الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

كذب السحرة وثقافة الخداع

 

 

شبكة المنصور

المقاتل الدكتور محمود عزام

 

عجيب أمر هؤلاء "السحرة" في البيت الأبيض الذين تسحرهم هالة الخداع وغمامة الغشاوة المخيمة عليه والذين ما أن يخرجوا من دار "الفتنة" هذه حتى يبدءوا باتهام بعضهم البعض بالسحر والجنون والكذب والخداع.. 

والغريب أن كل منهم كان يظهر للعيان ليبرر أخطاء "الرئيس" ويصف القرارات التي أتخذها بأنها ارادة الله وقدر الأمة الأمريكية أن تجعل بوش مدافعا عن كل الإنسانية والديمقراطية والتحرر في كل مكان في العالم ..وكيف انه هبة الله لهذه البشرية ليشيع العدل والمساواة والحرية..وعندما يغادر هذا المسئول قاعة المؤتمر الصحفي ينزوي في مكتبه مباشرة "ليكتب" ويدون عكس ما صرح به بالتفصيل وكيف أن هذه القرارات (التي دافع عنها قبل قليل !) ستؤدي إلى إلحاق الهزيمة والعار بالأمة الأمريكية وأن "الرئيس " ما هو إلا شخص كاذب ومتلون وطائش ..وإلا كيف نفسر أن مجرد مرور بضعة أشهر أو أيام على خروج مسئول كبير من الإدارة الأمريكية تكون كافية لينشر كتابا ينتقد فيه هذه الإدارة بالتفصيل ويصفها بالساذجة والعدوانية وغير المدركة!!..وخاصة بعد الجريمة الأمريكية بغزو وتدمير واحتلال العراق.. 

هل هي صحوة الضمير ؟..أم ذوبان جبل جليد السحر والخداع والحيلة ؟..أم هي صفة هذه المنظومة الفاسدة والمزيفة؟..

وآخر الذين أدلوا بدلوهم في هذا المضمار السيد سكوت ماكليلان الناطق السابق باسم البيت الأبيض للفترة من 2003 إلى 2006 والذي كان لا يسمح لأي شاردة وواردة في سياسة أو تصريح يمس إستراتيجية الولايات المتحدة من أي جهة خارجية أو داخلية إلا ويبادر فورا للظهور عبر مؤتمره الاستثنائي ليكيل التهم ويؤجج الرأي العام للجهة المنتقدة ويتغنى بمجد وبطولة وشجاعة قرارات "الرئيس " ونائبه ديك تشيني ووزيري الدفاع والخارجية..

السيد ماكليلان أصدر كتابا جديدا سيوزع هذا الأسبوع ينتقد فيه الإدارة التي كان يتحدث باسمها تحت عنوان:

 (What Happened, Inside the Bush White House and Washington's Culture of Deception)

 "ماذا حدث داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة واشنطن في الخداع"..

وآثار كتاب ماكليلان بعض الاستغراب بسبب لهجته الانتقادية..والذي تحول لاحقا إلى خيبة أمل وذهول لما ورد فيه من نقد لاذع ومباشر للإدارة الأمريكية التي طالما دافع عن سياستها وخاصة الرئيس بوش وكونداليزا رايس .

ومن أهم ما ورد فيه :إن  الحرب على العراق "لم تكن ضرورية" و"قرار اجتياح العراق كان خطأ استراتيجيا كبيرا".

هذه الاشارة ليست جديدة علينا في الاستنتاج والتحليل ولكن الغريب فيها أن مسئول مثل ماكليلان يعي جيدا ماذا يعني الخطأ التكتيكي وما المقصود بالخطأ الإستراتيجي والفارق الواضح بين الخطوة الإستراتيجية والخطوة الإستراتيجية الكبيرة وأخيرا الفرق بين الإقرار شفويا بالاعتراف بالخطأ الاستراتيجي الكبير وبين الإقرار به وتضمينه  في كتاب ينشر ويوزع للعالم !..فما هو الدافع الذي جعل بوش يأمر باجتياح العراق إذا كان هذا الفعل الطائش غير ضروري ؟وهل إن الإدارة الأمريكية ارتكبت هذا الخطأ الكبير انطلاقا من غايات غير أمريكية ولتحقيق رغبة لا علاقة لها بمصلحة أمريكا والشعب الأمريكي؟..وماهي الصفة التي يجب أن تطلق على (القائد السياسي او العسكري ) الذي يتخذ قرارا مهما وخطيرا من الناحية الاستراتيجية ويكون قراره  خاطئا وبشكل كبير ؟..وماهو حكم الأمة عليه؟!..

