الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

الدور التخريبي الإيراني في العراق/ الجزء الثالث
الجذور التأريخية للتدخل والعدوان

 

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

الجذور التأريخية

أن من يتحدث عن براءة إيران من الأحداث في العراق أشبه ممن يتصرف كالنعامة عندما يداهمها الخوف فتدفن رأسها في الرمال ظنا بأنها أنقذت نفسها من الأعداء في الوقت الذي تهيؤ لهم أفضل أوضاع افتراسها؟ فالتدخلات الإيرانية في شؤون العراق قائمة منذ زمن سحيق و من خلال استعراض تأريخي بسيط نجد أن لإيران علاقة مباشرة في الأحداث التي مر بها العراق، وإذا تركنا التأريخ البعيد سنجد أنه منذ عام 1514 عندما ضم العراق للإمبراطورية العثمانية، قام الفرس بمحاولات متعددة من أجل سلخ العراق من العثمانيين والاستيلاء عليه، وكانوا أحيانا يفشلون وأحياناً يستولون على أجزاء حدودية قريبة ولكن سرعان ما يستردها منهم العثمانيون، وكانت معظم المناوشات تتم على المناطق الحدودية، مما أستدعى عقد عدد من الاتفاقيات لرسم الحدود، وكانت معاهدة (اماسيية) عام 1555 ومعاهدة عام 1590 وتلتها ومعاهدة سراد عام 1618 ومعاهدة زهاب عام 1639، وتعتبر هذه الأخيرة من أهم المعاهدات الحدودية بين الطرفين إذ أنها حددت المنطقة الممتدة من مدينة القرنة في جنوب العراق شمالاً حتى مصب شط العرب جنوباً للدولة العثمانية، بما معناه أن شط العرب ينتمي للعراق وليس لبلاد فارس.
وجاءت معاهدة كردن عام 1746 التي اعترفت بالنصوص التي تضمنتها اتفاقية زهاب، تلتها معاهدة ارضروم الأولى عام 1823 التي اعترفت بدورها باتفاقية كردن، وبضغط كبير من بريطانيا وروسيا وبسبب ضعف الإمبراطورية العثمانية التي أنهكتها الحروب لترامي أطرافها البعيدة، إضافة إلى حروبها المستمرة مع محمد علي فقد عقدت اتفاقية ارضروم الثالثة عام 1847، وقد تنازل العثمانيون بموجبها عن مدينة المحمرة وعبادان والضفة اليسرى من شط العرب إلى السيادة الفارسية، لكن الاتفاقية ألزمت الأطراف على اعتبار الضفة الشرقية لشط العرب كخط حدودي بين الدولتين وأنه نهر عراقي إقليمي، وبالطبع كان التقسيم قد أعتمد على توزيع وانتشار العشائر العربية والفارسية على المناطق الحدودية، وقد رفض الشعب العربستاني الاعتراف بهذه الاتفاقية ففي عام 1857 أستقل الشيخ جابر بالأمارة وقد أعترف شاه إيران رسمياً بذلك الاستقلال، كما اعترفت بريطانيا عام 1902 باستقلال المحمرة ووقعت اتفاقية اقتصادية مع شيخها خزعل، وعام 1914 عقدت اتفاقية أخرى مع الشيخ خزعل تضمنت عدم تجاوز الحكومة الفارسية على سيادة الأمارة0وكان المخطط الفارسي التوسعي قد بدأ عام 1925 بالاتفاق بين الحكومتين الفارسية والبريطانية باحتلال عربستان ودمجها ضمن الدولة الفارسية ونفي شيخها بسبب اكتشاف النفط وبكميات كبيرة فيها.

وبعد استقلال العراق وتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ألتزم العراق بكافة المعاهدات التي ورثها من الدولة العثمانية والتي عقدتها مع الحكومة الفارسية وذلك حسب اتفاقية لوزان عام 1923 ورغم أن بعض المعاهدات كانت مجحفة بحق العراق لكن بسبب ضعفه آنذاك واستقلاله الجديد فأنه رضا بها على مضض ولم يتمكن من معارضتها أو الاعتراض عليها، ولكن الأطماع الفارسية لم تتوقف رغم الامتيازات المغالى بها التي حصلت عليها الحكومة الفارسية بدون وجه حق، ففي عام 1935 تجلى الغدر الفارسي في أبشع صوره، عندما ألغت الحكومة الفارسية اتفاقية أرضروم الثانية عام 1847 ومعاهدات عام 1911 وعام 1913 وعام 1914 وأضطر العراق إلى رفع شكوى إلى عصبة الأم المتحدة التي أوصت بدورها بحل الخلاف بشكل سلمي عبر التفاوض بين الطرفين، مما أدى إلى التوقيع على معاهدة عام 1937 والتي أجرت تغييراً في خط الحدود بين البلدين، فقد حصلت الحكومة الفارسية على مساحات جديدة من أرض العراق مقابل عبادان بسبب ضغط الانكليز على حكومة بغداد، لكن الجشع الفارسي ليست له حدود فما لبث أن ألغى شاه إيران معاهدة عام 1969 من طرف واحد منتهكاً نصوص المعاهدة نفسها والقانون الدولي وكان ذلك كرّد فعل أيراني تجاه ثورة عام1969 الفتيه في العراق ووجود معظم قوات الجيش العراقي على الحدود العربية بعد عدوان إسرائيل عام 1967، وكان ذلك دليل واضح على التعاون بين إيران وإسرائيل تجاه استغلال ظروف الحرب، حيث ينفذ كل منهما مخططه التوسعي بعد أن يشغل الآخر المنطقة باعتداء ؟ وكان المثلث الإيراني الصهيوني الكردي يسير في اتجاه واحد، فكل منهم كان في وضع تربص لتحقيق المكاسب على حساب العراق، وكان شاه إيران المحرض الأكبر للتمرد الكردي في شمال العراق، كما أن انشغال الجيش العراقي بمعالجة هذا التمرد وفر الفرصة الذهبية للشاه للتفرد بسياسته كشرطي للخليج ونقض اتفاقات بلاده مع العراق، وبالفعل قدمت الحركة الكردية للشاه ما كان يحلم به لتحقيق حلمه الكبير في التوسع على الحسابين والعراقي والعربي، ولم يكن الأكراد يراعون المفهوم القومي لحركتهم أو يجرؤن على التحدث بموضوع كردستان الكبرى وتراودهم أحلام إقامة دولة على أنقاض مهاباد، فقد كانوا يغضون النظر عن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الشاه تجاه أخوانهم(أكراد إيران) في القومية والعرق؟

في عام 1971 أتخذ النظام الإيراني منحى جديداً في توسعه الاستيطاني فقد تحول إلى الاستعمار المباشر من خلال احتلال الجزر العربية طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى، والتدخل العسكري في الأراضي العراقية عام 1974 وقد أطلق الشاه تصريحات بليدة لتبرير هذه الانتهاكات المثبتة دوليا، وكان الرئيس الجزائري هواري بومدين عام 1975 قد جمع بين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة صدام حسين وشاه إيران، وتمخض اللقاء عن صدور بيان مشترك في 6/3/1975 ضم عدد من النقاط المهمة أبرزها موافقة الجانبين على إجراء تخطيط لحدودهما البرية وتحديد الحدود النهرية وفقاُ لخط التالوك وضبط الحدود لمنع أعمال التسلل بين البلدين وتعتبر هذه الشروط قاعدة لحل المشكلة بشكل نهائي، وان الإخلال بأي شرط يتنافى وروح الاتفاق كما اتفق الجانبان، وبالفعل تمت الاجتماعات بين الطرفين وعقدت معاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار وثلاثة برتوكولات تتعلق بالحدود البرية والنهرية وأمن الحدود، وكانت الخديعة الإيرانية الجديدة تجاه العراق، ففي الوقت الذي حصلت فيه على نصف شط العرب، فأنها امتنعت عن التنازل كما نص الاتفاق عن المناطق البرية لصالح العراق.

