الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

العملاء ودروس التاريخ

 

 

شبكة المنصور

وجدي أنور مردان / كاتب من العراق

 

ذات يوم أراد أحدهم أن ينافق نابليون، فنقل إليه أسرارا عسكرية حيوية عن استعدادات جيش بلاده، استقبلها نابليون بسرور بالغ، وقد ساهمت هذه الأسرار فيما بعد في تحقيق الانتصار له في الحرب، وبعد الانتصار، استقبل نابليون ذلك الرجل بجفاء، وأخذ كيسا من المال، وألقاه إليه، دون أن يترجل عن ظهر حصانه، فقال له المنافق: لا حاجة بي إلي المال، وأمنيتي هي أن أصافح الإمبراطور، فقال له نابليون: من يخون وطنه، وينافق أعداءه على حساب شعبه له المال فقط، أما يد الإمبراطور فإنها لا تصافح إلا الأشراف المخلصين.

نابليون كان كبيرا، اما الصغار فيسمحون لعبيدهم بلحس اياديهم القذرة.

الدعارة والعمالة والجاسوسية من اقدم المهن في التاريخ، فطالما هناك ضعاف النفوس فهناك العملاء وهناك المومسات. كلاهما لايخجلان. فمنذ فجر التاريخ كلما احتل القوي الضعيف وأغتصب ارضه وماله، تجد من ينبري ليجند نفسه خادما للسيد الجديد لقاء دراهم معدودات او من أجل منصب أو جاه زائل يرافقه ذل دائم يرثه من بعده اولاده واحفاده.

العميل يبقى ذليلا، لانه يفقد اراداته في اللحظة التي يقبل بخيانة وطنه ويكون تابعا منفذا لارادة الجهة التي جندته لخدمة اغراضه واهدافه. فالعميل يستطيع أن يجمع المال، او يتبوأ مراكز ومناصب مهمة بعد ان يمهد لتدمير واحتلال بلده أو يساعد في اطالة امد الاحتلال، كما يحصل الان في العراق او يتعاون مع المحتل ثم يترقى الى درجة العمالة كما حدث في الجزائر ابان الاحتلال الفرنسي ويحدث الان في فلسطين او في فرنسا وفيتنام خلال الاحتلال النازي والامريكي ولكنه لا ولن يحظى على ثقة سيده الجديد، لان الذي يخون وطنه سيخون سيده الجديد ايضا.

وهاهو التاريخ يعيد نفسه في العراق، ويعود التاريخ ليعود معه العملاء، أحفاد الطوسي وابن العلقمي وأبو رغال وغيرهم من اصحاب العمامة والسدارة بمختلف الوانها واحجامها ورموز البروليتاريا بربطاط عنق امبريالية. وغيرهم كثيرون.

لنتصفح اوراق التاريخ ، ونسأل ماذا كان مصير العملاء عبر التاريخ؟ هل مجد التاريخ عميلا واحداً ؟ هل اقامت الدول لعملائهانصبا تذكارية؟ او سمت شارعا او مرحاضا عاما باسم أحد عملائها؟ هل احترمتهم شعوبهم ؟ أم انهم رموا في مزبلة التاريخ بعد انتهاء صلاحياتهم؟

العميل يبقى ذليلا قميئا ولو وضعوا على رأسه كل تيجان العالم.ويبقى صغيرا واطئا مهما نفخوا في اوداجه وجعلوه رئيسا او وزيرا ، فان ابسط جندي من جنود الاحتلال ستتطيع ان يهينه ويذله، دون ان ينبس ببنت شفة، كما حدث لكبار العملاء في العراق حين وضع الجندي الامريكي بسطاله على رقبة احد رؤساء الاحزاب الاسلامية لمدة عشرين دقيقة امام زوجته واطفاله أو(كفخ) سدارة الاخر في حي العدل أوجرد نجل، احد اهم واكبر عملاء امريكا، من ملابسه على الحدود أويشمشم الكلاب مايسمون بنواب البرلمان عند دخولهم قاعات الاجتماع. لم يحتج هؤلاء لكراكتهم المهدورة ، لانهم فقدوها في اللحظة التي وقعوا على صك العمالة. هذا ما تسرب واعلن والله وحده اعلم باي احتقار يعاملونهم خلف الابواب المغلقة!!.

هل يتذكر الناس الان اسم رئيس جمهورية فيتنام الجنوبية خلال الاحتلال الامريكي لفيتنام؟ وما هو اسم قائد جيشه أو اسم وزير خارجيته أوأسم احد من وزرائه؟؟ لكن الجميع يتذكرون اسم الجنرال جياب وهوشي منه.

يه يتذكر الناس من كان يحكم ليبيا ابان الاحتلال الايطالي الفاشي؟ ولكن جميع العرب ومعظم المسلمين يتذكرون الشهيد عمر المختار.

