الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

"سُنة حزب الله"
شريكٌ ضعيف أم تابعٌ قوي؟

 

 

شبكة المنصور

علي شندب / كاتب سياسي لبناني

 

لعل الارقام والتواريخ السمة السياسية الابرز في تأريخ وتوصيف الالفية الثالثة. فمن رحم مشروع المحافظين الجدد في السيطرة والهيمنة على العالم، تعيش البشرية على وقع الزلازل السياسية والامنية المتوالدة: بدءا من الزلزال الأب في الحادي عشر من ايلول2001، مرورا بالزلزال الإبن في التاسع من نيسان 2003 "الزلزال العراقي والعربي"، وصولا الى الزلزال الحفيد في الرابع عشر من شباط 2005 حيث اغتيل رفيق الحريري رئيس الوزراء الاسبق وزعيم السنة الابرز في لبنان. وهو الاغتيال الذي لم تزل تداعياته ترخي بظلالها المكثفة على المسرح اللبناني بأبعاده العربية والاقليمية والدولية، ناقلا لبنان من موقع الى آخر من دون ان تنجلي "الحقيقة" التي هي بحد ذاتها زلزال آخر يمكن تسميته بـ "ابن الحفيد".
اغتيال الحريري تسبب بخروج الجيش السوري من لبنان، وافراز اكثرية سياسية- برلمانية اثر انتخابات خيضت ببرنامج عنوانه "دماء الشهيد"، برنامج فرض على قامات وبيوتات سياسية سنية عريقة ان تخلي الساح امام دماء الحريري الانتخابية التي قلبت المعادلة السياسية في لبنان رأسا على عقب، بفعل الاستثمار الاستثنائي الطائفي والنفسي والاعلامي الذي أخرج سنة لبنان للمرة الاولى عن سياق خطابهم وتوجههم العروبي التقليدي، فإذا بهم ينساقوون وراء عواطفهم المكبوتة والمقهورة، منقادين وبشكل لافت عكس سير هذه الطائفة التي "هي" أمة، محولينها بُعيد اغتيال الحريري الى مذهب كبقية المذاهب، فاذا بالسنة تتحول الى اقلية جديدة شأنها شأن الاقليات الاخرى التي لديها ذات الهواجس والشكوك والمخاوف.
لقد حوّل اغتيال الحريري السُنة من أمة الى اقلية ولو كبيرة، تتناتش فتات مناصب وصلاحيات مع بقية الاقليات، وذلك بفعل واقعها الجديد، الذي ظلـّل "السنة" للمرة الاولى بغطائين، سياسي وديني، عكس، تاريخهم الوطني والوحدوي والعربي والاسلامي الواسع والسمح والمتسامح، بتقليد مستجد للمذاهب الاخرى.

هذا الواقع السني الجديد، به، شُرخ الوطن، فظهر لبنان بمظهر الـ "لبنانيْن": لبنان الرافع راية "المقاومة والتحدي" والرافض لسنة لعبة التوازنات وفرض الامر الواقع، اي الامر الاميركي- الصهيوني- الغربي. ولبنان الداعي الى فتح نقاش وحوار جدي حول معنى وجدوى المقاومة في تحقيق "المصلحة العليا للوطن"، والمنادي بفك الارتباط التاريخي والمتجذر مع كل القضايا اذا كانت تؤثر "سلبا" على القضية اللبنانية "المستحدثة".

طبعا لم تكن أطروحات وسياسات وخيارات كل من "لبنان المقاومة" و"لبنان أولا" طوباوية او بريئة، وانما كانت فصول او فقرات لمشاريع اقليمية ودولية كبرى، لا بل ان لبنان الكبير، وبعد التداعيات الاستراتيجية والمسارات الدراماتيكية في العراق، وبسبب "مخاطره" الجيوستراتيجية والدينوغرافية، كان اوّل، ان لم نقل، ابرز ساحات صراع هذه المشاريع.