الثورة الإسلامية وبزوغ نجم الخميني

ولى النظام الشاهنشاهي غير مأسوفاً عليه وجاءت الثورة الإسلامية في إيران واستبشر العرب بشكل عام والعراقيون بشكل خاص بالخير من النظام الجديد الذي أتخذ من الدين الإسلامي نهجاً دينياً ودنيويا في دستوره ونظام الحكم، وأمل الكثير إن الحكومة الإسلامية الجديدة ستنصره تجاه السياسيات الشاهنشاهية التعسفية التي تتنافى والعلاقات الدولية ومبادئ حسن الجوار على اعتبار أن النظام الجديد سيمد جسوراً من المودة وعلاقات حسن الجوار مع العرب والأشقاء في الدين، على أساس انه كان يعارض سياسات الشاه القمعية والتوسعية في الداخل والخارج ، وكانت القنبلة الإسلامية الأولى التي فجرتها الحكومة الإسلامية تجلت في اعترافها بأن خط التالوك هو ملك لها بموجب الاتفاق الأخير، رافضة الالتزام بباقي البنود التي كانت تصب في صالح العراق، باعتبار إنها غير ملزمة لأنها عقدت في زمن الشاه المقبور؟ ولم تكلف نفسها بتبرير الاعتراف بخط التالوك ورفض بقية البنود في اتفاقية عام 1975 !! وقد وصف وزير العمل الإيراني درايوش فروهر الاتفاقية بأنها " مشؤومة" ؟ والغريب أن وزير الخارجية قطب زادة قد صرح بأن الوسيط في اتفاقية الجزائر هو إسرائيل معتبراً " أن أتفاق الجزائر أنجز أساساً من إسرائيل "  أما صادق روحاني فقد قلب ظهر المجن عندما أعلن بأن الشاه " تنازل للعراق عن مناطق واسعة في جنوب إيران بموجب اتفاقية الجزائر" وفي 14/9/1980 أعلن الجنرال فلاحي نائب رئيس أركان الجيش الإيراني بأن " إيران لا تعترف باتفاقية الجزائر بشأن الحدود البرية" وهذا قبل أن يقوم العراق بإلغاء الاتفاقية من جانبه. والمفاجأة الثانية للثورة الإسلامية، كانت الإصرار على احتلال الجزر العربية الثلاث، معتبرة الأمر حقاً مشروعاً ولم توضح المقصود إن كان من الناحية السياسية أم الشرعية أو القانون الدولي، فقد اختلطت علينا الأمور، والغريب أن يرافق هذا الإصرار تهديد واضح وغير مبطن فلا تقية ولا خوف هذه المرة من انه في حالة إصرار العرب على استعادتها أو حتى المطالبة بالتفاوض بشأنها" سيجعل الثوار المسلمون الجدد يؤكدون على أن دول الخليج والعراق فارسي" ؟ والغريب أن يصرح آية الله منتظري بأن " الجيش الإيراني بإمكانه أن يحتل بقوة أي بلد مجاور" وهو تهديد واضح علماً إن ميثاق الأمم المتحدة يعتبر التهديد باستخدام القوة معادلاً لأستخدمها الفعلي, إن التصرف بعنجهية صفة ملازمة للفرس منذ فجر التأريخ ولحد الآن سواء أتخذ النظام شكل علماني كما كان في وقت الشاه أو إسلامي كما هو الأمر عليه في الوقت الحاضر، في 13/12/1979 سلم العراق مذكرة إلى نائب رئيس الوزراء الإيراني لشؤون العلاقات أمير عباس انتظام تضمنت رغبة العراق في بناء علاقات حسن جوار طيبة تقوم على أساس الاحترام المتبادل للسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مع عبارات طيبة تبارك النضال التحرري الذي تقوده الشعوب الإيرانية والنصر الذي واكب هذا النضال، معتزاً بهذا الانجاز الكبير للثورة الإسلامية، وبعد شهر واحد وجه الرئيس العراقي صدام حسين برقية تهنئة للأمام الخميني بمناسبة انتصار الثورة الإسلامية، معبراً عن رغبة العراق في أن يقوم النظام الإسلامي الجديد بخدمة السلام والعدل وبناء عهد جديد من علاقات الصداقة مع الدول العربية والعراق، ووجهت دعوة إلى السيد مهدي البازركان لزيارة العراق، كما التقى الرئيس العراقي على هامش مؤتمر القمة في هافانا لدول عدم الانحياز بوزير خارجية إيران آنذاك إبراهيم يزدي وتم التأكيد على نفس الجوانب التي ذكرها العراق، وفي عام 1980 نقل السفير العراقي في طهران برقية تهنئة للرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر بمناسبة توليه المنصب الجديد.

إيران تمهد للحرب

خارج حدود اللياقة والبروتوكول والأخلاق الإسلامية، لم يرد الإيرانيون على كل ما قدمه العراق من تهاني وتبريكات، باستثناء الرسالة الجوابية التي أرسلها الخميني إلى الرئيس العراقي، وكان من الأجدى لو اكتفى بالصمت ولم يرسلها حالها حال بقية المذكرات فقد ختمها بجملة شاذة في العلاقات الدولية و البروتوكول والمجاملات وهي " السلام على من أتبع الهدى" وهي الصيغة التي كان الرسول العربي (ص) يختتم فيها رسائله إلى الكفار ويدعوهم لاعتناق الإسلام، وكان هذا أول مسمار في نعش العلاقات الإيرانية العراقية، ومن الغريب أن تصل الصفاقة بالخميني بأن يشبه الأمام الخميني إيران بالنبي والعراق بأبي جهل بقوله " موقف العراق تجاه الثورة الإسلامية شبيه بالموقف بين النبي وأبو جهل"؟.

كان المسمار الثاني في النعش هو ما يسمى بتصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار، فقد قال الخميني في كلمة ألقاها في 21/3/1980 " يجب أن نبذل قصارى جهدنا لتصدير ثورتنا إلى الدول الأخرى من العالم ونترك فكرة إبقاء الثورة ضمن حدودنا" وفي تصريح آخر " إن مهمة علماء الدين هي إعادة رسالة الإسلام وهذا يتحقق من خلال التحريض على الثورة في الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وأفريقيا ودول العالم الأخرى" وكان الكلام عام مع الإشارة إلى العراق بشكل ضمني، وفي حديث لقطب زادة في أبو ظبي في 1/5/1980 ذكر بأن " رسالة ثورتنا هي القضاء على الأنظمة الفاسدة، وان كنتم تسمون هذه الأمور تصدير للثورة فأنا موافق " كما شن منتظري هجوماً عنيفاً على القادة العرب" لتخاذلهم في معركتهم تجاه الامبريالية العالمية" ووصفهم " بالأذلاء" كما أنتقد آية الله الطالقاني الأنظمة العربية" لأنها لا تف بالشروط الإسلامية مثل العراق والسعودية ". أما صادق روحاني فقد طالب من البحرين احترام القواعد الإسلامية وإلا فأنه سيواصل مطالبته بعائديه البحرين لإيران؟ وأخيراً ذكر إبراهيم يزدي "بأن الخميني يؤيد روحاني في حركته لتصدير الثورة إلى الدول المجاورة".

المسمار الثالث في النعش كان التدخل في الشؤون العراقية الداخلية، وقد أتخذ هذا التدخل مسارات غريبة وبدون مبررات، ومنها ما ذكره الجنرال رحيمي " إن الجيش العراقي بالمقارنة مع الجيش الإيراني هو" مثل دودة أمام تنين" والغريب أن التشبيه كان على العكس فقد تبين أن الجيش الإيراني هو الدودة بعد أن قهره الجيش العراقي وأذله إذلالً لم يشهده الفرس منذ الفتح الإسلامي على يد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) ، وذكر الأمام الخميني بأن " إيران ستطالب بفرض سيادتها على بغداد" ونصب محافظ عربستان نفسه وكيلا عن الشعب العراقي بإدعائه أن البعثيين فشلوا في سياستهم ولم يحققوا للشعب العراقي تقدماً في الميادين الاقتصادية والاجتماعية" ووصل التمادي إلى قيام علماء الدين في طهران بمناسبة يوم القدس بإصدار فتوى تحرض الشعب العراقي على تأجيج نار الثورة، بل لقد حذر الأمام الخميني الشعب العراقي بقوله " احذروا من البعث الغادر.. وثورة حتى النصر" وكان تدخلاً سافراً في شؤون العراق الداخلية، وفي حديث آخر للخميني" إن البعث ضد الإسلام، ويجب أن يتخلص الشعب العراقي النبيل من مخالب البعث" وفي تصريح لقطب زادة " إن الحكومة العراقية مجرمة تمارس السلطة دون إرادة الشعب العراقي، وأنها ارتكبت جرائم عديدة وخنق وكبت الحريات والمجازر الكبيرة" وحث الرئيس أبو الحسن بني صدر على الإطاحة بالحكومة البعثية في العراق، وأعلن الخميني " يجب على الجيش الإيراني أن يظهر قوته ليقضي على القوى الكارتونية مثل صدام حسين " ولا يمكن لأي منظمة دولية أو خبير في القانون الدولي أن لا يفسر هذه الأقوال بأنها تمثل انتهاك لسيادة دولة أخرى وتدخل سافر في شؤونها الداخلية بل وتهديد بشن الحرب، وأنها لا تتفق مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة باعتبار أن من مقاصد الأمم المتحدة هو صيانة السلم والأمن الدوليين واتخاذ التدابير الجماعية لمنع أسباب تهديد السلم وإزالتها وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، كما أوردت المادة الأولى من تعريف العدوان " بأنه استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي".

المسمار الرابع في نعش العلاقات الإيرانية العراقية، هو تشبيه العراق وأمريكا وإسرائيل بأوجه الهرم الثلاثي ضد الثورة الإسلامية، رغم التباين المدهش في الاتجاهات وخاصة علاقة العراق بأمريكا وإسرائيل ولا شك إن الحوادث اللاحقة قد كشفت زيف هذه الادعاءات التي تنم عن تخبط الثورة الإسلامية في اتهاماتها، ومن ثم انكشفت الحقيقة المعاكسة في فضيحة إيران غيت، وان العراق كان هو المستهدف من المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية وليس الثورة الإيرانية، والدليل كما اعترفت إيران بأنه لو لا إيران لم استطاعت الولايات المتحدة من غزو العراق، وظهرت حقيقة الصفقة الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية ضد العراق، ولنرجع إلى تصريحات قادة الثورة الإسلامية، فقد صرح صادق خلخالي في 17/6/1979 بأن " الحكومة العراقية آلة بيد الامبرياليين والصهاينة"، أما آية الله منتظري فقد ذكر" أن صدام حسين يتعاون مع إسرائيل والامبريالية"، وأضاف رفيقهم في النضال الإسلامي قطب زادة " إن الحكومة العراقية متواطئة مع الحكومة الإسرائيلية فهم عملاء للامبريالية والصهيونية" متابعاً " أن العراق هو أمريكا، بل هو امتداد لأمريكا والصهيونية في المنطقة" وفي تصريح آخر" إن النظام العراقي منحازا لإسرائيل"، أما آية الله محمد صديقي فقد ذكر" إن نظام البعث نصب بمساعدة الامبريالية العالمية وخصوصاً أمريكا" وأخيرا نستشهد بتصريح الخميني " إن الرئيس العراقي يجب أن يحاكم وكذلك الرئيس كارتر"؟ الغريب أن الإيرانيين منذ الثورة الإسلامية كانوا بمنأى عن المخططات الأمريكية والصهيونية، وكان العراق الذي يدعون بأنه عميل لإسرائيل وأمريكا هو الضحية دائما، فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة الغريبة؟

