الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

الجهاد رسالة المقاومة العربيّة للشعوب الكادحة

 

 

 

شبكة المنصور

الأستاذ الحبيب اليازيدي

 

أليس من الأجدر اليوم بعد أن خفت البريق النضالي للطبقة العاملة أن نعتبر الاحتفال باليوم العالمي للعمل مجرد احتفاء طقوسي بذكرى تراثية فاقدة للمعنى؟ فما الذي يعنيه هذا اليوم سوى أنه قد تحول إلى مجرد يوم من أيام العطل الرسمية، خاصة وقد تحولت الاتحادات العمالية إلى وكالات سياحية ترفيهية، وأطر لتمييع قضايا العمل والعمال؟ وما الجدوى من الاحتفاء به إذا لم يثر فينا الرغبة في تجديد السؤال عن فلسفة وماهية العمل وأهدافه المجتمعية؟ ثم ما مبرر إحياء هذه الذكرى النضالية إذا كانت قد ماتت فينا جذوة النضال والتضحية في سبيل الغايات النبيلة وحلت محلها النفعية والانتهازية والبيروقراطية حد الموت على الكراسي ( الاستمرارية لغاية النجاعة؟) بل ما الفائدة من العمل أصلا إذا تحول إلى مجرد هدر للطاقة العضلية وإذا كان ثمن الجهد لا يفي بتغطية الحاجات الحيوانية للعامل وفي الوقت الذي تتضاعف فيه الأرقام في خزائن لصوص هذا العصر على حساب جهد واحتياجات المستضعفين؟

تجرنا هذه الأسئلة الاستفزازية إلى طرح السؤال كذلك عن المدى الذي يجوز فيه الحديث عن الطبقة العمالية أو البروليتاريا حسب المفهوم الماركسي وعن دورها الريادي في قيادة النضال وإنجاز الحلم الثوري الاشتراكي وحتى الشيوعي الذي دغدغ مخيلة الجماهير وتغنت به الأحزاب الشيوعية لفترة غير قصيرة. أليس من باب الوهم اليوم الحديث عن جماهير العمال كطبقة اجتماعية؟ قد يجوز ذلك ولكن بشرط أن لا يتجاوز حدود ممارسة الترف الفكري وفن البحث الاجتماعي الستاتيكي الجامد وفي خانة تقديم صورة محنطة لتراتبية اجتماعية لا توحي بأي معنى؟.

إن الطبقة الاجتماعية لا تتحدد فقط بوضعها ضمن التراتبية الاجتماعية القائمة، وإلا تحولت إلى حالة سديمة جامدة، بل كذلك بموقعها في عملية الإنتاج، وعلاقات الإنتاج وبدورها في هذه العملية. وبالنسبة للطبقة العاملة فإن موقعها في عملية الإنتاج هو الذي يمنحها وعيها بذاتها كقوة اجتماعية منتجة. وضمن دينامكية العمل والإنتاج وفي إطار التناقض بين حاصل قوة العمل وحجم العمل وما ينشأ عنه من فوائد، تعي الطبقة العمالية، بظروفها وبدورها كقوة تاريخية. وفي سياق هذه العملية المرطبة وضمن علاقات الإنتاج القائمة على الاستغلال في المنظومة الرأسمالية يتحدد الدور الحيوي النضالي للطبقة العمالية. ولا يأخذ النضال العمالي حسب التحليل الماركسي شكله الكامل ولا يتكلل بالظفر إلا باجتماع الأبعاد الثلاثة لأشكال الصراع: النقابي ( لاقتصادي)، والسياسي والإيديولوجي. وتتجسد وحدة هذه الأشكال في الحزب السياسي المعبر عن أهداف المضطهدين والمستغلين.

إنما ما تعرضت له الطبقة العمالية خاصة والطبقات المستغلة والمضطهدة عموما من شرذمة وتفتيت وتهميش وتسطيح للوعي من طرف القوى الرأسمالية أفقدها دورها وحيويتها النضالية التي تميزها. ومبرر التذكير المختزل بالدور التاريخي للطبقة العمالية الذي بشرت له الماركسية البحث في مبررات المد النضالي والغياب الكلي للحلم الثوري التقدمي المنوط بعهدة هذه الطبقة. قد تختلف الأمور نسبيا من بلد إلى آخر ولكن النتائج في الأخير واحدة. لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الجهد للإقرار بأنه يلزم الكثير من المعاناة وربما من الانتظار كذلك ليستعيد العمال دورهم إن لم يكونوا قد فقدوه لصالح فئات أخرى أكثر حرمانا وألما. والغريب حقا أن يكون السقوط بهذا الشكل المدوي حد العجز عن الحفاظ عن الحد الأدنى لأشكال الصراع المتمثلة في البعد النقابي (المطلبي).