جند الفرنسيون 250 الف عميل ومتعاون في الجزائر، سموهم ( الحركيون) ((على غرار جماعات الصحوة وفرق الموت والميليشيات الان في العراق)). خدموا المحتلين الفرنسيين لعشرات السنين، هل يتذكر الناس الان اسم زعيم تلك الحركة اواسم احد كبار المتعاونين معهم؟ ولكن كل العرب يتذكرون المجاهد عبد القادر الجزائري والمناضلين احمد بن بلا وهواري بومدين وجميلة بوحيرد وعباس فرحات. هل يتذكر الناس الان اسم رئيس كوبا ،عميل امريكا، العام 1959؟ بينما الناس يتذكرون الى الان تشي جيفارا ويلبسون قمصان مطرزة بصوره.

العملاء يسقطون في اللحظة التي يوقعون على صك عمالتهم، يتحولون الى مجرمين وفقاعلى جميع دساتير البشرية وقوانينها، فضلا عن قول الله تعالى ( ومن يتولهم منكم فانه منهم ) ويفقدون صفة المواطنة وشرفها.

لايوجد قانون على الكرة الارضية لايحاسب العميل او الجاسوس على خيانته وجريمته، الا في جمهورية العملاء والجواسيس، جمهورية المنطقة الخضراء.

العملاء والجبناء لايتعظون من مصير العملاء عبر التاريخ، بل يورثون اولادهم واحفادهم الخجل والعار جراء خيانتهم لوطنهم.

الوطن أمانة في اعناق مواطنيها فالذي يخون الامانة منافق ومجرم يستحق المحاسبة والقصاص العادل.

كيف سُيقرأ التاريخ بعد مائة أو مئتي عام؟ تاريخ مزور كاذب قام على الخيانة والتآمر والعدوان والتضليل والتدليس. كيف سيكتب التاريخ الأحداث الجسام التي تمر على أمتنا العربية والاسلامية اليوم؟ كيف ستقرأها أجيالنا القادمة بعد مئتي عام؟

وخاصة عندما سيترك المحتل خلفه تركة ثقيلة من العملاء والجواسيس و صنائع هي من صنع أ يديهم، مثلما صنعت فرنسا بعد انتصار الثورة الجزائرية الباسلةعام 1962حيث تركت فئة اسمها ( الحركية) أو ( الجومية) كانوا عملاء فرنسا حملوا السلاح ضد جيش التحرير، و خانوا وطنهم وانضموا الى الفرنسي المحتل الغاصب، أرتكب هؤلاء في حق الجزائر والشعب الجزائري كل جرائم القتل والتعذيب وحرق البيوت والمزارع وتجسسوا على ابناء الجزائر. قدرت اعداد هؤلاء ب (100 ألف) عميل استقبلت فرنسا 43 الفا منهم لكنها تركت 50 الفا في الجزائر واصبحت تسمى ( بالاقدام السوداء) وهؤلاء هم الذين وقفوا ضد جهود تعريب المؤسسات في الجزائر وأذوا الاقتصاد الجزائري.ولكن عار الخيانة ظل يلاحقهم الى الابد.

في الجزائر أو فلسطين أو لبنان أو العراق أو أي بلد في العالم، لا يستحق الخونة سوى اللعنة.. لعنة السماء والأرض وإلى أبد الآبدين. هذا هو حكم الدين والشعوب والتاريخ عليهم.

يعيش عملاء الاحتلال في العراق حالة غير مسبوقة من الرعب والفزع والخوف فمن ينظر الى وجوههم الكالحة يرتعب لمنظرهم المقزز ،النظرة المرعوبة الى المجهول،عدم التركيز عند الكلام، العيون الزائغة ، التأتئة عند الحديث، اللحى المقززة لاهي اسلامية ولايهودية ولا اوروبية. تراهم متعبين كانهم يحملون اثقال الدنيا، وهل هناك اثقل من حمل الخيانة؟ وفوق كل ذلك انهم مسجونون في المنطقة الخضراء وعوائلهم اما في دول الخليج او لندن او عمان .

اهتم المحللون الامريكيون والبريطانيون بمصير هؤلاء العملاء والخونة والمتعاونيين معهم بعد ان تكثف الحديث عن بوادر الانسحاب والهزيمة والطرد من العراق وفي هذا الخضم أثير التساؤل وماذا بعد الانسحاب.

فمن أبرز الأمريكيين الذين كتبوا عن الموضوع هو الكاتب والمحلل الامريكي فرانسيس فوكوياما في مقال نشره في صحيفة لوس أنجلوس تايمز في 7 آيار/مايو 2007 تحت عنوان " تساؤلات ما قبل الانسحاب "وقد عاد بالذاكرة الى عملاء الاحتلال الأمريكي في فيتنام وقارن بينهم وبين عملاء الاحتلال الأمريكي-البريطاني في العراق حيث قال :

" إن منظر حلفائنا من المواطنين الفيتناميين وهم يتعلقون بالأجزاء البارزة من بدن آخر طائرة هليكوبتر أمريكية تغادر فيتنام من أمام مقر سفارتنا في العاصمة سايجون هو منظر يجب أن نستدعيه إلي ذاكرتنا في هذا الشأن ؟ ".ولهذا السبب اقترح احد كتاب الاعمدة في الواشنطن بوس بضرورة توسيع سطوح مباني السفارة الامريكية الجديدة في بغداد لتتحمل اعدادا أكبر من الهليكوبترات لنقل الامريكان وعملائهم في حالة الانسحاب من العراق ولكي لاتتكرر مأساة سايجون.