وفي هذا الاطار، وانطلاقا من البعد العراقي وامتداداته اللبنانية، يجب ان نقرأ التركيبة الدينوغرافية لـ "اللبنانيْن": فكلاهما تشكل من قوس قزح طائفي ومذهبي، وان كان اللون الشيعي غالبا في "لبنان المقاومة" واللون السني غالبا في "لبنان الجديد او لبنان أولا".

في "لبنان الجديد" الفارغ نسبيا من "الشيعة"، باعتبار أن حزب الله وحركة امل يمثلون حوالي 95 بالمئة من شيعة لبنان، كان الدروز والمسيحيون شركاء فعليين للسُنـّة في كافة القرارات، فكانت طاولة جلساتهم التشاورية دائرية الشكل، فالتوازن بين سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع كان متينا لدرجة يمكن ان نطلق معها على نسق قطبيتهم لقب "الترويكا"، ولدرجة ان احد الثلاثة كان عندما يخرج عن قرار او رؤية القطبين الاخرين، يصبح التحالف برمته في ازمة كبرى، لا بل ولدرجة ان جنبلاط هو صانع قرار "لبنان الوليد".

اما في "لبنان المقاومة"، فإذا ما اردنا ان نكون موضوعيين، لوجب علينا القول انه، وان كان حزب الله هو القطب الاكبر والاقوى، الا ان حلفاءه وشركاءه من حركة امل، الى مسيحيي ميشال عون وسليمان فرنجية، مرورا بدروز طلال ارسلان ووئام وهاب، كانوا ولو بنسب متفاوتة، شركاء حقيقيين في الكثير من القرارات السياسية بل والامنية ايضا. والامثلة على ذلك اكثر من ان تحصى. فحزب الله كان مجبرا، ولحسابات استراتيجية دولية واقليمية وداخلية، على الوقوف الى جانب حلفائه المسيحيين، في انتزاع خمس مقاعد وزارية، بينهم وزارة سيادية للجنرال عون، في حكومة الوحدة الوطنية التي لم تبصر النور حتى اليوم، ايضا بسبب عدم توقيع الجنرال، على مسودة تأليفها. فيما ظهر طلال أرسلان للحظات معينة زعيما و"مخلـّصا" للدروز عندما طلب من حزب الله وقف هجومه على الجبل مقابل تعهده بضمانات استطاع ان ينتزعها من وليد جنبلاط، وابرزها ما قيل عن تسليم وليد جنبلاط سلاحه الثقيل والمتوسط الى الجيش اللبناني. أما وئام وهاب، فلقد أثبتت الايام انه أشبه بمدير عمليات المعارضة وحزب الله، سياسيا واعلاميا وعسكريا، فالكلام الذي كان يلمّح اليه قبل الدخول العسكري لحزب الله الى بيروت والجبل، والذي كان ينبئ بهذا الدخول، أظهره وكأنه يحمل اسرار الحزب اللحظوية، ليطلقها في التوقيت المناسب.

لكن ما هو حال سُنـّة "لبنان المقاومة" او سنة حزب الله؟ اين هو دورهم في القرار، قرار المعارضة؟ لماذا غيابهم الصارخ عن جدول اعمال المعارضة؟ وهل هم غائبين ام مغيبين؟ هل هم رقم في معادلة ام لاعب احتياط يلجأ اليه عند تغيير المعادلات؟ هل هم غاية ام وسيلة؟ ماذا يريدون وماذا يراد منهم؟ ما هي استراتجيتهم، وهل يملكون اساسا استراتجية؟ واذا كان لهم "استراتيجية"، فهل هي استراتجية واحدة تجمعهم ام مصالح قد تفرقهم؟.

