الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

الاتفاقية أو المعاهدة المرتقبة..عملية اجتثاث للوطنية العراقية

 

 

شبكة المنصور

المقاتل الدكتور محمود عزام

 

عندما أصرت الإدارة الأمريكية على (نقل السيادة!) إلى الحكومة العراقية عام 2006 في الحركة الاستعراضية المعروفة قبل هروب بريمر من بغداد ..لم تكن رغبتها نابعة من حرصها على إنهاء معاناة العراقيين من مفهوم (الاحتلال وتبعاته القانونية !) وتمكين العراق من النهوض بأعباء البناء والأعمار والمصالحة وقيادة الدولة والشعب لتحويل نتائج (التحرير !) إلى ركائز لبناء (عراق ديمقراطي مزدهر!) وجعل الشعب العراقي من أفضل شعوب الأرض ( رفاهية وتحرر ورخاء وحرية ونعيم!) ..بل كانت الإدارة الأمريكية تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إعطاء شرعية لاستمرار وجودها..ولكي تجعل من القتل والاغتيال والخطف والاعتقال مسوغ قانونا وشرعا بموجب تخويل وترخيص ورغبة الحكومة (كاملة السيادة !) على أراضيها ..

وتتوالى التصريحات والتلميحات والإشارات منذ يوم 30 حزيران 2006 ولحد الآن على ان الوجود الأمريكي وما تقوم به القوات العسكرية من عمليات هجوم وإبادة وقتل واعتقال ونهب وما تخطط له وتنفذه أجهزة المخابرات والاستخبارات والإعلام والاقتصاد وخبراء النفط والإدارة والصناعة والتعليم وكل المجالات في العراق من عمليات تمس السيادة العراقية كلها تتم بموافقة وطلب من الحكومة العراقية!!..

وآخر تصريحات الرئيس الأمريكي المتعلقة بهذا التبرير الكاذب ذلك الذي قاله بحضور المستشارة الألمانية مؤخرا عندما عبر  عن غضبه من سؤال لأحد الصحفيين يلمح فيه إلى رغبة الولايات المتحدة بإقامة قواعد دائمة في العراق بقوله غاضبا : ( من قال ذلك؟..نحن في العراق موجودين بطلب من الحكومة العراقية وسنغادر فورا إذا طلبوا منا ذلك!..)..

فإذا كان الذي حصل بعد حزيران 2006 قد استبدل قوات الاحتلال الأمريكية باسم قوات متعددة الجنسية ، وتحولت الحكومة المعينة من بريمر ( الذي وافق على كل اسم فيها  ورفض العديد من الأسماء المطروحة عليه من بعض الأحزاب ) من حكومة ذليلة للمحتل إلى حكومة (مستقلة وذات سيادة! ) بمجرد أن تم الاتفاق على ذلك شفهيا..وتحول الحاكم المدني الأمريكي من قائد مطلق للعراق سياسيا وعسكريا وإداريا إلى سفير للولايات المتحدة حاله (كحال بقية السفراء !) إلا انه يتميز عنهم بان لديه صلاحيات تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكل مجلس النواب!!..

فإذا كان هذا الزيف والتدليس والخديعة وما تبعه من نتائج يتكأ عليها المحتل قد تم بمجرد القيام بعملية استعراضية ليست ذات قيمة جعلت من وجود الاحتلال في العراق ذات صفة  قانونية وشرعية قائمة.. فما الذي يمكن ان يحصل لو أن الحكومة العراقية وقعت شيئا مكتوبا ( اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم..الخ) مع الإدارة الأمريكية بما يعطيها الحق بمصادقة مجلس النواب والرئاسات الثلاث على البقاء في العراق ووفق شروط وبنود بعضها معلن والآخر غير معلن؟!..

ان القوات الأمريكية اليوم هي الحاكم فوق المطلق في العراق ..وقد اكتسبت هذا الحق بالقوة ولكي لا تحرج الخونة المتعاونين معها عرضت ونفذت مسرحية نقل السيادة والتي تمت بشكل باهت ومفضوح ومثير للسخرية..