ومن المفارقات الغريبة التي نختتم بها هذا الموضوع والذي سنحاول أن نفصله لاحقا بجزء مستقل حول الحرب العراقية الإيرانية, هي أنه في الوقت الذي كان فيه الأمريكيون يضغطون على الدول الدائنة للعراق لإطفاء ديونها أو تخفيضها أو إعادة جدولتها ينبري عبد العزيز الأصفهاني الحكيم للمطالبة بتعويض بلده الأم إيران بـ (100) مليار دولار كتعويضات عن الحرب العراقية الإيرانية، ليثبت أن الولاء لإيران وليس العراق، ويعين الشخص الثاني في المجلس الأعلى المدعو  حامد البياتي (اسم حركي مستعار ما زال لاصقا به) كمندوب دائم للعراق في الأم المتحدة وكانت أول مآثره له أن سحب وثائق العراق المقدمة للأمم المتحدة خلال سنوات الحرب ألثمان! ويعتذر رئيس الوزراء المالكي لإيران عن الحرب العراقية الإيرانية وهو لا يدرك إن كلفة هذا الاعتذار ستكبد العراقيين ظلما (100) مليار دولار؟

الدعاية الإيرانية حول شيعة العراق

لقد كانت إيران في جميع مراحلها التأريخية في علاقتها مع العراق مصدراً مستديماً لهمومه ومشاكله واضطراباته الداخلية والعبث بأمنه واستقراره وعرقلة أسباب نهوضه الحضاري، وقد اعتبرت نفسها الوصي على شيعة العراق، من خلال ترويج مظلومية شيعة العراق واستهدافهم من قبل الطائفة السنية وأن جهادهم في ثورة العشرين كان بلا فائدة فقد استحوذ السنة على مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والثقافية، وأمسوا يمثلون هامشاً بسيطاً في هذه المقدرات، وبالفعل نجحت إيران في هذا المسعى وهذا ما نلاحظه في الطروحات السياسية لبعض المسئولين العراقيين الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية, ولا نعرف من خول إيران للدفاع عن شيعة العراق؟ فإن كان المذهب فهل تسمح للسنة في العراق على سبيل المثال أن يتدخلوا للدفاع عن عشرة ملايين سني إيراني مغبونين ومحرومين من أبسط حقوق المواطنة داخل إيران؟ الجواب معروف سلفاً!

سنستعرض أهم المحطات التي تروجها إيران بحجة الدفاع عن شيعة العراق ولتبرير تدخلها في الشأن العراقي الداخلي.

1- تكفير أبناء طائفة السنة

إن الإيرانيين يقودون حافلة العراق ولكن من المقعد الخلفي إلى طريق الهاوية، وهم يسيرون عكس الاتجاه، مسلطين أضواء عجلتهم الخلفية إلى ما قبل 1400 عام، فهم في الحقيقية يكفرون كافة الملل والنحل الإسلامية وغير الإسلامية و ليس السنة فحسب وإنما الخلفاء الراشدين (رض) باستثناء الأمام على كرم الله وجهه، وقد وردت في تصريحات منظر الثورة الإسلامية الأمام الخميني ومن دلى من دلوه مايميط اللثام عن هذه الحقيقة، ففي كتابه (كشف الأسرار) يوجد فصلين الأول بأسم مخالفة أبي بكر الصديق – طبعاً الصديق لم تذكر- لنصوص القرآن، والثاني مخالفة عمر بن الخطاب لكتاب الله، متهماً إياه بوضع حديث "أننا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة" ويشير إلى " إن هذه الفرية صدرت من أبن الخطاب المفتري، ويطلق الخميني على الخليفتين تسمية " الجبت والطاغوت" ويسميهما " صنمي قريش" ويرى "إن لعنهما واجب، وأن من يلعنهما ويلعن أمهات المؤمنين عائشة وحفصة له فضل وأجر عظيمين" ونشر الخميني في كتابه "تحفة العوام" الذي طبع في لاهور دعاء مايسمى "دعاء صنمي قريش" جاء فيه" اللهم العن صنمي قريش وجبتهما وطاغوتهما وإفكيهما وابنتيهما00 اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك وقلبا دينك، وحرفا كتابك، وأحبا أعدائك وجحدا آلائك، وعطلا أحكامك، وأبطلا فرائضك، واحدا في آياتك، وعاديا أولياءك، وخربا بلادك وأفسدا عبادك، اللهم العنهما وأتباعهما - يقصد السنة- وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما – يقصد عموم المسلمين من غير الشيعة. "والحقيقة أن من يطلع على هذا الدعاء يرى إن الموبقات التي لصقها الخميني بالخليفتين (رض) لم يرتكبها أنس أو جن منذ بداية الخليقة وحتى نهايتها، فهو لم يبق صفة منكرة إلا ولصقها بهما وهناك من الصفات ما لا يمكن السكوت عنه مثل تحريف القرآن وقد جاء في القرآن الكريم "إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وفي ذلك شك في قدرة الباري عز وجل، ولا أظن إن هناك مسلم يلفظ أسماء هؤلاء الصحابة الذين عايشوا الرسول ونهلوا من علمه وتدربوا في حضرته واستقوا من معارفه في شؤون الدين والدنيا دون أن يقشعر جسمه وهو يسمع كلمات ليست صادرة من رجل شارع لا يفقه من الدين شيئا وإنما مرجع إسلامي كبير يدير شؤون دولة إسلامية، وله مريدين ومقلدين في العديد من دول العالم العربي والإسلامي يعدون بالملايين، وكذلك كان الحال مع الخليفة عثمان بن عفان فقد اتهمته مجلة الشهيد الإيرانية بأنه " كان طاغية يعذب صحابة رسول الله ظلماً " لا غرابة في الأمر ففي رسالة الخميني المسماة " التعادل والترجيح " قلل من علم الأنبياء المرسلين جميعاً، مستوحياً فكرة الطبرسي " بان الإمامة أرفع درجة من النبوة" فقد ذكر إن العلم مقصوراً على الأئمة "إن لأئمتنا مقاماً محموداً ودرجة سامية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، لهم مقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ولقد شكك الخميني في قدرة الرسول الكريم عندما ادعى بأنه " جاء الأنبياء من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم ولكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمد لم ينجح في ذلك " وحتى الوحي لم يسلم من تهم الخميني، ففي خطاب له في 2/3/1986 بمناسبة مولد السيدة فاطمة (رض) ذكر بأن الوحي لم ينقطع بموت النبي (ص) بل ظل جبرائيل ينزل على فاطمة ويبلغها بالأمور التي ستقع، وأن الأمام علي كان كاتب الوحي، وان فاطمة كانت بعد وفاة والدها حزينة وكان جبرائيل الأمين يأتي إليها لتعزيتها ومؤانستها، وانه من المحتمل أن يكون جبرائيل قد أوحى إلى فاطمة بقضايا إيران !  من المؤسف أن كتب الأمام الخميني لاقت رواجاً كبيراً في العراق رغم الأخطاء الكبيرة التي تضمنتها من كافة النواحي ، والمدهش أن تسكت المراجع الدينية العظمى عن الأهانات التي لحقت بالأنبياء والرسول والملائكة والصحابة والكتب المقدسة والإسلام جراء التهجم عليه من قبل الخميني، وان كانت المراجع الإيرانية الأصل تسكت لدوافع عنصرية فارسية وطائفية، فما بال المراجع العراقية التي خيطت أفواهها بخيوط التستر والتغاضي عن هذه الأهانات باعتبارها المسئولة عن حماية الدين وحفظه كما تدعي ؟

