الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

حزب البعث العربي الاشتراكي والاسلام السياسي

 

 

شبكة المنصور

فالح حسن شمخي  / مالمو ـ السويد

 

كثرت في الآونة الأخيرة التصريحات المنطلقة من هنا وهناك حول تحول حزب البعث العربي الاشتراكي باتجاه الدين ، تحول ، فهم منه البعض أن الحزب سيكون حزبا (دينيا) أو هكذا ترجم البعض تلك التصريحات أو ربما أراد البعض الإيحاء بذلك ، فقد نقل عن الدكتور النعيمي الذي دافع عن القائد الشهيد انه سمع الشهيد يقول انه كان بصدد (أسلمت البعث) ، وجاءت عبر الانترنيت تسمية تقول (حزب البعث العربي الإسلامي ) ، إن عبارة أسلمت البعث تبدو عبارة غامضة بحاجة إلى تفسير وان إبدال هدف الاشتراكية الذي رفعه البعث كهدف ستراتيجي طوال مسيرته النضالية بعد هدف الوحدة والحرية بالإسلامي من الأمور التي لو حدثت كما يتمنى البعض لكانت من الأمور التي تترك أثرا بالغا على البعث كعقيدة وأيدلوجية ، أي أن دستور البعث ورؤيته إلى مستقبل الأمة العربية سيخضع إلى تغيير شامل ، فلم يعد البعث كالبعث الذي عرفناه ، فإضافة (الإسلامي) على أهداف البعث يعني انه اصبح حزبا دينيا كغيره من الأحزاب الدينية السياسية وبالتالي لابد أن ينحاز إلى اتجاه فقهي معين وبهذا يسقط في ما سقطت به الأحزاب السياسية الإسلامية ( الاحتراب الطائفي) ، فبدل من شعار الوحدة الذي يدعو إلى انصهار الأمة العربية في بودقة واحده ستكون الفرقة والتناحر والدعوة إلى تقسيم القطر الواحد إلى أقاليم وتقسيم المحافظات إلى شرقية وغربية من ابرز النتائج المترتبة على هذا التحول، أما هدف الحرية فسوف يطلق بالثلاث ، وهذا ما أفرزته تجربة الأحزاب السياسية الاسلاموية في العراق المحتل اليوم ، إن تحول الحزب إذا حدث لا سامح الله فانه سيتحول من رقم صعب في المعادلة القومية والقطرية إلى رقم يضاف إلى العديد من الأرقام التي لا تقدم ولا تؤخر ، فحزب البعث العربي الاشتراكي ليس حزبا دينيا لكنه ليس حزبا علمانيا أو كافرا كما يحلو للبعض من الحاقدين والشعوبيين تسميته انه حزب الأيمان ضد الإلحاد ، حزب الرسالة الخالدة وراية الله اكبر.

إن حزب البعث العربي الاشتراكي ومنذ تأسيسه قد استند إلى الفكر الاشتراكي التحرري الديمقراطي فكان حزبا عقائديا، انطلق من الأيمان العميق بالفكرة القومية و القومية العربية ، والحزب في العراق هو أحد فروع الحزب المنتشرة في الوطن العربي ، وان هذا الفرع من الحزب العقائدي الذي قد اتسمت مسيرته عموما بالمبدئية الصارمة في التربية والنضال والتنظيم بحيث تمكن من أن يصبح طليعة ثورية مؤمنة منظمة تنظيما محكما ومتشبعة بالقيم العربية الأصيلة الآمر الذي جعل أعداء العروبة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي يصدرون قرارهم الأول باجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ومغزى هذا القرار هو اجتثاث عروبة العراق ، لقد شكلت أفكار الحزب ومبادئه المادة الأساسية لتربية مناضليه وغرس بذور الروح الجهادية فيهم.

تعامل حزب البعث العربي الاشتراكي مع الدين الإسلامي الحنيف استنادا إلى الأصول والمصادر الأساسية ، وليس من خلال الاجتهادات والأحكام الفرعية اللاحقة وقد قاده هذا التعامل إلى حالة من حالات التوازن الكاملة في فهم الدين عموما ، وعلاقة الإسلام بالعروبة خصوصا ، فالإسلام والعروبة وجهين لحقيقة واحدة ، إن نظرة الحزب إلى الدين هذه تختلف عن التيارات والحركات السياسية الدينية التي أخذت من الفرعيات والمصادر الاجتهادية اللاحقة ، بصرف النظر عن ادعاءاتها ، وما يحدث اليوم في العراق وفي بعض أقطار الوطن العربي الأخرى دليل على قصور هذه الحركات ، فالأخذ بالفرعيات قاد إلي طائفية ومذهبية وفرقة وجمود وانزلاق إلى استغلال الدين في السياسة ، من حيث الاصطفاف النهائي ، بصرف النظر عن المقاصد ، وبكل ما يؤدي أليه ذلك من إساءة إلى الدين وقدسيته والإجماع عليه ، والنيل من تأثيره الإيجابي على الحياة ، فالاصطفاف الطائفي في العراق اليوم يعبر عن الوجه الحقيقي الذي حاولت الأحزاب الاسلاموية إخفاءه.

