الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

قرآن كريم مدرع ضد الرصاص

 

 

 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

 

من البديهي إن موقف الإنسان تجاه الأمور التي تمر كالشريط السينمائي أمامه وسلوكه وتصرفاته إزائها وتفاعله الايجابي أو السلبي معها يعتمد بالدرجة الأساس على محصلته النهائية من المبادئ والتربية الأخلاقية والعقائد الدينية التي تربى عليها علاوة على ثقافته المكتسبة, وهناك بعض المسائل التي تحتل مساحة من فكره وانتباهه أكثر من غيرها بحكم علاقته بها وتأثره بنتائجها وهذه تبقى راسخة في أعماق عقله ولا تغادره حتى إن فتح لها الباب أو طردها فهي تبقى مغتصبة لزاوية في عقله, وهناك مسائل تمر كالسحاب بخفة ونعومة على العقل البشري فلا تترك فيه أثراً يذكر, وربما يمكن تطبيق قانون الجاذبية الاجتماعية على هذا النحو فلكل فعل ردة فعل تعادله بالقوة وتعاكسه في الاتجاه وربما علماء الاجتماع والمختصين يمكن أن يعالجوا الموضوع بدراية أفضل منا, ولكننا لسنا نحاول أن نستعير منهم أدواتهم لتحليل ما نكتب إلا بقدر محدود للغاية لا يشكل عبئا أو منافسة لهم.

الغرض من هذه المقدمة هي التوصل إلى نتيجة وهي هل دائما يكون للفعل ردة بقوته وتعاكسه الاتجاه؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه ليفسر ما قبله وقد يعذرنا القراء بعد أن يعرفوا ما نريد الوصول إليه, من المعروف إن هناك هجمة عالمية ضد الإسلام والمسلمين بدأت ملامحها بشكل واضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001حيث لصقت تهمة الإرهاب بلا حق بالإسلام, وسبق إن قلنا وقال غيرنا بأن ليس للإرهاب شكل أو هيئة أو جنسية ولا لون أو قومية أو دين, ولا يجوز أن تطلق التهم على عواهنها مهما كانت التضحيات والنتائج مروعة, فالحربين الكونيتين شنها العالم المسيحي على المسيحيين والإسلام وبقية الاثنيات تعتبر من أبشع وجوه الإرهاب الدولي بأسبابها ونتائجها, ومع هذا لم يتهم ضحايا هوراشيما ونيكازاكي البوذيين والمسلمين الدين المسيحي بأنه وراء هذا الإرهاب, ولم يحمل المسلمون الدين اليهودي وزر حروب إسرائيل على الحرب, فقد فرقوا بين الدين اليهودي والصهيونية العالمية, ولم يتهم العراقيون المسيحية باحتلال العراق وقتل شعبه ونهب حضارته وتدمير بنيته السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بل الأمريكان كحكومة فقط وليس كشعب أو دين.

ومع كل التسامح الإسلامي الذي ينطلق من مبادئ الدين الحنيف فان هناك إصرارا للهجوم على الإسلام وتحميله وزر المسيئين من أبنائه, فبعد سلسلة من الهجمات على القرآن الكريم والصور المسيئة للرسول الكريم(ص) وتكرارها في عدة دول أوربية بإصرار وتعمد واستفزاز مثير للتقيؤ, كانت ردة الفعل الإسلامي لا تتناسب مطلقاً وحجم هذا العدوان الآثم الذي لا يقل شراسة عن العدوان المسلح, وكانت ردود الفعل الشعبية أشد وأقوى وأمضى من ردود الفعل الرسمية التي كانت ما بين صمت واستحياء, في حين عمدت الكثير من الشعوب الإسلامية بوحي ذاتي بمقاطعة بضائع الدول التي بررت هذه الإساءات تحت غطاء حرية التعبير, والمدهش إن قوانين الدول الأوربية تعاقب المواطن الذي يسيء بضرر مادي أو معنوي كالسب أو الاعتداء على مواطن آخر وتنفذ فيه العقاب لكنها تتسامح مع ضرر وإعتداء يوجه إلى أكثر من مليار ونصف مسلم!
في عراقنا المحتل الذي أمسى بحق بلد العجائب مرت هذه الإساءات بلا ردة فعل رسمية أو دينية رغم شدة الفعل, ففي الوقت الذي خرجت تظاهرات تنديد واستنكار عندما تعرض برنامج للجزيرة لشخص السيد السيستاني, وطالبوا بطرد مكتب الجزيرة من العراق, وندد العديد من النواب ورؤساء الأحزاب بهذه الجريمة حسب تعبيرهم, فانه لم تخرج تظاهرة واحدة عندما تعرض الرسول العربي للأهانة, لقد صمتت الحوزة العلمية وصمت مراجع السنة باستثناء البيانات التي أصدرتها هيئة علماء المسلمين وعدد من المسئولين لا يزيدون عن أصابع اليد, وربما نفهم حياء الحكومة العراقية وصمت "ثوار المنطقة الخضراء" كما سماهم وفيق السامرائي طرطور الطالباني باعتبارهم صنيعة أمريكية لكننا لا نفهم سكوت المراجع الدينية المثير للقرف والاشمئزاز والاستنكار.