لقد أدى تداول هذه الكتب التي كانت إيران تروج لها بشكل كبير وتباع بأسعار مدعومة من النظام الإيراني - تكاد أن تكون مجاناً- وغصت بها المكتبات العراقية، أثرا في جعل الكثير من أبناء الطائفة الشيعية من السذج الذين يجهلون أصول الدين والتأريخ إلى الأخذ بنظرة التكفير هذه، فكما وصف البروفيسور حنا بطاطو" إن سكان الجنوب العراقي غير دقيقين في شيعتهم، وغير متمكنين من عقيدتهم، فقد تكيفوا طبقاُ لطقوس تقليدية " كما وصفهم الكاتب حبيب شيحا الذي عاش طويلاً في العراق " إن أغلبيتهم لا يعيرون أهمية للصلاة وتعاليم الإسلام الأخرى، فهم على دين شيوخهم " وجاء في مذكرات الملك فيصل الأول عام 1933 " بأن الشيعة بعيدون عن الحكومة، لأنهم يرون علماء السنة وهم يمتلكون الأموال والممتلكات المحرومين منها، وان الحسد بين رجال الدين معروف جيداً " لذلك فقد مهد رجال الدين الفرس الطريق لخلق الفتنة الطائفية في العراق، ولا سيما إن شيعة العراق ، كانوا معظمهم من الفرس محسن الحكيم الطبطبائي والخوئي والسبزواري والسيستاني. ونشر الإيرانيون التشيع الصفوي وفكرة أنهم الفرقة الناجية وأولوها باعتبار بقية الفرق كافرة ومأواها النار، ففي خطاب للخميني في 21/6/1982 أكد بأن إتباعه فقط هم الفرقة الناجية وأن جميع المسلمين في النار، وروج الخميني لفكرة مخالفة السنة في كل شيء، بل اعتبر مخالف السنة هو مقياس صحة الخبر، مستنداً في ذلك إلى رواية شاذة ليس لها سند في أي من مصادر التأريخ والدين وتتنافى مع العقل، وهي إن الصحابة (رض) كانوا يسألون الأمام علي (رض) عن مسائل عديدة، وبعد أن يجيبهم عليها، فأنهم يضعون ما يناقضها؟؟ وينتهي الخميني في استنتاجاته البليدة بالقول" المرجح المنصوص هو موافقة الكتاب والسنة وكذلك مخالفة العامة – السنة- ومن الغريب أن لا يستشهد الخميني بحديث الأمام علي (رض) إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رض) بعدم الخروج بنفسه لمحاربة الفرس، ثم يوضح له نفسية الفرس الأعاجم في حالة خروجه بنفسه لقتالهم " أن الأعاجم أن ينظروا إليك غداً يقولوا هذا - أي عمر- أصل العرب أي رمزهم وقائدهم" وفي كتاب تحرير الوسيلة يقول الخميني "إن مبطلات الصلاة احدها الحدث وثانيهما وضع أحد اليدين على الأخرى، على نحو ما يصنعه غيرنا، ولا بأس به في حالة التقية، وهي أحد الطرق التي يتبعها أبناء الطائفة الشيعية فيظهروا على وجوههم عكس ما في قلبوهم تحت حجة المحافظة على الدين والنفس". وهو نفس ما جاء في فتوى للسيد السيستاني في موقعه بأنه يجوز الصلاة خلف السنة لغرض التقية فقط! لقد ألقت هذه الأفكار الحاقدة ظلالها على الطائفة الشيعية في العراق ممن انجرفوا مع تيارها من الجهلة والسذج، ووجدت أفكار الخميني ومن سبقوه كالطوسي والكليني والمجلسي والطبرسي صاحب كتاب " فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام ربّ الأرباب" وكذلك الكتاب المحدثين كالتيجاني الذي روج مثل هذه الأفكار الهدامة بكتبه وأشهرها " ثم اهتديت" معتبراً نفسه كما ذكر في لقاء تلفزيوني " كلب لآل البيت" وكنت أظن انه كان على غير دين واهتدى بنور الإسلام، وإذا به تحول من المذهب السني إلى المذهب الشيعي؟ لقد وجدت هذه البذور الهجينة غير الملقحة بالمعرفة والعلم في العراق تربة صالحة لتنمو وتكبر وتنضج وتأتي بثمارها الناضجة قبل الغزو الأمريكي للعراق، ولكنه تم تسويقها بعد الغزو، على أيدي المراجع الدينية عن سابق إصرار، لذلك وجدنا محمد باقر الحكيم الذي نثر الله جسده أشلاء كما في الدنيا قبل الآخرة، وأخيه عبد العزيز الحكيم الذين كانوا بحق أتعس خلف، يسمون السنة بالمروانيين، وذلك لاستثارة غيظ الشيعة على أبناء السنة ونرى أنه من الضروري استعراض بعض المقولات التي تشير إلى تكفير أبناء الطائفة السنية، مثلاً ورد في كتاب بحار الأنوار للفارسي محمد باقر ألمجلسي وهو من الكتب الشيعية المشهورة وينقل عن الأمام محمد الباقر (ع) قوله "يوم القيامة تبدل سيئات شيعة أهل البيت، بحسنات الناصبة والمخالفين، فثواب صلاة الناصبة وزكاتهم وصومهم وحجهم وصدقاتهم، وكل ما يفعلونه من الخير، يعطى لمحبي آل البيت". ومن المؤسف وأنت تتفحص موقع السيد السيستاني تجد فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان والبعض منهم هو اشد من التكفير, فهو يفتي بأنه يجوز الصلاة مع السنة ظاهريا أي (تقية) فقط كما أشرنا, كما أن يفتي بعد جواز الشيعية من السني أو الشيعي من السنية لا زواجا دائميا ولا متعة خوفاً من الضلال, كأنما يجهل أن الرسول(ص) قد تزوج نصرانية؟ ويتجاهل الحديث الشريف " إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه, إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" .ومن الغريب أن يخاطبه أحمد الكاتب وهو من خريجي حوزة النجف متسائلا فيما إذا كان السيستاني يعلم بفتاواه على موقعه أم لا؟بقوله" ولا ندري مدى صحة هذه الفتاوى؟ وهل هي بقلمكم وعلمكم؟ أم بقلم مكتبكم؟ وهل هي فتاوى قديمة لكم؟ أم هي جديدة وتصرون عليها الآن"؟ وبعد هذا يجيب الكاتب نفسه " نظراً لأن هذه الفتاوى تخالف نهجكم التوحيدي وسعيكم الجاد للقضاء على الفتنة الطائفية، فقد أثارت استغرابنا". بعد أيام رفع الموقع هذه الفتوى مستبدلا إياها بفتوى أخرى دون أن يجيب على ملاحظات الكاتب أو يعلق على الموضوع؟

2-أكثرية العراقيين شيعة

من المعروف إن الثورة الإسلامية في إيران قد روجت مظلومية الشيعة في العراق وبأنهم الأكثرية بعد أن كانوا في البداية يعتبرونهم نصف المجتمع العراقي مع بداية الثورة الإسلامية، رغم أنه لا توجد إحصائيات تتعلق بالمذهب طوال تأريخ العراق، حيث خلت الاستمارات الإحصائية منها، كما روج الفرس بأن نسبة الشيعة في العراق حوالي 85% من مجموع سكان العراق،وهي نسبة تدل على جهل كبير في علم الحساب والإحصاء، فأن كانوا كذلك والأكراد يمثلون 12% وبقية الأقليات 3% فأن هذا يعني عدم وجود سنة عرب في العراق ؟؟ كما بالغوا بعدد سكان المناطق الجنوبية وبغداد، خصوصاً مدينة الثورة ومعظمهم من سكان الجنوب الذين هاجروا إلى العاصمة وملكهم الزعيم السابق عبد الكريم قاسم مساحة صغيرة من الأرض لأستبدلها بالصرايف التي كانوا يعيشون فيها مع حيواناتهم وقدروا عددهم (2) مليون في حين أن إحصائيات وزارة التجارة العراقية وهي أفضل الإحصائيات وأجددها، وتعمل الحكومة العراقية بموجبها في الوقت الحاضر، بالاعتماد على الحصة التموينية تشير إلى إن عددهم (900 ) ألف نسمة، إضافة إلى المبالغة في حجم زوار العتبات المقدسة في ذكرى استشهاد الأمام الحسين (ع) إلى (12) مليون نسمة، ولا يوجد عاقل يستوعب هذا العدد في منطقة محدود المساحة والإمكانات من حيث الفنادق والخدمات الأساسية، كما أن الزيارة مقتصرة على شيعة العراق فقط، بعد إن امتنع الإيرانيون عن حضورها خوفاً من الهجومات بعد التفجير الذي استهدف محمد باقر الحكيم، في حين أن زوار مكة المكرمة من مختلف الملل والنحل الإسلامية وجميع الدول الإسلامية لا يزيد عن (3) مليون حاج تكتظ بهم المدينة، رغم إن المدينة مهيأة أصلاً لهذا العدد الكبير !!وإذا اعتبرنا إن المحافظات السنية هي (نينوى والسليمانية واربيل ودهوك وديالى والأنبار وصلاح الدين والتأميم) فأن المحافظات الشيعية (البصرة وبابل والناصرية والنجف وكربلاء وواسط والقادسية وميسان والمثنى) على اعتبار أن بغداد مناصفة بين المذهبين، ومن الملاحظ إن البصرة اكبر المدن الشيعية تبلغ نسبة الطائفة السنية فيها 30% من السكان وهناك أقضية مثل أبو الخصيب والزبير مغلقة على السنة، علاوة على أن المحافظات السنية أكثر كثافة من الشيعية، فمحافظة نينوى (1،900،000) تعادل في عدد سكانها محافظات كربلاء (740000) وميسان (590000) والمثنى (414000) مجتمعة، ولكن بغض النظر عن هذه النسب فأنها لا يجوز أن تعني وفق منظور المواطنة الصالحة إنفراد الأكثرية بالحكم والامتيازات والحقوق على حساب بقية القوميات والمذاهب والأقليات، المواطنون فجميع دساتير دول العالم ومنها الدستور العراقي السابق نص على المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد في ظل المساواة والعدالة. ومن الغرائب أن يتحدث قادة الشيعة عن هذه الأكثرية بطريقة غريبة فهم يخرجون الأكراد من الحسابات المذهبية مدعين بأنهم ليسوا عرب وفي ذلك غبن كبير فالتقسيم أما يكون حسب الطائفة وعند ذلك يقسم السكان إلى سنة وشيعة ومذاهب أخرى ويكون بموجبها الأكراد حسب المذهب السني كأكثرية أو يكون قومياُ بمعنى أن يقسم إلى عرب أو أكراد وبقية الأقليات أما أن تستخرج الأكراد من التقسيم الطائفي وتضم الأكراد الفيلية إلى الائتلاف الشيعي مثل العرب كما جرى في الانتخابات الأخيرة فهذا أمر يدعو إلى الغرابة ؟
وفي الوقت الذي نصب فيه النظام الإيراني نفسه وصياً على شيعة العراق، كان الأولى به أن يتحدث عن معاناة الأقليات القومية والمذهبية في إيران نفسها، والسياسات العنصرية والطائفية التي ينتهجها إزاء بقية المذاهب والقوميات، ولغرض إقرار الحق، من المناسب تسليط الضوء على أوضاع السنة في إيران وهل قامت الثورة الإسلامية بمنحهم حقوقهم الدينية والمدنية أسوة بأبناء الطائفة الشيعية؟ وهل أعطت بقية القوميات كالعرب كالأكراد والبلوش حقوقهم؟

