الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

عندما تتصافح الذئاب

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

ما يعرفه القليل انه جرت حادثة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي, وهي حادثة هزت أركان الحكومة العراقية في حينها رغم توفر حسن النوايا, فهناك ثوابت في السياسة الخارجية وخطوط حمراء تجاه الكيان الصهيوني لا يمكن أن يتعداها أي مسئول عراقي, والحكاية كانت عندما أعتمد احد السفراء من الشخصيات المعروفة على الصعيد السياسي كسفير للعراق في أحد الدول الأوربية ولم يكن السفير من كوادر وزارة الخارجية وملم بالعلوم الدبلوماسية رغم حدسه الأمني القوي وفراسته ولكن كما يقال غلطة الشاطر بألف. فقد حضر السفير الجديد في حفل أقامته أحدى السفارات الأجنبية بمناسبة عيدها الوطني وكان من بين الحضور السفير الإسرائيلي وهو سفير ثعلب ممتهن للدبلوماسية, وقد استغل جهل السفير العراقي بشخصيته, فأوصى مصور الحفل بان يأخذ صورة له عندما يقدم نفسه للسفير العراقي, وفعلا صافح السفير الإسرائيلي نظيره العراقي وعندما كانت اليدان متشابكتين عرف السفير العراقي بأن الذي يقف أمامه هو السفير الإسرائيلي فسحب يده بعنف وتوجه إلى الناحية الأخرى, ولكن الفصل لم ينته بعد فقد ظهرت في احدى المجلات المعنية بالدبلوماسية صورة السفيران العراقي والإسرائيلي وهما متصافحان وكتب تحت الصورة عودة قريبة للعلاقات بين العراق وإسرائيل وأضيف للخبر وقائع مختلقة بعيدة عن الصحة, مما جعل السفير العراقي في وضع حرج مع الحكومة لحين انجلاء الغمة وعرفت الحقيقة وبعدها اتخذت الخارجية العراقية احتياطات لبقية السفراء كي لا يقعوا بمثل هذا الفخ.

والعراق لم يساوم أبدا في موضوع الكيان الصهيوني فانه ألتزم التزاما كليا بالمقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية مع الكيان الصهيوني وهذا الأمر معروف للجميع بما فيهم الأصدقاء والأعداء على حد سواء, فكراهية الكيان الصهيوني تتكون مع إشراقة أي وليد عراقي, وهذه الكراهية ذات صفة شعبية أكثر منها حكومية, وكن هذا هو الهاجس الذي يؤرق ذلك الكيان!

خلال الغزو الأمريكي للعراق سنحت الفرصة للإسرائيليين للمشاركة بأغطية مختلفة في ضرب العراق, وبعدها بدئوا يتسللوا إلى معظم المرافق والمؤسسات العراقية مستعينين في ذلك بقوات الاحتلال من جهة والأحزاب الكردية من جهة ثانية, وكانت الاجتماعات السرية بين القادة الإسرائيليين والأكراد تجري على قدم وساق ورغم تكتم الأكراد عليها لكن تصريحات المسئولين الإسرائيليين كشفتها, وكان لابد من زحزحة الموقف الكردي قليلا باتجاه الكيان الصهيوني فقد بدأ بمصافحة مسابقة بين وزير الخارجية هوشيار الزيباري واحد المسئولين اليهود واعتبرت وقتها بأنها من متطلبات المجاملة والبروتوكول, وبعدها أعلن مسعور البرزاني بأنه لا توجد مشكلة بين الأكراد والإسرائيليين منوها بعلاقات قادمة بذريعة أن لإسرائيل علاقات متميزة مع العديد من الدول العربية ولديها سفارات فيها!

ولكن الذب الكي أسفر عن وجهه القبيح خلال زيارة الرئيس لطالباني لليونان ولقائه بوزير الدفاع الإسرائيلي ايهود بارك حيث بحث الزعيمان الكريهان العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها وأكد الطالباني على ضرورة مشاركة الشركات الإسرائيلية في إعادة أعمار العراق ووصلت به الصلافة والقبح لان يوجه دعوة رسمية لباراك لزيارة كردستان وأن ينقل تحياته وربما قبلاته الحارة لرئيس الكيان الصهيوني, وبرر مكتب الرئاسة الطالبانية بأن الرئيس تصرف كرئيس للحزب وليس كرئيس للجمهورية, وتناسى بأن هذا الطالباني رئيس لجمهورية العراق وليس لكردستان أي انه يمثل الشعب العراقي وليس حزبه فقط, وان كردستان جزء من العراق وان توجيه دعوة لباراك أنما هي زيارة للعراق وليس كردستان فحسب.

