لن تعمر أميركا العراق .... أبدا

 

 

 

 

شبكة المنصور

كاظم عبد الحسين عباس / اكاديمي عراقي

 

من توهموا وأوهموا معهم بعضا" من أبناء شعبنا, ربما ليس بشكل متعمد وربما متعمد, عليهم أن يعيدوا الحساب لأن العراق لن يكون أبدا" نموذجا" اخر يُضاف الى نماذج اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية.

حتى لو ظلت أميركا في العراق الى سنوات طويلة فانها لن تعمر البلد. لن تبني به صناعة ولن تؤسس تكنولوجيا. لن تبني نظاما" تعليميا" متطورا" ولن تغيّر أنماط التعليم العالي بضخ أدوات القياس والتحليل وسبل البحث العلمي الأخرى. لن تكون هنالك زراعة ووسائل استزراع وري حديثة وقابلة للتطور, لا لن يحصل هذا ابدا". لن يصنع العراق دبابة أو مدفع أو صاروخ، ولن تنمى فيه الخدمات حتى الى نصف ما كانت عليه قبل الاحتلال.

وان قامت أميركا ببعض مظاهر الاعمار فانها لن تعدوا المظاهر فحسب.

ان اليابان والمانيا وكوريا نماذج لها ظرفها المكاني والزماني ولكل منها غايات امريكية تستدعي بناء النموذج المتقدم والمتطور. لكن العراق لا يمكن ان يدخل في هكذا نمذجة لأن ظرفه الجغرافي وزمن الاحتلال الامريكي يستدعي ان يبنى فيه نموذج من نوع آخر ... نموذج متخلف.

فالعراق بلد على حافات التماس مع اسرائيل ولا يستطيع العقل الامريكي أن يجازف ببناء بلد عربي ويعمره لانه لا يستطيع وفق أي منظور كان أن يضمن التأثير السلبي لعراق معمر ومتطور على مستقبل الدولة العبرية. ومن يشتهي أن يجادلنا في هذا فاننا عند ذاك سنقول انه ليس واهما" بل يتعمد الخوض في الوهم وسنقول انه مجرد داعية للامركة من مارينز العرب مع اننا لم نتمنى في حياتنا أن نطلق مثل هذا الوصف على عربي ولكننا مرغمين على ذلك.

والعراق يجاور ايران وتركيا وكلاهما ترتبطان بمصالح متشابكة مع الغرب الاوربي واميركا ليس بوسعها تجاهلها وكلا البلدين يمد عنقه على العراق وثرواته وطوبغرافيته السياسية والسكانية بطريقة لا تلتقي ولا تتطابق ولا تنسجم بالكامل مع مصالح وارادة الشعب العراقي العربي المسلم. وعراق متطور ومقتدر سيكون معضلة لايران وتركيا بهذه المعاني في زمن السلم وفي زمن المشاكل. ومن يجادلنا في هذا فاننا مرغمون على ان نقول انه ضعيف في علم التأريخ والجغرافية وليس له القدرة على التحليل المنطقي. وعسى ان لا يفهمنا متحذلق نبه على اننا نؤسس لعداء أزلي مع جيراننا والعياذ بالله بل اننا أمام الله نؤسس لفهم نريده ان يكون جيدا" ومعمقا" للكيفية التي نحمي بها بلدنا.

العراق المتطور المعمر خطر على اميركا فوق هذا وذاك, لان جسور الثقة لم ولن تكون من النمط الذي يجعل اميركا مطمئنة ان العراق سيبقى محسوم الولاء لاميركا وسياساتها في المنطقة وفي العالم كما هو الحال مع النموذج التركي المجاور مثلا". فالامريكان يدركون عمق جذور العروبة في العراق ويعرفون ايضا" ان العراق يتمترس فوق هذه الترسانة العقائدية الضخمة (العروبة) التي حتى لو وهنت في وحدة زمنية معينة، الاّ انها لن تموت أو تبلى ابدا" والى جانبها يستند العراق الى جذره الاسلامي (الخاص جدا") والمختلف عن درجة انتماء كل من ايران وتركيا الى الاسلام لان العراقيين دخلوا الاسلام العربي مع الادراك العقلي إن لم يكن الامثل، ففي حدوده الدنيا في حين دخل الآخرون بحد السيف العربي المسلم. ان هذه الاشكالية الحقيقية تجعل اميركا امام خيارات حتى عسلها حنظل. لان التوجه لبناء عراق بنموذج اليابان أو المانيا يمكن ان يحصل في حالة واحدة فقط وواحدة لاغير، ألا وهي ان يستوطن الاحتلال الامريكي العراق الى الابد. وهذا الاحتمال سيكون ثمن الولولوج فيه لا يطاق ولا تستطيع اميركا دفعه مطلقا". ان أحد اسباب احتلال العراق هو لتغييب اسلاميته وعروبيته وهو هدف ما زال بعيد المنال.

