الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

تشبيه عراق اليوم بألمانيا واليابان لا يجوز ولا يستقيم : معاهدة المأزومين

 

 

شبكة المنصور

عبدالسلام بنعيسي / كاتب وصحافي من المغرب

 

أبواب بازار التشبيه مفتوحة علي مصراعيها هذه الأيام. لا يهم إن كانت عناصر المقارنة منعدمة، ولا تستقيم علي أي أساس. الأهم هو أن عنصر التشبيه حاضر بقوة في الجدل السياسي الدائر حول مصير العراق.

فمع الضجة التي أثيرت حول المعاهدة الأمنية التي تريد أمريكا فرضها علي العراقيـــين، بدأ المتحمسون لهذه المعاهدة في تشبيه إقامة قواعد أمريكية لهم في العراق، بالقواعد التي أقامها الأمريكيون، بعد الحرب العالمية الثانية، في ألمانيا، وكوريا الجنوبية، واليابان.

المتحمسون للمعاهدة يتساءلون مصطنعين الاستغراب، لماذا تستكثرون علي العراقيين إقامة قواعد أمريكية فوق أراضيهم، توفر لهم الأمن والاستقرار، وتحميهم من طمع دول الجوار، في حين، توجد قواعد للأمريكيين في العديد من الدول العربية، مضيفين أن كوريا الجنوبية، وألمانيا، واليابان، تحولت إلي دول صناعية عملاقة، رغم وجود قواعد أمريكية فوق أراضيها، وأن ما جري في هذه الدول، سينسحب أيضا علي العراق الذي، من وجهة نظر المتحمسين للاتفاقية إياها، سيصبح بفضلها، في ظرف وجيز، قوة صناعية، وتجارية، وفلاحية، وعسكرية.. ليس لها نظير في المنطقة، فالمعاهدة الأمنية، يجزم المتحمسون لها، بأنها، تعتبر مكسبا مهما، وذخرا استراتيجيا للعراقيين.

لا يمكن للمرء أن يجادل في وجود قواعد أمريكية في بعض الدول العربية، فهذا أمر مفروغ منه. لكن الذي لا جدال حوله هو أن هذه القواعد، ليست موضع ترحيب من طرف جميع مواطني هذه الدول، إنها مصدر تنازع كبير بين الطبقة الحاكمة التي ترحب بوجودها وتقدم لها التسهيلات، وبين فئة عريضة من أبناء تلك الدول التي ترفض وجودها فوق أراضي وطنها، وتعتبر الأمر انتهاكا صارخا للسيادة الوطنية لهذه الدول.

ليس في الأمر أي مبالغة إذا قلنا إن استفحال التشدد، وتفاقم التطرف، وانتشار العنف والقتل، وكراهية الأمريكيين في منطقتنا.. ما كان لهذه العناصر أن تتجسد، وتصبح بارزة بشكل فاقع، وباد للعيان، لولا وجود قواعد أمريكية في دول المنطقة. إن وجود قواعد لأمريكا ـ التي تقدم الدعم غير المشروط لإسرائيل في احتلالها للأرض العربية في فلسطين، والجولان، ولبنان، وأمريكا التي قامت باحتلال العراق ـ في بعض الدول العربية، يشكل استفزازا كبيرا لشريحة واسعة من أبناء تلك الدول، خصوصا عندما يكون علي رأس أهداف هذه القواعد توفير الأمن والحماية لأنظمة تسيطر علي شعوبها بالقمع والفساد.

وجود القواعد الأمريكية في بعض الدول العربية إذن، ليس حجة للذين يريدون أن يقيموا هذه القواعد في العراق، إنه حجة عليهم، فخطأ زائد خطأ لا يمكن أن يساوي صوابا، إنه يظل خطأ حتي وإن تكرر في كل الدول العربية، وليس في بعضها فقط. لماذا السعي للتماثل من طرف الذين يحكمون العراق بأمر من المحتل، مع الدول العربية التي تقبل بأن تنتهك سيادتها الوطنية بوجود قواعد أمريكية فوق ترابها، ولا يكون هناك سعي للتماثل مع الدول العربية التي ترفض وجود مثل هذه القواعد؟

الإنسان العربي في عموم الدول العربية، يناضل، ويتطلع إلي اليوم الذي يكون فيه سيد نفسه، وتكون كل أراضيه خالية من القواعد الأمريكية وغير الأمريكية المنصوبة فوق أرضه، فلماذا إضافة قواعد أخري، في بلد كان، إلي عهد قريب، خاليا من مثل هذه القواعد؟ ثم أي أمن وصد للاختراق من طرف دول الجوار ستقوم به القواعد الأمريكية في العراق؟ إننا نتذكر أن العراق كان، حتي قبل يوم غزوه، وتدمير مؤسساته، دولة قوية مهابة الجانب، بل تمكن العراق من تحجيم إيران في عز الثورة، وصد خطرها. إيران التي تحولت، بعد تمزيق العراق، إلي قوة أممية تخشاها أمريكا والغرب معا، ويسعيان بالمغريات والمحفزات لاسترضائها.