وإذا كانت مؤامرات الطبقة الرأسمالية وألاعيبها وأساليبها معروفة ومفهومة فإن خيانة الكوادر النقابية العمالية والقوى اليسارية والأحزاب الشيوعية للجماهير الكادحة لا يجوز تبريرها إلا بالانتهازية والنفعية وانتفاء روح المسؤولية. قد يجد اليسار في المجتمعات الغربية في التمعش من استغلال وقهر الشعوب ما يشفع له تخاذله وانتهازيته ولكنه لن يجد في البلدان السائرة في طريق النمو وفي الوطن العربي خصوصا ما يشفع له التفريط بالحقوق بل حتى في المكاسب التي حققها العمال بعرقهم ودمائهم.

إذا بقي للكادحين اليوم من دور فلا بد أن تكون البداية بمحاسبة ومحاكمة الإطارات النقابية المجرمة والقوى الانتهازية التي أصبحت شريكة في سياسة التهميش والتجويع والحرمان والبؤس. هؤلاء الذين غيبوا القضايا أو طوعوها في حرب المواقع بعد أن ذاقوا لذتها وقد وجدوا في الأطر والاتحادات العمالية ملاذا للتمعش والسمسرة بقضايا الجماهير.

لقد كشف انحلال المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي زيف الشعارات التي تغنت بها أغلب شرائح اليسار الماركسي وفي مقدمتها الأحزاب الشيوعية العربية. كما أن معركة الأمة العربية مع الإمبريالية والصهيونية والرجعية بدءا من أم المعارك إلى الحواسم فالمقاومة أسقطت منهم كل الأقنعة وفضحت كل المزايدات التي صموا بها الآذان ردحا من الزمن. وحتى الذين يزايدون اليوم بمواقف بعض المفكرين والقوى الغربية المناهضة للحرب المفتوحة على الأمة العربية نقول أن الغرب منبع الشر ووكر الجريمة والإرهاب. لقد خبرناه زمن الاستعمار المباشر ومع كل الأطياف الحاكمة سواء من اليمين أو اليسار، كما خبرناه في العدوان على العراق.

إن الغرب بكل قواه ومفكريه، سواء منهم من اختار التذيل بشكل سافر ومفضوح للولايات المتحدة الأمريكية، والمساهمة والمشاركة في العدوان أو الذين عارضوها كان منحازا لقضاياه ولم تكن تعنيه قضايانا القومية إلا بقدر انعكاسها على مصالحه. فالمفكرون الأوروبيون والقوى السياسية الغربية لم تكن مهتمة بمصلحة الأمة العربية في هذه المعركة التي كان واضحا قبل قيامها أو قبل بدء الحملة العسكرية منها، أنها ستكون معركة ضارية ودموية أكثر من اهتمامها بمصلحة أوروبا. لقد كانوا يدركون أن العصا الأمريكية الغليظة سينصبها غضبها أو سطوتها يشكل أدق على أوروبا، أو على أي قطر أوروبي حيثما أراد أن يشذ عن المصلحة الأمريكية. وحتى الذين كانوا معنا في هذه المعركة فقد كانوا خارج السلطة، أما الذين كانوا في السلطة ومنهم من كان على رأس هذه السلطة في بعض البلدان الأوروبية وبحكم النظرة العملية المصلحية التي تتحكم بالحاكم، كانوا هم الذين اقتربوا من الولايات المتحدة وإدارتها في قتل الإرادة العربية ممثلة بتطلع العراق وطموحه.

إن مأزق اليسار الماركسي العربي يكمن في اغترابه عن المسار التاريخي للأمة العربية. فعند كل مواجهة فعلية وعميقة تخوضها الأمة العربية بقيادة قواها الطليعية المناضلة يجد نفسه يلوك مرارة الهزيمة، هزيمته الذاتية، وهو حتى لم يشارك في أية معركة. ومع ذلك يمعن في الاستكبار معلقا هزائمه على القومية والقوميين. ولنا أن نسأل اليوم وبعد ما حصل الفرو في الساحة الفعلية للنضال، ساحة المواجهة المسلحة لمفتوحة، عن مدى علاقة الجماهير الشعبية من عمال ومهمشين ومحرومين. ألم تكن مزايداته طيلة المراحل الماضية من باب التهريج ومطية للانتهازية والتسلق والتآمر على القضايا المصيرية الجوهرية للأمة؟.