بلعنا ريقنا على مضض وقلنا ربما مراجعنا لم يسمعوا بهذا الموضوع فهم منكفئون في قبورهم وهم ما زالوا أحياء بعد! وربما لم يستمعوا إلى وسائل الإعلام , بررنا بسخف أو غض نظر متعمد تقاعسهم ولم نأخذ بجدية الأحاديث الشريفة " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" و " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقاب" ؟ هذا شأننا كعراقيين فحسن الطيبة يغلب على طبعنا دائما وهذا ما يجعل الغير يستسهل خداعنا, سكتنا وفي بعض السكوت مذلة وبررنا وفي بعض التبرير إساءة, وأسئنا وفي بعض الإساءة جريمة, وأي جريمة إنها جريمة بحق الله وليس بحق البشر فيا ويلنا من عذاب الله!

استهان الغير بنا واستهان الاحتلال بنا كشعب وكمسلمين! كيف لا وهو يرى حفنة من الشراذم والطفيليات الطائفية يحرقون المساجد ويدنسون القرآن الكريم ويدوسونه بأقدامهم الشيطانية وينهبون بيوت الله وقد بثت حينها الأفلام والصور في جميع وسائل الإعلام العالمية؟ إن عدم احترامنا لديننا الحنيف جعلهم لا يحترمونه أيضا, وردة فعلنا المخزية تجاه الرسوم المسيئة للرسول! وسكوتنا عن تجاوزاته بقتل المصلين في بيوت الله والتعدي على شرف العراقيات, وتدنيس القرآن في السجون, دفعهم أكثر في غيهم ليتجاوزوا بصورة أجرأ عما قبلها, وهذه المرة ليس على الرسول فحسب بل على القرآن الكريم أقدس كتاب عند المسلمين أنزله الله وحفظه من كيد الأشرار, مجموعة من مرتزقة الاحتلال تتخذ من القرآن الكريم شاخصا لتصوب عليه البنادق! فيتحول أسمى هدف للبشرية والإنسانية إلى هدف للرمي, يا ويلهم من غضب الله ويا ويلنا بسكوتنا من غضب الله, هذه المرة كانت الواقعة مشهودة ولم يتمكن مرتزقة بوش من نكرانها فأهالي الرضوانية التي تمت فيها الواقعة شهود ونسخ القرآن المثقوبة برصاصة الغدر موجودة في مركز الرضوانية ومن الأولى أن ترسل إلى متحف يسمى " متحف الخزي والعار" يضمن كل ما لحقنا على أيدي الاحتلال! لقد اعترف القائد المرتزق الكولونيل بيلي بأنه فتح تحقيقا مع الجنود بسبب سلوكهم الشائن ومن المعروف إن حكومتنا ذات السيادة المطلقة جدا جدا جدا لا يسمح لها أن تشكل تحقيقا بالحادث بسبب الحصانة التي وفرها بول بريمر لقوات الاحتلال ومرتزقته العسكريين والمدنيين حسب القانون 17 لعام 2004 لذلك سوف لا نعتب على حكومة الاحتلال و لا نطعن بموقفها بسبب حصانة العمالة التي تتمتع بها! ومن المعروف أن من لا غيرة له على وطنه من الطبيعي سيفقد غيرته أيضا على دينه!

لكن يا ترى كيف سنبرر موقف مجلس النواب الذي لا يكل ولا يمل من مناقشة رواتب ومخصصات أعضائه, فعلام توقف فمه عن التعليق على الجريمة! من قبل لم نعتب عليهم لأنهم لم يكملوا دينهم ولكن كيف نعذرهم وأمسوا جميعا حجاجا للمرة العاشرة وبنجاح ساحق! وكيف يواجهوا قبر الرسول الكريم في الحجة الحادية عشر لا أتمها لله لهم ! فقد انفردت نائبة( مها الدوري) من التيار الصدري لتندد بشكل شخصي بالعملية الإجرامية وربما ستلام على فعلتها اليتيمة هذه من قبل بقية النواب الحجاج!

المراجع الدينية لا نعاتبهم فهناك رب شديد العقاب سيتولى جرائمهم المتعددة تجاه الدين والمسلمين, وهم أدرى كما يفترض بأهوال الآخرة من غيرهم, ومن المؤسف لم نسمع سوى صوت هيئة علماء المسلمين التي نددت بهذه الجريمة, وهو نفس الموقف الذي اتخذته عند الإساءات السابقة.

الشعب العراقي المبتلى بأمره سكت وربما عن مضض, فهذا الشعب الجريح فقد ثقته برموزه الدينية الذين يراهم أسودا على منابرهم وهم يتلون الخطابات التحريضية وفئران في السراديب عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على سلامة الدين والمسلمين!

وأخيرا ليس بيدنا سوى أن نتذرع لله عز وجل بأن ينتقم من الظالمين وهو السميع المجيب.

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

السبت /  12  جمادي الاول 1429 هـ

***

 الموافق  17  /  أيــــار / 2008 م