من المعروف أنه خلال عام 624 م أنتصر المسلمون في معركة نهاوند على الفرس وأنهوا بذلك الحكم الساساني، وبقيت إيران على المذهب السني لغاية القرن العاشر الهجري حيث أسس إسماعيل ميرزا الدولة الصفوية وأختار المذهب الشيعي الأثنى عشري مذهبا رسمياً للدولة ليحول إيران إلى المذهب الجديد وبالنار والحديد واللجوء إلى أعنف الأساليب الوحشية كما هو مثبت تاريخيا ، وأكمل أبنه طهاسب ما بدأه أبوه ولكن بشدة أقل, وتبلغ نسبة الفرس من مجموع السكان في إيران حوالي 45% والبقية من أذرية وتركمان وعرب وأكراد وبلوش وترفض الحكومات الإيرانية المتتالية مناقشة موضوع القوميات الأخرى، معتبرا إن الأمر لا يعدو أكثر من مؤامرة خارجية تستهدف تفتيت البلاد، وسبق أن عبر رفسنجاني عن هذه الحقيقية وأبدى قلقه من "تنامي ظاهرة القوميات غير الفارسية في إيران "مؤكداً بأنها" تستهدف الوحدة الوطنية الإيرانية" في الوقت الذي تنثر الحكومة الإيرانية بذور الأقليات الطائفية والعنصرية في العراق من شماله إلى جنوبه، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال دعمها للأكراد في شمال العراق في إنشاء دولة مستقلة، لكنها ترفض بالاعتراف بأكرادها وحقوقهم القومية؟ و في الوقت الذي تصرح فيه الحكومة الإيرانية بأن عدد السنة في إيران لا يتجاوز الـ3% فأن الحقيقية تنقض هذا الهراء إذ تشير الإحصائيات لعام 2006 بأن الأكراد فقط يشكلون حوالي 7% من السكان البالغ عددهم (69) مليون نسمة بمعنى أن عدد الأكراد يقارب (6،2) مليون نسمة، ويقدر السنة الإيرانيون أنهم يشكلون ثلث السكان أي حوالي (12-15) مليون نسمة، لكن المصادر المستقلة تقدر نسبتهم بحدود 15-20% من مجموع السكان، ومن المعلوم إن السنة يرجعون إلى ثلاث قوميات رئيسية هي الأكراد والبلوش والتركمان علاوة على العرب في إقليم عربستان والمناطق الحدودية مع باكستان وأفغانستان ويحرم على السنة بناء الجوامع ، ويحدثنا العلامة محمد عبد القادر آزاد رئيس مجلس علماء باكستان إن الأمام الخميني وعده بتقديم أرض يقام عليها مسجد للسنة في طهران وتم دفع ثمنها، ولكن بعد مدة نكث الخميني وعده وأغتصب المبلغ المدفوع وسجن المساهمين بالتبرع، ويقول آزاد بأن فوجئ بأنصار الخميني يقولون له " لو أعطينا قطعة أرض ليقام عليها مسجد لأهل السنة فأنه يصبح مسجداً ضراراً "، علماً انه يوجد في طهران من السنة أكثر من نصف مليون، ومن الطرائف إن المرجع الشيعي مصباح الأزدي برر عدم السماح بإقامة جوامع للسنة "متى ما سمح لنا ببناء حسينية في مكة، سنسمح ببناء مسجد في طهران" والغريب أنه يوجد في طهران معابد وكنائس وأديرة للزرادشتيين واليهود والنصارى لكن لا يجوز بناء مساجد للطائفة السنية ؟ ناهيك عن المضايقات التي يتعرض لها أئمة السنة من قبل أجهزة الأمن الإيرانية ومنعهم من إلقاء الخطب والمواعظ ونشر كتب المذهب، ومن المدهش أن الدستور الإيراني ساوى بين أهل السنة بمنزلة المجوس واليهود والنصارى، فقد نص أن يكون رئيس الدولة " فارسي الأصل يحمل الجنسية الإيرانية " ومؤمناً بالمذهب الرسمي أي المذهب الجعفري فقط، واجزم إن الدستور الإيراني الفريد من بين دساتير العالم الذي نص في المادة 12 منه على المذهب " الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري، وهذه المادة غير قابلة للتغير إلى الأبد". ويكاد أن يكون تمثيل النواب السنة في البرلمان الإيراني لا يذكر، فهم (14) نائباً فقط وهم أشبه بالحبر على ورق من حيث نشاطهم وفعاليتهم بسبب الضغوطات عليهم.

ويكفي إلقاء نظرة سريعة على التقارير التي تنشرها المنظمات غير الحكومية والمستقلة ومنها مراقب حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية لمعرفة الظلم الفارسي الواقع على أهل السنة، وخاصة في مناطق سيستان وبلوشستان عربستان، وتأتي الحركة المسرحية للرئيس أحمد نجادي مؤخراً بدعم حقوق السنة وتحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الأزمة النووية الحادة التي تعيشها إيران لكسب ودهم وتأمين جانبهم في حالة شن الأمريكان هجوماً على إيران.

3- مظلومية شيعة العراق

صور الإيرانيون شيعة العراق بأنهم المظلومين في تأريخ هذا البلد وعلى مر الزمان، وان الصفحة السوداء في هذا السجل كانت في عهد النظام السابق، بينما الحقيقة غير ذلك سواء كان في زمن نظام صدام حسين أو قبله، فمن المعروف أن الرئيس عبد الكريم قاسم كان على علاقة طيبة من المراجع الشيعية في النجف وخاصة السيد محسن الحكيم الاصفهاني الطبطبائي، وان الزعيم قاسم مثل أول انعطافة تأريخية خاطئة في تأريخ العراق الحديث بقضائه على الأسرة المالكة بطريقة وحشية، وكان يتحمل الوزر الأكبر في التغيير الذي شهادته بغداد في تركيبة السكان، بعد الهجرات المتتالية من الجنوب، وتشير المعلومات إلى أن 85% من إجمالي صافي الهجرة من محافظات العراق عام 1956 قد تركزت في بغداد بسبب الحصول على دخل أفضل والانخراط في الجيش والشرطة والنزاعات العشائرية والهروب من الأقارب ولأغراض الدراسة والحصول على خدمات أفضل، وكانت مدينة الثورة هي المركز الأول في تجمع المهاجرين من الجنوب، و كان سكان هذه المنطقة النواة التكوينية للحزب الشيوعي العراقي، ومن بعدها حزبي الدعوة والمجاهدين كما يحدثنا حنا بطاطو " يتضح أن الأحوال المعيشية لشيعة الثورة تؤدي دوراً فاعلاً في توليد الاستعدادات للتأثر بأفكار ونفوذ حزبي الدعوة والمجاهدين، وكان الحزب الشيوعي قد أستمد معظم قوته في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من هذه المدينة بالذات " وعرفت هذه المدينة بالتقلبات السياسية والتملق للحكام وتوجهاتهم السياسية بحكم التخلف الثقافي والاجتماعي فيها، كما إنها بحكم هذه الظروف كانت لقمة سائغة بيد المراجع الدينية والسادة يتلاعبون بهم حسب أهوائهم ورغباتهم للحصول على الخمس بما يعادل 20% من دخلهم القليل! وكان الخطأ الجسيم الذي ارتكبه عبد الكريم قاسم بتوطين هؤلاء في مدينة بغداد وتحويل صرائفهم إلى بيوت استملكهم لها، حيث وزع علهم مساحة صغيرة من الأرض تبلغ 65 م2 لكل عائلة، وقد أدى هذا إلى تدمير مدينة بغداد التي تعاني لحد اللحظة من مشاكلهم، فقد أضافوا عبئاً على الخدمات التحتية كالماء والكهرباء والاتصالات والخدمات الأخرى، كما إنهم ضغطوا على الخدمات الثقافية والصحية في العاصمة، إضافة إلى ما جلبوه من فوضى بسبب معتقداتهم الدينية وتخلفهم الثقافي، كما ارسوا عدد من العادات القبيلة والعشائرية السيئة كالقتل والثأر والدية والنهوة، وأخلوا بالنظام العام بسبب انتشار الجريمة والسلب والنهب بين صفوفهم فمعظم المجرمين والقتلة من هذه المدينة، وكان لتركهم الريف العراقي أن تحول العراق من دولة مصدرة للمحاصيل الزراعية بالى مستورد كبير لها، وكان من الأجدى بالزعيم قاسم أن يملكهم الأرض في محافظاتهم الجنوبية بدلاً من بغداد، لذلك فقد استفاد الشيعة من الأراضي السكنية التي تملكوها مجاناً دون السنة، وفي زمن قاسم وأهوائه الشيوعية انتشر الحزب الشيوعي بين صفوفهم كما تنتشر النار في الحطب باعتباره يعني بالطبقات الكادحة ويتناغم مع أحلامهم الوردية في بناء المستقبل، أما في العهد العارفي فقد كان رئيس الوزراء طالب مشتاق من الشيعة إضافة إلى عدد كبير من الوزراء، وقدم عارف طائرته الخاصة للمراجع الدينية في النجف وعلى رأسهم المرجع الكبير محسن الحكيم للتوجه لأداء مراسم الحج، وكان الشيعة في زمنه يشكلون أكثر من 80% من منتسبي الجيش والشرطة من المتطوعين، وفي زمن صدام حسين كان الشيعة حالهم حال بقية فئات المجتمع فكما هو معروف إن حزب البعث يحمل سمة العلمانية ويؤمن بفصل الدين عن السياسة، ولم يفرق بين السنة والشيعة وبقية الأقليات سواء في انتسابهم للدولة أو الحزب، فبقدر تعلق الأمر بالحزب كان الشيعة يشكلون الأكثرية في عضويته وكان فرع صدام " مدينة الثورة وحالياً الصدر" تضم اكبر فرع للحزب في العراق من حيث عدد الحزبين، وحوالي 70% من أعضاء الفرق الحزبية بكافة المستويات كانوا من الشيعة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوزراء فقد كان عدد كبير منهم من الشيعة وان رئيسي وزراء العراق في زمن صدام حسين كانوا من الشيعة وهم محمد حمزة الزبيدي و"سعدون حمادي" وكانت قائمة المطلوبين الأمريكية من الـ(55) عنصرا " ورق اللعب" تضم الأكثرية من الشيعة، لذا يمكن الجزم أن نطلق على حزب البعث انه يضم من الشيعة أكثر من السنة بحكم العدد والهيكل التنظيمي الذي يشغل الشيعة معظمه, والذي يتحدث عنه الشيعة بأنهم ظلموا بسبب نهج البعث فهذا غير حقيقي فمن المعروف آن كافة الأنظمة السياسية في العالم الثالث تحافظ على وضعها السياسي والأمني وتسمح بقدر قليل من المعارضة، وان الذي حدث انه عند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية روجت الجمهورية الإسلامية مبادئ ثورتها إلى العراق واستقطبت عدد من الشيعة وخاصة ذوي الأصول الإيرانية إلى صفوفها، وقام هؤلاء بأعمال شغب ضد الحكومة والشعب ومنها التفجير الذي استهدف الجامعة المستنصرية والذي تلاه أطلاق الرصاص على مشيعي الشهداء من المدرسة الإيرانية في باب المعظم والعديد غيرها, ولهذا السبب ولمقتضيات تماسك الجبهة الداخلية ضربت الأحزاب الشيعية التي كانت تحاول زعزعة الأمن الداخلي بقوة ومنها أحزاب الدعوة والمجاهدين والحزب الشيوعي، وقد كانت محاولة اغتيال الرئيس صدام حسين في منطقة الدجيل عام 1982 بداية مطاردة عناصر حزب الدعوة الذي أعلن من إيران مسؤوليته عن الحادث، ولكن الأمر لم يتعدى الحزب المذكور, فللشيعة دور مهم في معظم ثورات العراق على مدى التأريخ, فقد ساهم معظم الشيعة بالحرب ضد العدو إلا يراني وقدموا تضحيات كبيرة في سبيل الوطن, سيما بعد أن تبينوا زيف أفكار الخميني ودعواه الطائفية ومطامعه التوسعية وعنجهيته الفارسية، فرغم معرفته الجيدة باللغة العربية، فأنه رفض التكلم بها منذ تسلم السلطة لغاية موته، وبعد انتهاء الحرب ساهم النظام الوطني نفسه بأحياء مراسم عاشوراء من خلال التبرعات بالمال بعد أن كان قد منعها خلال الحرب العراقية الإيرانية، والحقيقة كما يعلم العراقيون جميعاً إنه لغاية ما تسمى بالانتفاضة أو صفحة الغدر والخيانة عام 1991والتي سنتناولها في جزء خاص, فان الأحزاب الشيعية لم تكن تشكل خطراُ على النظام الوطني آنذاك، فما قبل الاحتلال كانت الأحزاب السلفية" الوهابيين" هي التي تشغل النظام الوطني وتزعجه وليس الأحزاب الشيعية.