وهذا ما يحدده بقوله: "ما من احد يمكنه أن يجزم كيف سينظر إلى الحرب بعد عقود من الآن عندما يمكننا أن نفهم كليا تأثيرها. لكن ما أدركه هو إن الحرب يجب أن تشن عندما تكون ضرورية والحرب العراقية لم تكن كذلك".

ونقول في هذا الصدد..ليس هنالك من ضرورة لانتظار أسابيع وليس عقود من الزمان لتتلمس الأمة الأمريكية حجم الكارثة التي حلت بالولايات المتحدة راعية الديمقراطية وعنوان الحضارة والتقدم والازدهار وقد تمرغت سمعتها بوحل الهزيمة والعار على يد المقاومة العراقية ورجال البعث والجيش العراقي وكل المخلصين لوطنهم وشعبهم وهم يقاتلونها بالحراب والبنادق وسعف النخيل ..

لقد هزمتهم الأرض العراقية قبل شعب الرافدين..

وهم مستمرون بنقل جثث قتلاهم بالآلاف وقد ضاقت بهم سيارات التجميد في قواعدهم العسكرية الدخيلة على الأرض العراقية ..وقادتهم السياسيين والعسكريين يتساقطون كأوراق الخريف وبخروجهم تنتهي كل أحلامهم وطموحات أبناءهم حيث يلفهم العار الذي لحق بهم من جراء الفعل الأحمق باحتلال العراق أو السكوت عليه..

وهاهو اقتصادهم وقد انهار بفعل خسائرهم وعنجهيتهم وحقدهم وطيشهم..وسيحمل لهم الغد مآسي جديدة وأرقام أكبر للخسارة وفقدان الهيبة والقيمة والاحترام..

فمن هذا الذي يتحمل هذا الانحدار ؟..

وفي تقييمه لبوش يقول: "الرئيس بوش غير صريح وغير مباشر وانه يعتمد على "الدعاية" لتمرير الحرب في هذا البلد وهو ومستشاروه خلطوا بين الدعاية وبين مستوى الصراحة والنزاهة الضرورتين لبناء دعم الرأي العام والمحافظة عليه في زمن الحرب".

وان جورج بوش الصغير : " حصل على نصائح سيئة جدا من كبار مستشاريه ولا سيما الضالعين مباشرة بشؤون الأمن القومي".

وقوله: إن "إحدى أسوأ الكوارث في تاريخ امتنا تحولت إلى إحدى أكبر الكوارث في رئاسة بوش".

ويتابع إن "النظرة إلى هذه الكارثة باتت أسوأ بسبب قرارات سابقة اتخذها الرئيس بوش بما في ذلك خصوصا فشله في إن يكون صريحا ومباشرا بالنسبة للعراق والتسرع إلى الحرب من دون تخطيط وتحضير مناسبين لفترة ما بعد الاجتياح".

وقوله: إن بوش اعتمد على "الدعاية" للترويج للحرب وان الصحافة في واشنطن تساهلت كثيرا مع الإدارة في الفترة السابقة للحرب.

كيف يمكن أن لا يكون الرئيس صريحا؟..

 بمعنى أن يكون مخادعا وضبابيا وغير واضح وإنسان يأمر لفعل شيء بتبرير كاذب لأنه يريد أن يحصل على نتيجة لا علاقة لها بما يعلن؟..والناطق باسم البيت الأبيض يقول إن هنالك شك في نزاهته وصراحته وأنه أعتمد الكذب للإبقاء على تأييد الرأي العام الذي ضللته الأكاذيب..وكيف يمكن ان نفهم سبب اعتماد هذا الرئيس على مستشارون يثق بآرائهم السيئة جدا لاتخاذ القرارات المصيرية وخاصة في مجال الأمن القومي بدون الاحتكام للعقل والمنطق والحق..

وماذا يعني أن يصف مسئول مثل ماكليلان فترة رئاسة بوش بأنها أحدى أسوأ الكوارث في تأريخ الولايات المتحدة الأمريكية ؟!..

