الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

إعلام جورج بوش يقوم بترتيب بيته في العراق على كومة من الرمال المتحركة

 

 

شبكة المنصور

حسن خليل غريب

 

على صعيد السياسة الإعلامية الأميركية في العراق هناك أشياء كثيرة تتعرض لمتغيرات لها دلالات تفيد على صعيد استقراء المرحلة القادمة، ومن أهمها وأكثرها وضوحاً، ما يلي:

- برزت للعملاء المحاصرين في المنطقة الخضراء في بغداد أنياب (الأسود)، والفرسان)، فجأة، وراحوا (يزأرون) من جنوب العراق إلى شماله في وجه المقاومة التي لا تزال تحاصر جحورهم وتمنع عليهم الخروج منها.

- بقدرة ساحر، تتحول الساحة العراقية إلى واحة من الأمن والحرية، دفعت حتى باراك أوباما، المرشح الديموقراطي في أميركا، لكي يبارك هذا التطور.

- وكأن لا هم أمنياً عند حكومة المالكي العميلة، إذ صوَّر الإعلام الأميركي كأن (زئيرها) زلزل الأرض تحت أقدام المقاومين الأبطال، فراحت تتفاوض (وموقع التفاوض لا يشغله إلاَّ سلطة شرعية وقادرة) مع الاحتلال الأميركي لعقد سلة من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والسياسية.

الإعلام الأميركي يخدع الرأي العام باستتباب الأمن في العراق

لقد راح المخدوعون، والمخادعون أيضاً، يتمنون أن يكون لهم (مرقد عنزة في بغداد)، وكأن إعلان جورج بوش، في الأول من أيار من العام 2003، عن نهاية العمليات الحربية، أصبح حقيقة واقعية في هذه المرحلة بالذات.

وعلى طريقة الترويج التجاري للسلعة، تحول العراق، في منظور المخطط الأميركي إلى سوق ينعم بالحرية والأمن. ولم تكن هذه الصورة الوردية إلاَّ من أجل إعادة تسويق إدارة اليمينيين الأميركيين الجدد لنفسها لعرضها من جديد، بحلة جديدة، قبل افتتاح معرض الانتخابات الأميركية القادم.

لقد وعد جورج بوش الشعب الأميركي مخادعاً بأنه (سيهزمهم)، وجاءت هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، ليعلن أنه (هزمهم). فهل فعلاً وفى بوعده؟

وكأن الإعلام الأميركي وضع أعصاب رئيسه في ثلاجة، ليظهره على الطريقة الأميركية بصورة المنتصر، ولكن على أية أسس؟ وما هو الديكور الذي استخدمه في خلفية المسرح؟

من أجل أن تكتمل مسرحية النصر في العراق، هناك شروط وأسس لا يمكن أن يقتنع بها أحد من دون توفرها، وهي سياسة فرض القانون والأمن بعد القضاء على الخارجين عليه من جهة، ووجود السلطة التي يمكنها أن تديمه من جهة أخرى. فكان المشهد يقتضي تصوير المالكي، رئيس الحكومة العميلة، بأنه الموعود المنتظر، فزرعت له إدارة جورج بوش أنياباً حسبت أنها تعادل أنياب الأسد، فصدَّق نفسه، وراح يفعلها. كما صوَّرته بأنه الأسد الحقيقي، الذي سيحكم العراق، ولكن بغطاء جوي أميركي. وتلك خلفية أساسية في المسرح جاءت على مقاييس ما يُعدُّ للاتفاقية العسكرية والأمنية التي يتم التفاوض على نصوصها.

ولأن الإعلام الأميركي، مهَّد لتجميل صورة عميل مخلص، بواسطة الصولات والجولات العسكرية، أظهرته بأنه رجل الدولة الذي سيمسك بأمن العراق، راحت تسوقه كرجل سياسي يصول ويجول على الدول الأجنبية والعربية لتمتين العلاقات معها ليظهر بمظهر السياسي المقتدر الذي سيحكم العراق ويحافظ على مصالح الدول الأخرى.