فهي لها الحق اليوم ( بموجب طلب الحكومة العراقية منها! ) وهذا ( ليس كلامنا بل حديث الرئيس بوش)  بالقتل العشوائي وتدمير ونسف الأحياء بما فيها من سكان وممتلكات ومحاصرة المدن واعتقال من تشاء وزجه في السجن لمدة غير معلومة وبتهمة لا علاقة لها بالقانون العراقي ولا بشريعة الله في الأرض ..وتعمل قواتها كل ذلك بدون مسائلة أو متابعة من أي جهة شعبية أو قانونية سواء كانت تنفيذية أو تشريعية ..وجنودها يتمتعون بحصانة مطلقة من كل عقوبة وسؤال من القضاء العراقي ..والسفارة الأمريكية هي التي توجه الدولة ويقوم موظفيها بكل الأنشطة التي تحرم عليهم كل دول العالم القيام بها بما فيها السرقة والنهب والاستغلال والرشاوى والبيع والشراء وتقاضي العمولات وحماية الأشخاص والمؤسسات المشبوهة عدا الأنشطة المخابراتية المكشوفة وفي وضح النهار حيث يجري التجسس على أجهزة ومفاصل الدولة قبل الناس!..

ويجري كل ذلك لان بريمر سلم ورقة إلى أياد علاوي يقول فيها إن الولايات المتحدة قررت تسليم السيادة للعراقيين ..واليوم العراقيون يمارسون حقهم السيادي بالطلب من الأمريكان بالبقاء في العراق والقيام بكل هذا الأعمال بموافقتهم بما فيها تفتيش الوزراء وأعضاء مجلس النواب بالكلاب البوليسية عند المرور بنقاط التفتيش وبما فيهم (العراقيات من مجلس النواب والمتوشحات بالزي الإسلامي المتشدد والخمار!!)..

فإذا كان كل هذا الذي حصل لمجرد إعلان شفهي لحالة غير موجودة وغير قانونية ..فما الذي ستحصل عليه الولايات المتحدة إذا وقعت الحكومة العراقية اتفاقا مع الحكومة الأمريكية وما هو حجم التنازلات التي (وان لا يحق للدولة ذلك)  ستقدمها للإدارة الأمريكية مكتوبة وموقعة ومصدقة؟!!..

وهل ستكون اتفاقية أم معاهدة؟!!..ولماذا هذه وليست تلك؟..

قد يعرف أو لا يعرف المختصون والعامة من إن بنود هذه ( اللائحة التي سيتم الاتفاق عليها ) قد تأخذ صفة الاتفاقية لتبتعد عن الفضيحة التي يمكن ان تثار عند مناقشتها في الكونغرس الأمريكي  إذا كانت معاهدة ..لذلك فلن يجري الحديث عن كونها معاهدة تفاديا للفضيحة وسيقول كلا الجانبان إنها اتفاقية والتي ستأخذ نفس الأهمية والفعل والتأثير والامتيازات عدا عن كونها سوف لن تعرض على الكونغرس عملا باللوائح والتعليمات الخاصة بالسلطات التشريعية الأمريكية !!..وهذه أول بدايات الخديعة..

وهذه (الاتفاقية ) التي يجري توقيعها بين المحتل وحكومة الدولة التي تحتلها!! خلافا لكل صيغ التكافؤ والإنصاف القانونية المتعارف عليها دوليا ستعطي الحق للولايات المتحدة بما يلي:

-   السيطرة الكاملة على أجواء العراق كاملة ولكل الارتفاعات إلى حد 30 ألف قدم للسيطرة والمراقبة والتدخل والإنذار المبكر والمعالجة بدون أذن من السلطات العراقية ..وهذا يعني ان أي خطأ قد يحدث لتصرف أي جهة ملاحية أو توجيه عراقية وأي خطأ لطيار مدني أو عسكري في الأجواء العراقية بدون إذن مسبق وسماح من القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى وقيادة العمليات ودوائر الإنذار والسيطرة الأمريكية سيعرض هذه الطائرة للهجوم وإسقاطها بدون إشعار للسلطة العراقية (كاملة السيادة حسب تعبير الطالباني والمالكي وهوشيار!) وبالمناسبة هذا السيناريو هو ما يجري فعلا اليوم في العراق!..