وقوله أن الكارثة القومية في تولي بوش للرئاسة صاحبها قرارات تبين عدم صدقه وصراحته وتسرعه وطيشه وعنجهيته وعدم اعتماده التخطيط العلمي والواقعي واجتياحه لبلد ذو سيادة بدون استحضارات صحيحة ..ولو أنه اعتمد الاستشارة الصحيحة ودرس الاستحضارات لكان عليه أن يعرف جيدا ماذا يريد وهنا تكمن المشكلة لان الاستنتاج حينئذ سيكون بعدم جدوى وضرورة هذه الحرب العدوانية!..

وفي إشارة واضحة وصريحة لدور ديك تشيني في إدارة دفة السياسة الأمريكية ودوره في كارثة الأمة الأمريكية أطلق  ماكليلان على نائب الرئيس ديك تشيني لقب "الساحر" الذي "يدير السياسة من الكواليس من دون أن يترك أي بصمات ". هو إذا محرك اللعبة وداينمو حركتها ومركز الدوامات التي عصفت بسمعة الولايات المتحدة ..نائب الرئيس الأمريكي الوحيد في تأريخ الرئاسة الأمريكية الذي يدير الدفة السياسية وقراراته لها قوة قرارات الرئيس !..فهل هنالك من دافع؟..ومساند؟..ومن هم السحرة الكبار الذين يقفون خلف هذا الساحر الصغير؟..

ووصف وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بأنها" بارعة في تحويل المسؤولية والخطأ "..مهما تكن أهمية  الأخطاء التي اتخذتها رايس وتنصلت منها فهي خسرت نفسها وخسرت كل أحلامها ..وهذه حالة كل المقامرين الذين يمتهنون مع المراهنات الخداع والحيلة والكذب..ومعروف أين سينتهي بهم المصير!..

واتهم  ماكليلان كذلك كبير خبراء الإستراتيجية ومستشار الرئيس الأميركي السابق كارل روف ونائب كبير موظفي البيت الأبيض لويس "سكوتر ليبي" بأنهما خدعاه بشأن دورهما في فضيحة الكشف عن هوية العميلة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أيه" فاليري بلايم.وقال: "روف وليبي ومن المحتمل نائب الرئيس تشيني سمحوا لي لا بل شجعوني على تكرار كذبة إن روف وليبي غير ضالعين في تسريب الاسم".

ومن المعروف إن ليبي أدين بتهمة عرقلة عمل القضاء في عام 2007 وحكم عليه بالسجن سنتين ونصف السنة لكن بوش اصدر عفوا عنه.

ورد روف الذي يعمل حاليا  معلقا لدى محطة "فوكس نيوز" فورا على هجوم ماكليلان بقوله إن ماكليلان "غير مسئول" و"مخطئ" بإشارته إلى انه ضالع في عملية تسريب هوية العميلة السابقة في السي آي أيه.

وأوضح روف إن ماكليلان "كان ينبغي عليه أن يتكلم" قبل ذلك إذا كان لديه أي اعتراضات أخلاقية حول تصرفات البيت الأبيض أو سياساته.

وينتقد ماكليلان بقوة موظفي البيت الأبيض بشأن معالجتهم الكارثية لإعصار كاترينا في 2005 بقوله أنهم "أمضوا الجزء الأكبر من الأسبوع الأول وهم في حالة إنكار" لما حصل.

الذي يحكم البيت الأبيض من كان فيه ..ومن خرج منه ..

ما هم الا منظومة متداخلة ومتشابكة من ممتهني الخداع والتضليل والكذب والحيلة وبائعي السحر والشعوذة والتعاويذ..

عصابة من القتلة والمجرمين الدوليين ومفتعلي الأزمات ومسببي الكوارث ومتعهدي التمثيل واختلاق الحجج والقرائن ..

انهم أبطال الفضائح وقادة المغرر بهم من الجهلة والسذج وفاقدي الأهلية..مبذري ثروة الأمة الأمريكية وقاتلي أبناءها وممرغي سمعتها بالوحل والعار ..

ركائز هزيمة نظرية القطب الواحد ومسببي فساد تجارة الحرية والديمقراطية المزيفة ومروجي شعاراتها ..

المدحورين والمهزومين أمام الإرادة العراقية..التي لا تترك حقا.. ولا تنسى ثأرا.

 

 

mah.azam@yahoo.com

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  25  جمادي الاول 1429 هـ

***

 الموافق   30  /  أيــــار / 2008 م