الإعلام الأميركي يخدع الرأي العام بتراجع عمليات المقاومة

في مقابل توفير الشروط الخادعة للأمن الموهوم في العراق، راح الإعلام الأميركي، ومن تواطأ معه، يظهر وكأن المقاومة العراقية قد تراجعت، وهذا هو مربط الهدف الإعلامي الأميركي، إذ لا يمكن أن يستتب الأمن الموهوم في العراق من دون تصوير المقاومة في موقع الضعف والتراجع. وعن هذا الجانب، مُنعت كل وسائل الإعلام عن نشر خسائر جيش الاحتلال في الأرواح والمعدات من جهة، والتعتيم على العمليات العسكرية للمقاومة من جهة أخرى.

لا بدَّ من الإشارة إلى أن عدد العمليات العسكرية للمقاومة قد انخفض عن المعدلات السابقة، حيث بلغت فيما مضى المائتي عملية يومياً وأكثر، الأمر الذي حفر في ذاكرة الرأي العام أن هناك سقفاً عددياً لا يجوز النزول تحته، فشكل ذلك هاجساً نفسياً يقيس الرأي العام عليه مدى تقدم المقاومة أو تراجعها.

إن عدداً من العوامل أسهم في نزول عمليات المقاومة عن السقف المتعارف عليه، ومن أهمها:

-عامل الإرباك الذي كانت سببه أخطاء بعض فصائل المقاومة، الأمر الذي شكَّل غطاء لما يُسمون (قوات الصحوة) بالتعاون مع قوات الاحتلال.

-والعامل الثاني، كثافة الحملات العسكرية المضادة التي شاركت فيها قوات الاحتلال مدعومة بالجيش العميل وقوات الصحوة المضلَّلة.

أما العامل الأول، فقد عالجته قيادة المقاومة بجدية وحزم، وكانت من نتائجه إعلان جبهة توحَّدت تحت (قيادة الجهاد والتحرير)، وبهذا الإجراء تخلصت المقاومة من عوامل أرباكها الداخلية، واستعادت التفاف الشعب العراقي من حولها.

أما العامل الثاني، فيعود إلى تقنين منسوب الاندفاع عند المقاتلين وحماسهم، والابتعاد عن أسلوب حرب المواقع، والعودة إلى أسلوب حرب العصابات، بمعنى انكفاء المقاتل العصابي إذا هجم العدو، وملاحقته عندما ينكفئ.

وبإعادة تنظيم جهد المقاومة، خُيِّل للكثيرين، حتى للرأي العام الأميركي، أن هجمات المالكي وصولاته، والتعتيم على عمليات المقاومة، وتجهيل عدد خسائر قوات الاحتلال، أن الوضع الأمني في العراق قد شهد تحسناً ملحوظاً خدع باراك أوباما فيمن خدع.

على وقع المخادعة والتجهيل تسرع إدارة بوش في عقد معاهدات وعقود

وللمزيد من إغراق نفسها بالأوهام، عكفت إدارة بوش على تمرير عدد من الاتفاقيات المشبوهة، ومن أهمها: اتفاقية النفط، والاتفاقية الزراعية، ومذكرة التفاهم مع حكومة العملاء، وأخيراً الاتفاقية الأمنية والعسكرية التي يجري تداولها على نار حامية حددت الإدارة موعداً أخيراً لتوقيعها في نهاية شهر تموز القادم.

يأتي إلحاح الإدارة الأميركية على توقيع تلك الاتفاقيات، وهي تتابع فرضها بصبر وطول نفس أمام مؤسسات سياسية عراقية عميلة غير معترف بها، وفي منظورها أنها تضع أي نظام سيأتي بعد الانسحاب الأميركي المؤكد أمام أمر واقع، تتوهم أنها اتفاقيات ملزمة على النظام القادم أن يطبقها، كما حصل باتفاقية الاستيلاء على جزيرة غواتنامو مع كوبا، وكما حصل مع اليابان وكوريا أيضاً.

ولأن مضامين تلك الاتفاقيات ونصوصها وخطورة أهدافها قد تمت معالجتها بنوع من التفصيل، نوجِّه الأنظار إلى أن الاتفاقيات التي وقعتها الإدارة الأميركية مع نفسها، باعتبار حكومة المالكي ومجلس النواب العراقي هم من إنتاج الاحتلال ذاته. ولأن الاحتلال كما أثبتت الكثير من الدراسات غير شرعي، فالمؤسسات التي أسسها هي غير شرعية أيضاً، وكل توقيع لها على أي اتفاق يعتبر غير شرعي أيضاً.