تطرح هذه الاسئلة نفسها، ليس فقط لأن "الطرح" و"المبادرة" مصطلحين غائبين عن السلوك السياسي لسنـّة المعارضة، وليس فقط لأن الشخصيات السنية في المعارضة هي في الاساس قامات كبيرة لها تاريخها النضالي والسياسي، وليس فقط لان الاحزاب والقوى السنية المنضوية في صفوف المعارضة هي احزاب ايضا فاعلة ولعبت أدوارا بارزة في الكثير من المحطات المصيرية التي عاشها لبنان، ولكن وقبل كل شيء لانـهم "سنـّة" وليسوا غير ذلك.

وكونهم سُّنة، وكون لبنان جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، وكون المشاريع الاستعمارية والاميركية التي تحاك للمنطقتين العربية والشرق أوسطية، هي مشاريع من ابرز استراتجياتها الفتنة السنية الشيعية، فمن المفروض ان يكون لهم كلمة حاسمة لكنها غير موجودة.

وان عدم الوجود هذا غير مقتصر على الكلمة، بل على الحضور والمشاركة ايضا. فغالبية الاجتماعات المهمة والحساسة للمعارضة تشهد غياب الفريق السني، وعندما تؤخذ القرارات في المعارضة بعد هذه الاجتماعات كالاجتماع الاخير الذي تم ليل 20 حزيران الماضي وضم كل من السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية، في ظل غياب صارخ لاي من رموز المعارضة السنية الامر الذي دفع رئيس جبهة العمل الاسلامي الداعية فتحي يكن الى رفع صوت الانتقاد والاعتراض.

واذا كان انعدام التمثيل السياسي الرسمي لسنة المعارضة، سببا في عدم حضورهم جلسات الحوار والتشاور التي شهدها المجلس النيابي لانه محصور بالكتل البرلمانية الممثلة للطوائف والمذاهب والمناطق، الا ان اللافت ان اطراف المعارضة الاساسية وخصوصا حزب الله، وافقوا على عدم حضورهم، مسلمين بذلك بحصرية التمثيل السني للشريك المستحيل تيار المستقبل، رغم قدرة "المبعدين" على تشكيل كتلة سنية معارضة.

ليس هذا فحسب، ذلك ان غياب المعارضة السنية وصل الى عدم حضورهم او تمثيلهم في حوار الدوحة أيضا، الذي تسببت به العملية العسكرية الفجائية لحزب الله في بيروت، لكنهم كانوا حاضرين وبقوة بعد واثناء العملية العسكرية لحزب الله، ليتبنوا هذه العملية وليدافعوا عنها وليشرعنوها وليقولوا ان التدخل "الشيعي" في "بيروت السنية" ليس تدخلا مذهبيا لكنه تدخل سياسي بامتياز.

اذن، يمكن الاستنتاج بأن حزب الله ما كان ليقوم بما قام به في بيروت لولا اطمئنانه الكامل الى مواقف "شركائه" السنة في المعارضة، وهي المواقف التي عـوّل عليها السيد حسن نصر الله في تفريغ القتنة المذهبية - التي اريد لها ان تنطلق- من مضمونها. ما يعني ان المعارضة السنية كانت بمثابة العمود الفقري السياسي لـ "شرعية قرار حزب الله"، الامر الذي يضعها امام مخاطر استهداف كبرى ان لم نقل مصيرية، ذلك ان اي استهداف مقبل لحزب الله وسلاحه واي تفعيل لمشروع الفتنة السنية الشيعية، سيستهدف بداية وبالضرورة المعارضة السنية بوصفها خط الدفاع الاول عن مقاومة حزب الله وسلاحه.

