الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

خمس سنوات من الاحتلال وعجلة الإجتثاث تدور

 

 

شبكة المنصور

نزار السامرائي

 

برغم أن المجلس السياسي للأمن الوطني ، هيئة دون سلطات دستورية ملزمة ، فإن القرار الذي اتخذه في اجتماعه في السادس من نيسان الجاري ، بإلزام التيار الصدري بحل جيش المهدي كشرط لاستمرار قبول أوراق اعتماده في العملية السياسية ، وقبول مشاركته في الانتخابات المحلية المقررة في الخريف المقبل ، يكتسب أهمية خاصة ليس من حيث وجاهة دوافعها ، أو من حيث قدرتها على اختراق الأسوار العالية لجميع الكتل السياسية التي لا يوجد طرف منها دون قوة ردع مليشياوي ، وإنما لأن القران من حيث جوهره يمثل أمنية للمواطن العراقي في أن يستيقظ يوما فيجد جميع شوارع المدن العراقية وقد نزعت عنها أسلحة الرعب التي لا تحصد إلا أرواح العراقيين ، تاركة العدو المحتل يعبث بأمن المواطن والوطن ويستأصل ما بقي من بناء لم يطله التدمير .

غير أن التوصيف المنطقي لقرار المجلس السياسي للأمن الوطني ، سيجد نفسه على مفترق طرق مع الوقائع السائدة على الأرض ، فليس من قبيل الدفاع عن التيار الصدري ، أن نقول إنه ليس الكتلة السياسية الوحيدة التي تحتمي بدرع المليشيا كي تفرض برنامجها ( هذا في حال كونها تمتلك برنامجا وطنيا ) بقوة السلاح وإرهاب الأطراف الاخرى ، إذ أن جميع أطراف العملية السياسية المعوّقة ، تقف فوق رصيد عال من جثث ضحاياها من أي طرف لا يتفق معها على زاوية النظر إلى ما يبرز على السطح من قضايا ، فالتحالف الكردي الذي يضم حزبي جلال الطالباني ومسعود البرزاني ، هو في حقيقته قوى مسلحة أي بعبارة اخرى مليشيات مدججة بالسلاح ، وقتلت مئات الآلاف من العراقيين منذ أول رصاصة أطلقها مصطفى البارزاني على قرية كردية من عشائر اخرى ، أو على وحدة للجيش العراقي في شمال العراق ، ثم تقاتلت فيما بينها زمنا طويلا حتى أخذها الإعياء فركنت إلى نقاهة المحارب ، وما تزال تواصل النهج نفسه في الكثير من مدن العراق تحت لافتة حفظ الأمن فيها ، ومن اللافت أن هذه القوة اسمها ( البيشمركة ) مستمد من معنى الموت ، وهذا يطرح تساؤلات جدية عن نوع المجتمع الذي تصنعه مليشيا تقتبس اسمها من الموت .

أما المجلس الأعلى ، فلديه مليشيا منظمة باسم فيلق بدر ، تضم في صفوفها حوالي 100 ألف عنصر ، وتم تأسيسها في إيران ، وبعد الاحتلال نقلت مقرها إلى العراق لتنفذ برنامجا إيرانيا أكثر منه عراقيا ، واستطاع بالفعل ارتكاب آلاف الجرائم التي سجلت باسم جيش المهدي أو باسم مجهول ، وأطلق المجلس الأعلى لعبة لم تنطل على أحد ، حينما زعم أنه حوّل فيلق بدر إلى منظمة سياسية ، ذلك أن أحدا لم يسأل أين ذهبت أسلحة فيلق بدر بما في ذلك الأسلحة الثقيلة التي كان يستعرض بها قواته في المدن الإيرانية قبل الاحتلال ، وحتى إذا سأل فإن جوابا شافيا لن يتاح الحصول عليه أبدا .

أما الكتل الأقل شأنا والتي لا تمتلك رصيدا عاليا في عالم المليشيات كحزب الدعوة ، فلا يعود ذلك لعفتها عن التعاطي مع هذا النمط من السلوك السيا- عسكري ، وإنما لضعف قاعدة الانتشار الشعبي ، فقد استعاض عنه ( بأملشة ) أجهزة الأمن الحكومية لخدمة خططه الخاصة ما استطاع إلى ذلك سبيلا .