صورة الاحتلال الوردية خبطة إعلامية فيها الكثير من الكذب والخداع

على صعيد التحسن الأمني المزعوم: وإذا صحَّ القول (من فم الكذاب أدينه)، ولأن إدارة جورج بوش أدينت بالكذب والغش والخداع، وبالعودة إلى تهديم إدارة بوش من داخلها بخروج العشرات من أهم أركانها سياسيين وعسكريين ومفكرين، ولأن الزمن لم يمح ما حصل من الذاكرة، نعتبر أن مخطط احتلال العراق قد سقط نهائياً، ولن تنفع معه كل وسائل التجميل.

فالأمن في العراق، بكل أنواعه وأشكاله قد سقط: الأمن على الحياة، والأمن على الخدمات، والأمن الغذائي والصحي والتعليمي، والأمن الاقتصادي والسياسي، أصبحت كلها تشكل إدانات واضحة تقوم كل مؤسسات الضمير على المستويين العربي والعالمي بإعداد ملفاتها لإحالة كل المجرمين المسؤولين عنها إلى المحاكم الجنائية الدولية.

أما الزعم بأن الجولات والصولات: من البصرة إلى بغداد إلى نينوى والموصل ثم العودة إلى العمارة، بأنها أعادت الأمن الفالت إلى قماقم الاحتلال وعملائه، فهي ليست إلاَّ فصولاً في مسرحية يجمِّل الاحتلال في ديكورها. وإنها باستثناء الصولة الفاشلة على الموصل، كانت الجولات الأخرى تدور رحاها بين العملاء أنفسهم لتقاسم مناطق نفوذ السرقة والنهب والتهريب والاستبداد والتفرد في حكم رقاب العباد.

أما ما جنته قوات الاحتلال من تلك الصولات أن جنودها كانوا محميين بأرواح عملائهم، ودفعهم إلى المواجهة المباشرة تساعدهم طائرات الأباتشي من الجو. وهي تجربة تمهيدية لإخراج الطريقة التي تحسب فيها إدارة جورج بوش أنها يمكنها من حماية جنودها في قواعد عسكرية بعيدة عن السكان، وتحويل الصراع في العراق إلى مواجهات داخلية يضعون فيها العراقيين من العملاء في مواجهة المقاومين، فيصبح العراقي في مواجهة العراقي، ويتحول الشعب العراقي إلى وقود يحرق بعضه البعض الآخر. إن مثل هذه الاستراتيجية تخفف من عدد نعوش الجنود الأميركيين التي تصل إلى المقابر الأميركية. ومن عدد المقعدين والمهووسين إلى بيوتهم العائلية.

تلك هي الأهداف من وراء عقد الاتفاقية الأمنية والعسكرية، وهي التجربة الأخيرة التي تفتقت عنها عبقرية عسكريي إدارة جورج بوش، فهل ستنجح وستحقق أغراضها؟

ليست المقاومة العراقية غائبة عن تلك الأهداف، فهي تدركها، وتعي خطورتها، ولهذا السبب تتعرض القواعد العسكرية الأميركية إلى قصف دائم، كوسيلة طوَّرتها المقاومة لمنع الجنود الأميركيين بالنجاة بأرواحهم. كما طوَّرت سلاحاً جديداً لصيد طائرات الأباتشي. وبمثل هذا التطوير تكون المقاومة قد وضعت في حساباتها إفشال الاستراتيجية العسكرية الأميركية الجديدة، فهي ستلاحق جنود الاحتلال في بروجهم المشيدة على الأرض والطائرة في السماء.