-   وفقا للتعريف الكيفي  الذي تعتمده الولايات المتحدة والحكومة العراقية لتفسير (الإرهاب) فان المقاومة الوطنية العراقية بكل أشكالها سيتم اعتبارها (منظمات إرهابية !) وكل الأعمال التي تقوم بها في مقاومة المحتل ستعرف بأنها (أعمال إرهابية!).. لذلك سيكون للقوات الأمريكية الحق بمهاجمتها وتدميرها..وسيكون من السهل إلصاق تهمة الإرهاب بأي كان سواء كان شخص أو منظمة أو حزب  وهذا يعني ان كل عراقي شريف سيكون هدفا لهذه القوات تحت ذريعة القيام بالأعمال الإرهابية أو دعمها أو الترويج لها أو حتى تأييدها ضمنا والسكوت عن إدانتها!!..وبذلك ستكون الاتفاقية أو المعاهدة وسيلة إشاعة المفسدين والخونة و(اجتثاث) للوطنية والشرف والكرامة والانتماء للعراق .

-   وستعطي الاتفاقية أو المعاهدة الحق للقوات الأمريكية باعتقال أي عراقي ( وتهمته جاهزة وهي الصلة مع الإرهابيين!) وهذه الآلية سيتم تطبيقها على كل العراقيين أينما كانوا وحتى على المسئولين في الدولة مهما كان وضعهم الوظيفي!..

-   وستحصل الولايات الأمريكية على صك الانتداب الطويل الأمد (لمدة مائة عام قابل للتجديد!) من خلال إقامة قواعد عسكرية ضخمة ومجهزة بكل منظومات المراقبة والحماية والهجوم ليس للسيطرة على العراق وإنما للسيطرة والتجسس والمراقبة والهجوم على أي هدف في العالم بلا قيد أو شرط..وسيكون للقوات الأمريكية حصانة مطلقة من أي مسائلة وملاحقة وحتى العتب ممنوع ..انه صك الإلوهية لهم لاستعباد شعب العراق ..

انه الاستعمار الجديد بنفس أكثر استعبادا من الاستعمار القديم وتحت تأثير القوة والقدرة العسكرية والمالية والإعلامية ترغيبا وترهيبا وفي ظل ظروف دولية وإقليمية وعربية غاية في التردي والسوء والخوف والتبعية وغياب فعل الجماهير الذي كان في الماضي سلاح الطليعة في التصدي لهذا المشاريع وإنهاءها قبل أن تولد ..

فاليوم لا مظاهرات القاهرة ولا مسيرات بغداد ودمشق ولبنان وخطابات المساجد والمآذن والأجراس قادرة على أن تتصدى لهذه الهجمة المستفحلة التي تستهدف تأريخنا وقيمنا ومبادئنا وحياتنا..

فهل من منقذ ؟..

وهل من رائد وحادي ومفجر للطاقات والإبداعات وململم الشتات وموحد الرؤى؟..

إن أول صفات موجات التغيير والرفض والإنقاذ..أن تكون عراقية ..

وأن تكون شاملة تحتضن كل الأطياف والقوميات والأديان والطوائف..

وأن تكون رافضة للنهج العدواني ومقاومة له ولديها الاستعداد للتضحية من اجل العراق..

وأن تتحد هذه الموجات ..وتتناسى ما بينها من اختلافات ..

وليس من الإجحاف بحق جهة أن نقول:

ان مركز دوامة تلاحم هذه الموجات هي المقاومة الوطنية العراقية والتي بدونها لا يمكن ان نتحد ونتراصف وتتوحد جهودنا وإمكاناتنا ..فهي صاحبة الشرعية ولها السبق في التصدي ولها الفضل في إركاع المحتل وهزيمة منهجه وتعثر أولوياته وبعثرة أوراقه وفقدان هيبته وقيمته ومصداقيته ..

والمقاومة العراقية تعرف جيدا إن الاحتلال الأمريكي اليوم في أسوأ حالاته وأضعف وأوهن لحظاته..

وسوف تجعل المقاومة هذه الاتفاقية أو المعاهدة أو صك الانتداب أو عملية (اجتثاث الوطنية العراقية ) تلحق بسابقاتها من معاهدات واتفاقات حاولت ان تكبل الشعب العراقي مع كل كبوة ..

ونحن ننهض بعد كل كبوة ..ونكون أقوى من قبل ..

وهذا ما تقوله تجاربنا وتقر به حركة التأريخ..

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت /  24  جمادي الاخر 1429 هـ

***

 الموافق   28  /  حزيران / 2008 م