرفع الحيف عن رفاق العقيدة ممَن حموا العراق وأعزّوا شعبه وبنوه نموذجا" سطع بألقه في عالم الامتين العربية والاسلامية، وأطلّ باقتدار نادر المثال على نموذج العالم المتحضر والمتقدم؟

متى يتحول العراق من أم قصر حتى دهوك الى بندقية تعيد للعالم وجهه المتمدن الذي سرقه وحوش أميركا المتصهينون وعملائهم الخونة؟. الخطوات بدأت منذ يوم 10/ 4 /2003 فأسقطت في وحل العراق مشاريع النكوص بالعالم الى الوراء وما بقي الاّ أن تتسع دائرة الفعل ليُذبح الوحش ويُخلص العالم من شروره.

ولكم الحرية والمجد التليد يا رفاق البعث الشجعان حيث انتم صورة الامة المنتصرة ودربها المؤدي الى الخلاص والتحرير. عشتم أحرارا" نبلاء شجعان ما لواكم الوجع الشخصي كي لا يتوجع جسد العراق الذي استظل بكم وزهى حينما كان خطوكم يخط العز والامان وشرف الانتماء. وعاش العراق وعاشت المقاومة البطلة ومجدا" لشهداء البعث من قائده الامام صدام حسين عليه السلام مرورا" بقوافل البطولة الفذة الرسالية لمن قضى نحبه شهيدا" خالدا" أو لمن ظل ينتظر دون أن يبدل وكأنه صرح من صروح الرجولة النادرة مثالا" ونموذجا" لعقيدة البعث الرسالية الخالدة وشعارها البطولي (الشهادة درب العقيدة).

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                              الاحد  /  13  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  20 /  نيســـــــان / 2008 م