إن نظرة البعث إلى الإسلام السياسي لم يكن ردة فعل لما يجري اليوم في العراق أو أيام التصدي الشجاع لقيادة البعث لما سمي بتصدير الثورة الإيرانية الذي أراده الخميني ، بل ابعد من ذلك ففي 16 تموز 1954 اصدر حزب البعث العربي الاشتراكي بيان موجه إلى الشيخ (مكي الكتاني) ردا على بيان أصدره متجنيا فيه على الحزب في المعرة السورية اقتطف منه ما يسلط الضوء على موقف الحزب من الإسلام السياسي ، يقول البيان ( فهل تعرف المعرة أيها الأستاذ وتعلم شيئا عن أحوالها الاجتماعية والمعاشية وعن تسخير فلاحيها من قبل ملوك تلك البلدة الإقطاعيين؟ إذن لعرفت إن العداء المستحكم فيها يتعلق بالظلم الاجتماعي والتحكم السياسي ، ولئن كان هنالك من يدافعون عن الدين ، فثق انهم ليسوا أولئك المستثمرين ، بل هم المحرومون والمظلومون من أبناء الشعب ، الفلاحين ، فعند بزوغ فجر الإسلام ، منذ الربعة عشر قرنا ، لم يعتمد رسول الله عليه الصلاة والسلام على أبى جهل وأبى سفيان وتجار قريش واغنيائها وسفهائها ، بل اعتمد على الذين تخلوا عن أموالهم وجاههم وجاهدوا بأنفسهم وحاربوا الطغيان كأبي بكر الصديق وعلي بن أبى طالب رضي الله عنهما وعلى جماهير الفقراء المتألمين ، بلال ، وسلمان و أمثالهما من المؤمنين . ثم ذكرت في بيانك عن حزبنا *انه لم يقصر عمله على السياسة ، و إنما اخذ يحارب الدين ويتبع غير سبيل المؤمنين ، واخذ أنصاره يحاربون الله ورسوله ويعيثون في الأرض فسادا* . فكيف تجيز ، وأنت الذي اخترت لنفسك اسم نائب رئيس رابطة العلماء وتحملت بذلك مسؤولية خطيرة أمام الله وعباده ، لان العلماء ورثة الأنبياء ، فكيف تجيز لنفسك أن تقذف هذا الحزب ورجاله بهذه التهم الطائشة الآثمة ، دون أن تتثبت وتتبين؟ وما هو مقصدك من إشاعة التهم بحق الحزب ؟ فأنت تعرف بأنها تلفق في دوائر الاستخبارات الأجنبية وفي معامل الشركات الرأسمالية وعلى موائد الخمر والميسر ، وفي مكاتب دعاية بعض الأحزاب المأجورة مع العلم إن رجال الدين الصادقين قد أبوا على أنفسهم أن يكونوا أداة للدعايات الاستعمارية الأجنبية.

ثم هل اتصلت بأحد من قادة الحزب وشبابه وأنصاره ، لتستفهم قبل أن تتهم ، وتتبين قبل أن تجزم كما أمر الله تعالى . ولم لم تتصل بهم ، وأنت تعرف إن أكثرهم ينتمون إلى عائلات مسلمة صادقة الأيمان ؟ وهب انه بلغ سمعك وشايات الكاذبين و أخذت بها ، فهل حاولت الدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ، كما نأمر تعاليم الاسلام؟ كلا انك لم تفعل شيئا من هذا بل حملت وزر تكفير المؤمنين ، ومن كفر مؤمن فقد كفر، تعلم إن حزبنا حزب سياسي ، وان له دستورا مكتوبا ومنهاجا سياسيا واضحا . فهل قرأت دستور ه وتتبعت منهاجه ، وهل وجدت فيهما إلا ما يسمو بالنفس ، يدعو إلي مكارم الأخلاق ، وينظم الصفوف ضد الطغيان والاستعباد والاستعمار. ولم لم تفعل ذلك و أخذت بالإشاعات المغرضة التي يروجها الاستعمار وحلفاؤه في الداخل؟