فكما أعلنت الكثير من الأنظمة بمجرد أن بادر جورش بوش الصغير بالتبشير بالنظام العالمي الجديد التزامها وانخراطها الاستراتيجي في الخيار الأمريكي، أبدى اليسار العربي استعداده للتلاؤم مع طبيعة المرحلة بمجرد الإعلان عن الانتصار المزعوم للبرالية الغربية والتوحش الرأسمالي على الاشتراكية.

لقد غيب اليوم التناقض الجوهري مع الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية لتحل محله التناقضات الثانوية أو الفرعية ولتصبح الديمقراطية الشعار المركزي للمرحلة وموضة العصر في الخطاب والبرنامج السياسي لأعلب زمر اليسار الماركسي. وكأنهم يعلنون بذلك ما يرددونه في سرهم ويؤكدون انتصار الديمقراطية اللبرالية الغربية على " الكليانية والشوفينية القومية العربية". فبعد أن كانت الثورة هي الحلم والحل أصبحت المشاركة أقصى ما لديهم من طموح. وفي هذا السياق تتحول المنظمات والهياكل والاتحادات العمالية من أطر لتعميق الصراع وإنضاج الظروف الممهدة للثورة إلى مجرد أوكار وتوظف للضغط والخيانة والسمسرة المفضوحة حينا والمبطنة في أغلب الأحيان.

يجب أن نعلن اليوم أنه لم يعد لدينا حتى مجرد الاستعداد لسماع الأحاديث الممجوجة عن الأفكار والنماذج والإنسانية المقتبسة أمام كل الأرواح التي تزهق والدماء التي تسيل يوميا في عاصمة الرشيد وأرض الرافدين وأمام سياسة الإبادة التي تمارس على مرأى ومسمع الجميع على أشقائنا في فلسطين.

لقد أصبحنا مطمعا سهلا حتى للعبيد يمارسون علينا غطرستهم بدعم إمبريالي صهيوني فاضح. يسنا عنصريين ولكننا أمه مضطهدة قهرها سياسيوها ومثقفوها وحكامها المتذيلون للأعداء. لابد أن نقر اليوم أن المعركة التي يخوضها الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة محور الشر الإمبريالي الصهيوني الرجعي أصبحت تستهدف الشعوب في قوتها وأسباب ومقومات وجودها.

وتأتي الأمة العربية على رأس المستهدفين وفي مقدمتهم لما تحوزه من ثروات هي عصب ثروات العصر، ولما تتمتع به من عمق حضاري إنساني ودور رسالي يؤهلها متى توفرت الأسباب لنهضة حضارية إنسانية قاتلة لمادية ووحشية الغرب.

لذلك فإن الخطاب السياسي حول التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان... إلخ مهما كان مصدره هذا الطرف أو ذاك من الأنظمة والقوى التي انجرفت مع التيار لم يعد يغرينا حتى سماعه مهما كانت بلاغته وحبكته بعد أن تبينت نتائجه. إن قمة الغباء هي التعلق بالوهم بعد أن تأكد بالدليل القاطع أنه لا مجال للحديث عن التنمية في ظل الاستعمار والتبعية. لقد أصبحت التنمية في أقطارنا وبالنظر إلى النتائج الحاصلة مساوية لتجويع الشعب والتفريط في مكاسب الكادحين. ويعلم الجميع اليوم أن المكاسب التي تتغنى بها الأنظمة ومحاول أن تعكسها من خلال الأرقام كمؤشر نمو ليست دليلا على ثروة أو نهضة اقتصادية بل تجسيد للخراب الاجتماعي وخواء البطون.