ما طرحه فوكوياما طرحته الصحف البريطانية عن عملاء الاحتلال البريطاني في العراق وخاصة اؤلئك الذين عملوا معهم كمترجمين غداة رفض مكتب توني بلير طلبا تقدم به احد العملاء العاملين مع القوات البريطانية واسمه " كناني .وطرد اخر من امام السفارة البريطانية في دمشق. لقد بدأ الحديث عن 91 مترجما وأسرهم ثم وصل العدد الى 20 الفا.أخيرا تم التوصل الى صيغة تدفع بريطانيا بموجبها، مبلغ محدد من المال كنهاية خدمة لكل عميل او متعاون و10% من ذلك المبلغ لافراد عائلته لحد خمسة اشخاص. ومن جانبهم بدأ الأمريكيون بقبول 7 آلاف من عملائهم الصغار للإقامة في الولايات المتحدة . أما استراليا فوعدت بمنح الاقامة لعملائها والمتعاونين مع قواتها.

هؤلاء هم صغار المتعاونين الذي باعوا انفسهم بثمن بخس وتحت ظروف قاهرة، اما بسبب الحاجة المادية او طمعا بالهجرة المستقبلية الى بلاد العم سام والحصول على جنسيتها. فهؤلاء يمكن ان ادراجهم تحت خانة المتعاونين الذين لم يصلوا الى مرتبة العمالة أوالخيانة العظمى، باستثناء الذين شاركوا في عمليات التعذيب والقتل. أن طيرق التوبة والعودة الى الصف الوطني مازال مفتوحا أمام هؤلاء، فالوطن أم حنونة و ربما ستتعامل قيادة المقاومة مع هؤلاء بالرأفة والتسامح شرط ان يتوبوا توبة بصوحة ولايتحولوا الى جواسيس وعيون للمحتلين بعد طردهم من العراق مهزومين مدحورين.

اما اصحاب رتب العمالة العالية ومرتكبي جريمة الخيانة العظمى، فحسابهم عسير في الدنيا وفي الاخرة وحسب وصفهم ومقدار جريمتهم.

لاشك ان للامريكيين استراتيجية للتعامل مع عملائها في العراق وأول هذه الإستراتيجيات ان يبقى على قسم كبير من هؤلاء في العراق لتنفيذ مخططات ما بعد الإنسحاب خصوصا العملاء الغير معروفين أوالمفضوحين ( الاحتياطي المضموم) وما اكثرهم، أما مهمة اكتشافهم فمنوطة بالاجهزة الامنية للمقاومة الباسلة ومحاسبتهم ونيل جزائهم العادل بعد التحرير، انشاء الله، وفق القوانين العراقية النافذة قبل الاحتلال.

العدومهما كان شرسا فانه يحترم عدوه الشريف الذي يقاتله على حقه بفروسية ويحترمه اكثر من أي عميل ذليل ينفذ اوامره بلاجدال.وما رأيناه في الشريط عن تعامل الجنرال الامريكي مع احد شيوخ الصحوة خير مثال. وهل يعقل ان يعتمد ويثق الاجنبي بالذي يبيع ويخون وطنه؟

نقل لي شخص اثق فيه وأكده لي فيما بعد الدكتور عبد الامير الانباري، ممثل العراق الدائم الاسبق لدى الامم المتحدة في نيويورك انه كان يتعشى، في العام 1993، مع الدكتور الانباري ، ، في أحد مطاعم جنيف، واذا بشخص يأتي من الطرف الاخر من المطعم ويقف امام الطاولة وينحني امام الدكتور الانباري ويمد يده مصافحا، ويقول، سيدي السفير اهنئك على وطنيتك ودفاعك المستميت عن بلدك خلال حرب الخليج الثانية، لقد دافعت عن وطنك بكفائة واقتدار عاليين، لقد كنت شهما وفارسا ورائعا، مرة اخرى اهنئك سيدي السفير. كان ذلك الشخص هو السيد سايروس فانس، وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية الاسبق.

كلمة أخيرة، قال المرحوم جمال عبد الناصر ، أن أمريكا لاتريد أصدقاء وانما تبحث عن عملاء لتعاملهم معاملة العبيد.

 

wamardan@hotmail.com

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

                                           الجمعة  /  11  ربيع الثاني 1429 هـ   ***   الموافق  18 / نيســـــــان / 2008 م