ان الحديث عن مسؤولية اميركا في ايقاف عجلة الاعمار منذ الاحتلال والى يومنا هذا يتكرر بطريقة مقننة من قبل السياسيين والاحزاب التي تستلم الوزارة فلقد سمعناه في زمن الجعفري في نغمة نشاز أُريد لها ان ترمي بلائمة الفشل الحكومي الذريع على الامريكان لتحقق غرضين في آن واحد وهما الايحاء بعدم ولاء حكومة الجعفري لاميركا وقد سخر العراقييون من هذا المنطق لانهم شاهدوا الجعفري وهو محمي بدبابات ومصفحات وعساكر اميركا اينما حل وارتحل، والغرض الثاني من هذا الطرح هو البحث عن فرص التجديد لعهد الجعفري وهو الامر الذي لاقى الفشل هو الآخر.ويتكرر الطرح الآن من قبل البعض بذات الاتجاهات ولنفس الغايات الساذجة التي تتعكز على مسوغات واهية تماما" ولكن هذه المرة يبدو ان ثمة ايحاءات جديدة له. ان البدء بحملة التشويق لمرحلة ما بعد الانتخابات القادمة هو المقصود. ابشروا أهلنا فان الاعمار الامريكي قادم حين يفوز العلمانييون !!!. والمصيبة اننا لا نعرف من هم العلمانييون وكيف يتم تطبيق العلمانية في بلد يحكمه المستشار الامريكي الجالس في مكان ما فوق رأس كل مدير عام ووزير والسفير الامريكي الذي يقود العراق ويحكمه حقيقة وواقعا"، ولم يقل لنا أحد لمَ لمْ تبدأ اميركا باعمار العراق عند استلام علاوي العلماني رئاسة الحكومة المؤمركة. اذن الحديث عن اعمار في العراق عبث وتوهيم لان في العراق صراع دموي وفي العراق صراعات سياسية وفي العراق كوارث اقتصادية واجتماعية تغذيها الدولة المحتلة بعد ان وجدت ان وجودها واحتلالها غير متفق عليه عراقيا"، وان هنالك مقاومة حقيقية لهذا الاحتلال فقررت اميركا ومن معها أن يكون بقاءها في العراق مرتبطا" بكل مظهر من مظاهر الرجوع العكسي الى الوراء وليس الى التطور. وسنجد من يقول ان المقاومة قد أعاقت الاعمار، وهنا ندخل في نفق لا نهاية له نطرح فيه الخيار بين أرجحية التحرير وبين وهم الاعمار وطرفي الحوار في هذه الجزئية هم عراقيون يريدون التحرير ولا شيء غير التحرير ومتأمركون يريدون السلطة ويجعلون شعبنا يعيشون في الوهم لا غير.

أمر آخر ليس بوسع أحد ان يتجاهله وهو يحاور فكرة أو موضوعة اعمار العراق وهو ان الائتلاف (الشيعي) هو مجموعة احزاب كانت ضمن خطة اميركا لتغيير النظام في العراق بعد احتلال البلد وانه كان جزءا" من خطط بناء النظام الجديد وما يسمى بالعملية السياسية وكان الائتلاف ولا يزال يقيم علاقات أكثر من حسنة مع اميركا، وعلى جميع الأصعدة واكثرها وضوحا" لا يقبل اللبس هو علاقة الحكيم بالبيت الابيض وعلاقة المالكي بالبيت الابيض. فكيف يقنع العراقيين من يتحدث عن افتراق شيعي حاكم عن موقف الجهة المحتلة للبلد والتي ساندت استلام الائتلاف للسلطة للحد الذي تمتنع فيه اميركا عن اعمار العراق بسبب وجود الائتلاف في الحكم .؟ ألا يكفي ضحكا" على ابناء شعبنا من قبلنا نحن من ندعي اننا النخبه؟

وغير هذا وذاك فان الذي يعمر البلد هم ابناءه والذي يخرب البلد هم ابناءه وبعض العراقيين خربوا العراق ودمروه دون ادنى شك حتى لو ظلوا يهتفون ويخطبون في المساجد والمراقد والفضائيات قرونا". والعراقييون وحدهم هم الذين سيعمرون بلدهم ... بعد ان يرحل المحتل ... واعوانه.

ان المواطنة الحقة وحب شعبنا الحق والحقيقي يقتضي ان نقدم الادلة, وهي كثيرة جدا", على ان اميركا قد غزت العراق لتدمره لا لتعمره, وانها قد غزت العراق للسيطرة على ثرواتنا, وانها قد غزت العراق لتتيح لمثال الآلوسي واشباهه، فرصة الذهاب الى اسرائيل علنا" ومن ثم الفوز في (الانتخابات) بكل ما تحمله هذه الجزئية من دلالات مدمرة على بناء فكري وسلوكي اعتاده مجتمعنا وتناغم معه وعبر عنه بصيغ عملية وفكرية منذ قيام الدولة العبرية ويستند الى ولاء مطلق لقضية فلسطين وشعبها المظلوم وان لهذا الولاء بُعدين يعتز بهما ملايين العراقيين وهما البعد العروبي للقضية والبعد الاسلامي.

لو كانت اميركا تريد حقا" اعمار العراق لكان بوسعها ان تفعل ذلك منذ عام 2004، الاّ انها ترفعت حتى عن ايجاد حل من حلول الطواريء لمشكلة الكهرباء المستعصية على الحل. واميركا قادرة دون شك على حل مشكلة الكهرباء بسهولة بالغة. ولكان بوسعها ان تؤسس محمية ثانية الى جانب المنطقة الخضراء بل واصغر مساحة منها تؤسس للعراقيين وللعراق مصنعا للمواد الغذائية أو للسيارات أو الآلات الزراعية أو ان تطور ما هو قائم منها اصلا" في البلد لا ان تقوم بتدميرها وحرقها والتفرج على علي بابا الذي اخترعته العقلية المخابراتية المرافقة لقوات الغزو، ووسعت له دائرة التشكل والتوسع وهو ينهب ويسلب ويسيء لسمعة الشعب العراقي العظيم.

الامثلة كثيرة وكثيرة .. لكن الحقيقة الكبرى تظل هي العنوان ... اميركا لم ولن تعمر العراق ابدا".

 

كتابات

 

 

 

شبكة المنصور

                                           السبت  /  22  ربيع الاول 1429 هـ   ***   الموافق  29 / أذار / 2008 م