أيها الأستاذ ، ليس للاستعمار بعد الآن من حيلة للتفريق بين الشعب وقادته المؤمنين المخلصين ، غير إيهام الشعب بأن المبادئ التقدمية والعمل القومي الصادق والأيمان بمستقبل الوطن ، أمور تخرج عن الدين ، غير إن الدين في جوهره ليس إلا العمل لزيادة التآخي بين الناس ، وشد عرى التضامن بينهم ، ورفع الحيف عن فقيرهم ، والضرب على يد الظالمين والمستثمرين ، وليس الدين هو الدعوة إلي الفتنة والتحريض على القتل والعمل لتفرقة الصفوف . وأننا لنعلم علم اليقين إن كل دعوة حق تقابلها فتنة باطل ، وان للباطل جولة ثم يضمحل).

إن أي محاولة بسيطة لإسقاط ما في هذا البيان على واقعتا الحالي كفيلة لتبين الحق من الباطل لكل إنسان عاقل حباه الله ببصر و بصيرة ، فكم فرد من الذين سيسوا الدين اليوم يشعر بما يعانيه الشعب الجائع في العراق لاسيما القابعين بالمنطقة الغبراء والذين تزيد مرتباتهم على مرتبات أعضاء الكونجرس الأمريكي ، وكم فتوى طائفية بهدف القتل والدمار يطلقها معمم في مساجد العراق ، وكم هو عدد المعممين وغير المعممين من انساق وراء الدعاية الإمبريالية الأمريكية واتهم حزب البعث العربي الاشتراكي بالكفر وكفره ، وكم من هؤلاء عرف شيء عن دستور البعث ومنهاجه ؟ لا اعتقد إن أحد من هؤلاء يستطيع الإجابة ، فالحقد الأسود يملأ قلوبهم إلى جانب الحقد الشعوبي الذي يكره كل ما هو عربي وبالتالي البعث الذي ينادي بنهوض الأمة العربية من جديد لحمل رسالتها الخالدة الى الإنسانية.

إن حزب البعث العربي الاشتراكي ، هو الحزب الاشتراكي والثوري الوحيد الذي أعطى المسألة الدينية اهتماما بارزا في عقيدته ، وفي سلوكه السياسي والاجتماعي. فموقف البعث قد عبر عنه القائد الشهيد حينما قال ( أننا لسنا حياديين بين الأيمان والإلحاد ، إننا مؤمنون) ، فالحزب يعتبر الإسلام ثورة عظمى في التاريخ الإنساني ، كان للامة العربية الفضل التاريخي في نشرها على البشرية ، وقد دعا الحزب إلى استلهام الرسالة الإسلامية في عملية الانبعاث المعاصر للامة العربية فالمرحوم القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق وتحت عنوان ذكرى الرسول العربي عام 1943 قال: ( إذا كان محمد كل العرب فليكن العرب اليوم محمدا ).

حكم حزب البعث العربي الاشتراكي العراق 35 عام دون مشكلة بينه وبين الدين كما هو حاصل اليوم في ظل الاحتلال والأحزاب الاسلاموية التي تتستر بالدين ، لم يدعو الحزب إلي بناء دولة على الطراز الديني و إنما دعا إلى بناء دولة على أساس الرابطة الوطنية في إطار القطر الواحد وعلى أساس الرابطة القومية في إطار الوطن العربي الكبير ...تستلهم الإسلام كرسالة ...وثورة واعتبر الإسلام جوهرا أساسيا في القومية العربية ، فحزب البعث العربي الاشتراكي لم يأت بعقيدته عبر خليط هجين إن حلول وسط بين الاتجاهات المتناقضة التي تعج بها المنطقة العربية ، و إنما عبر عن موقف قومي عربي أصيل نابع من تراث الأمة القومي والديني ، وتعامل مع إفرازات العصر الحديث في إطار النظرة القومية الشاملة ، فالحزب وعبر مسيرته النضالية التي امتدت ستين عام وقف موقفا صلبا أصيلا متماسكا من كافة القضايا الجوهرية كالقضية الوطنية والقومية ، والدين ، والاشتراكية.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  22  جمادي الاول 1429 هـ

***

 الموافق   27  /  أيــــار / 2008 م