الرئيسية

من نحن

للاتصال بنا

إبحث في شبكة المنصور

 

 

 

 

 

مافيا تكساس

 

 

شبكة المنصور

جهاد الخازن / الحياة

 

عندما ترك سكوت ماكلينان إدارة بوش بعد ثلاث سنوات من العمل ناطقاً باسم البيت الأبيض، قال له جورج بوش ان الوقت سيجيء عندما يجلسان معاً على كرسي هزاز في تكساس ويتذكران الأيام الطيبة السابقة

هذا لن يحدث بعد أن صدر لماكلينان كتاب عن سنوات عمله مع بوش محافظاً لتكساس ورئيساً فضح فيه الإدارة من الداخل في تعاملها مع كل قضية، من الحرب في العراق الى المشاكل الأميركية الداخلية.

الكتاب «ماذا حدث: داخل البيت الأبيض وثقافة الخداع في واشنطن" لم يقل شيئاً لا نعرفه عن الإدارة وتطرفها وعصابة الحرب. وأهميته الوحيدة في نظري أن مؤلفه شاهد تقبل أي محكمة شهادته لإدانة إدارة بوش بارتكاب جرائم حرب، مع أن ماكلينان نفسه لا يقول هذا، وإنما يحاول أن يجد بعض الأعذار لبوش، ويمدحه أحياناً كرجل ذكي خفيف الدم، والأرجح أنه يفعل هذا لتخفيف ردود الفعل عليه، فهو من "مافيا تكساس" حول بوش لذلك اعتبر الأعضاء الآخرون كتابه خيانة.

ماكلينان يقول إن إدارة بوش استعملت أساليب بروباغاندا والخداع والتحايل السياسي، وكانت الميديا متواطئة متعاونة، وحكمه هو أن «التاريخ سيؤكد على ما يبدو أن قرار غزو العراق كان خطأ استراتيجياً كبيراً. لا أحد، بمن فيهم أنا، يعرف يقيناً كيف سينظر الى الحرب بعد عقود. ما أعرف هو أن الحرب تشن إذا كانت ضرورية، وحرب العراق لم تكن ضرورية".

إذا لم تكن ضرورية فهي أدت الى موت مئات ألوف العراقيين، وكل المصائب الأخرى التي يعرفها القارئ مثلي فلا نحتاج الى تسجيلها كل يوم. ولكن أقول إن الذين ارتكبوا جريمة الحرب يجب أن يحاسبوا، والمرجع الصالح هو محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي، فيمثُل أمامها جورج بوش وديك تشيني وبول وولفوفيتز ودوغلاس فايث وبقية العصابة المعروفة، وهم إذا فعلوا فسأقبل قرار المحكمة إدانةً أو تبرئةً. وأرجو من القارئ ألا ينظر الى كلامي كتطرّف من كاتب عربي أو تخريف لأن تهمة «مجرم حرب" تتردد يومياً من ألف مصدر غربي.

هم لن يمثلوا أمام المحكمة لأن الإدانة ستشمل الكونغرس الذي صوّت للحرب، وكان بين المؤيدين هيلاري كلينتون وجون ماكين (باراك أوباما لم يكن دخل مجلس الشيوخ بعد)، وهي ستشمل كذلك الصحافة المطيعة المطواعة التي انتصرت في فضيحة ووترغيت وقبلها حرب فيتنام وانهزمت أخلاقياً مع الإدارة في العراق.

يساورني شك قديم مقيم هو أن إدارة بوش تجرأت على العراق، وأن الصحافة الأميركية مشت معها، لأن الهدف كان عرباً ومسلمين، والمستفيد الأول هو إسرائيل التي دُمر في سبيل أمنها بلد كبير على رأس أهله..

فضيحة ووترغيت لم تكن أكثر من سرقة أوراق من مكتب للحزب الديموقراطي في المجمّع المعروف على ضفة نهر يوتوماك خلال حملة انتخابات 1972. ولم تكن لريتشارد نيكسون شخصياً علاقة بالجنحة الأصلية، إلا أنه كذب للتغطية على رجاله، فكان أن اضطر الى الاستقالة قبل أن يعزله الكونغرس، وبيل كلينتون أقام علاقة جنسية مع متدربة في البيت الأبيض، وكذّب أمام التلفزيون بإنكار أنه أقام علاقة جنسية مع مونيكا لوينسكي، وحاكمه الكونغرس وكاد يعزله مع أن الكونغرس هذا له فضيحة جنسية سنة بعد سنة، وعندما كنت مقيماً في واشنطن في الثمانينات انفجرت فضيحة عن أعضاء فيه مارسوا الجنس مع أولاد متدربين في مبنى الكابيتول.

أعرف انني إنسان متخلف من العالم الثالث، وأعرف أن أميركا ديموقراطية عظيمة ورائدة في حقوق الإنسان، وأعتذر عن جهلي بأصول الديموقراطية الغائبة عن بلادي، وعن جرأتي وقلة أدبي ثم أسأل مَن أهم: الكذب عن سرقة، أو ممارسة جنس بالتراضي، أو قتل مليون إنسان وتشريد خمسة ملايين آخرين وإصابة ثلاثة ملايين، بينهم مليون معوق، وزيادة الإرهاب حول العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط بحجة محاربته؟

أكتب واثقاً من أن جورج بوش وديك تشيني لن يحاكما بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو إبادة جنس لألف سبب وسبب، إلا أن أهمها ثلاثة أرجو أن يحفظها القارئ العربي، الأول أن الكونغرس المؤيد لإسرائيل كان متواطئاً، والثاني أن الصحافة الأميركية التي تستطيع قيادة الحملة لإيجاد رأي عام يطالب بالمحاكمة تخاذلت حتى التواطؤ، والثالث لأن الضحايا في النهاية كانوا عرباً ومسلمين، وأنا أكرر هذه النقطة الأخيرة دائماً لترسخ في ذهن القارئ..

عصابة الإدارة حملت على ماكلينان، واتهمته بأنه يحاول الترويج لنفسه وأنه طعن بوش في الظهر، وتساءلت عن سر توقيت نشر الكتاب وإنكار صاحبه دوره في ترويج بروباغاندا الإدارة. وربما كان كل هذا صحيحاً، إلا أن المنتقدين لم ينفوا شيئاً من المعلومات التي نعرفها أصلاً. والكونغرس قبل يومين اتهم الإدارة رسمياً بتضخيم المعلومات عن العراق. بل إن الكونغرس استخدم معلومات في الكتاب لطلب تحقيق جديد مع جورج بوش ونائبه ديك تشيني حول فضيحة كشف اسم عميلة الاستخبارات فاليري بلام.

قبل هذا الكتاب الأخير صدرت كتب عدة من الداخل، كما فعل ريتشارد كلارك، مستشار مكافحة الإرهاب السابق، وبول أونيل، وزير الخزانة السابق. وإذا ألّف الأميرال وليام فالون كتاباً عن تجربته العسكرية على امتداد 40 سنة، خصوصاً في القيادة المركزية، فسيكون حتماً من نوع ما سبق. ويبقى أن تأخذ العدالة مجراها.

 

 

 

كيفية طباعة المقال

 

شبكة المنصور

الاثنين /  05  جمادي الاخر 1429 هـ

***

 الموافق   09  /  حزيران / 2008 م