فكيف لأمريكا التي دمرت العراق، وخربته، وأعادته مئات السنين إلي الوراء، وقسمته عمليا إلي ثلاث دول، وقدمت الجزء الأعظم منه في طبق من فضة إلي إيران، أن تفكر حاليا في حمايته من الاختراق من دول الجوار؟ فتركيا، بمباركة وتزكية من أمريكا، تفعل ما تشاء في شمال العراق الذي أصبح دولة كردستان، فمن هي الدولة التي ستخترق العراق، وتنتهك سيادته، عدا تركيا وإيران؟ هل المقصود أمريكيا، سورية، أو السعودية، أو الأردن، أو الكويت؟

المضحك في حكاية التشبيه، هو عندما تتم مقارنة ما سيتحقق في العراق بفضل القواعد الأمريكية، بما أنجز في اليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية. فهذه دول، خصوصا ألمانيا واليابان، كانت دولا صناعية متقدمة في عز الحرب العالمية الثانية، وكانت لديها طبقة وسطي وفئة مثقفة ثقافة عليا، وكان لديها قبل الديكتاتورية، تراث ديمقراطي، أنشئت عليه دولة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

أما في العراق، فلقد تم، عقب الغزو والاحتلال، إنهاء الأغلبية المطلقة من الكوادر العلمية في العراق بالقتل المنهجي، ووقع تهجير كل الطبقة الوسطي من البلاد إلي الخارج، ولم يبق في العراق سوي الفقراء المعدمين، والمسلحين سواء في الميليشيات، أو فرق الموت، وقوي الإرهاب التي استقدمها الأمريكيون إلي العراق لمحاربتها فيه، وماتت السياسة بمفهومها المدني الاجتماعي، وتسلطنت الطائفية، وصار رجال الدين الوافدين إلي الساحة السياسية بعقلية القرون الوسطي، هم الذين يتحكمون في العملية السياسية برمتها.

لم يكن في ألمانيا أو اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، رجل من نوع علي السيستاني يصوت نيابة عن الملايين، ويحدد للناخبين الوجهة التي سيمضون فيها، ويتوجه إليه المهندسون، والأطباء، والدكاترة المتخرجون من أعرق الجامعات الغربية، الذين تتألف منهم الحكومة، لكي يتبركوا به، ويقدم لهم توجيهاته في الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع.. ويعملون بها، ويمتثلون لها، ولم يكن في تلك البلدان أحزاب جاءت إلي السلطة بعقلية الانتقام، ورفعت منسوب الصوت الخارج من بوق المظلومية التاريخية، وجعلته يصم الآذان، حيث لا صوت يعلو عليه.

اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية كانت كلها خالية من شخصيات سياسية من قبيل عزيز الحكيم، وطارق الهاشمي، وجلال الطالباني، ومسعود البارازاني.. شخصيات تحكم بعقلية الطائفة والعشيرة، ولا يمكنها التخلي عن السلطة إلا إذا قدر لعزرائيل أن يسلب منها أرواحها، بل إنها تستعد لتوريث السلطة لذويها، وأقربائها بعد رحيلها، رغم أن الفساد بلغ، في لحظة ممارستها للسلطة، مستويات أصبح فيها العراق البلد الأول في العالم من حيث انتشار الفساد في مؤسساته، فلذلك، لا تجوز مقارنة ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية سابقا، بالعراق حاليا، فالتشبيه لا يجوز ولا يستقيم.

ولكن لماذا هذه الاتفاقية أصلا؟ الطبقة الحاكمة في العراق تقول، إنها منتخبة من طرف الشعب، وان معها الأغلبية المطلقة من العراقيين، و تحت تصرفها قوي الجيش و الأمن، والميليشيات، وفرق الموت، ما ظهر منها وما بطن، ولها برلمان وصحافة، ومعها المرجعيات الدينية، فما هي حاجتها إلي هذه المعاهدة مع الأمريكان؟ لماذا لا تطالب الحكومة الأمريكان بجدولة انسحابهم لمغادرة العراق؟ الأمريكيون ومعهم حلفاؤهم حكام العراق الجدد يقولون، إنهم جاءوا إلي هذا البلد محررين وليسوا محتلين، ولقد تحرر العراق، وتخلص من الديكتاتورية والاستبداد، وفقا لقولهم، فلماذا تكبيله بمعاهدة أمنية طويلة الأمد، تساوي في مبناها ومعناها، الاحتلال الأزلي؟

في الحقيقة إن في العراق اليوم طبقة جاءت بالاحتلال إلي وطنها، فدمر البلد ومزق نسيجه الاجتماعي، وقسمه إلي دول طوائف، وقتل ما يفوق المليون ونصف المليون من أبنائه، وهجر حوالي 5 ملايين منهم داخل وخارج الوطن، هذه الطبقة تشعر بأنها مهددة من جانب العراقيين في وجودها علي رأس السلطة، ولذلك فإنها لا تملك إلا إبرام معاهدة مع الأمريكان لتأمين استمرار اغتصابها للسلطة في بلاد الرافدين، ونهبها لثروتهم، والإدارة الأمريكية الراهنة تخطط لتسويق معاهدة، توقعها مع الحكومة العراقية، للرأي العام الأمريكي، وتحاول أن توهم بواسطتها الأمريكيين، بأنها حققت إنجازا ما، باحتلالها للعراق، معاهدة تريد هذه الإدارة أن تلزم بها الإدارة المقبلة، خصوصا إذا كانت من الديمقراطيين.

إنها معاهدة المأزومين، توقيعها سيؤدي إلي تصاعد المقاومة، وسيشكل حافزا للتصدي للوجود الأمريكي في العراق. الفئة التي تحكم العراق اليوم، بتفويض من الأمريكيين، لا تملك العراق، لكي تبرم معاهدة، تسلم بموجبها البلد إلي الأمريكيين، فكما أن الاحتلال غير شرعي، وطارئ علي العراق، وكل ما يقوم به يعتبر غير شرعي، فإن الفئة التي تحكم العراق، أصبحت هي أيضا طارئة علي البلد، ودخيلة عليه، وفاقدة لأي شرعية فيه، بعد أن عادت إليه علي دبابة المحتل، وتسببت في كل هذه الكوارث التي حلت بالعراقيين.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  16  جمادي الاخر 1429 هـ

***

 الموافق   20  /  حزيران / 2008 م