من المؤكد أن الزيارة لم تأتي من باب الصدفة فقد تواردت الأخبار قبلها بأيام عن تحرك في الكونغرس الأمريكي لإقناع أو إجبار حكومة الاحتلال على الانصياع للاعتراف بالدولة العبرية وإقامة علاقات دبلوماسية ورفع مستوى العلاقات التجارية من مبطنة إلى ظاهرة, وقد قدم النائب الديمقراطي (اليسي هيستنج) في الخامس من حزيران قرارا غير ملزم برقم(1249)إلى مجلس النواب لمطالبة المالكي" بالاعتراف الفوري بإسرائيل دون قيد أو شروط مسبقة" وأحيل مشروع القرار إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب لدراسته وتحديد طريقة فرضه على العراق ..

وقد تضمن القرار فقرة تشير إلى أن" الولايات المتحدة قدمت للعراق 50 مليار دولارا من المساعدات الاقتصادية والأمنية حتى الآن، لم يسترد منها شيء بعد، وان حكومة العراق ترفض الاعتراف بوجود إسرائيل، التي تعتبر من أكبر حلفاء أمريكا التي يمكن الاعتماد عليها في منطقة الشرق الأوسط". كما حاول القرار أن يوحد القوى بين العراق والكيان الصهيوني وبعض الدول المجاورة للوقوف ضد التطرف " يشجع القرار الحكومة العراقية على الانخراط مع إسرائيل والولايات المتحدة وبقية دول الشرق الأوسط لإضعاف الجماعات المتطرفة والتهديدات الأخرى الموجودة في المنطقة وتعزيز الجهود اجل السلام ".

كما أن زيارة الرئيس طالباني إلى الولايات المتحدة ولقائه بالرئيس بوش والمرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة يوحي بأن النقاش لم يقتصر على موضوع الاتفاقية الأمنية وإنما تعداه إلى مناقشة القرار(1249) وموقف الرئيس الطالباني كما أنجلى في أثينا ترحيب كبير بالوجود الإسرائيلي في العراق بعد أن اقتصر سابقا على كردستان فقط.

كما أن الكيان الصهيوني يعتبر الثدي المرضع للنزعة الانفصالية الكردية وهو يحض الأكراد على هذا التوجه, وقد كشف أخيرا في واشنطون عن خريطة نشرها(دوغلاس فايث) الشخص الثالث في البنتاغون تظهر العراق والمنطقة في المستقبل, حيث قسم فيها العراق إلى ثلاثة دويلات منها الدولة الكردية في شماله, وهذه الرؤية الإسرائيلية تخدم الأجندة البرازنية-الطالبانية في استنهاض حلم جمهورية مهاباد. وقد وصف الخبير الاستراتيجي الأمريكي(جيم لوب) الخريطة بأنها" تساوي ألف كلمة"!

لذا فأن اللقاء المخزي في أثينا لم يكن قد جاء على مبادرة تقدم بها الرئيس الفلسطيني ابو مازن كما أدعى مكتب الطالباني, وإنما جاءت بوحي أمريكي يحاول أن يفرض هذا الأمر كواقع حال على حكومة العراق سواء بطريقة الترغيب أو الترهيب أو كليهما, وأن تبريرات المكتب المغالطة حول تصرف ضخامة الرئيس جاءت أشبه بمن " يراهن على الحصان الأعرج" فالنتيجة خائبة ومخيبة للآمال, وهذا عهدنا برئاسة الطالباني سلسلة من الفضائح والمؤامرات والمغالطات والإرهاصات.. والقادم نسأل الله أن يستر شعبنا منه.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت /  02  رجــــب  1429 هـ

***

 الموافق   05  /  تمــوز / 2008 م