على صعيد الاتفاقيات الاستراتيجية: ولكي تحصن إدارة جورج بوش نفسها من تبعات الفشل الذريع في العراق، أوهمت الرأي العام الأميركي بأن حصادها كان وفيراً على الصعيد السياسي عندما عيَّنت على رأس العراق إدارة سياسية، راحت تصورها على أنها قادرة على استلام الأمن، والنجاح بالإمساك به، لكي تجد ذريعة في الهروب إلى حصون بعيدة عن أتون الموت ومطاحنه. ولأن الرأس السياسي العميل، كما تزعم، أصبح قادراً على استلام الملف الأمني، يصبح في وسع قوات الاحتلال أن تبتعد عنه مباشرة، والهروب إلى قواعد عسكرية نائية، على أن يتم دعم الحكومة العميلة كلما احتاج الأمر ذلك.

إن إدارة جورج بوش تحصد الآن، نتيجة مزاعمها وأوهامها، نجاحاً سياسياً، تعمل على استغلاله من أجل عقد اتفاقية أمنية تشرع بقاء قوات الاحتلال لعشرات السنين. وإذا ما حافظت على دماء جنودها وأرواحهم، داخل تلك القواعد، فإنها تزيل الذرائع وتنتزعها من الشارع الأميركي، الذي يريد الاستيلاء على العراق لكن من دون التضحية بنقطة دم من دماء أبنائهم.

وفي المقابل تعي المقاومة أن من فجَّر الشارع الأميركي ودفعه إلى الوقوف في مواجهة إدارة بوش، والضغط عليها للانسحاب من العراق، كانت أرواح أبنائه ودمائهم من جهة، وصرف مئات المليارات من جيب المكلف الأميركي من جهة أخرى.

ويظهر من أكثر من مصدر وتأكيد من أكثر الفصائل المقاومة، أنها لن تفسح لأي أميركي مفراً من الموت طالما بقي على أرض العراق، كما لن تدع لشركات البترول الأميركية مهرباً تستطيع فيه سرقة نفط العراق كيفما تشاء.

من مارس الخداع والكذب سابقاً سيظل مكشوفاً لاحقاً

والكذب والخداع لن يبطئ مرحلة هروب الاحتلال من العراق

ولكي لا تنام إدارة جورج بوش على حرير أكاذيبها، وكي لا ينخدع الصادقون بوهج الصورة الوردية التي يظهرها الإعلام الأميركي، والإعلام المتواطئ معه، تؤكد كل التقارير والوقائع أن صولات وجولات فرسان المالكي محمية من جنود الاحتلال الأميركي وحلفائه من عملاء إيران، أنها ليست إلاَّ جولات عسكرية استعراضية ذات أغراض نفسية لتدب الرعب والصدمة والترويع في نفوس العراقيين تجعلهم يبتعدون عن تأييد المقاومة ورفدها بمقومات استمرارها وإدامتها.

أما الدليل على ذلك فهو أن أداء المقاومة، وإن قلَّ عدد عملياتها العسكرية، فإن مستواها العددي في هذه المرحلة لا يزال يحتل مكانة متميزة في إلحاق الخسائر البشرية والمادية بين جنود الاحتلال وآلياته. وكل من يتابع البيانات التي تصدر عن شتى الفصائل ستتضح الصورة الحقيقية أمام ناظريه. فليطمئن الصادقون على أن المقاومة التي وضعت العدو على حافة الهزيمة أنها ماضية، ليس في وضعه أمام مآزق تقليدية فحسب، وإنما تعد نفسها لإلحاق ضربة نوعية وكبيرة في الوقت الذي تحدده أيضاً.

لقد ألمحت بيانات عسكرية صادرة عن قيادات عسكرية للمقاومة، كما أشار إليها الرفيق عزة ابراهيم، الأمين العام للحزب، في آخر مقابلة صحفية له، إلى أن الإعداد للمعركة النوعية الأخيرة، حينما تحين ساعة الصفر، يجري على قدم وساق، ولعلَّها ستكون شبيهة بالمعركة التي خاضها الفيتناميون والتي أرغموا فيها القوات الأميركية إلى التزاحم من أجل الهروب الكبير من على سطح السفارة الأميركية في سايغون.

فهل سيتكرر مشهد الهروب من على سطوح السفارة الأميركية المعزولة في المنطقة الخضراء في بغداد؟

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الجمعة /  16  جمادي الاخر 1429 هـ

***

 الموافق   20  /  حزيران / 2008 م