كان الشيعة من ابرز المدافعين عن حزب البعث وكان منهم أعضاء القيادة وأعضاء الفروع والشعب، وهم يشكلون النسبة الأعلى من أعضاء الفرق والأعضاء العاملين في الحزب، أما على الصعيد الرسمي فأن كبار القادة في الجيش العراقي ورؤساء الجامعات وكبار العلماء والمسئولين الحكوميين كانوا من الشيعة، ولم تكن الوزارات العراقية قبل خلال حكم البعث تعتمد المذهب فكافة الوثائق الرسمية تخلو من حقل المذهب، كما إن كافة الإحصائيات السكانية خلت من المذهب ومنها استمارة الإحصاء السكاني لعام 1987 كذلك لم تتضمن استمارات التعيينات في دوائر الدولة حقل خاص بالمذهب ونفس الأمر اعتباراً من الحصول على شهادة الميلاد والدراسة الأولى ولغاية التخرج من الجامعة والوظيفة والتقاعد وإنتهاءا بشهادة الوفاة لم يدخل المذهب في جميع وثائق هذه الجهات! أن القبول في الكليات العسكرية والمدنية والمعاهد والمؤسسات الأمنية، والزمالات الدراسية وغيرها بعيدة عن المذاهب، كما إن البطاقة التموينية وهي أهم شيء عند العراقيين خلال مرحلة الحصار الاقتصادي الجائر والتي كانت توزع بموجبها المواد الغذائية بشكل عادل على كل المواطنين العراقيين سنة وشيعة وأقليات عنصرية ومذهبية، وكانت عمليات التزاوج بين السنة والشيعة في أوج قوتها ولم نسمع في يوم من الأيام إن اختلاف المذهب كان سبباً لحالة طلاق بين زوجين كما يحدث حالياً بعد الغزو، كما إن الأدوية وخاصة لذوي الأمراض المزمنة كانت توزع مجاناً على كافة فئات المجتمع العراقي بلا فوارق وان معاملات المواطنين لدى دوائر الدولة لم تكن تميز على الأساس الطائفي، لذا فأن إشاعة مظلومية الشيعة على ممر العهود وخاصة في عهد الرئيس صدام حسين كانت خرافة يتشدق بها الخونة والعملاء وروجها القادمون على الدبابات الأمريكية

4-انفراد السنة بالحكم

إن مسألة إنفراد السنة في الحكم في زمن الرئيس السابق صدام حسين، أمر يدل على الحمق والغفلة، لأن الرئيس العراقي وحزبه كما قلنا اتصفا بالعلمانية، وانه لا يوجد في أي من مفاصل الدولة ما يؤخذ على أساس المذهب سواء في القبول بالمدارس أو الجامعات أو التعيينات في وظائف الدولة، وأتحدى أي عراقي يستطيع أن يجلب استمارة تعيين أو طلب وظيفة أو قبول في جامعة أو زمالة دراسية فيها فقرة تتعلق بالمذهب، وهو عكس ما يحصل في الوقت الحاضر حسب نظام المحاصصة الطائفية، فأن التعيين في أي وزارة يرأسها وزير شيعي يتطلب إحضار ورقة تزكية من حزب الدعوة أو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أو الحزب الإسلامي وهكذا كما أشرنا سابقاً. وهناك وزارات أخليت مراكزها من العناصر السنية إلا ما ندر ومنها وزارة الصحة. وهذه ظاهرة جديدة في العراق الديمقراطي! إن مسألة إنفراد السنة في الحكم لا تعبر عن حقيقة فالملوك الثلاثة نصبوا من قبل بريطانيا وأن أصولهم هاشمية أي إنهم يحملون أسمى الأنساب. كما إن الزعيم عبد الكريم قاسم جاء بثورة أطاحت بالنظام الملكي, وكان اقرب للشيعة منه للسنة فهو لم يقدم إنجازات للسنة كما فعل للشيعة حيث وزع عليهم أراضي في أطراف بغداد مجانا. كما إن الزعيمين العارفين لم يشهد عهدهما الانحياز إلى الطائفة السنية ولم يتحدث الشيعة وكتابهم عن وجود غبن بحق الطائفة في العهد العارفي, وننتظر أية وثيقة أو قرار يثبت عكس كلامنا هذا صدر في العهد العارفي يتنكر للشيعة أو ينحاز للسنة! أما عهد الرئيس صدام حسني فقد تحدثنا عنه بما فيه الكفاية, بل إن السيستاني نفسه ذكر بأن الرئيس صدام حسين لم يكن طائفياً!

تدخل سافر مع سبق الترصد والإصرار

كان لإيران دور بارز في انهيار النظام العراقي السابق، وفي الوقت الذي صرح فيه علي لاريجاني خلال لقائه بنقابة الصحفيين المصريين بأنه ليس لإيران دورا في احتلال العراق, مصرا بان هناك جهات غربية تروج لمثل هذه الأباطيل, فأنه كما يبدو فاقد للذاكرة, فقد صرح رفسنجاني بعد أسابيع من الاحتلال " لو لا إيران لما دخلت أمريكا واحتلت العراق" وأعلن الرئيس احمد نجادي "إن الله وضع ثمار احتلال البلدين المجاورين لإيران وهما العراق وأفغانستان في سلة إيران " ثم أستطرد" علينا الاستعداد لإدارة العالم" وأعلن وزير الداخلية الإيرانية "إن شعارات الشعب الإيراني المسلم تخرج من صناديق الاقتراع في بغداد والمحافظات الجنوبية" واعتبرها ظاهرة تأريخية تؤكد تنبؤ الخميني" كما أعترف ابطحي نائب الرئيس خاتمي في مؤتمر الاستراتيجيات الذي عقد في الأمارات العربية بأن بلاده ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية على غزو العراق" وكان وزير الداخلية الإيراني أكثر وضوحاً عندما صرح"إن الصوت الذي يسمع في بغداد وبقية المحافظات هو صوت الثورة الإسلامية عام 1979، وان رسالة الأمام الخميني قد وصلت، لقد تبنى الشعب العراقي وقيادته المميزة أفكار الثورة والنموذج الإيراني".