أمَّا الديمقراطيًّة و حقوق الإنسان ... فقد سبق أن خبرناها لمَّا جاءنا الاستعمار مبشِّرا بالمدنيِّة و ها نحن نعاينها على وقع الدبَّابات والصواريخ الصهيونيِّة من خلال الأشلاء الممزَّقة و المجازر اليوميَّة في العراق و فلسطين و الصومال. إنَّ الأنظمة التي تآمرت على الزعيم الراحل جمال عبد الناصر و الرفيق الشهيد صدام حسين المجيد و على كلِّ نفس وطني و لازالت تتآمر على شعوبها وكذلك القوى التي ارتضت الخنوع للاستعمار (الحل الأسهل) و طأطأت رأسها للهزيمة و اختارت البحث عن أفضل السبل للمشاركة في الغنيمة لا يحقُّ لها مجرِّد الحديث عن المكاسب. إنَّه لا يجوز حتَّى الحديث عن أنظمة و قد تحوَّلت جلَّ الأقطار العربيَّة إلى مقاطعات عائليَّة و أذرع مفتوحة لاحتضان الاستعمار والمستعمرين. وإذا كان هدرهم للثروات والطاقات العربيَّة وفسادهم وإفسادهم الذي يزكم الأنوف من أكبر الجرائم التي تقترف في حق الأمَّة فإنَّ مشاركتهم في ضرب المكاسب القوميَّة في مصر و العراق لا تغتفر.

إنَّ الحرب الجهاديَّة التي تخوضها المقاومة العربيَّة الباسلة في العراق وفلسطين والصومال وإن اختلفت المفردات هي النفي الميداني العملي الموضوعي لمنطق الهيمنة والاستغلال والاستسلام. إنَّها نقطة الضوء والأمل في عالم أوغل في ظلمة ووحشية الاستعمار والاستغلال. وإنَّ ما تنجزه المقاومة العربيّة هو البناء والنموذج التنموي الديمقراطي البديل على المستوى الوطني و القومي والإنساني للفوضى الهدَّامة التي يمارسها الاستعمار.

لن نأسف بعد اليوم على بناء مادِّي تهدَّم أو مكسب ضاع طالما أنَّه هدف سهل لآلة الغطرسة الاستعمارية و لتآمر المتآمرين وطالما أنَّه لا يشكِّل أساسا متينا لوحدتنا وقوَّتنا ومناعتنا. فقد أثبتت التجارب أنَّ تحقيق أهدافنا القوميَّة بالاعتماد على النماذج القائمة أو في علاقة بها من ضروب المستحيل وأن لا أمل في الانتصار وبلوغ الغايات إلاَّ بهدم البنيان الاستغلالي الانتهازي الظالم وإعلان التمرِّد على كلِّ أشكال التبعيَّة. إنَّ الهدف المركزي للفعل المقاوم اليوم هو تحرير الإرادة و وحدة الإرادة فهي المنطلق والوسيلة لتحقيق وحدتنا القوميَّة و تحرير ثروتنا و طاقاتنا و لتحرير الإنسانيَّة من الظلم والاستغلال.

إنَّ حزب البعث العربي الاشتراكي الذي رفع بالإضافة للأهداف القوميَّة للأمَّة لواء الدفاع عن الشعوب المضطهدة والمُستَغلَّة نجح بصموده الأسطوري وبثباته على المبادئ في جرِّ زعيمة الشرِّ الإمبريالي الاستغلالي إلى مستنقع الهزيمة والانهيار. كما ينجح اليوم من خلال الحرب الجهاديَّة المقدَّسة التي يخوضها في مواجهة قوى الغطرسة الاستعمارية في قيادة الأمَّة إلى النصر الأكيد و في ظفر الشعوب المقهورة على أعداء الإنسانيَّة. و لم تعد صفحة الجهاد و البناء التي افتتحها البعثيون المجاهدون بقيادة الرفيق الشهيد صدام حسين ولا زالوا يخطُّون ملاحمها البطوليَّة، منذ أم المعارك إلى الآن، وسيلتنا لتحقيق أهدافنا القوميَّة في الوحدة و الحرَّية والاشتراكية فحسب بل مطمح و أمل الإنسانيَّة. إنَّ الحالة الجهاديَّة، التي تُشِعُّ على أمريكا اللاَّتينيَّة حيث يُجدِّد اليسار شبابه و تنتصر الشعوب على جلاَّديها ومستغلِّيها، ينبلج فجرها من جديد في الأمَّة العربيَّة مهد الحضارة والإنسانيَّة.