ان كل ذلك يطرح اسئلة جديدة عن واقع العلاقة بين المعارضة السنية وحزب الله، وعن أهداف ودوافع تمركز هذا الفريق السني في مواقع حزب الله الامامية حينا والخلفية احيانا:

... هل تتعامل المعارضة السنية مع حزب الله من موقع الندية ام التابع، وبالتالي هل دخول حزب الله الى بيروت تم بعد التشاور مع هذه المعارضة السنية ام ان هذه الاخيرة علمت بالعملية عبر شاشات التلفزة وسمعت بها من ازيز الرصاص ودوي الانفجارات والقذائف؟

واذا كانت المعارضة السنية متحالفة مع ومؤيدة لحزب الله لانه "مقاومة"، فهذا يفرض عليها، ولأنها سنية، ومن باب الاولوية والصدق مع الذات ان تسارع ومنذ زمن بعيد الى دعم المقاومة العراقية "السنية" وتحصينها، وان تسارع وبالمقياس نفسه لمجادلة حزب الله حول مفهوم المقاومة ومنطقها الواحد في كل زمان ومكان، فهي الطريقة الاكثر احتراما وجدوى، لان تنتزع من حزب الله اعترافا صريحا وواضحا بالمقاومة العراقية السنية، ومن ثم لتضعه في موقع المضطر والمجبر على دعم نظرائه الحقيقيين دون الدينوغرافيين.

وبهذه الطريقة ايضا تضاعف المعارضة السنية اللبنانية من حراجة موقف السيد حسن نصرالله تجاه موقفه الملتبس والمنغمس في "ستاتيكو" توصيفه للعملاء من اقرانه في شيعة العراق كـ "مؤمنين بالعملية السياسية".

ولا يمكن تبرير تراخي وكسل المعارضة السنية بالقول، من جهة ان حزب الله هو ليس فقط ذات ابعاد اقليمية ودولية بل احد اللاعبين الاقليميين الاساس لدرجة ان حزب الله وبفعل انتصارات المقاومة وتحديدا بعد حرب تموز ظهر بمظهر الدولة الاقليمية العظمى، والقول من جهة اخرى ان حلفائه عموما والسنة منهم خصوصا يفتقرون الى ادوار وامتدادات عربية واقليمية، ذلك ان الاحداث والتطورات وفي غير مناسبة تطلعنا وتذكرنا بأدوار جد مهمة لعبها بعض قادة المعارضة السنية "اليوم" مثل الدور الذي لعبه مؤسس الجماعة الاسلامية في لبنان الدكتور فتحي يكن كوسيط لحل بعض الخلافات التركية السورية. لكننا نتساءل عن الدور الذي لعبه الدكتور يكن، وانطلاقا من موقعه في التنظيم الدولي للاخوان المسلمين في الوطن العربي والعالم الاسلامي، في مجادلة اقرانه من سنة العراق المتواطئين مع الاحتلال والمشروع الاميركيين، ومنهم الحزب الاسلامي العراقي برئاسة طارق الهاشمي، في صحة وجدوى استمرار "ايمانهم بالعملية السياسية" في العراق.

ان منطق الندية، وانطلاقا مما تقدم، وكون القضية العراقية، تشكل المقياس الاساس والمناسب في هذا المضمار، يفرض على سنة المعارضة ان تكاشف حزب الله وتصارحه وتستصرحه بحقيقة مواقفه وازدواجيته في المعايير التي ينتهجها مع "المقاومة السياسية" السنية في لبنان، أي شركائه في المعارضة، ومع المقاومة "السنية" العسكرية في العراق.

وإزاء هذا الوضع والتموضع الذي تتسم به المعارضة السنية، يمكن القول بان سلوكياتها واستراتيجياتها لا ترتقي ولا تلتقي مع "قيمتها" اللبنانية والعربية، كما لا تتناسب وتتناسق مع حجم الامال والافعال في تصويب مسار القطار السني، ليعود ويتماهى مع البوصلة الوطنية والقومية والاسلامية، فالمبدأ ان مصطلحي "السنة" و"المقاومة" هما في حقيقة الامر وجهان لعملة واحدة.

ان الحقيقة، وكما يشهد التاريخ وليس الحاضر او المستقبل، تقول: ان السنة ما خرجوا يوما عن هذا المبدأ وما غيروا عملتهم.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  01  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   04  /  تمــوز / 2008 م