ومن المعروف إن للمرجعية دورها في مباركة الاحتلال، وهي تأتمر بأوامر مباشرة  من إيران لأسباب عنصرية وطائفية معروفة، ففي الوقت الذي أفتت فيه قبل الغزو بمقاومة الغزو الكافر فأنها تراجعت بعد الغزو عن موقفها و استحسنت التعامل مع قوات الاحتلال وباركته بعد استقدام الأحزاب الشيعية في إيران وتسلمها زمام الحكم في العراق، ولا تزال المرجعية على موقفها من قوات الاحتلال وجرائمه التي لم يسلم منها عراقي بغض النظر عن طائفته وقوميته، ولم تحرك فضائح سجن أبو غريب وقصف الفلوجة بالقنابل الفسفورية وقتل الأبرياء في تلعفر وبعقوبة والموصل ومذابح الأسحاقي وحديثة والاعتداء من قبل القوات الأمريكية على مرقد الأمام (علي) والمذابح اليومية التي تشهدها المدن العراقية وعصابات الموت والمليشيات الطائفية وجرائمها المنكرة ونهب ثروات العراق والتهجير ألقسري ونزوح أكثر من (4) مليون عراقي داخل وخارج وطنهم بسبب العنف الطائفي أو مقتل وهجرة الكفاءات العلمية، أو انتهاك أعراض الماجدات العراقيات من عبير وصابرين وواجدة الآلاف غيرهن, والمآسي التي تعرض لها أبناء الطائفة في البصرة والقصف الجوي لمدن الثورة والشعلة مؤخرا, كلها لم تحرك شفاه المرجعية الخرساء بكلمة تشفي جروح العراقيين وتعطيهم الأمل ولو بارقة من الأمل وهذا أمر يستدعي التوقف عنده طويلا.

الجهات المنفذة للسياسة الإيرانية في العراق

هناك واجهات مكشوفة تنفذ الأجندة الإيرانية في العراق وواجهات سرية تتخذ أغطية مختلفة منها تنظيمات مخابراتيه وقوات عسكرية ومؤسسات خيرية وجمعيات دينية ومنتديات ثقافية وغيرها

الجهات المكشوفة

وتتمثل بما يلي :-

1-  الاحزاب الشيعية المنطوية تحت الجناح الإيراني والتي سنتناولها في جزء خاص يحمل عنوان الدور الإيراني في تصنيع الأحزاب والميليشيات, ومن هذه الأحزاب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة بشقيه والتيار الصدري وحزب الله وثأر الله والعديد غيرها.

2-  قوات الجيش والشرطة والحرس الوطني التي تم دمج الميليشيات بها وهؤلاء كما تبين في الكثير من الأحداث التي جرت في العراق فأن ولائهم ليس للوطن وإنما لأحزابهم وبالتالي الى إيران باعتبار المهيمنة على هذه الاحزاب.

3-  الميليشيات التي تدعمها وتمولها إيران ومنها قوات بدر وميليشيا حزب الدعوة وجيش المهدي وميليشيا احمد الجلبي وكتائب الحسين وميليشيا سيد الشهداء وثأر الله وغيرها وسنتحدث لاحقا عنها بتفصيل أكثر.

4-  المسئولون الحكوميون الذين يحملون الجنسيات الإيرانية أو ينفذون أجندتها كباقر الصولاغي وجواد البولاني وكريم شاهبوري وعلي الزندي وهمام حمودي  والعديد غيرهم.

5-   الإيرانيون الممثلون في مجلس النواب العراقي حيث إن معظم نواب الائتلاف ينفذون الأجندة الإيرانية, يضاف إلى وجود (30) نائبا يحملون الجنسية الإيرانية أبرزهم رئيس كتلة الائتلاف عبد العزيز الحكيم وخالد العطية وهمام حمودي وهادي العامري وعلي الأديب وصادق الموسوي وجمال جعفر.

6-  الحوزة العلمية بمراجعها الإيرانيين وعلى رأسهم السيد علي السيستاني ومحمد سعيد الحكيم وحسين وحيد  الخراساني ومحمد الحسيني الشاهرودي وصادق الشيرازي وغيرهم.

7-  السفارة الإيرانية والقنصليات والملحقيات الثقافية والتجارية ومن المعروف إن السفير الإيراني حسن كاظمي قمي هو ضابط كبير في الحرس الثوري.

الجهات السرية

وتتخذ عدة أغطية وأهمها :-

1-  فيلق القدس ويضم قوات من حرس الثورة الإيرانية وهو المشرف الرئيسي على إدارة عمليات فيلق بدر, وتدريب الميليشيات الطائفية وجيش المهدي. ويضم عدة معسكرات من بينها( رمضان,فجر,نصر,رعد وظفر).

2-  جهاز اطلاعات وهو جهاز المخابرات الإيراني وله فروع في كافة أنحاء العراق بما فيها وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني وبقية المؤسسات الحكومية.

3-    اتحادات ومنتديات ومنظمات دينية وحسينيات مثل مؤسسة شهيد المحراب ومؤسسة الحكيم ومؤسسة العقيلة زينب.

4-    الزوار الإيرانيين للعتبات المقدسة وفيهم عدد كبير من العناصر المخابراتية والقادة العسكريين.

5-    الشركات التجارية والوكالات المختلفة ومنها شركة اليقين وشركة باريسان الخضراء وشركة مبين.

6-    المؤسسات الثقافية مثل أنامل الهداية الثقافية ومؤسسة المرتضى للثقافة والإرشاد

7-  المنظمات الخيرية والإنسانية مثل مؤسسة الزهراء الخيرية ومؤسسة أنصار فاطمة وجمعية براثا الخيرية وجمعية نور الخيرية.

8-    طلاب الحوزة العلمية ومعظمهم من إيران ويزيد عددهم عن (2000) طالب وفيهم  وكلاء للمخابرات الإيرانية.

مخططات إستخبارية لشحن العنف

لقد جاءت الأحزاب المتفقسة في إيران تحمل معها نزعة انتقامية هائلة وحقد تأريخي أسود . وفي مقال كتبته عن ظاهرة الاغتيالات في العراق ونشرته أحد الصحف العربية عام 2004 نبهت من أخطار هذه الظاهرة وآثارها المستقبلية، ولا سيما إن العادات والتقاليد العشائرية لا تزال ذات مفعول مؤثر في العراق، فبعد الغزو أعلمني احد المقربين جداً من السيد عبد العزيز الحكيم، بأنه في اجتماع مع المندوب السامي بريمر طلب منه الحكيم السماح بتصفية الحسابات مع بعض الرموز البعثية، ورد بريمر حسناً !على أن يجري الأمر بهدوء، فوعد الحكيم بذلك، وكانت تلك الموافقة بمثابة الضوء الأخضر للميليشيات وعملاء إيران لترجمة ثاراتهم إلى واقع ملموس بتصفية الآلاف من البعثيين وامتدت يد الغدر إلى القادة العسكريين الأبطال وبقية الضباط العراقيين الذين شاركوا في الحرب ضد إيران وتلاها الطيارين والعلماء وبقية الفئات وكانت التصفيات غير معقولة فلا توجد منطقة في العراق إلا وفقدت العشرات من الضحايا، وهنا لابد من الإشارة إلى إن معظم إخواننا الشيعة رفضوا بشدة هذه الاغتيالات وحذروا إخوانهم الضباط من الاغتيال, ففي أحد الأيام حضر احد الأصدقاء من الشيعة وقال لنا" حذروا العميد الطيار(....) والعميد الطيار(...) بأن يغادروا العراق فورا, فقد وردت أسمائهم لنا ضمن قائمة لغرض تصفيتهم" وبالفعل تم تحذيرهما وغادرا العراق احدهم إلى تركيا والثاني إلى سوريا كمرحلة أولى! وكان للجيش العراقي الجديد والحرس الوثني ومرتزقة صولاغ المشاركة الفعلية في عملية الإبادة هذه إذ أن المخابرات الإيرانية المعروفة بدهائها دفعت قوات بدر وبقية الميلشيات الشيعية إلى الانضواء تحت الجيش والشرطة، فكانت نعم السند في التصفيات الجسدية، وأن مآثر صولاغ العتيدة ليست بعيدة، وقد كرمه الائتلاف بالائتمان على مال العراقيين بعد ائتمانه على أرواحهم فتولى وزارة المالية بعد الداخلية ولا عجب؟ ويبدو إن الرئيس الطالباني حاول أن يعالج أوضاع الطيارين العراقيين الذين دكوا مرابض الفرس وجعلوها تهوى فوق رؤوسهم الحاقدة فطلب مام جلال من الطيارين العراقيين التوجه إلى شمال العراق حفاظاً على أرواحهم، ولم يطلب فتح تحقيق بشأن الموضوع باعتباره رئيسا للجمهورية لأنه على معرفة تامة بالجهة التي تقف وراء ذلك؟ ويبدو إن الطالباني كمن " يستنجد بالرمضاء من النار" فقد أنقذهم من براثن إيران ليسلمهم لبراثن الصهاينة الذين يتواجدون بشكل مكثف في شمال العراق! إن استهداف البعثيين تحت يافطة" يا فاطمة يا مظلومة كل بعثي نقطع زردومه" عمل إجرامي وبداية لحرب أهلية فالذي يقتل أبوه أو أخوه أو ابنه بطريقة غادرة سوف لا ينسى الأمر، وسينتظر الفرصة المناسبة للأخذ بثأره وهذه عادة عراقية وتقليد معروف ومستقبل منظور سيكون مشوب بالعنف فمسلسل القتل سيستمر طالما طويت صفحة المواطنة والتسامح، وربما هناك من الميليشيات من يبرر الموضوع بأنهم تعرضوا إلى نفس الطريقة خلال النظام الوطني السابق وسوف نناقش هذا الأمر على حدة، رغم قناعتنا إن البداية الصحيحة تقتضي نسيان الماضي بحلاوته ومرارته وبداية مرحلة جديدة تتصف بالتسامح والمغفرة والأخلاق الإسلامية التي تدعي هذه الأحزاب إنها من مبادئها ونهجها وهي تحمل اسم الإسلام, والإسلام بريء منها ليوم القيامة.