ولا يغير شيئا من الوقائع ، ما يبذل من جهد للزعم بأن هذه التشكيلات المسلحة قد تام استيعابها في أجهزة الأمن التابعة للدولة العراقية ، إذ أن هذا الإجراء يحمل من المخاطر على وحدة العراق ، أكثر بكثير من المنافع المتوخاة منه ، فالتوجه الطائفي أو العرقي الذي يختبئ وراء بنائها يجعل من إمكانية تحويلها إلى أداة وطنية ، أمرا في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا .

على ذلك فإن قرار المجلس السياسي للأمن الوطني ، يعد قرارا غير متوازن بل ومتناقضا إلى أبعد الحدود ، لأنه اقتصر على مليشيا واحدة ، وأغفل عن عمد مليشيات اخرى لا تقل خطرا وسوء عن جيش المهدي ، إذ كان الموقف الأخلاقي والمسؤولية القانونية للحكومة ، يقتضي من المجلس أن يشمل تلك التشكيلات جميعها وخاصة البيشمركة وفيلق بدر بنفس قواعد العمل ، حتى وإن كان ذلك غير ممكن من الناحية العملية ، في ظل طبيعة التوازنات التي رسمت مسار حكومات الاحتلال وخاصة الحكومة الرابعة ، وحتى جيش المهدي الذي تم الإعلان عن حله بعد معركة النجف عام 2003 ، وبيع أسلحته للجيش الأمريكي ، وتحويله إلى منظمة سياسية ، كان في الواقع يعيد تنظيم صفوفه ويتسلح بأسلحة إيرانية أحدث من تلك التي باعها للأمريكان ، وفي الوقت الذي كان يعلن فيه نفسه جيشا عقائديا غير مسلح ، كان يقوم باستعراضات عسكرية في مناطق نفوذه التقليدي ، ويخوض صراعا دمويا ضد حليفه اللدود فيلق بدر لحسم الولاء في المناطق المزدوجة .

إن من أوجد قيم الإجتثاث في العراق ، هي القوى التي تعي جيدا عجزها عن مواجهة التيارات السياسية العريقة والعميقة الجذور في الأرض العراقية ، ولهذا حينما قاد الائتلاف العراقي الموحد يعاضده التحالف الكردستاني ، حملة الكراهية ضد حزب البعث العربي الاشتراكي ، وقتل الآلاف من مناضليه ، فإنهما كانا في واقع الحال يمهدان لاستئصالهما من ساحة العمل السياسي لاحقا ، ويعطيان الحق والشرعية لكل من يمسك بصولجان السلطة أن يستبعد من طريقه من يشاء من القوى ، تحت أية ذرائع متاحة ، فالتيار الصدري ومن أجل نفي صلة الغالبية العظمى من قواعده بجماهير حزب البعث ، اتخذ مواقف غاية في التطرف والتشدد ضد البعث ، وها هو اليوم يحصد أو يوشك ثمار الخطيئة الأولى التي كان له دور في المسؤولية فيها ، حينما رفض منطق العقل والحكمة في تعامله مع ملف إجتثاث البعث ، وستواصل عجلة الإجتثاث دورانها حتى تحصد كل الأطراف التي باركتها ، إلى أن يعود الزمن إلى أولى لحظات تنفسه .

إن خمس سنوات من الاحتلال و التي تقلب فيها العراقيون على نيران من الظلم والقتل والتشريد ، أكدت أن ما حاول العدو زرعه بين أبنائه من ضغائن وإلباس قراراته طابعا محليا ، ما كان لها أن تمر لولا وجود قوى ارتهنت لإرادة المحتلين ، واصطفت معهم على الضد من رغبات الشعب العراقي ، رغم الخسائر التي تكبدتها هي أيضا سياسيا وأخلاقيا ، وأحرقت كل أوراقها ، لصالح تحالفات دولية وإقليمية ، لا يمكن أن تصمد أما حقائق الأرض والتاريخ .

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                            الاحد  /  13  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  20 /  نيســـــــان / 2008 م