ها قد حانت لحظة الحسم ، وعليك
منذ اللحظة اعادة صياغة وتشكيل
وعجن حياتك كي تتواءم وتتناص مع
التبدلات والمستحدثات التي وقعت
على أس المصطلح . قصار القصص
والمكاتيب والحكايات لن تجلب لك
كثير خبز ولن تترس عبّك بصرر
الذهب . لم يعد أمامك متسع لتعيش
كما تود وتتشهى .
المسألة جدّ بسيطة والبدء
سيكون بوضع ضميرك فوق رف المؤجلات
. سيوجعك حتماَ هذا المفتتح
وسيسرق النوم من عينيك الغائرتين
وسيتحطم فؤادك وسينكسر ظهرك وسترى
الى وجهك في مرآة المرحاض فلا تجد
غير سخام وصفرة وعار . ستحس بطعم
دم رائب يغلق بلعومك حتى تكاد
روحك تطفر من مكمنها ، لكن ألأمر
سيكون سهلاً وسلساً ومقبولاً بعد
حين من الدهر ليس ببعيد . التدريب
والمعايشة وحصاد ليرات الذهب
سينسونك ما تبدّل من أيامك
الجديدة . انت بحاجة قوية الى
قليل من خيانة .
ليس شرطاً أن تشهر خيانتك على
الناس ، فقد يرجمونك بالحجارة
ويتبولون عند أعتابك . يكفي أن
تخفف لهجتك القاسية فتقول –
للمثال فقط – أن أمريكا قد حررت
وادي الرافدين من دكتاتورية القرن
ومنحته شرف حوز خط الدفاع ألأول
عن الحضارة والمدنية والسلم ، وأن
قتل مليون آدمي من أوادم بلد ما
بين النهرين سيكون ثمناً بسيطاً
بمقابل هذا الكرم الرفيع . قل ان
الحالة الأمنية صارت حسنة . اكتب
وامتدح وثنّ على خريطة فرض
القانون . لا تضحك على حكومة
البلد فتسميها حكومة المنطقة
الخضراء .لا تحاول أن تطفىء هالة
القداسة في وجوه رجالات الدين حتى
لو دفنوا نصف الرعية .
الكهرباء ليست مهمة الآن ،
مثلها مثل الكرامة . أدب المقاومة
خرافة وعيب وسيرة مخجلة . قل أن
شعبان عبد الرحيم ما كان ليحشد
الكراهية ضد أمريكا وأسرائيل لولا
خمطه عشرة ملايين دولار من طقطوقة
كوبونات النفط . لا تقل أن أمريكا
قد قتلت وهرست مليون ونصف مليون
عراقي بوساطة الحصار واليورانيوم
وعناقيد الفسفور واصابع البارود .
النتائج تسوّغها المقدمات . افتح
دكاناً من دكاكين المجتمع المدني
، وسمّه ما شئت . ثقافة السلام
والتسامح وقبول الآخر حتى لو كان
محتلاً وكلباً ابن ستة عشر كلباً
. كل ووصوص . لتكن العمالة نهجك
ومنهجك منذ الليلة . الشغلة ما
عادت مجلبة للخزي .
اكسب مستقبلك ومصير عيالك .
عيالك صغار وأغضاض وقد نزعوا
البلاد من ذاكرتهم فلا تذكّرهم
بها وتحمّلهم أعظم من وسعهم . صر
خائناً حتى تمتلىء جرارك ، وبعدها
سيكون بمقدورك الأستدارة الى
منطقة الشرف والتطهر . حزنك ووجعك
سيكون في أول يوم خيانة فقط ،
بعدها سيحط كل شيء على تمامه
وشرعه . تماماً مثل مومس في ليلة
مقترح فض الدم الراسخ البكر .
تحوّل من السرد القصصي واذهب الى
التهويم والتلغيز والطلسمة
والعماء المنثور . لا تكتب أن
الخائن خائن ، بل أكتب أن الخيانة
وجهة نظر وتضاد . لا تحشر أنفك في
طرائق بيع النفوط . تعلّم الغناء
التجريدي والرسم التجريدي والرقص
التجريدي ، فأن غنيت أو رسمت أو
رقصت ، فسوف لا تجد من يزعل عليك
ويدمغك بالأرعاب .
لا تمش خلف رجل يقول لك أنك
فتى شجاع . هو يريد مقتلك . عليك
أن تختار جلّاسك وندمانك من لب
طبقة الجبناء والخوّافين
والكذابين . انهم مسكك وطمأنينتك
وراحتك ، اذ تخون أمام أعينهم ،
فيرفعون الكؤوس عاليات مرفرفات
بصحتك والذين معك . العالم تبدّل
، والتبدلات محض لغة .
قم من صبحك وأخلع الكسل
والتنبلة ويمّم وجهك صوب دكان
مدجّج بالليرات القويات ، وأرمهم
ببضاعتك الجديدة ، فأن لم تفعل
اليوم ، فلن تجد غداً مقعداً
شاغراً في طابور الخائنين
والمنخرطين . أنا – أحبتي كلّكم –
لم أقترف ذنباً عظيماً . أنا
بحاجة ملحاحة ومروّعة الى شيء من
نعمة الخيانة كي تتواصل حياتي .
ألمسألة بسيطة جداً فلا
تكرهوني !!
قال العراقي حد الموت من القهر
والوحشة ، بدرشاكر السياب ، قبل
خمسين سنة :
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون
الخائنون ،
أيخون إنسان بلاده؟!
إن خان معنى أن يكون ، فكيف
يمكن أن يكون ؟ |