إثارة الفتنة الطائفية

لقد عملت إيران على إثارة الفتنة الطائفية في العراق من خلال الأحزاب التي تعيش كالطفيليات على فتاتها لتثبت بأن من المستحيل أن يتعايش السنة والشيعة معاُ من خلال العديد من الحوادث ومنها تفجيرات سامراء، وذلك لغرض دنيء وهو تأجيج المطالبة بالفدرالية في العراق رغم إنها لا تؤمن بهذه الفدرالية عندما يتعلق الأمر بالأقليات الإيرانية. وكانت أصابع الاتهام قد وجهت إلى إيران مباشرة في الضلوع بتدمير المرقدين المقدسين بعد أن استعصى عليها فك اللحيم بين الطائفتين, وكان لا بد من فياغرا طائفية لإشعال الفتنة, وكما أعترف عدد من النواب انه تم القبض على ستة من عناصر فيلق القدس وتبين من خلال التحقيق مسئوليتهم عن التفجير, لكن الموضوع أغلق بناء على أوامر إيرانية, سيما أنها تسيطر بشكل كامل على وزارة الداخلية العراقية وان الوزير صولاغي هو إيراني الجنسية وبتدخل المرجعية في النجف, التي وجدت أن هذا الأمر من شأنه أن يلحق الضرر بها وهي كما معروف مرجعية فارسية وليست عربية. كما أطلقت إيران العنان للميليشيات التابعة لها وهي تزيد عن العشرين وأبرزها فيلق بدر وميليشيا حزب الدعوة وثأر الله وجيش المهدي بأن تؤجج الفتنة كلما خمدت, وبالفعل قامت تلك التوابع بواجباتها تجاه الأوامر الإيرانية على أكمل وجه!

وقامت هذه الأفاعي الرقطاء بنفث سمومها لتدمر أكثر من (100) مسجد وتقتل أكثر من (4000) سني يحملون قاسما مشتركا واحدا وهو إن اسمهم "عمر وبكر وعثمان" وتحرق بيوت الله وتنهبها وتدنس وتدوس على المصاحف بأقدامها النجسة؟ وأية تبريرات سمجة  بدعوى إن ذوي الملابس السوداء لم يتمكنوا من ضبط عواطفهم ففعلوا ما فعلوا؟ وكيف تدفع المرجعية بوحي من إيران أبناء الطائفة لأخذ الثأر "ثارات الحسين"، وأي شعار هذا الذي رفعوه " يا لثارات الحسين "؟ ومن الذي قتل الحسين هل هم السنة أم أنصاره الذين انقلبوا عليه وتركوه في ميدان القتال؟ ولنفترض جدلا إنهم السنة وهذا خلافا للمنطق والتأريخ فبأي حق يدفع السنة دية أجداد لهم عاشوا قبل 1400 عام؟ لقد سمعت احد الشيعة المثقفين وهو يقول إذا كان جيش المهدي يعيث مثل هذا الفساد ويقتل الأبرياء بهذه الطريقة البشعة ويدنس القرآن الكريم وينهب بيوت الله فلا عجل الله بفرجه وليبقى في سردابه مختفيا؟

فدرالية لإلحاق الجنوب بإمبراطورية الفرس

ولم تكتف إيران بكل تلك الجرائم فقد أوعزت لمنفذي أجندتها من قيادي المجلس الأدنى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة إلى المطالبة بفدرالية الجنوب، ومن المعروف إن الأمين العام الأسبق لحزب الله الطفيلي سبق أن اعترف بأن السيد حسن نصر الله في لبنان وعبد العزيز الحكيم في العراق ينفذون أجندة إيران بحذافيرها! والفدرالية الحكيمية( نسبة لعبد العزيز الحكيم الطبطبائي) ما هي سوى عملية تمهيدية لإلحاق جنوب لعراق الغني بالثروة النفطية بإيران لتكمل سيطرتها على أهم موارد الطاقة في العالم, ولتسيطر أيضا على جناحي الخليج العربي مما يؤمن لها أهم منفذ إستراتيجي لنفط الخليج إلى دول العالم, ولتشل حركة العراق باعتبار البصرة هي المنفذ الجنوبي البحري الوحيد للعراق, إضافة إلى تأمين العمق الاستراتيجي في حالة تعرضها إلى عدوان أمريكي قادم, رغم استبعادنا هذا التوجه فهما متفقان داخل العراق ومختلفان خارجه وهذه حقيقة يدركها الجميع!

من المؤسف أن يكون التوغل الإيراني في البصرة وصل إلى حد لا يمكن تصوره أو قبوله فصور الخميني المقبور وعلي خامنئي تملأ دوائر الدولة الرسمية والساحات والشوارع وهذه أول مرة في تأريخ الشعوب ترفع فيها صور أعداء الأمة في مؤسساتها وساحاتها! كأنما نسى العراقيون دماء أبنائهم التي سالت على أيدي هؤلاء الأوغاد! كما انتشرت الفضائيات الإيرانية التي تتبنى الأفكار الإيرانية المتطرفة, وحتى التعامل النقدي أصبح رسميا بالدينار العراقي والتومان الإيراني, كما أنتشر اللباس الإيراني المسمى الشادور بين نساء البصرة, وانتشرت اللغة الفارسية على نحو واسع حتى في مؤسسات الحكومة.

وهذه التغييرات في مجتمع البصرة هي خطوات تمهيدية للفدرالية الأمر يفسر تشبث الحكيم بموضوع الفدرالية, وغالبا ما يرسل ابنه عمار بين تارة وأخرى  كمبعوث لعشائر الجنوب يدعوهم لتقبل فكرة الفدرالية, ولم تخلو تصريحات الحكيم المحدودة من الإشارة إلى الفدرالية بعد أن ضمنها في الدستور الجديد، وكانت الضغوط الأمريكية والبريطانية على الحكيم هي التي جعلته يتريث في إقامة لفدرالية, فقد أشار مصدر مقرب من الحكيم، فضل عدم ذكر اسمه لصحيفة الحياة اللندنية أن بيكيت أوجزت الحكيم بالعدول عن المطالبة بالتطبيق الفوري للفيدرالية في الوسط والجنوب, مؤكدا بأنها المحاولة الأولى للحلفاء لإقناع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بـالتخلي عن المطالبة بالنظام الفيدرالي في هذه المرحلة الحرجة لافتاً الى أن الأميركيين سبق أن أرسلوا عدداً من الإشارات المباشرة وغير المباشرة تصب في هذا الاتجاه، كان آخرها جولة لجنة بيكر. ومع هذا تم تمرير القانون بمجلس النواب بطريقة تافهة؟ ويبدو أن العشائر العراقية وعت الغرض الخبيث من دعوى الفدرالية فرفضتها جملة وتفصيلا, بل طالب تجمع عشائري ضخم تألف من (250) شيخا بمذكرة للحكومة العراقية بأن  تكشف الدور الإيراني في العراق, وهناك حملة المليون توقيع لرفض هذا التدخل!

تفاوض إيراني بأسم الشعب العراقي

وكانت آخر فصول المسرحية الإيرانية دعوة الحكيم للولايات المتحدة بعد اشتداد الأزمة النووية الإيرانية بالتفاوض مع إيران بشأن الملف العراقي، وتصفية الخلاقات بينهما على حساب العراق، مؤكداً بذلك كل الدعوات التي تحدثت بها جهات وطنية عن الدور الإيراني الخبيث في العراق، وكما يقول المثل " من فمك أدينك" وتدعي إيران إن منطلقها في عقد هذه اللقاءات مع الشيطان الأكبر يأتي انطلاقا من حرصها على أمن العراق ومصلحة شعب العراق, وهي دعوى فارغة لا يمكن تمريرها على المجانين وليس العقلاء, وهنا من حقنا أن نتساءل أليس هذا التفاوض بحد ذاته هو أثبات للتدخل الإيراني في شئون العراق؟ وهل يحق لإيران أن تفاوض إدارة الاحتلال نيابة عن الشعب العراقي ومن خولها هذا الحق الذي يتعارض مع مبدأ السيادة وعلاقات حسن الجوار ويتعارض مع القانون الدولي؟ وهل ستفاوض إيران أمريكا حول مصلحة الشعب العراقي أو مصالحها في العراق؟ وعلى سبيل المثال أن المجلس الأعلى وحزب الدعوة وبقية التيارات والميليشيات الموالية لإيران قد فوضتها سرا بحق التفاوض باسم الشعب العراقي فما هو شأن بقية التيارات وأين مجلس النواب من كل هذا؟ وان لم يكن لإيران تدخل في شئون العراق فلماذا تكون هي الطرف الثاني بدلا من دولة جوار أخرى كأن تكون تركيا أو سوريا أو المملكة العربية السعودية أو الجامعة العربية؟ ولماذا يستخدم العراق ساحة لتصفية الخلافات بين الشيطانين الأكبر والأصغر ويدفع الشعب العراقي الثمن من دماء أبنائه من كل الملل والنحل.

لقد ذكرت شبكة( CBS ) عن مسئولين في الإدارة الأمريكية بأن قواتهم" تخوض حربا مع إيران على الأراضي العراقية, ولا بد لإدارة بوش أن تنظر بعين الحذر إلى التهديد الإيراني في العراق" بل أن رئيس هيئة الأركان المشتركة أوجز الكونغرس بقوله" بحثنا عن الشبكات التي تقوم بدور تخريبي في العراق ووجدنا إنها إيرانية"!

 

Alialkash2005@hotmail.com

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين /  14  جمادي الاول 1429 هـ

***

 الموافق  19  /  أيــــار / 2008 م