إنَّ تحرر الأمَّة العربيَّة و وحدتها لم يعد حلما أو أملا في المستقبل بل ضرورة حيويَّة للصمود والاستمرار. وأمام غطرسة الأعداء وشراستهم في الدِّفاع عن مصالحهم أصبحت تقتضي الضرورة مجابهتهم بالوحدة المقاتلة، الوحدة الجهاديَّة ومن سيل للنصر اليوم أمام القوى الوطنيَّة العربيَّة ومختلف مكوِّنات الشعب العربي سوى الارتقاء بنضالاتهم إلى المستوى الجهادي الذي بلغته المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة الباسلة. وإذا كانت الوحدة العربيَّة هي السبيل الوحيد لانتصار الأمَة ونهضتها فهي كذلك الأمل الوحيد لشعوب الأرض كافة في التحرر من عبوديَّتها. وفي نفس السياق فإنَّ الاشتراكية العربيَّة هي البديل التقدُّمي النهضوي الوحيد الكفيل بكسر قيود الاستغلال والقهر والظلم. ولأنَّ الاشتراكية العربيَّة إنسانيَّة و حضاريَّة فإنَّها تتجاوز المنطق الحسابي المادي في تنميَّة الثروة وفي توزيعها وهي النفي الموضوعي للتوحش الاستغلالي الرأسمالي و الماديَّة الاَّإنسانيَّة للغرب.

لقد أصبح الفعل الجهادي المقاوم هو السيل الوحيد لناء المشروع النهضوي الوحدوي التحرري الديمقراطي العربي. فكل أهداف الأمَّة أصبحت اليوم بالضرورة جهاديَّة. إنَّ المرحلة القوميَّة تنطوي على منعطف تاريخي حاسم بالنسبة للأمَّة العربيَّة و للمصير القومي الإنساني، لا ينفع معه سوى الفعل الجهادي العقلاني المرتكز إلى روح العروبة و الإسلام. و تتجلَّى اليوم الحلة الجهاديَّة كأبهى ما يكون في الفعل البطولي للمقاومة العربيَّة في العراق في الوقت الذي يعاني فيه واقع الأمَّة و العالم، من تراجعات و انهيارات في البنى الفكريَّة و السِّياسيَّة، و من الظواهر المهدِّدة لمستقبل الحضارة الإنسانيَّة العابثة بمصائر الأمم و القيم. و أخطرها هذا التواطؤ الدولي لتصفيَّة القضية الفلسطينيَّة و الإمعان في تدمير العراق والأمَّة. فالمقاومة اليوم رسالة جهاديَّة إلى الأمَّة، لكي تذكرها بقانون حياتها و حضارتها (بالجهاد) بأوسع معانيه، كسبيل وحيد لمواجهة هذا اللاَّ معقول واللاَّ أخلاقي واللاَّإنساني الذي يجتاح العالم.

إنَّ الحالة الجهاديَّة التي بلغتها المقاومة العربيَّة في العراق هي الحلة الوحيد والفريدة المعبِّرة عن حيويَّة الأمَّة و تجدُّدها وهي حالة الوصل بين مستقبلها الإنساني وعمقها الروحي والأخلاقي والحضاري وهي أصدق تعبير عن قمَّة استعدادها للتضحيَّة في مواجهة الاستغلال والقهر والظلم وفي سبيل القيم الرُّوحيَّة الإنسانيَّة النبيلة والاضطلاع بدورها الرِّسالي. إنَّ تحرر الأمَّة العربيَّة ووحدتها هي اليوم أمل كل الكادحين والمضطهدين وأمل الشعوب في التحرر من الاستعمار والاستعباد والاستغلال البشع. وإذا كان للكادحين والمضطهدين اليوم من سبيل للخلاص من نير الاستعباد والاستغلال فلن يكون إلاَّ بنصرة المقاومة العربيَّة والانتصار لقضايا الأمَّة والارتقاء بنضالاتهم إلى مستوى الالتحام بالحالة الجهاديَّة.

فكما أنَّ الحلة الجهاديَّة تمثل مشروعا قوميا مستقبليا حيث يهدف الفعل الجهادي إلى تعميق الصراع والتناقضات إلى حدِّها الأقصى وإنضاج شروط انتقال المجتمع العربي من حالة التجزئة إلى حالة الوحدة، و من حالة الاستلاب للحريَّة، إلى مرحلة الاستقلالية والممارسة الديمقراطيَّة الناضجة، ومن حالة الاستغلال و التوزيع غير العادل للثروة إلى مرحلة الاشتراكية، ومن حالة احتلال فلسطين إلى الحالة تحريرها، فإنَّها تمثِّل كذلك مشروع الشعوب المستَغَلَّة للانتصار على النفعيين والانتهازيين الاستغلاليين وبناء مستقبل أكثر عدلا وإنسانيَّة.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

 الجمعة /  11  جمادي الاول 1429 هـ

***

 الموافق  16  /  أيــــار / 2008 م